زار مقر الحزب في بابل وفود عديدة، كان الفقيد يستقبلها ويؤمن لها زيارة المواقع الأثرية أو العتبات المقدسة، فقد زار المقر الرفيق خالد بكداش وزوجته ورافقهم في تلك الزيارة سكرتير الحزب آنذاك عزيز محمد، واطلعوا على نشاطات المنظمة، وما تبذله ن جهود لإشاعة الثقافة بين الرفاق، وجاءت وفود من ألمانيا وهنكاريا والاتحاد السوفيتي، وكانت هناك زيارات لبعض الرفاق من خارج العراق، فقد زار المقر الرفيق يوسف فيصل عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوري وزوجته، والرفيق محمود الأطرش من مؤسسي الحزب الشيوعي الفلسطيني وبعدها عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الجزائري، وكان يعد بحثا عن ثورة العشرين، وشملت زيارته محافظات الفرات الأوسط والتقى ببعض المشاركين في الثورة،، وكان النشاط متواصلا والرفاق يعملون كخلية نحل رغم المعوقات الكثيرة التي واجهت الحزب، وذات يوم طلب منه نقل رونيو وآلة طباعة غير مجازة من بغداد، وعليه تدبير أمر نقله، فاصطحب معه أحد أصدقاء الحزب وجلبوا الرونيو والطابعة بسيارته وأوصلها إلى الحلة بدون مشاكل، وذات يوم أبلغ بالذهاب إلى اللجنة المركزية في بغداد، وعند وصوله إلى هناك أبلغوه بضرورة نقل أسلحة وتوزيعها على منظمات الفرات الأوسط، لانتهاء فترة الترخيص نهاية هذا اليوم، وكان يقود سيارة الحزب الرفيق أبو عادل، وكانت سرعته بين 100-120كم في الساعة لإنهاء المهمة قبل انتهاء فترة الترخيص، وفعلا توجه والى المثنى ثم الديوانية ومنها إلى النجف وكربلاء ثم بابل، وكان يرافق الوفود التي تمثل اللجنة المركزية عند افتتاح مقرات المحافظات، منهم الرفيق جاسم الحلوائي عند افتتاح مقر كربلاء، وماجد عبد الرضا عند افتتاح مقر الديوانية، وصادق جعفر الفلاحي لافتتاح مقر المثنى.

     ولعمل الفقيد الدائب في لجنة الجبهة، فقد كان ممثلها في ألاجتماعات الدورية التي تعقد لممثلي المحافظات، وكان الممثل عن محافظات الفرات الأوسط في الاجتماعات التي تعقد على مستوى المناطق – الفرات الجنوبية-بغداد-الوسطى- الموصل – وكانت السياقات المتبعة إن يجري الاجتماع مع ممثلي المحافظات ودراسة مطالبيهم تمهيدا لتوحيدها وطرحها في الاجتماعات الإقليمية، ونتيجة العمل الكثير حدثت خلافات بينه وبين الشهيد فاضل وتوت من جهة وعبد الحسين مسلم ممثل البعث من جهة أخرى، وأشتد الخلاف لإصرار الطرف الثاني على أخطاءه، مما أدى إلى طرح الموضوع في سكرتارية الجبهة، وعقد اجتماع  لمناقشة الخلافات في بغداد بحضور نعيم حداد والطرفين المتخالفين وأدلى كل بوجهة نظره، فوجه حداد اللوم إلى ممثل البعث، ولكن دون أن يكون هناك أجراء رادع لإيقاف مثل هذه التجاوزات، مما يعني أن هناك أمور خاصة متفق عليها بين البعثيين في التشديد من ممارسة الضغوط، وإثارة الخلافات، والقيام بتجاوزات ضارة، عن نوايا مبيتة لا تخفى على الأطفال.

 في بداية 1978 بدء البعث بالمضي قدما في التضييق على الشيوعيين واستفزازهم، واعتقال العناصر الناشطة منهم، وقد أعتقل في تلك الفترة مجموعة من فلاح الكفل مورست معهم أبشع أشكال التعذيب، وبعد إطلاق سراحهم جرى أخبار قيادة الحزب بما جرى على هؤلاء، فتقرر أقامة دعوى قضائية على مدير الأمن وشكلت لجنة برئاسة نعيم حداد سكرتير الجبهة الوطنية  والرفيق مكرم الطالباني وزير الري، ومحمد عايش أمين سر فرع الفرات الأوسط للبعث،  والرفيق عدنان عباس مسئول لجنة منطقة الفرات الأوسط للحزب الشيوعي العراقي،  وأحضر الفلاحين الذين عذبوا إلى مقر البعث في بغداد، وأجري التحقيق معهم، وقد أبدى نعيم حداد امتعاضه من تصرفات مدير الأمن ونعته بالحقير، وتقرر  استدعائه، ولكن ظهر أن القضية مفبركة وهناك توجيه من قيادة حزب البعث بمثل هذه التصرفات، وتقرر أحالتهم إلى لجنة طبية لإثبات واقعة التعذيب، وذلك لتمييع القضية، وفعلا لم يتخذ أي أجراء بحق مدير الأمن، لتواطيء اللجنة الطبية معه، وتزويد الهيئة التحقيقية بتقرير ينفي حدوث التعذيب، وقامت السلطة بشن حملة اعتقالات واسعة طالت مئات الشيوعيين، وجرى إسقاط الكثيرين منهم سياسيا بعد إجبارهم على التوقيع على استمارة تتضمن عدم الانتماء للحزب الشيوعي وهي صيغة مطورة للبراءة سيئة الصيت، مما دفع محلية بابل لتبليغ الرفاق بعدم الحضور للمقر أو مراجعته، وظل الراحل معن على ديدنه  السابق في الدوام يوميا في المقر، ثم الذهاب لمقر الجبهة، وبعدها العودة الى البيت، دون أن يكون هناك أي نشاط معلوم وظاهر للشيوعيين بسبب هذه الممارسات، وقد ترك العمل في المقر حتى الحراس والسائق بسبب تهديدات الأمن والبعثيين الشرفاء، وعندما أتصل بقيادة الحزب وأخبرهم بما يجري طلبوا منه البقاء في المقر والدوام كالمعتاد لحين وصول أوامر جديدة، وكان يرافقه احد منتسبي الأمن في ذهابه وإيابه إلى المحاويل، ويراقبه مراقبة تامة، وفي أحدى المرات دفع الراحل أجرة السيارة ليعرف انه يعلم به، وقد غادر الكثير من أعضاء اللجنة المركزية العراق، ولم يبق إلا عدد قليل لتمشية الأمور وتصفية المتعلقات بانتظار الأوامر للاختفاء والعمل السري، وكان آخر الراحلين عن العراق الرفيق أبو شروق جاسم الحلوائي، الذي ظل حتى اللحظات الأخيرة يمزج بين العلنية والسرية، حتى غادر البلد بعد أن أنهى تصفية جميع المتعلقات.

 بعد أن بدأت الأوضاع السياسية تسير بطريق اللاعودة، أصدرت القيادة تعليماتها بضرورة ترك المقرات والانصراف للعمل السري، على أن يتواجد رفيق أو أكثر في المقر،، وبقي معن لأنه من المكشوفين، فأخذ بالتعاون مع الرفيق سامي عبد الرزاق ببيع سيارات المقر وتسليم أثمانها للرفيق جاسم الحلوائي، وقامت السلطة باعتقال الرفاق مهدي كامل عضو لجنة الجبهة الموقرة، وفاضل وتوت عضو الهيئة الإدارية لنقابة المعلمين، وقامت السلطة بتعذيبهم حتى استشهدوا دون أن يرضخوا لما يطلبه السفلة، وسافر معن إلى بغداد والتقى بالرفيق الحلوائي وطلب منه الانتقال إلى محافظة أخرى والعودة للعمل السري لأن الأوضاع أخذت بالتردي وأنه مهدد بالاعتقال بين لحظة وأخرى، فطلب منه الرفيق الحلوائي التريث لحين أخذ موافقة القيادة الحزبية، وبعد خروجه من مقر اللجنة المركزية ذهب لزيارة أحد الرفاق في حي العامل، وبعد أن أستقر قليلا، داهمت مفرزة أمنية الدار والقوا القبض عليه، وعندما أخبرهم أنه من بابل، أرسل محفورا إلى مديرية أمن بابل، وهناك التقى بمدير الأمن مسئول الجبهة في بابل، فاستنكر هذا العمل فكان عذرهم أقبح من فعلهم، حيث أخبروه أنهم تصوروا أنه قد اختفى لأن مقر الحزب في بابل مغلق، ولم يحضر لمقر الجبهة منذ أيام، وأستمر في الحضور إلى مقر الحزب ومقر لجنة الجبهة رغم صعوبة الوضع وتعقيداته، ولكن أوامر الحزب كانت مشددة بضرورة التواجد في المقر بشكل اعتيادي، إلا أنه تصرف دون علم الحزب وقام بتسديد أجور الماء والكهرباء والهاتف دون أن يشعر الأمن، وبعد أن رتب الأمور مع عائلته قام بمناورة للتخلص من رقابة الأمن، فعندما ركب في السيارة المتوجهة إلى المحاويل ترجل منها منتصف الطريق وركب أحدى السيارات الذاهبة إلى المحمودية، حيث بات تلك الليلة لدى أحد أقاربه، ثم سافر صباحا إلى بغداد والتقى بالرفيق جاسم الحلوائي وشرح له الوضع في بابل وأنه صفا أمور المقر وليس في نيته العودة إلى هناك، فأخبره أن الرفاق لم يوافقوا على نقله إلى محافظة أخرى، وحدد له موعد للقاء به في اليوم التالي لأخذ رأي الحزب النهائي، فنام في مقر الحزب تلك الليلة، وفي اليوم التالي أخبره الرفيق أبو شروق بالتوجه إلى اليمن عن طريق الكويت، ومنها يتوجه للدراسة في أحدى الدول الاشتراكية، وسلمه مبلغا قدره (150) دينار لمصاريف الطريق.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com