|
تركمان العراق بين المعادلة العراقية- العراقية والمعادلة العراقية- الدولية .. الجزء الثالث
علي توركمن اوغلو هناك اناس يصنعون التاريخ ( تخطيطا وتطبيقا)، وهناك اخرون يتدخلون لتغيير وجهة التاريخ، وهناك من يدفع ثمن هذه الصناعة أوالتدخل، وهناك من ينبري لتحليل التاريخ، تماما مثلما نفعل الان . وهذا الجزء الاخير هو ابسط اجزاء المخطط الذي سردته، ويكاد سهولته يكمن في انك ببساطة تدير راسك الى الوراء لتلقي نظرة على الماضي فتطلق احكام قيمة، فتقرر ان تلك الحادثة ما كان ينبغي لها ان تحدث، وذلك القرار اتخذ دون رؤية، وتلك المساهمة كانت حركة صحيحة، وتلك المعاهدة اغفلت الطرف الفلاني، وتلك المعركة شكلت منعطفا رئيسيا لسقوط تلك الامبراطورية ومولدا لعالم جديد وغيرها . ولكن الذي نكاد جميعنا نغفله هو ان ما حدث في لحظة ماضية في تاريخ البشرية هي لحظة فريدة لاتتكرر، وهي نتاج سلسلة من الحوادث وقعت وفقا لقانون اجتماعي أو ظرف خاص في زمن بعينه، وتلك النقطة ان هي شكلت البداية لسلسلة جديدة من الحوادث انما هي كذلك لانها حدثت بذات الزمن وتحت نفس الظروف . وبالتالي ان احكام القيمة التي نطلقها على التاريخ سوف لن تكون دقيقة ولا منصفة وغير ذي فائدة، وعليه عندما نحلل حادثة معينة وننتقد قرارا معينا ونصفه بالخطا القاتل قد يكون احيانا قرارا صحيحا في حينه بل ويمكن ان يكون ذلك القرار، القرار الوحيد الذي لامناص من اتخاذه. واذا كنا من المؤمنون بأرادة الله سبحانه وتعالى (وانا لكذلك) لا يمكن ان نتصور كيف ان البحر ما كان لينفلق فيعبر منه النبي موسى (عليه السلام) ليلة خروجه من مصر مع جموع اليهود المؤمنين برسالته، وينطبق على فرعون مصر وتجعل من جسده الغريق عبرة خالدة لعظمة الله سبحانه وتعالى، وسوف لن نستطيع أن نتصور بأن الذي تعقبوا الرسول الكريم محمد (صلى الله عليه وسلم ) المختبئ في الغار كان بأمكانهم ان ينحنوا ليروه مع صاحبه عبرالخيوط الواهنة للعنكبوت، فيجدوه ويقضوا عليه، فيتغير وجهة التاريخ . وهكذا لايمكن ان نقرر ان ماحدث في التاريخ كان من الممكن ان لايحدث، وبأن الاحداث كان يمكن ان تتخذ مسارا اخر غير الذي اتخذته. غير اننا لن نستطيع التحدث بنفس اليقين ونحن نتعرض للحديث عن امكانية أو عدم امكانية ان يستمع السلطان العثماني محمد السادس (وحيد الدين) لخطط الجنرال مصطفى كمال باشا والذي كان يهدف لاقناعه بطرد انور باشا وجماعته من الحكم وتسريح جميع الضباط الالمان واعادتهم الى بلادهم، و باسناد منصب القيادة العامة للجيش له، ليعقدا معا صلحا منفردا مع الحلفاء وانقاذ ما يمكن انقاذه من ممتلكات الدولة العثمانية كما فعل لينين قبل ذلك التاريخ (1917) . فلو كان السلطان العثماني قد سمع نصيحة مصطفى كمال باشا، عندئذ كانت ولاية الموصل بل واغلب اجزاء العراق وجميع سوريا والاردن وفلسطين (بما فيها القدس الشريف) جزءا من بقية الدولة العثمانية، حيث خسرت الدولة العثمانية هذه الاراضي الشاسعة ابتداءا من منتصف ليلة 19 ايلول1919، اي قبل احدى واربعون يوما فقط من استسلام الدولة العثمانية بموجب اتفافية (مودرس) في 30 تشرين الاول 1918، ولم نكن في حاجة لكتابة هذه المقالة في الاساس . ولكننا هنا نتحدث عن ارادة بشرية هي الاخرى محكومة بجبرية خاصة، وفي حالة مثالنا هذا يمكن تفسير قرار السلطان محمد الخامس( وحيدالدين) بتجاهل خطط مصطفى كمال باشا واعادة التحالف مع انور باشا وزملائه بتخوفه من همة وطموح ذلك القائد الشاب الذي لو سنحت له الفرصة كان ليقذف بالسلطان ومعيته في متاهة التاريخ، وهذا ما حصل فعلا بعد ذلك عندما انتدبه مبعوثا رسميا للسلطان الى الاناضول ليبدأ الاخير رحلة تشكيل الجمهورية التركية في 19 مايس 1919، وكأن السلطان كان بذلك قد صحح مسار التاريخ وكفر عن ذنب اقترفه عندما فضل الحفاظ على سلطان دنيوي زائل مقابل القاء الملايين من الارواح المسلمة في احضان الاحتلال الاجنبي . فلولا ذلك الطمع الاعمى في السلطة ما كانت دماء الملايين من المسلمين في القدس وغزة وسيناء ونهر الاردن وعلى طول الحدود العراقية الايرانية، وبغداد والبصرة وكركوك والموصل لتراق كالانهار . واذا ما وصفنا قرار السلطان العثماني بسوء التقدير والحساب الخاطئ، فكيف لنا ان نصف رضوخ القائد العثماني علي احسان باشا ( قائد الجيش العثماني السادس ) لتهديد الجنرال مارشال بتسليم الموصل الى القوات الانكليزية في 10 تشرين الاول، اي بعد تلقى الجيش التركي يوم 31 تشرين الأول 1918 نبأ عقد الهدنة، والأمر بإيقاف القتال من القيادة العامة التركية، حيث كانت القطعات البريطانية على الخط العام خانقين - كفري - كركوك - القيارة – عنه. ان سوء حظ تركمان العراق فقط قد يفسر وجود علي احسان باشا على راس الجيش العثماني السادس انذاك والذي كان معروفا من قبل القيادة العسكرية العثمانية، فضلا عن شجاعته وحبه الشديد لقوميته، بشخصية عصابية كأعتقاده بأنه افضل من رؤساءه، وبالتالي محاولته الانتقاص من كرامة رؤسائه واغاضتهم، بالاضافة الى ضعف اعصابه وميله للتهرب من تحمل المسؤوليات والقاء تبعة فشله على عاتق غيره من رؤسائه ومرؤسيه على حد سواء، وايمانه بالافكار المتطرفة مما حدا بالقيادة التركية الى احالته على التقاعد في 1922 عندمل كان يشارك في الجبهة الغربية لحرب تحرير الاناضول بأمرة عصمت اينونو باشا، ومن ثم صدور الحكم بسجنه 15 عشر عاما سنه 1947 لنشرة مقالات تكيل المديح لالمانيا النازية. واذا ما بدأنا بتقييم التاريخ بنفس المنهج الذي عرضته نجد ان ذلك الرجل المحكوم بشخصيته العصابية ماكان له ان يتصرف غير الذي تصرفه، فنحن لا نستطيع ان نلومه، مع ذلك لانستطيع الا ان نلوم الحظ العاثر الذي أوجد ذلك الرجل في ذلك الموقع الخطا والمكان الخاطئ. واذا ما اضفنا الى ذلك بأن العرق التركي من تتارستان الى كوسوفا حاله كحال بقية الاعراق والشعوب يمتلك مزايا مشتركة تجعله يختلف عن غيره، فيمتاز بردود افعال خاصة به، ومن احدى تلك الميزات هي قابليته غير المعقولة على الصبر والمطاولة ومقاومة الضغوط ولكنه للاسف ينهار في اللحظات الاخيرة، فخلال اربعة سنوات من الحرب قاومت القوات العثمانية جموع الجيش البريطاني التي تفوقهها عدة وعددا، بل واذاقت الانكليز مرارة الهزيمة وذل الاسر في الكوت، سرعان ما انهارت خلال اثني عشر يوما الاخيرة في جبهة شمال العراق، وانتهاءا بتسليم ولاية الموصل بالكامل الى الانكليز قي 11 تشرين الثاني 1918 خلافا لكل الاعراف والمواثيق الدولية التي تحرم الاستيلاء على الاراضي بعد سريان هدنة وقف اطلاق النار، لتبدا الرحلة الجديدة والقاسية لتركمان العراق الذين دفعوا ثمن هذه الصناعة القذرة للتاريخ والذي شارك فيه خطأ السلطان وحيدالين وشخصية علي احسان باشا وشراسة وعزيمة الانكليزي الجنرال مارشال ليقذفوا للعيش في عالم جديد وشروط جديدة.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |