|
حكومة وحدة وطنية..أم كشكول وطني..؟!!
هادي فريد التكريتي/عضو اتحاد الكتاب العراقيين في السويد شكل السيد نوري المالكي حكومته، في 20/5/2006 من الكتل السياسية الممثلة في البرلمان، بعد حوارات ونقاشات استغرقت وقتا طويلا، مع وبين هذه الكتل، المتناقضة في أهدافها وتوجهاتها السياسية، وقد تقدم رئيس الوزراء السيد المالكي، إلى المجلس النيابي، لنيل ثقة المجلس، بوثيقتين، الأولى أطلق عليها " مبادئ وأسس البرنامج السياسي للحكومة العراقية " تضمنت الخطوط العريضة لعمل حكومته، والتي حوت 34 بندا، مشيرا عند مخاطبته مجلس النواب، أن هذا البرنامج "..يحافظ على وحدة الشعب العراقي بجميع طوائفه وقومياته، بهدف بناء عراق دستوري وديموقراطي إتحادي تعددي، يعتمد الدستور، والقوانين التي تكفل الحقوق والحريات لجميع أفراد الشعب العراقي.."، والوثيقة الثانية، التي تقدم بها لنيل ثقة المجلس النيابي، أطلق عليها اسم " برنامج الحكومة العراقية " وقد احتوى هذا البرنامج، كما أعلنه المالكي :" ...معالجة للجوانب السياسية والأمنية في العراق، كما يعرض البرنامج الوسائل التي تتبعها الحكومة في معالجة الفساد الإداري والمالي والقضايا الاقتصادية والخدمية المختلفة، " وأردف موضحا " وهذا البرنامج هو جزء من خطة متوسطة المدى وأخرى بعيدة المدى من أجل النهوض بالعراق بما يتناسب ووضعه وإمكاناته البشرية وموارده الطبيعية..." النقاط التي عددها البرنامج كمحاور للعمل عليها، ولتنفيذها من قبل حكومته، بلغت عشرة أوراق بالبنط الصغير، متضمنة تسعة محاور، وفي كل محور تفاصيل مذهلة، تتطرق لأدق الأمور، التي ستعالجها حكومته لاحقا، ابتداء بالأهداف السياسية ومرورا بالأمنية والاقتصادية وغيرها كثير لتنتهي بـ " تاسعاً : البناء الاجتماعي والعدالة الانتقالية " التي دخلت بأدق تفاصيل المبالغ المرصدة، والمخصصة لتنفيذ كل فقرة من فقراتها، ولو نفذ هذا البرنامج فعلا، لكان العراق واحة مزهرة والشعب العراقي من أسعد وأغنى شعوب المعمورة، إلا أن " المية تكذب الغطاس " في بحيرة ملؤها تماسيح عنصرية وطائفية ..! لا شك أن المبادئ الأولية والبرنامج السياسي، اللذان طرحهما رئيس الحكومة، كانا قادرين على تأسيس دولة، وفق أرقى المعايير الوطنية والديموقراطية، إلا أنه مشروع لحكومة محاصصة طائفية، قواها مختلفة المصالح ومتناقضة الأهداف، لا يمكنها أن تحقق تقدما في تنفيذ ما طرحه رئيس الحكومة، حتى وإن خلصت نية بعض أطراف الحكم، و صدقت جهودهم في التنفيذ، فالأمر يحتاج إلى عمل دؤوب وجهد جماعي فاعل ومشترك،وهذا مفقود في مثل هذه الحكومة.. لما يمضي الكثير من الوقت على تشكيل ما يسمى بـ " حكومة الوحدة الوطنية " وفق ما أطلق عليها البند (1) من " مبادئ وأسس البرنامج السياسي للحكومة العراقية " ، حتى تعالت أصوات بعض الكتل، من قومية وطائفية، من داخل المجلس النيابي ومن داخل الحكومة، مطالبة بتحسين أداء الحكومة، فيما يخص أولوية تنفيذ بنود " المبادئ "، فكتلة " جبهة التوافق " ترى أن أداء الحكومة لم يحقق لها، بعض أولوياتها،فيما يخص تنفيذ المادة 142، لتعديل الدستور،وتحرير العراق من القوات الأمريكية، وضرورة المشاركة في اتخاذ القرار وإدارة الدولة، والإسراع بتطبيق قانون إطلاق سراح المعتقلين، والقائمة العراقية، بقيادة علاوي، وإن كانت ليست بعيدة عن موقف جهة التوافق، إلا أنها ترى أيضا أن الحكومة لم تكن جادة في حل المليشيات الطائفية، المتسببة بالفلتان الأمني، فحلها ليس بيد رئيس الوزراء، إنما هو مرهون بموافقة رئيس اللجنة الأمنية في مجلس النواب، هادي العامري، القائد الفعلي والمسؤول الأول عن قوات بدر، الذراع الفاعل للمجلس الإسلامي، وهذا ما يشكل عائقا فعليا، أمام استتباب الأمن، وتحقيق المصالحة المنشودة، وهي / أي القائمة العراقية / ترى انفرادا في القرارات السياسية من جانب الحكومة، دون الرجوع إلى الكتل السياسية المشاركة في الحكم، أو أخذ موافقة المجلس النيابي عليها، والكتلة الصدرية والفضيلة، ترى مثل هذا الرأي في رئيس الحكومة ، يخالف ما اتفق عليه ضمن الإتلاف، فيما يخص بقاء القوات الأمريكية ودورها في العراق، في الوقت الحاضر ولاحقا، كما أنها تجد أداءً ضعيفا للحكومة، فيما يخص الخدمات المقدمة للشعب، يتطلب الأمر إجراء تعديل وزاري يخدم المصالح الوطنية.. أما الكتلة " الكوردستانية " فعلى الرغم من أنها كانت، ولا زالت، الحليف الأبرز لكتلة الائتلاف، وممثلها رئيس الحكومة، نوري المالكي ، إلا أنها ترى أن الحكومة غير جادة في تنفيذ الخطوات التي أقرتها المادة 140 من الدستور، بصدد كركوك، والانتهاء منها بإجراء الاستفتاء في 15/11/2007،( تم تمديد العمل بهذه المادة) إضافة لخلافاتها مع الحكومة فيما يتعلق بحقهم التفرد في عقد عقود نفطية مع الشركات الأجنبية، دون إعلام المركز، إضافة لأمور أخرى مالية وعسكرية، فلهذه الأسباب الظاهرة، والمخفية، ترى الكتلة الكوردستانية أيضا ضرورة التغيير في الحكومة... شكلياً، توحدت مواقف الكثير من القوى السياسية المختلفة، التي ترى ضعفاً في أداء الحكومة، أو مصادرة لقراراتهم أو تجاهلها ، و شكلت عنصر ضغط على رئيس الوزراء، وعلى رئاسة الجمهورية ومكتبها، لأن يتبنى المالكي مشروعا لتعديل الحكومة، بإجراء تغييرات وزارية " تتحرى الكفاءة " حسب تعبيره، وخصوصا بعد استقالة وزراء جبهة التوافق وانسحاب وزراء القائمة العراقية من الحكومة، مما سبب عطلا في أداء الحكومة، حيث انسحب ما يعادل نصف مجموع الوزراء من الحكومة، والبعض الآخر سحب ممثليه من البرلمان، مما تسبب في تعطيل فعاليته في مناقشة وإقرار الكثير من القوانين المهمة، بعضها لصالح العراق، والبعض الآخر ما تراه الإدارة الأمريكية ضروريا، يمهد لها الطريق لعقد اتفاقات أمنية وعسكرية واقتصادية طويلة الأمد في العراق... شعار " حكومة وحدة وطنية " يبرز إلى الواجهة من جديد، وكأنما الأمر يتعلق بالشكل وليس بالمضمون، فهذه الحكومة القائمة فعلاَ أطلق عليها أصحابها،زيفا هذه التسمية، متوخين خداع الشعب، لما لمدلول الوطنية من معاني حقيقة في ضمير الشعب، فالقوى السياسية، الممثلة في الحكم، هي من الأحزاب،العربية والكوردية /القومية ـ والإسلامية الطائفية ، وهي من شكلت الحكومة على أساس المحاصصة، وليس على أساس من الوطنية والكفاءة المهنية، والأحزاب هي من تسمي وزراءها ضمن كتلها، التي تكونها، وليس رئيس الوزراء هو من يختار، كما أنه، رئيس الوزراء، غير قادر على إستبدال الوزير لأي سبب كان ، دون موافقة حزبه أو الكتلة التي أسندت إليه المهمة، ومن هنا يأتي ضعف أداء الحكومة وفشلها، وهذه الحالة جزء من " حالة ديموقراطية " بمفهوم جديد، يجري تطبيقها في عراق المحاصصة الطائفية .. تكاد أن تُجمع الكتل السياسية على ضرورة التغيير الوزاري، إلا أن رؤاها للتغير تختلف من كتلة لأخرى، البعض يرى أن المحاصصة الطائفية كانت خطأًً والأسلم الإصطفاف الوطني،والبعض الأخر يرى الخيار في ترميم الوزارة الحالية على أساس المشاركة الوطنية، يعني استبدال الوزير بآخر من كتلته أو حزبه، فرئيس التوافق يرى " المصلحة العامة للعراق وللعملية السياسية بملء الفراغات السياسية " ومن" الأدعى الآن الإسراع في تشكيل حكومة وحدة وطنية حقيقية تكون بعودة المنسحبين وأن يكون للتكتلات السياسية التي تمثل جميع أطياف العراق مشاركة حقيقية في اتخاذ القرارات وإدارة البلاد ولا تنفر طائفة بذلك دون غيرها " ومثل هذا الكلام لا يختلف عما كان عليه وضع الحكومة سابقا، سوى أنه يعترف بأن الحكومة السابقة، والتي كانت كتلته تشغل فيها خمسة مقاعد وزارية إضافة لنائب رئيس الوزراء " لم تكن حكومة وحدة وطنية حقيقية.." فإذا لم تكن كذلك فما هي ؟ صعوبة الاعتراف بأنها حكومة محاصصة طائفية، لكونه طائفيا حتى النخاع ..!!
القائمة العراقية وعلى لسان المتحدث باسمها، الشابندر، " مشروع قائمتنا تعديل مسار العملية السياسية برمتها، وتحويل مسارها الطائفي إلى حكومة تختار وزراءها، استنادا إلى عراقية وكفاءة الشخص، وليس استنادا إلى طائفته أو قوميته.." ولن يعود وزراء هذه القائمة للوزارة "مالم يحدث تغيير شامل ويتم تعديل العملية السياسية، عند ذاك سنكون مشاركين حقيقيين في هذه الحكومة.." فمن يتفق مع هذا الطرح إن سلمت نواياه ؟ إن تحقق سيجر بساط الحكم من تحت أقدام قوى لا مصلحة لها بوحدة العراق وكونه وطنا لجميع مكونات الشعب العراقي..! أما كتلة التحالف الكوردستاني، وعلى لسان رئيسها فؤاد معصوم، فهو يرى أن " مشروع حكومة الوحدة الوطنية قد فشل..، وكتلته، تؤكد على ضرورة تشكيل الحكومة الإتحادية الجديدة على أساس الأحزاب، وليس على أساس الكتل البرلمانية، والغاية هو أن الأحزاب تقوم بالمهمات أفضل من الكتل السياسية، التي تعاني من وضع غير مستقر، بسبب الخلافات فيما بينها " السيد معصوم يعتبر الحكومة التي يشارك هو فيها بكتلته، حكومة وحدة وطنية، لذا هي قد فشلت، وهذا ليس دقيقا، فالحكومة التي يشارك فيها هي حكومة محاصصة طائفية / عنصرية، ولو كانت فعلا حكومة وحدة وطنية لكان أداءها مختلف، ولا نعتقده يجهل كيف هي حكومة الوحدة الوطنية، وما هي متطلباتها أو أساليب عملها، كما أن السيد معصوم، بما يراه، يغتصب حق رئيس الوزراء في اختيار وزرائه، وفق ما يراه من مهنية وأهلية الوزير للموقع الذي يختاره، فالوزير المعين من حزبه، أو من كتلته، يبقى خاضعا لقرارهما،في تحديد الموقع الذي يريدانه ويقررانه، وليس خاضعا لرأي رئيس الوزراء ، إلا أن السيد محمود عثمان، أبرز نائب في البرلمان عن التحالف الكوردستاني، يرى أمرا مختلف، حين يعلن : إن على التحالف الكوردستاني أن " يطالب بحقيبة النفط أو المالية بدل الخارجية أو الداخلية، فالحقيبتان أكثر أهمية للشعب الكوردي.." وليست للشعب العراقي، وهنا نلاحظ أن المال والسيطرة عليه هي التي تعطي أهمية الموقع، لحزب الوزير أو للكتلة أو للطائفة التي يمثلها، وليس الهدف منها العمل الوطني، وخدمة الشعب العراقي بكل تكوينات وأطيافه، ولا أحد يشك في أن مثل هذا الطرح، كان نتيجة لما أفرزته حكومات المحاصصة الطائفية من فساد، لم يقدر على معالجته السيد رئيس الوزراء المالكي، برغم ما ورد في " برنامج الحكومة العراقية " في البند "ثالثا : معالجة الفساد الإداري والمالي " الذي شخصه السيد رئيس الوزراء بقوله "يعتبر الفساد الإداري والمالي الآفة الأكثر فتكا – بعد الإرهاب –بجهود التنمية وتطوير حياة المواطنين.." والذي لم يفشل هو في معالجته، فحسب، بل ساهم فيه عندما منع هيئة النزاهة والدوائر الأخرى ذات الإختصاص، من ولوج وزاراته لتحري واقع الفساد فيها، ولأن وزارة المالية والنفط التي يريدها السيد عثمان لكتلته، بدلا عن وزارة الخارجية والداخلية، ربما من أجل إصلاحها،فهي فعلا بؤرةً للفساد ومركزاً للحارمية..!! الناطق الرسمي باسم الحكومة، علي الدباغ، ينهي كل جدل عراقي، حول تشكيل الحكومة عندما يعلن :" الواقع الحالي يكشف عن تشكيل حكومة جديدة هو حل مثالي، وبعيد عن الواقع السياسي وتبقى هذه المسالة حاليا مجرد رغبة، ليست في متناول اليد، ما سيتحقق بالفعل هو سد الفراغات الوزارية ليس إلا.." إذن الحكومة ليست حكومة وحدة وطنية، كما يصفون، إنما هي حكومة " كشكول وطني " كما أطلق عليها المبعد عن وطنه،آية الله الدكتور الشيخ فاضل المالكي، المقيم في قم، فك الله أسره.. !! الكل ينتظر ما ستأتي به الأيام، فرئيس الوزراء أتعبته مناورات ورؤى الكتل التي تشكلها حكومته، فقرر ترك الساحة تمور بمن فيها وعليها، ليتوجه إلى بريطانيا، وهكذا كان يفعل في الأزمات، نوري السعيد، عندما يشير عليه، آنذاك ’ مستشاروه البريطانيون، ولكن لماذا يتوجه المالكي إلى بريطانية، ومستشاروه، هم من الأمريكان..؟ الله أعلم..!!
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |