|
تباينت الآراء حول الاعتداء التركي السافر على كردستان العراق، فالبعض يبرر الاعتداء وينح باللائمة على حزب العمال الكردستاني لأن زمن الكفاح المسلح قد ولى، وحل زمن الديمقراطية وحقوق الإنسان، وأن ما يؤخذ بالقوة يمكن استحصاله عن طريق التحرك السلمي، متناسين أن ما يؤخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، وأن الآليات الديمقراطية لا يمكن أن تنجح مع التعصب القومي المقيت للحكومة التركية التي ترى في انتمائها القومي إلغاء لحقوق القوميات الأخرى، كما هو حال الفاشية الهتلرية والنظرية البعثية التي ترى في الكورد عربا بحكم السكن، وأن من يسكن المحيط العربي هو عربي بالولاء، وليس في حكام العروبة من يؤمن بحقوق القوميات، بل يسعون لأذابتها في بوتقة القومية الكبيرة، ويرى آخرون أن حق تقرير المصير يبرر الحركة المسلحة للحصول على هذه الحقوق، ومع احترامي لجميع هذه الآراء إلا إن الحقوق في عالمنا الشرقي لا تؤخذ إلا بالقوة، والأقوياء هم الذين يفرضون إرادتهم على الآخرين، كما يقول المثل"الحق بالسيف والعاجز يريد شهود"، وإذا كان الأخوة من دعاة النضال السلمي يتوقعون أن يحصلوا على مكان لهم في خارطة التاريخ، فالمكان الأفضل لهم هو سجل الشهداء المضحين، وزنزانات السلطات التي تمارس العنف وتدعوا للحرية والسلام، فالحكومة التركية لن تعطي حقوق القوميات الأخرى إلا وهي صاغرة، لأن عنجهيتها القومية المقيتة لا يمكن لها التعامل مع الآخر على قدم المساواة ، والديمقراطية وحقوق الإنسان لا تتعدى الصحائف المكتوبة دون أن تجد لها مكان على أرض الواقع، وهي مفاهيم لم ولن تجد طريقها إلى آذان القادة الشرقيين، وأن لهجوا بها أو تكلموا عنه، وملايين الأكراد في تركيا يعاملون كمواطنين من الدرجة العاشرة، ولا يملكون الحق بارتداء زيهم القومي أو النطق بلغتهم القومية، ولا يتمتعون بأبسط الحقوق، لأن الترك لا يزالون يحلمون بأمجادهم السابقة عندما كانوا أسياد المنطقة وحكامه، ولا زالت عقدة التحكم تخامر عقولهم المريضة، ولا زالوا يسعون لبناء إمبراطوريتهم الجديدة ويعيشون على أحلامها ، كما يحلم القوميون العرب بالأمة الواحدة والرسالة الخالدة، وإلغاء القوميات الأخرى وصهرها في بوتقة القومية الكبيرة السائدة، على ما كان سائدا أثناء السطوة القومية وهيمنتها على مقدرات الحكم في العالم العربي. والأمر الآخر أن الاعتداء التركي طال أراض عراقية، لها حرمتها وقدسيته، ولكن الحكومة العراقية العاجزة عن حماية نفسه، لا تستطيع مواجهة القوة بالقوة، ولها أهدافها في الضغط على حكومة إقليم كردستان بما يخدم أجنداتها الخارجية، والسياسة الداخلية للأطراف السياسية في العراق في تحقيق المكاسب الآنية على الصعيد الداخلي، وإلا كيف لقادة الجيش العراقي ارتداء بزاتهم العسكرية المطرزة بالأوسمة والنياشين في الاحتفالات وأمام الكاميرات، والأراضي العراقية مستباحة من دول الجوار، دون أن يحرك ذلك ذرة من كرامتهم التي داستها الأحذية التركية القذرة، وإذا كانت كردستان ليست جزء من العراق، فعلى الحكومة المركزية إعلان انفصالها وتبرؤه، ليقيم الكورد دولتهم التي يدافعون عنها بقواهم وحلفائهم الخارجيين، وليس لأسود الجبال السكوت فما هي إلا معركة يكون الموت فيها شرفا للذود عن الأرض والعرض. والتصريحات التي يطلقها الساسة العراقيون فيها الكثير من الإيحاء للحكومة التركية في التوغل بالأراضي العراقية، فهي لا تعدو توصيفا لواقع دون أن تكون طرفا فيه، مما يعني أنهم موافقون ضمنا على هذا الاعتداء، ومباركين له بالقول والفعل، رغم إن الجميع يعلم إن التوغل التركي لن يتوقف إلا بعد حسم قضية كركوك، هذه القضية التي يرى فيها الترك رأي بعيد عن المصلحة العراقية، فالحكومة التركية لم تخفي أطماعها في كركوك بوصفها ولاية تركية اقتطعت منه، ولا زالت تعتبر الموصل من توابعها حتى في خرائطها الرسمية، وما قضية حزب العمال إلا جزء من هذا الصراع الذي يهدف لاستلاب أرض عراقية بعد تمزيق العراق وتوزيعه بين دول الجوار. ولنا أن نتساءل هل أن الغزو التركي طال مواقع حزب العمال الكردستاني فقط، أم أنه طال قرى عراقية آمنة تسكنها أقليات دينية نزحت من ديارها بفعل التطهير الجاري في العراق، وهل في العلاقات الدولية ما يبيح لدولة ما اجتياح دولة ذات سيادة تحت حجة مقاتلة الخارجين عليه، ولماذا لا تقوم تركيا بتحصين حدودها وتمنع عبور المقاتلين وهي الدولة العظمى القادرة على حفظ حدودها بما تمتلك من قدرات وإمكانيات، وإذا كان هذا الأسلوب سائدا في التعامل الدولي، فلماذا لا يقوم العراق بمهاجمة الأراضي السورية أو السعودية التي يتدفق منها آلاف الإرهابيين يوميا بدعم وإسناد من الحكومة السورية ذاته، وهؤلاء إرهابيون أجانب ليس لهم في العراق ناقة او جمل وإنما وفدوا لقتل أبناء وتهديم بنيته التحتية ومحاربة حكومته الشرعية، في الوقت الذي لا يمكن المقارنة بين الإرهابيين والمقاتلين من أجل حقوقهم الوطنية والقومية المشروعة. إن تركيا التي تحلم بالدخول في الاتحاد الأوربي، الذي يدعي الديمقراطية ملزمة أمام العالم أن تثبت مصداقيتها في تبني حقوق الإنسان بمنح الحريات للقوميات الأخرى في تركيا ومنحها حقوقها المشروعة في الوقت الذي يعطي قادتها الحق لأنفسهم بإثارة المشاكل من اجل الحجاب، الذي لا يساوى شيئا اتجاه حقوق شعب في الحرية والمساواة، وعلى الاتحاد الأوربي والدول الديمقراطية وما يسمى بالعالم الحر، الوقوف بوجهة العنجهية التركية وغطرستها القومية، وإرغامها على منح الكورد والأقليات القومية الحكم الذاتي والاعتراف بها وبحقها في تقرير المصير، لأن الكورد يشكلون قومية كبيرة، وأن أي حل دون أعطاء هذه الحقوق لا يمكن له النجاح، وستبقى(الدملة) الكردية نازفة، ولن يتوقف نضال الشعب الكردي إلا بالحصول على حقوقه كاملة غير منقوصة، ولهم بالحكومات العراقية المتعاقبة أسوة حسنة، عندما مارست مع الشعب الكردي أساليب القمع والتنكيل والإبادة، ولكنهم رحلوا إلى مزبلة التاريخ وظل الشعب الكردي شامخا في أرضه ووطنه.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |