سامراء موطن المحبة والألفة والأخوة والضيافة والكرم العربي الأصيل, والمروءة والنخوة والتكاتف والتضامن والصفاء والنقاء والضحكات المتهدجة في شوارعها المنيرة بالآمال والطموحات. وحاضنة الشباب العازم والجيل المقدام المتوثب الهمام, الطامح إلى العطاء العميم والخير الوفير والفعل النبيل والرمز الصالح الجليل.

 مدينة المعتصم وينبوع الرد على صرخة "وامعتصماه" إذ هبت منها نخوة الغيرة العربية لتستعيد الكرامة المسلوبة والبلاد المنهوبة, وتضع على رؤوس المنكوبين تاج الحرية والعزة والأمان والفخر بالعروبة والدين. وموقد القوة والهيبة والكرامة والكبرياء وراية المقدرة والتوحد الإنساني والفكري والروحي, وسبيكة التنوعات والتطلعات العربية الإسلامية. فيها الجامع الكبير والحضرة الهادية والعسكرية, التي تتشامخ قبابها وتصدح مآذنها مخاطبة شمس الدنيا بأشعتها الذهبية, بقوة الإرادة  وعزيمة النهر العظيم والتاريخ المهاب في أرجائها, لتعلن أن دورها الإنساني الحي في ضمير الزمن الخلاق.

وحاضنة المئذنة الملوية التي كان فرس النقاء والعز والكبرياء يتسلق أكتافها حاملا المؤذن إلى قمتها, فيتوجه إلى بيت الله ليؤذن خمسة مرات باليوم, في فضاء الكون المطلق فتستعذبه الخلائق والأطيار. هذه المئذنة العملاقة تريد أن تطير بالمؤمنين إلى قلب السماء وقرب رب عرشٍ عظيم, كأنها إعصار الروح المتشوق للإقلاع إلى حيث موطنها وجوهر الوجود الكبير.

مدينة المشايخ والطرائق والمدارس والأفكار والولائم والمواليد النبوية والدرباشة والدروشة والعمائم الخضراء والسادة الأجلاّء, ومسكن الرحمة وبستان المحبة والشفقة والوئام. و مدينة الأفذاذ والنوابغ والعقول التي رفدت الوطن بالفكر والعلم والإبداع , وساهمت في صناعة الوجود العراقي وتركت لمساتها في مسيرته الطويلة على مدى الأزمان. وصاحبة الأعمدة السبعة: عباس, نيسان, رحمان, أسود, بدري, دراج وعيسى. التي ترفع راياتها وتصنع حياتها وتملأها بالقوة والفعل الأصيل. وتبني  خيمة مسيرتها وقبة رفعتها , فيتلاحم البشر من حولها كأنهم رجل واحد, أمام كيد الكائدين ومكر الماكرين وخطر الحائرين الواهمين بأنها سهل أمين لعبث العابثين.

سامراء تصدح في أجوائها حناجر قرائها وتغرد بأعذب ألحان التجويد وأعظم قدرات التعبير عن القول العربي الأصيل, وكأنها تفصح عن لسان العرب في لغتها الغنية بالإرث الحضاري البليغ, فلغة العرب فيها قد عبّرت عن منطقهم أجمعين, فلا توجد مفردة في لغة أهلها إلا ولها أصل واضح في معاجم اللغة العربية الكبرى, لأنها كانت منبعا للبلاغة ومنهلا للعربية وموطنا لجهابذة الفكر واللسان والمنطق والبيان.

مدينة العشق والعاشقين بقصرها المعشوق, ومضيف القلوب المتيمة بالجمال والحُسن والأمل, وعندها الماء والخضراء والوجه المشرق المليح الحسن. تتماوج فيها الأفكار والأشعار والمشاعر والعواطف الغنّاء, وتتسامر على ضفاف دجلتها الخوافق المُحبة الوالهة العاشقة للبناء والسناء. وكان فيها أبو تمام والبحتري والبركة الحسناء التي تغنى بها الشعراء وترقرقت بها مياه الدجلة ورددت أعذب الألحان, وتفجر حسن الجواري في أحضانها وكل واحدة منهن كانت تميس بالحب والأمان على أنغام خرير المياه والغرام.

وهي موطن القطا والحبارى وطيور الماء والغزلان والسمك الشبوط والبني, والأبقار والأغنام والماعز والحمام بأنواعه الزاجل والمسكي والرمادي والحقي والفضي والزنكي وغيرها من أجمل أنواع الحمام, تحلق في سمائها وتتلاعب في فضائها وتتباهى بيوتها بالحمام القلاب, وبالبلابل وأطيار الحب والببغاوات, وبما يجلب المحبة والسرور إلى القلوب, ويبعث الرجاء والطمأنينة في النفوس المتشوفة إلى أفضل الأحوال وأطيب الآمال. ومدينة المياه الرقراقة والأمواج المتهادية والمزارع الخضراء, وموئل الرقي والبطيخ والطماطم وألذ الخضر والأثمار ومطعمة الجنان بالحسن والجمال.

سامراء المزدحمة بالمقاهي الشعبية  الغنية بالشاي أبو الهيل وحكايات أبنائها الثرية بمفردات الثقافة وقوة المعرفة وعمقها وشمولها, حيث يجتمع الناس في مساءاتها الناعسة يتجاذبون أطراف الأحاديث الطيبة التي تملأ القلوب بالأمان والتفاعل الفياض مع التراث والعلوم. ومدينة الأفران الفواحة برائحة الخبز والصمون  والكعك والبقصم والشكرلمة والجرك والمعجنات اللذيذة الأخرى. مدينة المطاعم الشهية بالكباب والمشوي والقيمر والكاهي والزلابية والبقلاوة المنتشرة في شوارعها أيام رمضان, وفيها تحقق الأعياد ذروة بهجتها بالملابس الجديدة والأفراح والضحكات العذبة النقية وبكليجة العيد المحشاة بالتمر الخستاوي, أيام كان العيد عيد.

سامراء درة تاريخية وتحفة أثرية وعسجد البشرية وتاج الإنسانية الذي تتلألأ جواهره في ظلمات الزمن الملثم بالخيبات والمعفر بالطعنات والملمات, لأنها تشع بنورها وتسطع بدورها وتتباهى برفعتها وقدرتها على التجدد والتطلع والعلاء.

سامراء جوهرة العراق وصوته الصداح في الآفاق وموطن مآثره وفخره وعزته وكبريائه وقاعدة انطلاق عزمه ومقدرته. وهي رمز يختصر أبهى لحظات تاريخه وأصدق أفعال إرادته وأجمل ما فيه من مكنونات الخلق والعطاء والأصيل, الذي صنع القوة والقدرة وشيد معالم الرفعة والسطوع والنبوغ الحضاري الخالد في الأرض. ومركز الحياة والبناء, والتأريخ والروح والإيمان, والعزة والتلاحم المتين.

اليوم تريد أن تعيد قبتها وتبنيها أجمل مما كانت وتشارك بعرق أبنائها وجهدهم في إقامتها, مثلما فعلت أيام عزم بني الحمدان على تشييدها. فالقبة  قلبها النابض بالضوء والمحبة والهيبة والجلال  والإصرار على التحدي والوجود الأقوى, تريدها  أن تعود. فهيا إلى بنائها وبعدا لكل كسول عنيد, وللضباع والبؤس واليأس والخوف والتردد والضلال, وللتفرقة والمتاجرة بالدين. فسامراء رمز الوحدة الوطنية والقوة والتلاحم والتفاعل الإيجابي العربي الإسلامي لأعمدة خيمة الدين الكبرى. وقلبها  قلب العراق الذي هو قلب الدنيا, فهل تجرؤ البشرية على طعن قلبها. وهل يقسو المخلوق على أصل نبضه ودفق روحه وكيانه.

فحي على البناء وألف لاءٍ ولاء للخراب والجهل والغباء...!

 ------------------------------------------------

*المقالة مستوحاة من أحاديث مع الأخوة السامرائيين

  العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com