|
منذ مدة تصاعدت تركيا وتيرة التصريحات الاستفزازية والتهديدات العسكرية ضد إقليم كردستان العراق وذلك من قبل أركان الحكومة التركية السياسية والعسكرية ضاربة بعرض الحائط القرارات الدولية الملزمة تجاه حفظ التوازن في المنطقة، وبشكل خاص من قبل زمرة الجنرالات الكماليين التي تكشرعن أنيابها مرة الاخرى وشمروا عن أيديهم وأمروا الجيش التركي بخرق الحدود العراقية بتواطئ أمريكا وإسرائبل ملحوظ، وذلك بشكل ملفت للنظر، وتوغل أكثر من 10 ألاف عسكري تركي في عمق إقليم كوردستان العراق مدعومين بالدبابات والطائرات الحربية والمروحيات، يأتي ذلك برهاناً جديداً على فاشية النظام التركي . تستخدم تركيا هذه المرة يافطة (محاربة الارهاب) متناسية إرهابها الذي تمارسـه منذ عقود ضد القوميات غير تركية وبالاخص ضد الشعب الكوردي وناهيك عن إبادة الأرمن .. حيث تصد لهذا الغزو أبطال من مقاتلين حزب العمال الكوردستاني وقتل عدد من جنود الأتراك وأسقاط احدى طائرتها وأصبح الجيش التركي غارقا في المستنقع صراع دموي . واندلع قتال عنيف وقوي عند الشريط الحدودي ما لبث ان انهار الجيش التركي امام هولاء الابطال، وكانوا يظنون الجنرالات التركية وفي فترة قياسية أن تحقق مكاسب مهمة وحيوية على الأرض، هذا الغزو يسقط ورقة التوت الأخيرة التي كانت تستر عورات الحكومة التركية . هذا الحل العسكري الذي سلكته تركيا مرارا دون ان تجني سوى الخيبة والخذلان . لذلك يؤشر بأن ثمن الجندي التركي بخس جدا لدى الجنرالات التركية . تتذرع الحكومة التركية في ذلك القضاء على مفارز من مقاتلي حزب العمال الكردستاني داخل الاراضي العراقية التي تشكل تهديدا لأمن تركيا، محاولين لتبرئة لاعمالهم الإرهابية من الإدانات والاستنكارات الموجهة إليهم مستخدمين في ذلك أرقى وسائل الديماغوجيا وكأنها واثقين من نفسهم بأن العالم سيقابل أدعاءاتهم بكل رحاب صدر، لكن كل ذلك لم يجد نفعاً وذهبت كل جهودهم ومحاولاتهم أدراج الرياح كون شمس الحقيقة ساطعة لا تحجب بالغربال، واكتشفت تركيا على حقيقتها . ان حزب العمال الكوردستاني هو لبس هدفاً من العملية والحزب تواجده الرئيسي هو داخل تركيا وليس خارجها . بل الهدف الحقيقي للغزو التركي التدخل في اقليم كوردستان العراق، وتخريب التجربة الديمقراطية الفتية في الإقليم، والقضاء عليها قبل انتقال عدواها إلى داخل تركيا، كما تحاول التدخل في شؤون كركوك وتعطيل تطبيق الماده 140 من الدستور العراقي لمصالح خاصة بهم، وذلك حسب زعمهم وليس كما يروج إعلامهم هو السعي للقضاء على تواجد عدد من المقاتلين الكورد في المناطق الجبلية النائية من الشريط الحدودي بين إقليم كردستان العراق وتركيا . لأن صراع الحكومة التركية مع مقاتلي حزب العمال الكوردستاني منذ ربع قرن، وليس وليد اليوم أوالشهر او السنة حتى يتظاهروا للعالم بأنهم سيقيمون القيامة . التطورات الحاصلـة في كــوردستان العـراق وقيـام برلمان وحكـومة أقـليم كـوردستان تغـضب دول الجوار عموماً، وتركيـا بـشكل خاص لأنهم لا يـريدون أن الكـورد يواكبـون العصر، وتـراهم قــد جـن جـنونهم وأصيبوا بنوع خاص مـن الهستريا فأنه يـدل على ضعفهم وخوفهم من الكورد الذي يشكل خطــراً محدقاً بأمنها القومي وخوفا أثارة للروح القوميـة الكورديـة في تركيا . إن المتتبع لمجريات الأحداث الجارية على الشريط الحدودي بين كوردستان العراق وتركيا، والتطورات الدراماتيكية المتلاحقة على ساحة الصراع يلاحظ وبما لا يدع مجالاً للشك بروز ظاهرة الغرور والتكبر اللامحدود والاستعلاء القومي الفج في سلوكية وتعامل الحكومة التركية مع مشكلة حزب العمال الكوردستاني بشكل خاص والشعب الكوردي بشكل عام، وإن حلم استعادة أمجاد الدولة العثمانية العتيدة لازال يراود مخيلتهم المريضة، ويدغدغ مشاعرهم الغير المنضبطة، لا بل إن الغرور وداء العظمة الذي تمكن من السيطرة والاستحواذ على نفوس وتفكير القادة الأتراك لقضاء على القومية الكوردية ليس في تركيا فقط، بل في أي مكان توجد هذه الامة التي ستزيد من إحتقان الكرد وأصدقائهم في كل مكان وتأجيج مشاعرهم لمواجهة غطرسة تركيا . لا ادري لماذا تصمت المحافل الدولية والمجتمعات الإنسانية والديمقراطية وصمت الجامعة العربية وحكامها وصمت العالم الاسلامي في وقت تستمر فيه المدفعية التركية البعيدة المدى وكذلك الطيران الحربي التركي بقصف المناطق الحدودية من إقليم كردستان العراق مستهدفين بذلك حياة الناس البسطاء والمسالمين وتدمير البنية التحتية في كوردستان ؟ وبمساعدة أمريكية والتي تزوده بالخرائط والمواقع حزب العمال الكوردستاني مخلفة الخراب والدمار في القرى والمزارع والحاق الاذى بالمزارعين الكورد وقتل مواشيهم وترك الأهالي لقراهم وممتلكاتهم . أليس من واجب أمريكا حماية ارض العراق وشعبه من تهديد خارجي من أية جهة كانت حسب القوانين الدولية وإتفاقية جنيف الرابعة ؟ وأستغرب أيضا هذا الصمت المطبق للاعلام العربي الذي يتباك ليلآ و نهارآ و في کل الفضائيات العربية وغير العربية عن التدخل الأيراني في الجنوب والوسط ويسمونه بأنتهاکات القوانيين الدولية، أليس التدخل الترکي تدخلاً فظاً في الشئون العراقية وتجاوزاُ على سيادة العراق وأستقلاله وخارقاُ خطيراُ وأنتهاکآ للقوانين و ألأعراف الدولية ؟ ولكن الغريب في الأمر أيضاً هو أن احتجاج الحكومة العراقية ضد العمليات العسكرية التركية في العمق كوردستان العراقي جاء متأخراً وضعيفاً ولم تقدم أي شكوى رسمي الى مجلس الامن ولم تطلب منه بإيقاف الغزو التركي والانسحاب الجيش التركي من الاراضي العراقية والكف عن التدخل في الشأن العراق , مما يستدعي القلق باحتمال وجود اتفاق سري بين العراق وتركيا يسمح لها بمثل هذا التوغل لقتل الكورد بأی شکل من الأشکال . يتطلب الأمر من الحكومة التركية التفكير بواقعية وموضوعية وهدوء بإنها لا تجد حلا لهذه القضية إلا حل سلمي ودبلوماسي وسياسي والاعتراف بوجود شعب كوردي على أراضيها . ويتعين عليها التخلي عن القتال والجلوس الى طاولة المفاوضات والوصول الى حلول مشتركة يفضي الى وقف دائرة العنف والدمار لما يرضي الجانبان . ان الرد العسكري يمكن ان يشكل كارثة عليها وعلى المنطقة فسيكون له أثار سلبية حادة على الاقتصاد التركي بالدرجة الاولى، هذه المشكلة مع حزب العمال الكوردستاني لا يمكن حلها بالوسائل العسكرية لانه يحمل الهوية القومية الكوردية تبلغ نسبة سكانه بحدود 20 مليون نسمة، وربما أكثر من ذلك، غير اننا نعرف ان العمل العسكري سوف يزيد من تشدد الوضع بشكل اكبر وسوف يولد العنف بالتاكيد مزيدا من العنف، تصفية الشعب الكوردي عن طريق العنف سوف تكون ثمن فادح بالنسبة للطرفين . بأن العمليات العسكرية الجديدة لم تكون ناجحة من المحاولات السابقة، بل تفقد تركيا الكثير من جنودها والياتها العسكرية، وتخسر الملايين من الدولارات الامريكية وترفع من مديونيتها الخارجية .
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |