سعاد خيري والخلط العجيب

 

 

محمد علي محيي الدين

abu.zahid@yahoo.com

طالعت بإمعان وتمعن ما كتبته الفاضلة سعاد خيري في موقع الحوار المتمدن عن مناقشتها لدعوة مدنيون الهادفة إلى لم الشمل للأطياف الوطنية من ديمقراطيين ويساريين وعلمانيين يؤمنون بالتداول السلمي للسلطة عن طريق الآليات الديمقراطية، وقد ركزت الكاتبة المحترمة على أن أهمية الدعوة تكمن في كونها محاولة لتوسيع القاعدة الجماهيرية للتيار الديمقراطي في العراق مما يوحي أنها تؤمن بالتوجه الجديد لأحداث التغيير عن طريق النضال الجماهيري، دون اللجوء لأساليب النضال الأخرى ، وهذا هو الغرض الأساس لمثل هذه الدعوات الهادفة إلى أعادة ترميم البناء المتهدم لهذا التيار الذي غيب عن المجتمع العراقي لثلاثة عقود، فيما كان للتيارات الأخرى قدرتها على التحرك والنمو في الأوساط الجماهيري لعوامل عديدة ليس هذا مجال ذكرها.

ولكنها تنظر للأمر من زاوية بعيدة، تعكس رؤيا متطرفة لا تتفق وما عليه طبيعة القوى وآليات الصراع إذ تنعى على الداعين أنهم من خلال برنامجهم المطروح لا يسعون لإنهاء الاحتلال، بل محاولة تكريسه وديمومته " وإن ما وضعته كحصيلة عفوية لأهداف لا يمكن تحقيقها في ظل الاحتلال. لقد اضطر أقطاب مدنيون إلى استخدام هذا الأسلوب الجماهيري، الذي كافحوه خلال خمس سنوات وفقا لمساومتهم مع المحتلين، واستغلاله لاستعادة مواقعهم في العملية السياسية التي تقودها قوات الاحتلال علن، بعد أن همش دورها بوزير في حكومة يديرها بوش عبر جلسات تلفزيونية مغلقة مع رئيس الوزراء" ويبدوا أن الإشارة موجهة إلى الحزب الشيوعي العراقي بالذات لأشارت الكاتبة الحيية إلى الأمر، متناسية أن التيار الديمقراطي لا يمكن اختزاله بالحزب الشيوعي وإلغاء أدوار الآخرين، لأن بعض التيارات العاملة في الساحة العراقية شئنا أم أبينا محسوبة على هذا التيار وأن الكاتبة ذاتها كانت في يوم ما تسير في ذات الفلك الذي تسير فيه هذه التيارات وتؤمن بديمقراطيتها وأنها جزء لا يتجزأ من الحركة الديمقراطية في العراق، ولكن طبيعة المرحلة بما فرضت من رؤى وتصورات جديدة تدعوا التيار الديمقراطي إلى التأقلم مع هذه الظروف تمهيدا لتغييره، والسعي لبناء ركائزه على الأرض، لأن الأحزاب سيدتي الكريمة عندما تحاول بناء الأسس الثابتة لوجودها عليها التعامل مع المجتمع الذي وجدت فيه، وليس بالإمكان لحزب أو تيار ما أن يستورد أناس من الخارج يؤمنون بتوجهاته وآرائه، وطبيعة المجتمع العراقي اليوم تختلف عن الطبيعة التي كان عليها المجتمع عندما كانت السيدة خيري في العراق، وعلى الحزب الذي ينح للكسب الجماهيري أن يتعامل مع الواقع الموجود على الأرض لا الواقع الذي الراسخ في تفكيره، وعليه العمل بالآليات المتاحة التي يمكن أن توصله إلى أهدافه، ولا يحاول القفز على الواقع ليبقى رهن النظرة المسبقة التي لا يقرها الواقع وترفضها الظروف.

 وليس الشيوعيين وحدهم يتحملون النتائج السلبية الناتجة عن البرلمان العراقي فهم لا يشكلون نسبة مؤثرة في التصويت واتخاذ القرار، ولعل سيدتي المحترمة تجهل أن هذين المقعدين اليتيمين لهم بصماتهم في الكثير من القضاي، ولكن التعتيم الإعلامي، وراء أخفاء الكثير من الحقائق، ولا يعطي الصورة الكاملة للواقع، لأنه كما لا يخفى له أيديولوجيته الخاصة المرتبطة بالقوى المهيمنة على القرار، ولكن لو كانت الكاتبة على اطلاع بما يجري في الداخل، وما يحدث من حراك شعبي قد يؤتي ثماره لصالح هذا التيار، لما أدلت بهذا الرأي ولكنها تبني تصوراتها من خلال زاويتها التي لا يصلها أي بصيص من النور، فالحزب الشيوعي الآن رغم ما يعتور عمله من قصور وتقصير، يحضا بمكانة لا يستهان بها في الوجدان الشعبي ، لما أتسم به الشيوعيين من نزاهة وإخلاص ورؤيا وطنية صائبة تهدف لتحقيق مصالح الجماهير، وربما أن الأيادي لا تشير لغير الشيوعيين بجميع الصفات الرائعة التي يتطلبها العمل الوطني الشريف، ولكن الفقر الإعلامي المدقع وعدم امتلاك الشيوعيين لوسائل أعلام تستطيع مواكبة التيارات الأخرى وراء هذا التسطيح والتهميش، وكان على الأخت الفاضلة بدلا من حمل معول الهدم لهذه الصورة الجميلة أن تسهم بواجبها الوطني وتسعى بحكم مسئوليتها الوطنية وماضيها الزاهر إلى دعم التوجه الوطني بحملة تهيئ له الإمكانيات في أنشاء فضائية يستطيع من خلالها إيصال الكلمة الحرة الشريفة إلى الناس، وعليها أن لا تتجاوز تاريخها السابق وتتحول إلى سهم مغروس في الخاصرة الشيوعية، لأسباب لا علاقة لها بالخلاف الفكري الأيديولوجي بقدر تعلقها بأمور شخصية، ولعلها لا تنسى أنها عندما كانت تسهم في صياغة القرار ارتكبت أخطاء لا تغتفر أثرت بشكل كارثي على الحزب، وليس من المقبول لمن تبوأت مكانة في الحزب أن تلغي ماضيها وتكون إلى جانب أعدائه، لأنها أختلفت معه لسبب شخصي، وعليها أن لا تنسى ، لزوجها الراحل مواقفه التي أدت لكوارث لا يمكن نسيانها ولكن الحزب لم يعامله بما يستحق أكراما لتأريخه، وإذا كانت لديها القدرة على أحداث التغيير، والمساهمة في البناء فالساحة العراقية تتسع لعمل الكثيرين، وعليها تجربة إمكانياتها في الكسب الشعبي وتتحول إلى الداخل وتناضل بالأسلوب الذي تراه ملائما ويمكن له أن يحقق ما تصبو إليه ، أما أن تحاول التغيير وهي في الخارج فهذا ما لا يمكن أن يوصلها إلى ما تريد.

أما تصورها أن الغرض من الدعوة"هو في إشراك جميع القوى السياسية في صنع القرار . الأمر الذي مكن رئيس الوزراء من خفض مدها بالتصريح بضرورة ضم احد أقطابها إلى اللجنة السياسية التنفيذية التي تضم أعضاء رئاسة الجمهورية وأعضاء رئاسة الوزراء ورؤساء التكتلات الكبرى ....الخ" فهذا التصور مردود لأسباب عدة أهمها أن هذه الدعوة لم تكن وليدة اليوم، بل سبقتها لقاآت واجتماعات مكثفة قبل سنوات، ولكن الأطراف الأخرى كانت تجد في نفسها أنها أكبر من أن تكون ضمن مثل هذه التحالفات ولكن نتائج الانتخابات جعلتها تعرف حجمها وطبيعتها فاضطرت لمد الجسور مع الشيوعيين الذين تمكنوا لوحدهم رغم ما رافق الانتخابات من تجاوزات وتزوير الحصول على موطئ قدم في البرلمان رغم إمكاناتهم المتواضعة في الدعاية، وضعف إمكاناتهم المادية الأخرى التي لا تقاس بما تمتلك الأطراف الأخرى من إمكانات ودعم كبير، وأما تصورها ان الشعب ليس بعقيم في أنتاج القادة السياسيين، فقد أنتج الشعب الكثير من القادة العظام ولا زال ينتج، ولكن العظمة اليوم ليست بإرسال الكلام على عواهنه بل بالقبول الجماهيري الذي يثبت من هو الأجدر بالبقاء، وعلى القادة الذين تتصورهم سيدتي أن يلجوا الميدان لنرى عظمتهم التي تكسر الجليد.

 أما قولها أنهم قادرين على"التلاعب بمشاعر الجماهير وتحويل الدعوة من وسيلة تحريك إلى وسيلة لتعميق اليأس وخيبة الأمل من خلال إخمادها . الأمر الذي يضع على عاتق طلائع شعبنا الواعية التي بلورتها سنوات الكفاح لإنقاذ شعبنا مما عاشه ويعيشه من كوارث" وأنا أطمئن سيدتي الكريمة أن كلامها المعسول هذا يصب في خدمة الأطراف الطائفية والقومية أكثر مما يصب في خدمة الجماهير التي تدعي النضال من أجله، وأن الأفضل لها أن تتصل بالفضائيات المؤدلجة لتقدم لهم هذه الخدمة المجانية ، فهم لا يجدون أفضل من هذه الشهادة الصادرة من مناضلة يسارية كانت في يوم من الأيام ضمن هذا الفصيل، ولكنها انقلبت عليه لأسباب ذاتية لا ينبغي الإشارة إليها لما فيها من نبش لماضي نحاول التستر عليه، وأدعوها دعوة مخلصة أن تبحث عن طلائعها الواعية، فستجدها رافعة الأعلام لمقدمها الكريم، ولكني أود أن أهمس بأذنها أن طلائعك التي تتشدقين بها لم يعد لها وجود، وأنك تعيشين في عالم غير منظور، فقد تغيرت الناس وتغيرت المفاهيم، وما عاد الطبل القديم يجمع حوله الجماهير، وقد خفت ذلك البريق، وضلت الناس الطريق، وأن ما تتخيلين ليس له وجود على أرض الواقع، ولعلك تجهلين أن العراقيين الآن لا علاقة لهم بأي فكر حديث ولا زالوا يعيشون بأفكار القرون الخوالي، وأن الأمر يحتاج إلى آليات وسنين من العمل المتواصل حتى نصل بالإنسان العراقي إلى مرحلة الخمسينيات من الجيل الماضي، وأن ما يباع من كتب السحر والشعوذة يعادل آلاف المرات ما يباع من كتب الثقافة، فكيف الحال بالكتاب اليساري الذي لا يوجد حتى في المكتبات.

 وأوافقك الرأي في الدعوة إلى تفعيل هذا التوجه جماهيريا دون الاكتفاء بالتواقيع، ولكن ذلك يحتاج لآليات جديدة ليس بمقدور القوى الديمقراطية توفيرها لضعف إمكاناتها المادية، وإسهام الجميع لإنجاح هذا التوجه، وعسى أن يتحقق الأمل المنشود، وأن يكتب النجاح لكل دعوة وطنية مخلصة، لتخليص البلاد من هذه الفوضى التي مدت أطنابها وطالت كل شيء، وختاما أرجو أن لا تؤاخذني الأخت المحترمة، فيما أسلفت من قول فالهاجس الذي دفعها هو ذات الهاجس الذي دفعني لمناقشتها الرأي، وعسى أن تكون الأيام المقبلة حافلة بالجديد النافع، وأن تتكلل الجهود الخيرة لبناء الجبهة الديمقراطية الموحدة التي تلم شتات هذا التيار، ليأخذ دوره الطبيعي في التحرر والبناء.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com