المثقف .. والوطن ..والسلطة ..!!
 

 

هادي فريد التكريتي/عضو

 اتحاد الكتاب العراقيين في السويد

لست بصدد تعريف أو إيجاد تعريف للمثقف، بقدر تبيان ما له، من أهمية ودور يلعبه في حياة المجتمع، فهو الدليل والهادي لبناء غد أفضل للمجتمع، على كافة الصعد، ولا يتقدم عليه في أهميته الفكرية والعلمية أي شخص آخر مهما علت منزلته السياسية، أو الاجتماعية . فالمثقفون، وعلى اختلاف درجاتهم ومستوياتهم، هم حجر الزاوية في بناء المجتمع، تطويره وتقدمه وازدهاره، ومجتمعنا العراقي اليوم، بأمس الحاجة لهم لإعادة بنائه، وكافة مؤسسات الدولة، الذي خربته الفاشية ونظامها البعثي قبلا، ولاحقا أكملت خرابه، قوات الاحتلال وقوى حكم المحاصصة الدينية / الطائفية والقومية / العنصرية، ولكن أي نوع من هؤلاء المثقفين، العراق بحاجة لهم ..؟

في كل وقت وزمان، هناك مثقفون، برسم الإيجار وتحت الطلب، ولمن يدفع أكثر، وفي العراق من هؤلاء تواجد الكثيرون منهم، في الماضي والحاضر،وأطلق عليهم اسم "مثقفي السلطة "،لأن ما يهمهم هو بقاء الحاكم في سلطته، أطول فترة ممكنة، باذلين الجهد على ترسيخ نظامه بشتى الوسائل والأساليب المتاحة لهم، تحقيقا لطموحاته الشخصية، المتناقضة في أغلب الأحيان، مع تطلعات وأهداف الشعب، فهم غير معنيين بمصلحة الشعب ولا حرية الوطن، بقدر ما يعنيهم نفوذ زائف، متساوقا مع توجهات الحاكم ونظام حكمه، يحققون من ورائه كسبا ماديا، وعيشا رغيدا، على حساب لقمة عيش المواطن وحريته ..

الشعب العراقي، يعيش في وطن محتل، متعدد القوميات والأديان والطوائف، فهو، يحتاج إلى مثقفين وطنيين وأحرار، يكرهون الاحتلال ويحاربونه، وينبذون الطائفية والعنصرية، بعيدين عن السلطة وتأثيرها، يتمتعون بحرية الفكر والتفكير، والقدرة على المعالجة، لا رقيب عليهم سوى ضمائرهم ووطنيتهم، ولا خوف عليهم من مساءلة حاكم أو رقيب، فيما يطرحون من معالجات جادة وصائبة، لأوضاع البلد السائدة،أمنية، سياسية، اقتصادية، اجتماعية، وغيرها من المشاكل، التي تتطلب حلولا عاجلة ومؤثرة في نتائجها على حياة الشعب، ووحدة أراضيه، كما تتطلب جرأة في النقد الصريح للفاسد، بغية علاجه، بغض النظر عمن تسبب بهذا الفساد..

البعض من المثقفين العراقيين،وخصوصا مِمَنْ كانوا مِنْ ذوي أصول فكرية ماركسية وشيوعية، انقلبوا على أفكارهم وعقائدهم، لـ " صحوة فكرية " ( لوثة فكرية ) أصابتهم باتجاهات بائسة، طائفية وعنصرية محضة، فما عاد يعجبهم النقد الذي يوجهه بعض الكتاب والمثقفين، من وطنيين وديموقراطيين وتقدميين، في الوقت الحاضر، لقوات الاحتلال " المتعددة الجنسية " ولسلطة المحاصصة الطائفية والعنصرية، الشريك الفعلي، لقوات الاحتلال، لما أحدثته طرق ووسائل حكمهم الفاشلة، من خراب ودمار في البلد، وطيلة خمسة أعوام من حكمهم، والمواطن العراقي، يئن من ثقل البلوى التي فرضها هذا الحكم، عن طريق ميليشياته المتعددة الأسماء والانتماءات، والتي عاثت فسادا في كل شبر من الوطن، أبسطها التهجير وقتل الأبرياء،رجالا" ونساء"، انشغلت عنهم كل الحكومة ووزرائها، والمجلس النيابي، وهيئاته، بنهب ثروات لبلد، وتقاسم مغانم الحكم، دون حسيب أو رقيب، مع تعطيل شبه كامل لعمل مؤسسات الدولة ..من يتحمل مسؤولية هذا الواقع العراقي المزري، والخراب الذي شمل كل بيت وحارة، ومن هو المسؤول عن معالجة هذا الهشيم الذي لم يبقِِ زاوية في هذا الوطن إلا وطالها اللهب، منذ أن دخل الاحتلال وحلفاؤه، الذين تقاسموا أدوار الخراب لوطنهم ؟

مثقفو السلطة، من المرتدين عن هويتهم الوطنية، إلى طوائفهم وعنصريتهم، يستغلون اسم شهاداتهم الطويل، وسمعة الدولة التي منحتهم إياها، للتضليل والخداع، لأنهم ارتدوا عن أفكار ومبادئ الحزب الشيوعي، التي اعتنقوها، يوما ما، واليوم أصبحوا دعاة طائفية قذرة، وعنصرية حاقدة، موظفين قدراتهم العلمية والفكرية، للدفاع عن نهج حكم لتحالفات فشلت، حتى اللحظة، في تحقيق الأمن ولقمة العيش للمواطن،ويحاولون كم الأفواه ولجم الأقلام، عن أية إشارة نقد لفشل السلطة في تنفيذ برنامجها المعلن، بتحجيم نفوذ المليشيات، وسحب أسلحتها، وتدخلها غير المشروع، في مؤسسات الدولة، وهم أيضا يحاولون إخفاء النتائج السلبية لممارسات قوات الاحتلال، ودورها في تخريب الوطن، ببناء ميليشيات جديدة، تأتمر بإمرة مخابراته، لتنفيذ مخططاتها الإجرامية، في حالة عدم تحقيق أهدافه كاملة، عندما تبدأ المفاوضات الثنائية لعقد اتفاقات طويلة الأمد، يُعَيُرنا هؤلاء المثقفين، بنكران جميل هذا المحتل، وحلفائه في الحكم،لأنهم كما يقولون، هم من أنقذوا العراق وشعبه، من حكم فاشي بغيض، ولولاهم لما تحققت " الديموقراطية " ولا " الحرية " للشعب العراقي، ديموقراطية القتل والتفجير، وحرية النهب لثروات وتراث الوطن، ..الوطنيون العراقيون، وكل الشعب العراقي، يعترف بأن أمريكا وجيشها، هي من أسقطت النظام، والحلفاء لها، هم القابضون على الحكم القائم منذ العام 2003، وكل من إدارة الاحتلال، والقوى العراقية المتعاونة معهم، ساهمت في التدمير والخراب والحسم لأموال الدولة ونهبها،أموالا وأسلحة ومكائن ثقيلة، وأحدثت خرابا للقصور والمتاحف، فلم يبق للعراق لا مال ولا ثروات ولا تراث، والأهم من كل هذا، التدمير الذي لحق بنفسية المواطن، جراء إشعال نيران الطائفية والعنصرية، بين مكونات الشعب، وتأجيج لهبها ..كل هذه حقائق لا يمكن إنكارها، ومن الضروري الإقرار والاعتراف بها من قبل الجميع،والحديث عنها علانية، أيضا من قبل مثقفي السلطة، فالقوى العراقية، من العرب والكورد، قوميين وعنصريين، والأحزاب والقوى الإسلامية الطائفية، التي تعاونت مع المحتل، الكل يتحمل مسؤولية ما جرى ويجري في العراق، بغض النظر عن تسمية للحكومات، والمراحل التي شكلت فيها، وللتذكير فإن سقوط بغداد على يد المغول، لا زال يدمغ العلقمي وحاشيته بالخيانة، والتواطؤ مع التتار، ولم تُبِرئ ساحته، أو تخليه من المسؤولية، وجود حاكم غاشم،مثل المستنصر الخليفة العباسي، ضعيف وسيئ الخُلق، ما كان يهمه من أمر السلطة سوى جمع ألوان الذهب، وهذا ما أودى بدولته للسقوط، يشاركه بهذا الولع وهذا المصير، رئيس النظام الفاشي صدام حسين، فبناء القصور، وتزيينها بالذهب، وكتابة اسمه عليها، تدلل على عنجهية مبتذلة وسوء خلق، ونرجسية تافهة، محاطا بمداحين، من " مثقفي السلطة "، اكتشفت فيه داء العظمة، فغذت فيه شهوة الحكم والخلود، وهذا مالا نريده أن يتكرر أيضا، في عراق اليوم، لامن قبل الحاكم،أيا كان، ولا نحبذه عند المثقفين حوله ..

ما يحتاجه العراق اليوم، مثقفين وطنيين أحرار يشكلون "السلطة الرابعة"، يتمتعون بحرية التعبير المطلق، لإيجاد حلول على أسس وطنية، لمشاكل المجتمع، الطائفية والعنصرية، والكشف عن الفساد والمفسدين، وسارقي الثروات، في أجهزة الدولة، ومعالجة ملفاتهم، ومراقبة كل سلطات الحكم ومؤسساته، وعلاقتها الحالية والمستقبلية مع الإدارة الأمريكية، وقواتها المتواجدة على أرض الوطن العراقي ..

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com