بيان حكومي متأخر عدة أشهر!!!

 

 

مهند حبيب السماوي

Mohanad.habeeb@yahoo.com

لا أخفي على القارئ الكريم أستغرابي _ وربما ألمي أيضاً _ أزاء الأحداث الفوضوية التي تحصل في العراق من قبل مؤوسسات سيادية كُبرى من المفترض ان تكون على درجة عالية من الحرفة والمهنية والأتزان والدقة، حيث نرى اليوم ضجة في وسائل الأعلام حول تصريحات النائب سامي العسكري الذي دأب على الخروج في شاشات الفضائيات ومنذ عدة أشهر مفجراً قنابل سياسية عبر تصريحاته النارية المختلفة حول مايجري في العراق .

ويعلم الشعب العراقي أن سامي العسكري مستشار للسيد المالكي رئيس الوزراء طيلة تلك الفترة الماضية حتى جاء يوم 19 من هذا الشهر الذي تم فيه أصدار بيان رسمي تلقته جميع وسائل الأعلام جاء فيه أن سامي العسكري ليس مستشار لرئيس الوزراء وأن مايقوله يمثل رأيه الشخصي وذلك طبقاً _ وهذه الأضافة تعود لي _ للحق الذي كفله له الدستور العراقي من حيث هو مواطن عراقي أولاً ونائب في البرلمان العراقي ثانياً.

البيان الذي صدر من مكتب رئيس الوزراء ياتي بعد ساعات من صدور هجوم غير مسبوق _ كما تحب وسائل الأعلام أن تصف بعض الخطابات_ من قبل العسكري على وزيري الخارجية والمالية، واصفاً الأول بتحول وزارته إلى أفشل الوزارات وأكثرها فساداً ، والثاني بغير الصالح لتولي حقيبة المالية لعدم أهليته ولإدارته للوزارة عن بعد _ ليس بالريموت كونترول طبعاً_ بل عن طريق مستشاريه ومدرائه العامين.

وقد اثار هذا الحدث الشجون وفجّر الآهات، حيث الأمر لايتعلق بالعسكري وماصرح بها وأن يكن من المهم التحقق مما قاله بموضوعية وشفافية بعيداً عن التحالفات والعلاقات السياسية، بل يتعلق الأمر بمجموعة من الملاحظات التي أمر بها على مايحدث في هذه القضية والتي أجملتها بما يلي :

1. أن هنالك حقيقة لدى الشارع العراقي لاشك فيها تؤكد أن سامي العسكري يُعد مستشار لرئيس الوزراء السيد نوري المالكي كما قلت أعلاه، وقد كانت هذه الحقيقة مبنية على سببين :

أ‌.  أن وسائل الأعلام العراقية الرسمية وغير الرسمية فضلاً عن العربية كانت تضع  أثناء اللقاء معه تحت أسمه وصف مستشار رئيس الوزراء نوري المالكي، ولم يكن يعترض عليها السيد العسكري لأنه ربما هو من طلب بوضعها تحت أسمه  .

ب‌.  كان هنالك سكوت وصمت من قبل رئاسة الوزراء ومكتب السيد المالكي حول هذا الوصف المتعلق بكون سامي العسكري مستشار رئيس الوزراء، وكلنا يعلم أن السكوت على هذا الوصف يعني القبول به وأعتباره يمثل حقيقة وواقع فعلي . أذ لو لم يكن العسكري مستشاراً للمالكي لنفى مكتب المالكي ذلك بعد ساعات من أعطاء الوصف له من قبل اي وسيلة أعلامية  ولما استطاع ان يبقى طيلة هذه الأشهر يحمل هذا الوصف، ولكن وعلى الرغم من ذلك وحتى لو وصفه مكتب رئيس الوزراء بذلك فأن :

2. سامي العسكري لايمكن أن يكون مستشار لرئيس الوزراء نوري المالكي وهو نائب في البرلمان العراقي، فهذه مهنة ووظيفة وتلك مهنة ووظيفة أخرى, الأولى تتعلق بالسلطة التنفيذية والثانية تتعلق بالسلطة التشريعية والدستور العراقي ميز بوضوح بينهما ولهذا نعتبر ...

3. أن بيان الحكومة العراقي عديم المعنى على الصعيد الدستوري الا أن لهذا البيان معنى من الناحية السياسية والأعلامية_ أن صح التعبير _ وفي وضعنا الحالي المتهرئ . من الناحية الدستورية لايمكن أن يكون كذلك اي سامي العسكري مستشار وهو نائب أصلاً، فهذا ضحك على الذقون واستهزاء بالديمقراطية وبقضية الفصل بين السلطات, اما من الناحية السياسية  فلا ...للبيان معنى، ومع هذا فانني أعتقد أن ...

4. الحكومة العراقية مقصرة أشد التقصير في هذا الأمر أذ أنها تاخرت في أصدار هذا البيان الذي  كان عليها ان تصدره منذ زمان بعيد قد يمتد الى أكثر من سنة مع عدم أيماني بصدور مثل هكذا بيان من الناحية الدستورية حيث كان عليها _ ومازال وسيبقى كذلك في المستقبل _ أن تحدد من هم مستشاروا المالكي؟ هذا يعني _ يا أخوتي _ ان بيان الحكومة قد فتح ...

5. ملف مستشاروا المالكي، حيث أن الحديث عن هذا الموضوع كثير وكثير جداً، ولعل الجميع يذكر تصريحات السيدة مريم الريس التي قوبلت حينها بعاصفة من النقد من قبل المالكي ومجلس الرئاسة، ولا ادري هل الوقت المحدود يعين السيد المالكي على قراءة ما يكتب عن هذا الموضوع الشائك؟ كم عدد مستشاروا المالكي؟ هل صحيح أن عددهم 47 أو قريب من ذلك كما ذكر ذلك صالح المطلك؟ وماهي وظائفهم بالتحديد؟ ومن المسؤول عن تعيينهم؟ القارئ العراقي  ...

6. يجد غرابة وفوضى في تنصل السيد العسكري عن كونه مستشار للمالكي بعد عدة أيام من بيان الحكومة وتأكيده لهذه البيان، اذا كيف بقى العسكري أشهر عديدة يُقال عنه مستشار ولاينكر ذلك ! والأن يقول _ ولايستحي من ذلك _ بأنه نعم ليس مستشار لرئيس الوزراء !! هل ياترى كان العسكري لايقرأ مايُكتب تحت أسمه في الفضائيات؟ أم كان لايسمع مايوصف به؟ أم أن الفوضى في العراق قد ضربت بأطنابها أعلى المستويات؟ القارئ والمواطن العراقي ...

7. يتساءل ! ومن حقه ذلك مادمنا نعيش في أجواء نزعم أنها ديمقراطية وفيها حرية رأي ...  لماذا صدر بيان الحكومة الأن؟ لماذا سكتت الحكومة ومكتب السيد المالكي كل هذه الفترة المنصرمة؟ أمن المعقول ان  تتاخر الحكومة باصدار هذا البيان الى هذا الحد؟

أن كانت الحكومة تدري ولم تصرح فهذه مصيبة ...وان لم تدري فالمصيبة أعظم !!!

هل كان تصريح العسكري الأخير هو القشة التي قصمت ظهر مستشاريته؟

هل عبر السيد العسكري بتصريحه هذا الخطوط الحمراء؟

وما هي الخطوط الحمراء؟

هل هي التي تتعلق بوزير الخارجية والليالي الحمراء التي اتهمه بها؟

أم الخطوط الحمراء التي تتعلق ببيان جبر وما قاله عنه في مسألة عدم علمه بالأدارة المالية والائتلاف يعلم بذلك وأنه _ وهذا قمة الغرابة أن كانت حقيقة واقعية _ لم يذهب لوزارته لحد الأن ولا مرة واحدة؟

وهل صرح العسكري بهكذا امور حول وزيري الخارجية والمالية من تلقاء نفسه بعد ان _ وهذا فرض مستحيل_ أستيقظ من النوم؟ أم انها مبنية على وقائع ووثائق؟

هل يمكن أن يمر كلام النائب العسكري وهو صديق حميم للمالكي هكذا دون تحقق وتثبت من مصداقيته؟

فكلام السيد العسكري اما أن يكون صائب وحينها على الحكومة أن تتخذ أجراءات بحق هاتين الوزارتين أو أن يكون غير صائب وحينها على السيد العسكري أن يسكت ويضع على مكتبه لافتة مكتوب عليها مقولة بنجين  الشهيرة " الصمت هو أب الحقيقة " .

ثم هنالك مسألة مهمة وأعمق من تصريح العسكري، وتتجسد في تساؤلاتي التالية وعذراً لكثرة تساؤلاتي في مقالتي هذه :

هل من المعقول أن تكون هذه السنوات الماضية منذ ولادة عراق مابعد صدام غير كافية لأنضاج الحكم في العراق وحسم قضية صغيرة تتعلق بكون العسكري مستشار أم غير مستشار للسيد المالكي؟

كيف ستقوم الحكومة بحل قضايا العراق الكبرى والشائكة والمعقدة أذا كان هنالك تخبط في قضية صغيرة كهذه تتعلق بشخص لانعرف هل هو نائب فقط أم نائب ومستشار؟

من ياترى يحاول وضع العصي امام عجلة الحكومة ويختلق أمامها مشكلات صغيرة لتلتهي بها بدلاً من مواجهة المشكلات الكبرى؟

من المسؤول عن هذه الفوضى الصارخة التي تتسلل الى داخل مؤوسسات حكومية سيادية كبرى يفترض بها أن تكون مثالاً ونموذجاً يُحتذى به من قبل بقية المؤوسسات الحكومية الأخرى؟

هل هي المحاصصة الطائفية والقومية والحزبية؟ أم الفساد الأداري والمالي؟ أم المؤامرات الخارجية وتدخلاتها؟ أم المحسوبية والعلاقات؟ أم فينا الخلل والأعوجاج؟

ماذا ياسادتي الكرام الجواب؟... أجيبوني يرحمكم الله تعالى فقد عجزنا عن الجواب وتشخيص العلة والخلل والفوضى، ويبدو أننا سنرفع راية اليأس والأستسلام قريباً جداً !!!

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com