المخابرات ... ورجال المخابـرات / ح3 !!
 

 

جلال جرمكا/ كاتب وصحفي عراقي/ سويسرا

عضوألأتحاد الدولي للصحافة وعضومنظمة العفوالدولية

tcharmaga@hotmail.com

الحلقة الثالثة / التشميس

المخابرات ورجال المخابرات .. سلسلة من الذكريات ألاليمة .. أتذكرها طالما أنا حي .. فهي اليوم ولربما غدا وحتى مماتي جزء من تأريخ حياتي المرير .. أنقلها بكل أمانة، الغريب أن بعض ألأخوة كانت لهم أراء متباينة حول المقدمة والحلقة ألأولى.. لذلك لابد أن أوضح :

كتاباتي ورأيي بالحكومة والبرلمان شىء .. ومذكراتي شىء أخر.. لا أكيل بمكيالين.. الرأي رأي والمذكرات مذكرات.. كيف يريدونني ؟... أمدح المخابرات ؟؟ أمدح منتسبوا معتقل / الحاكمية؟؟ أمدح الجلادون الذين لاضمائر لهم ولاقلوب ؟؟ مع ذلك لا أظلمهم.. أنقل الحقائق كما رأيتها لابل عشتها .. وأعتقد أن كل الذين أعتقلوا قبلي وبعدي يشهدون على الحالة هناك ويؤدونني على صحة ما أكتب .

أوضح هذا لكوني تلقيت رسالة من أحد ألأخوة يتعجب من كتاباتي ومذكراتي.. لذلك وجب التوضيح ... اللهم أحفظ العراق وشعب العراق .

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

أغلبية الغرف في معتقل الحاكمية التابع لجهاز المخابرات والواقعة في بداية شارع / 52 مقابل (دائرة الجوازات والسفر) غرف مخصصة لشخص واحد والغرفة كالأتي :

• مساحة الغرفة 2 متر مربع فقط .

• كل غرفة فيها (تواليت) غربي وحنفية ماء .. الغريب أن الماء في الصيف حار جداٌ وفي الشتاء بارد جداٌ والسبب لكونها مياه مخزونة في (خزانات) كبيرة فوق سطح البناية .

• في كل غرفة شباك عالي جداٌ والشباك مغطى بستائر حديدية على شكل (ستائر معدنية) بحيث حتى لو تسلقت الجدار لايمكن أن ترى الخارج الا بصعوبة بالغة .. التصميم هكذا .. ولكن في النهار يدخل شىء من أشعة الشمس.. ولكن القليل .

• كل الغرف مطلية بطلاء (أحمر قاتم)، والسبب ليشعر المعتقل بالكآبة .. أنها صيغة أخرى من أنواع ألأرهاب والتخويف والضغط النفسي حتى داخل تلك الزنزانات!!.

• الغرف من الطبيعي أن تكون (رطبة ونتنة) بسب عدم تجدد الهواء سوى هواء أجهزة التكييف !! . ..لكل معتقل (بطانيتان) واحدة تفرش وألأخرى تستخدم كوسادة (مخدة) وبس ... في الليل يكون الجو بارد .. على المعتقل أن يتصرف أما بدون وسادة .. أو يفرش نصف بطانية ويتغطى بالنصف ألأخر ... حالة مآساوية حتى أثناء النوم !!.

• في كل غرفة (باب حديدي) يفتح من الخارج وفيه فتحة صغيرة تفتح من الخارج للأستفسار وغيرها .. في كل غرفة (مصباح) كهربائي ذات الـ 60 واط والغريب أنهم وضعوه في الجدار داخل فتحة محفورة وفي الداخل مغطى تلك الفتحة بشبكة حديدية وعند عطب المصباح يبدل من الخارج ولكن العملية (تبديل المصباح) يستغرق أيام وبذلك يبقى المعتقل لأيام وليال في ظلام دامس .. أكبر مآساة كان يوم عطل المصباح كنت أصلي ودعائي فقط تبديل المصباح... لاغير!!.!!.

• بالرغم من أن الغرفة مخصصة أصلاٌ لشخص واحد ... ولكن عند ألأزدحام وكثرة المعتقلين كانوا يحشرون من 10 الى 14 شخصاٌ فيها ... وتلك كارثة حيث لانوم ولاالجلوس الا بالتناوب!!.

• من ألأيجابيات أن البناية كلها مشمولة بالتكييف المركزي ولولاها لأختنق الجميع !!!.. ولكن في الفترة ألأخيرة كان التكييف كثير العطلات !!... المآسات ألأخرى عند أنقطاع التيار الكهربائي.. تلك كانت كارثة حيث أنعدام الهواء في الغرف !!.

يبقى المعتقل في غرفته طوال أسابيع وأشهر من دون أن يخرج ولو لدقائق (الا للتحقيق ليلاٌ) .. ولذلك ولرطوبة الغرف وعدم أدخال أشعة الشمس وعدم وجود العلاج وألأدوية لذلك تتواجد فيها وتكثر الحشرات (القمل) وغيرها .. وتكثر المعاناة حيث ألأمراض الجلدية وغيرها .. لذلك وفي ألأونة ألأخيرة لجأوا الى حالة سميت بالتشميس!!!.

التشميس :

عبارة عن أخراج المعتقل الى سطح البناية ليعرض جسمه الى أشعة الشمس للتعقيم وأستنشاق الهواء الطبيعي .. شخصياٌ بقيت بحدود شهران وأكثر في غرفتي وفي يوم من ألأيام نادوا على رقمي وأخبرني الحرس وكأنه تفضل على قائلاٌ :

ـ أستعد يارقم 642 وهىء بطانياتك سأخرجك الى السطح لعملية التشميس!!!.

ياللفرحة .. وأخيرأ سأرى النور .. وأستنشق الهواء وأرى السماء !!!. ... حملت البطانيات .. وهنا التعليمات واضحة وصريحة :

تمشي بجوار الجدار من دون أن ترفع رأسك ...تأخذ عدداٌ من السلالم وحينها ممر طويل حيث معتقل (النساء) وعند أنتهاء الممر ..باب كبير وعندها السطح !!.

والسطح .. مساحة كبيرة بحدود 30 أو 40 متر مربع ..لاترى الا السماء .. حيث جدران عالية بأرتفاع عشرة أمتار أو أكثر وعلاوة على ذلك هنالك أسلاك شائكة حول الجدار وفوق الجدار ..!!!.

لا أنسى ذلك اليوم .. كان يوم جمعة .. والوقت كان ظهراٌ .. لأول مرة سمعت صوت (آذان الظهر) أتي من الجامع القريب من ساحة ألأندلس .. من دون أن أشعر بدأت أبكي وأبكي ... خلعت البيجامة وفرشتها لأتخلص من الحشرات و(القمل) وهناك شعرت كم كنت هزيلاٌ وكم فقدت من وزني؟؟؟ .. أستمريت بالدعوات والصلاة وأنا لا أعرف الوقت والشمس القوية في منصف شهر آب اللهاب!!! تصوروا المنظر!!!.

لم أشعر وأنا مغمى على ... وبعدها سمعت ألأصوات منهم من يقول أنه (مات) ومنهم من يقول لالازال على قيد الحياة ... حملوني وجسمي مصاب بحروق من الرأس الى القدم ... نقلوني الى غرفتي .. وبقيت أعاني من الحروق لأسابيع من دون علاج .

بقيت أشتم التشميس وحالة التشميس .. وحينها لم أخرج الا بعد ثلاثة أشهر أخرى !!!.

وهكذا كانوا يخرجون المعتقلين حسب ألأمزجة .. الحرس هو الحاكم المطلق .. ممكن أن يبقيك ساعتان أو ثلاث وممكن أن يكتفي بعشرة دقائق فقط ..!!! حتى تلك العملية كانت فيها ألأبتزاز وغيرها ....!!.

بالنسبة للشخص الذي يقيم في غرفة أنفرادية لايمكن أن يعرف معاناته بالتفصيل.. ولكن إذا كانت في الغرفة عدد من ألأشخاص ويخرجون الى / التشميس.. حينها تتعرف على حجم المآساة.. أجسام هزيلة ونحيلة الشفاه أحمر قاتم.. العيون غريبة ألأشكال..يشهد الباري لاتستطيع أن تنظر الى صاحبك لدقيقة واحدة.. كأن الموجودون خرجوا من قبور!!!.

شاهدت تلك الحالة بعد الحكم على.. لذلك نقلوني الى غرفة قيها تسعة أشخاص.. وذات يوم أخرجونا الى السطح لتلك العملية!!.. كانت لحظات رهيبة وقاسية لاتنسى !!!.

ـ هنالك حلقات أخرى ـ

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com