"على الرغم من كل الأسباب والمبررات والمعطيات المرافقة لتوغل القوات التركية في شمالنا الحبيب، إلا إن العملية في جميع ظروفها تشكل خرقاً واضحاً لسيادة العراق كدولة عضومؤسس في المجتمع الدولي، والموقف منها يشكل نظرة قاصرة لمصالح العراق وشعبه "

مضى على الهجوم العسكري التركي في شمال العراق عدة أيام ولاتزال نيرانه مستعرة، فلا نهاية سريعة وحسم عسكري نهائي للأزمة يلوح في الأفق، ولا موقف عراقي وطني رسمي وشعبي واضح وقوي يضع مصالح البلاد في موازاة مصالح تركيا، ويجبر المتقاتلين على ترك أرض العراق والبحث عن ميادين قتال أخرى تجنب العراقيين ويلات حرب جديدة.

معطيات القتال الدائر تقول إن القوات التركية وصلت مشارف ناحية سيدكان وقضاء العمادية العراقيتين التين تبعدان عن الشريط الحدودي العراقي التركي مسافة تزيد على 20 كيلومترا، وهي تحاول محاصرة أحد المعسكرات الرئيسية لمقاتلي حزب العمال الكردي التركي داخل الأراضي العراقية، ومعسكر الزاب هذا، واحد من عدة معسكرات أخرى بناها ويتدرب فيها وينطلق منها مقاتلي حزب العمال في عملياتهم ضد الحكومة التركية. نظرة تحليلية إستراتيجية لهذا الموقف تضعنا أمام المسؤوليات التالية:

1- إن التوغل العسكري التركي بكل أسبابه ومعطياته هوإخلال بالسيادة العراقية، وهي دولة عضومؤسس في الجمعية العامة للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية والمؤتمر الإسلامي، لها تاريخها وجغرافيتها المحددتين، ولا مصلحة عراقية في هذا التدخل، وعلى هذه الهيئات تحمل مسؤولياتها نحوإيقافه وتحجيمه.

2- تتحمل الولايات المتحدة الأمريكية مسؤولية تاريخية وأخلاقية وسياسية كبيرة في صمتها المدبر وردود فعلها المبطنة تجاه هذا التدخل والنتائج المحسوبة لتركيا منه.

3- تتحمل النخب والأحزاب السياسية الكردية العراقية الفاعلة والحاكمة والمشاركة في الحكم في كل من إقليم كردستان وفي بغداد مسؤوليتها التاريخية والسياسية تجاه تغاضيها عن ضبط حدود إقليم كردستان وكشف ومراقبة ورفض تحركات ونوايا مقاتلي حزب العمال وأي حزب أجنبي آخر حتى لوكان كردياً داخل أرض العراق، لما يشكله ذلك من تدخل في شؤون دول الجوار ومبرر لعمل مخابراتي وأمني وعسكري، يضع العراق بأجهزته الأمنية والعسكرية غير المتكاملة في وضع محدود الخيارات وضعيف مثل الذي نشهده اليوم.

4- تتحمل النخب والأحزاب السياسية العراقية المشاركة في الحكم وأعضاء مجلس النواب العراقي في بغداد مسؤولية تغييب الثوابت الوطنية العراقية ومصالح البلاد العليا، وتفصيلات وتحديدات واتجاهات وأساليب تنمية هذه المصالح، وعدم وضع الضوابط الإستراتيجية لأطر التحرك السياسي والعسكري والأمني والثقافي والاقتصادي، بما يؤمن الحفاظ عليها ومنع أي إقليم وكيان وحكومة محلية وإتحاديه من العمل على زعزعتها والمساس بها حفاظاً على مصالح الشعب العليا.

لا يخفى على لبيب إن العملية التركية كانت إعلاناً سياسياً واضحاً من السلطات التركية على إعلان برلمان كوسوفو" الاستقلال" عن الجمهورية الصربية، وخشيتها من تكراره على أراضيها، فهي لا تسمح بأي نوع من الحكم الفيدرالي والذاتي لكل الأقليات المكونة للشعب التركي ومنهم الأكراد، فقامت بهجومها الإستباقي لتدمير قواعد وقيادات حزب العمال ذوالتوجهات الانفصالية عنها. وعلى الرغم من الموقف الأمريكي المؤيد لاستقلال كوسوفو، إلا إن مصالح الأمريكيين مع تركيا لا يمكن مقارنتها بمصالحها مع صربيا، وبذلك لا يسري موقفها المؤيد لألبان كوسوفوعلى أكراد تركيا، وعلى أكراد العراق إدراك هذه التناقضات وتحديد الموقف الوطني ومصلحة بلادنا منها! وعلى النخب والتيارات السياسية والقومية والدينية والطائفية المكونة للنسيج العراقي أن تدرك إن لامصلحة عليا للعراق في جعله ملاذاً آمناً وحاضنة غير شرعية لأية جهات سياسية أجنبية معارضة وغير معارضة لحكوماتها.

يمكن توضيح الأسباب التي أدت إلى التوغل التركي في شمال العراق كما يأتي ؛

1- أسباب خارجية ناتجة من تراكم أخطاء سياسات الوجود الأمريكي في العراق، والتي كان لها الأثر المباشر في صنع فراغ أمني، تحاول العديد من دول الجوار النفوذ من خلاله واستغلاله للدفاع عن مصالحها وتنفيذ أجنداتها داخل العراق. وأهم هذه الأخطاء عمليات بناء القوات المسلحة العراقية، التي لم تجري بشكل متسارع ومتكامل وشامل خلال خمس سنوات من عمر الاحتلال، بحيث تستطيع هذه القوات بسط قدرتها على كامل التراب العراقي وفقاً للدستور الاتحادي وتستطيع مراقبة حدود العراق وحمايتها ومنع المتسللين من جميع الجهات، وأياً كانت أهدافهم وجنسياتهم. لقد فككت الولايات المتحدة مؤسسات دولة وعناصر سيادة ولم تستطع بناء بديل مناسب لها.

2- أسباب داخلية ناتجة من قبول النخب والكيانات الحاكمة والبرلمان العراقي بازدواجية واضحة بين نظريات فيدرالية مذكورة في طيات الدستور والتشريعات الأخرى، وبين تطبيقات كونفدرالية وأفكار وممارسات فعلية على الأرض أقرب ما توصف بالانفصالية، تنفذها تيارات سياسية وحزبية ومؤسسات غير دستورية كردية، لم توازن بشكل متعمد بين مسؤوليات المركز والإقليم، فغيبت المصلح الوطنية في ظل النزعة القومية، ولم تساهم يوماً في بناء دولة إتحاديه قوية قادرة على حفظ سيادة البلاد وحماية الأقاليم في ظلها، لكي تتفرغ الأقاليم لعمليات التنمية والبناء والرفاه الاجتماعي.

لوتصفحنا الدستور العراقي سنجد فيه الكثير من الحلول التي لوتم العمل بها، سنضمن رفع هذا الضعف الوطني تجاه موقف يهدد سيادة العراق ووحدته ومستقبله، لقد أصبح موضوع شكل السلطة في الدولة العراقية يحتل موقعاً مهماً وحساساً في كل نقاش ودراسة تختص بهذا الشأن. يؤيد الكثير من العراقيين حق الكورد العراقيين في نضالهم من أجل ترسيخ حقوقهم في إقليم كردستان، إلا إن الجدل يحتدم حول ماهية الحدود السياسية والجغرافية التي سيقف عندها هذا الإقليم، هذه المخاوف تجعل البعض يذهب إلى الاكتفاء بإقليم كردستان في الدولة الفيدرالية أما بقية المحافظات فتتمتع بنوع من اللامركزية الإدارية والحكم الذاتي والحكومات المحلية.

الدستور العراقي الجديد جعل الباب مفتوحاً أمام هذه الخيارات وأعترف بالعراق ألتعددي دولة فيدرالية، لكنه لم يحدد ضوابط وشروطاً للتأسيس عليها. إحساسنا يقول إن أي نظام ننشده يجب أن يسعى إلى تحقيق الخير لأفراد الشعب ويصون حقوقهم وحرياتهم في جوديمقراطي بناء. نظام ذوقابلية للسيطرة على مستويات التناقض بين النزعة الاتحادية الموجودة في دولة المركز والنزعات الانفصالية التي تنمولدي الأقاليم والولايات المنتظمة فيها.

بين الإتحاد الكونفيدرالي والفيدرالي

ألإتحاد الكونفيدرالي، هوإتحاد بين دولتين وأكثر وفقاً لمعاهدة ويتم فيه تشكيل هيئات مشتركة في المجالات السياسية والاقتصادية والتشريعية والعسكرية لتنسيق وتوحيد سياسة الدول الأعضاء مع احتفاظ كل دولة بشخصيتها، وبذلك يعتبر إتحاد وحدات سياسية مستقلة (دول) ولكل وحدة علمها وجيشها وتمثيلها الخارجي وشرطتها، إن الإتحاد الأوربي يقترب بإجراءاته التي يطورها كل يوم من هذا المفهوم كثيراً. أما الإتحاد الفيدرالي، فهوشكل لسلطة دولة لامركزية، فهناك علم واحد وجيش واحد وتمثيل خارجي واحد. إن دلالة الفيدرالية هي كونها شكل من أشكال السلطة السياسية يقوم على أساس توزيع الوظائف دون تركيزها بيد فرد وأقلية وكيان سياسي واحد.إن غايات الإتحاد قد تكون الخروج من وضع غير سليم إلى حالة أكثر استقرارا من الناحية الاقتصادية والسياسية، مع عدم منح الفرصة للإنفراد بالحكم واحتكار السلطة بيد شخص ومجموعة تنتهك القانون وتهدر حقوق المجموع.

شروط نجاح الفيدرالية

1 - رغبة الأطراف المتحدة في تكوين الإتحاد وبدون ضغوط خارجية وقسريه.

2 - أرضية خصبة وفهم واضح لأهمية الإتحاد وتحدي العراقيل في سبيل نجاحه.

3 - وجود الاستعداد من قبل الجميع لتقبل المتغيرات الجديدة الناتجة عنه.

4 - تنفيذ برامج تقريب وجهات النظر والعمل على احترامها.

5- وجوب توفر القيادات والكوادر الإدارية والقانونية الإختصاصية الكفوءة والقادرة على تسيير دفة الحكم في الأقاليم والوحدات الإدارية وفقاً للصلاحيات الجديدة.

6 - وضوح الأسس التي سيبنى عليها الإتحاد وصلاحيات الأطراف المتحدة، حيث إن من دواعي اللجوء إلى الفيدرالية هوالاعتراف بوجود مصالح مستقلة لا تخضع في إدارتها للمعايير التي تقوم عليها السلطة المركزية، وهذا يعني وجوب توفر عنصرين رئيسيين في صيغة الدولة الاتحادية، هما ؛

1- وجود قواعد قانونية تحدد قدراً من الاستقلالية اللامركزية.

2- وجود قواعد قانونية تكفل الرابطة العضوية بين كل من المركز والأطراف.

توزيع السلطات في النظم الفيدرالية

مهام الحكومة الفيدرالية (الاتحادية)

ينص الباب الرابع من الدستور العراقي: تحافظ السلطات الاتحادية على وحدة العراق وسلامته واستقلاله وسيادته ونظامه الديمقراطي الاتحادي، وهي تمارس الاختصاصات الآتية :

أولاً. رسم السياسة الخارجية والتمثيل الدبلوماسي وإبرام المعاهدات والاتفاقات الدولية والسياسة الاقتصادية والتجارية الخارجية السيادية.

ثانياً. وضع سياسة الأمن الوطني وتنفيذها بما فيها القوات المسلحة لضمان أمن حدود العراق والدفاع عنه.

ثالثاً. رسم السياسة المالية والكمركية والعملة والسياسة النقدية والبنك المركزي ووضع الميزانية العامة للدولة.

رابعاً. تنظيم المقاييس والمكاييل والأوزان.

خامساً. تنظيم أمور الجنسية والتجنس والإقامة واللجوء السياسي.

سادساً. تنظيم سياسة الترددات البنية والبريد.

سابعاً. وضع الموازنة العامة والاستثمارية.

ثامناً. تخطيط سياسات المياه من خارج العراق وتوزيعها العادل داخله.

تاسعاً. الإحصاء والتعداد العام للسكان.

وبذلك يكون النفط والغاز ملك لكل الشعب في كل الأقاليم والمحافظات.أما الاختصاصات المشتركة بين السلطات الاتحادية والأقاليم فتشمل إدارة الكمارك، تنظيم مصادر الطاقة الكهربائيه الرئيسية، البيئة، التنمية والتخطيط العام، السياسة الصحية والتعليمية والتربوية والتوزيع العادل للثروة المائية.

مهام حكومات الأقاليم

إدارة الشؤون الداخلية للأقاليم وهي تأخذ حيزاً واسعاً من اهتمام وحياة المواطنين، كما إن قوانين الإقليم تطبق على جميع مواطنيه بغض النظر عن انتمائهم القومي والديني والفكري.إن الكثير من الوزارات الاتحادية سوف تنقل صلاحياتها إلى الحكومات المحلية والإقليمية، مثل البلديات، النقل، الصحة، التربية، الإسكان، البيئة، الثقافة، الشباب، الرياضة. إن تجربة الفيدراليات الناجحة في العالم حالياً أثبتت إنها مبنية على عاملين أساسيين مهمين،إذا ما طبقت على أساسها فلا خشية من الفيدرالية على الوحدة الوطنية في البلاد، والعاملين هما :

1 - قيامها على معايير جغرافية إقليمية وليس على معايير قومية ودينية وطائفية.

2 - قيامها على أساس ديمقراطية المشاركة، فإذا كانت ديمقراطية الموافقة تقوم على أساس التأييد الشعبي، فإن ديمقراطية المشاركة تقوم على أساس المشاركة الشعبية في صنع القرار.

إن الدولة الفيدرالية التي يقوم برلمانها وجيشها وأجهزة أمنها ووزاراتها على أساس المحاصصة الطائفية والعنصرية لا تخدم الوحدة الوطنية، إن الوحدة الوطنية تصان بالديمقراطية الحقيقية المبنية على أساس المشاركة الواسعة فهي القاسم المشترك لعدم الخوف على الوحدة الوطنية من الفيدرالية.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com