انتهى عصر النشر الأحادي أي ذلك الورقي فحسب، وانتشى مسار آخر لإيصال الكتابات الأدبية والإبداعات إلى الناس، فلقد أتاحت الشبكة العنكبوتية لكل منتجي أنساق الكلمات ولكل مبدعي الأجناس الأدبية منابر شتى يستطيعون من خلالها التواصل مع من يرومون إيصال جمالية ومضامين ما يبدعونه إليهم...

 لكن هاته المنابر الإلكترونية ولئن قدمت خدمات وكسرت ذلك الاحتكار الذي كان للمنابر الورقية، فإنها في المقابل قد ساهمت قي تبدي ظواهر معينة لم تكن الموجودة حين غيابها...

 ولهذا يبدومن المستساغ، بل ومن المطلوب التطرق بالدراسة لمثل هذه التداعيات،

 وذلك حتى يُصوَّب المسار وتُسدَّد الخطى، ثم وتُغلق الأبواب أمام كل الانحرافات التي يمكن أن تطال هذا المستجد، الذي ما هوإلا نتاج العبقرية الإنسانية والتراكم المعرفي البشري، ذلك الذي سيكون من الغبن لتلك الإنسانية أن يضيع حقها في الاستفادة منه على وجه الأكمل والأفضل.

 فبتواتر استعمال هذه التقنية، وباستدامة توسلها، يمكن الإطلاع على كل الحيثيات

والتداعيات التي ترتبت عن هذا المسلك للنشر ولإشاعة الأدب والثقافة، ذلك الذي فرض نفسه على الساحة الفكرية العربية مؤخرا، وحدا بها هي تلك الساحة إلى الانفتاح على واقع جديد قد تمر الفترات الزمنية ـ وحتى تلك المطولة منها ـ قبل أن يُتوصل إلى حسن استيعاب أبعاده فيها، ومن ثم إلى إتقان التعامل مع خصائصه

ومقوماته من طرف المتفاعلين داخلها.

 وفي إطار محاولة للغوص في حنايا هذا الموضوع من أجل استجلاء غوامضه،

وبهدف تقصي الحقائق المرتبطة به، يبدومن الإيجابي استقصاء أغلب التداعيات السلبية التي نتجت عن هذا التوجه الرقمي للنشر، وذلك من بعد استقراء لمعظم خاصياته ومقوماته وكذا إيجابياته.

 

1 ـ الخاصيات:

 كان النشر الورقي ـ ولمدة طويلة ـ يُخضع الكاتب للضوابط محددة سلفا وللمعايير منتقاة بعناية من طرف صاحب الجريدة والدورية...وما كان لذلك الكاتب إلا أن ينحني أمامها تلك الإكراهات لكي يحظى بوصول كلماته إلى الناس...وأن يتحمل التبعات المادية ويتجه إلى دور النشر إن قبلت هي أيضا أن تجازف بتبني ما انثال من أعماق ذهنه وفكره...

 

لكن وقد ابتكر هذا المسار الرقمي فقد تخطيت الحواجز وأصبح النشر يتميز:

 * ـ باللحظية ـ في بعض المواقع ـ، إذ يكفي أن يقرر الكاتب موعد إرسال ما يكتب حتى يكون ماثلا أمام القراء.

 * ـ وبالمباشراتية، إذ لا يُحتاج إلى موافقة مسبقة من صاحب الموقع في بعض المواقع أيضا، ويُكتفى بأن يكون الكاتب عضوا مسجلا في سجل الموقع ولوحتى باسم مستعار...

 * ـ وأيضا بكونه المتاح للجميع، وذلك دونما اعتبار لشهرة ولرسوخ في عالم الكتابة والإبداع، إذ يمكن حتى للمبتدئ أن يوصل ما خط أسطره ـ وبالأحرى رقن أحرفه على ملمس الحاسوب ـ إلى الناس.

 

 2 ـ الإيجابيات:

 ثم ولا شك من أن انبثاق هذه الكيفية للنشر من رحم التقنية متعها بخاصية النفع وبالإيجابية، فما من داع يكون الدافع للإنسان إلى اختراع شيء ما إلا الاحتياج إليه،

وإلا الافتقار إلى تميز ورقي وجودة خدماته.

 ولذا يمكن الجزم بأن هنالك إيجابيات كثيرة كامنة وبينة، وتتأتى حتما من وراء نهج هذا السبيل المبتدع المبتكر، ومنها أنه:

 * ـ يُمَكِّن من الانتشار السريع عن طريق كثرة القراء والمطلعين.

 * ـ يساعد الأديب على تجاوز مشكلة انعدام القدرة الشرائية، تلك القدرة الممكنة من التعامل الحر مع المنشورات الورقية الجرائد والمجلات والكتب، ومن الإطلاع اللامحدود عليها.

 * ـ يفتح باب التكوين الثقافي المستمر، وذلك عن طريق فعل القراءة الموازي لعملية النشر لكثير من الكتابات، تلك التي تغني الرصيد المعرفي، وتُفعِّل التراكم الثقافي الواعي لدى الكاتب.

 * ـ يعطي فرصة ولوج الكثير من الفضاءات، تلك التي قد تكون المستحيلة المقاربة بفعل البعد الجغرافي، وبسبب الاختلاف الإيديولوجي، وحتى بسبب حداثة السن وانعدام التجربة الإبداعية الطويلة.

 

3 ـ التداعيات والآثار السلبية:

 ويبقى أنه كما لهذه الوسيلة محاسن شتى، وتقدم خدمات شتى متميزة تقرب الثقافة الأدبية والنتاجات الإبداعية للجمهور من القراء، فهي في نفس الوقت تلك التي يؤدي سوء استعمالها إلى ظهور ندوب مُشوِّهة، وتسم بعمق وجه المجال الأدبي العربي، ومن ذلك:

 أ ـ فسح المجال لنشر الرديء والمتدني من الأعمال.

ب ـ عدم مواكبة النقد الجاد لتلك الكتابات الأدبية.

ج ـ ترهل الساحة الأدبية العربية.

د ـ حرمان القراء من النصوص الأدبية المتألقة الراقية.

هـ ـ ظهور تيارات أدبية متنافرة.

  أ ـ فسح المجال لنشر الرديء والمتدني من الأعمال:

 وذلك لغة وأسلوبا، وحتى تحقيقا للمعايير المتطلب تواجدها حين إنجاز أي جنس من الأجناس الأدبية، وكذا أي نوع من أنساق الكلمات، ولربما يرجع ذلك إلى:

 * ـ كثرة المواقع التي ترى نفسها الأدبية وكذا تَناسُل أعدادها.

 * ـ تكالب أصحاب المواقع على نشر كل الكتابات مهما كانت متدنية درجاتها الإبداعية، وذلك من أجل سد الحاجة إلى ما تُملأ به الصفحات.

 * ـ محاولة اكتساب الشهرة وإثارة الانتباه من طرف بعض المواقع الأدبية، وذلك عن طريق قبول نشر الكتابات المثيرة للجدل الفكري السياسي والإيديولوجي، وتلك المتضمنة للجرعات ـ الزائدة عن اللزوم حتى ـ من الجرأة على الدين وعلى الأخلاق، وذلك مهما كان منحطة وغير متوفرة على معايير الإبداع الأدبي تلك الكتابات.

 * ـ محاباة المعارف والأصدقاء الذين يمارسون الكتابة من طرف القائمين على بعض المواقع، وكذا نشر كل ما يخطر لهم على بال ويكتبونه، وذلك دون احتساب مقدار جودة ما يكتبون.

 ب ـ عدم مواكبة النقد الجاد لتلك الكتابات الأدبية:

 فلقد دأب النقد منذ ظهور الإبداع الأدبي على السير بجانبه من أجل تصويب مساره

وتسديد خطاه، إذ لولاه لما أمكن فرز الزائف من الصحيح، ولما تُوُصِّلَ إلى تحديد مواصفات معينة يجب توفر الحد الأدنى منها حتى يُتحدث عن وجود بذار الإبداع.

 ولما كان النشر الورقي محدود الكمية مقارنة مع هذا الرقمي، فإن مسيرة نقدية مسايرة له كانت دائما الموجودة، هذا زيادة على أن ذلك الصنف من النشر كان أصلا يُخضع النتاجات الأدبية لغربال الناشرين، الذين ما كانوا يسمحون لدورياتهم ولجرائدهم بأن تستقبل ما يُمكن أن يُشين بسمعتهم وبمكانتهم الأدبية والمعرفية.

 وقد انتفى هذا الغربال الفارز في إطار النشر الرقمي، فإن الحبل قد أُلقي على الغارب، وأصبح كل ما يخرج من العقول قابلا للنشر وقابلا للصنيف في إطار الإبداع الأدبي.

  ولعل للتجريب دور في تكريس هذا الوضع، إذ يختبئ وراءه كل منتج للكتابة من أجل تمرير ما يكتب كإبداع منه خاص به، ثم وتراه المردد بأنه ليس المحتاج بالضرورة إلى موافقة الناس وحتى النقاد...

 وقد ساعدت في تغييب النقد الأدبي المُوجِّه المُصَوِّب عوامل عدة منها:

 * 1ـ كثرة المواد المنشورة على الشبكة العنكبوتية:

وذلك لكثرة المواقع المستقبلة للنتاجات الأدبية.

* ـ عدم اقتناع الكثير من نقاد الأدب المرموقين الجادين بالنشر الرقمي أصلا:

إذ يعتبرون ما نشر وينشر عن طريقه من سقط الكتابة، ومن ثم لا يستحق أن يُحتفى به وتتابع مسيرته...

 *  ـ عدم قدرة البعض من النقاد على النفاذ إلى العالم الرقمي:

وذلك لضعف ولغياب المعرفة بالمعلوميات واستعمال الحواسيب، ثم إن الجهل باللغات الأجنبية من طرف الكثير من النقاد العرب هوالسبب شبه الغالب لتلك الأمية المعلوماتية، وخاصة لدى الجيل المتقدم منهم هم أولائك النقاد.

 * ـ انحسار الرغبة الحقيقية في ممارسة النقد الرصين:

ذلك المبني على الأسس العلمية الأكاديمية، إذ بعد الإطلاع على الآداب الأجنبية سواء مباشرة في لغاتها الأصلية وعن طريق الترجمات، ظهرت قوالب أخرى شتتت ذهن النقاد غير الراسخين، فما عادوا القادرين على الدفاع عن طروحاتهم النقدية التي هوجمت وانتقدت هي الأخرى، فنودي بالذائقة من القارئ وحدها المعيار يُتكأ عليه من أجل تقييم العمل الأدبي.

 * ـ تقليص المسافة بين الناقد والأديب المنتج:

 وكذا تواجدهما معا في فضاء افتراضي واحد، مع ما أحدث ذلك من إمكانية للتفاعل المباشر بينهما كتبادل الآراء والردود والتعليقات، وكل هذا قزم فرص انحشار الحياد

والنزاهة بين ثنايا النقد المفترض أن يكون، وفتح الباب أمام كثرة المجاملات وتبادل كيل الشكر والمدائح.

 * ـ تواجد العدد من الكتاب في الحيز الواحد:

 مع التمكن من إطلاع كل واحد منهما على نتاج الأخر، ثم وبروز الرغبة الجامحة في نيل الإعجاب الصادر من ذلك الآخر، فيبدأ بمغازلته وبالرفع من قيمة ما كتبه طمعا في الحصول على المقابل إشادة بما أنتجه هوونَسَّق كلماتِه...كل هذا حتى دون اطلاع كل منهما على مضمون وعمق ذالك المنتج من طرف كليهما في بعض الأحيان!

لكنها المجاملات الثقيلة حد الغثيان في الكثير من المواقع حتى الجادة منها، وتراد

ويسعى وراءها اعتقادا بأن تلك الانطباعات من طرف المعلقين مما يكسب شهرة ومرتبة وترقية في سلم عوالم الأدب، مع أن المعلقين في الكثير من الأحيان ليسوا إلا من الهواة ولا شأن لهم بالمعرفة الواعية في مجال الأدب، ثم وهم لا رصيد علمي لهم يمكنهم من الحكم على الإبداعات التي نشرت، وقاموا هم بنشرها على صفحات المواقع الإلكترونية.

 ولعل من أبرز مظاهر ذلك التكالب على تبادل المجاملات وانحشارها في نسيج فكر جل ـ إن لم نقل كل ـ الأدباء الممارسين للنشر الرقمي:

 ـ انتشار تلكم "الحوارات" المبثوثة هنا وهنالك في المواقع الأدبية:

 والتي يقومون بها هم "الأدباء"الواحد تلوالآخر مع بعضهم البعض، وذلك بهدف الحديث عن أنفسهم وكذا عن "إنجازاتهم الأدبية العظيمة" والتي ما حكم بعظمتها وبتفردها في الكثير من الأحيان أحد سواهم.

 ـ تعدد تلكم "القراءات" المسماة "نقدية":

 تلك الموشاة بالمدائح والمطرزة بتفخيم المحاسن، المغيب منها تمام ذكر المثالب والنقائص للإبداعات المنشورة، ويقوم بها:

ـ من تخصصوا في هذا الباب، ومن هم حتى مدفوعي الأجر في بعض الأحيان!!!

ـ وهم أولائك الأدباء لإبداعات بعضهم البعض، مع الحرص على إلصاق وتكرار الألقاب الرنانة للكاتب وللمكتوب دون حدود ولا نهايات.

 * ـ التعامل المنحاز غير المحايد مع الإنتاجات المُبدَعَة من طرف الجنس الآخر المغاير:

وهذه الظاهرة كانت المؤثرة نسبيا في ميدان النقد الأدبي زمن النشر الورقي، لكنها الآن الأكثر تأثيرا والأعمق وسما بفعل التعارف والاحتكاك المباشرين بين الجنسين في العوالم الرقمية.

ثم ويبدوهذا الأمر أكثر وضوحا حين يتعلق بتعامل الرجال مع نصوص أدبية للنساء!إذ تظهر التعليقات والتفاعلات وكأنها موجهة لشخص الأديبة لا إلى نصوصها...

ولعل للأديبات دور في تكريس هذا التوجه في مجال النشر الأدبي الرقمي، إذ هي الصور منهن تنضح بالنظرات الحالمة المستكينة، وتتضوع بالعري، وتُبدى كل ما يُمكِّن من استجلاب اهتمام القراء الذكور بهن، وبالتالي تبعا لذلك بنصوصهن التي تصبح في الصف الأخير من المهتم به بعد أجسادهن.

 إذ هوالاعتقاد راسخ لديهن بأن ذلك القارئ المعلق والناقد الأدبي سيتساهل حتما حين إبداء رأيه بخصوص نص أنثوي، وبالتالي سيضفي هالات من إعجابه المضمخ بالإطراء "رفقا بالقوارير"...

 وهذا ما ينتج تعاليق وردودا تنثال منها عبارات الغزل المبطن وحتى الصريح، وهذا مما يؤدي طبعا إلى الإساءة إلى صورة المرأة الأديبة التي تفقد مصداقيتها وتتردى مكانتها في عالم الأدب، ذلك الذي ما كان عليها أن تروم إلا أن تكون لها القدم راسخة فيه كما الرجل دون إقحام بعد الجنس المنتمى إليه.

 إذ أن النقد الأدبي عمل أخلاقي بالدرجة الأولى، ويجب أن يهدف أولا وأخيرا إلى السلوك بالمبدع إلى درجات أعلى من الإبداع، وذلك دون الغوص في تفاصيل ماهيته وهويته وجنسه.

وهكذا فإن التنقيب عن جوانب وحيثيات في شخصية المبدع قبل التصدي للبحث عن خصائص ومقومات نصه المقصود بالنقد وبالتمحيص وحتى بالتعليق انزلاق مقيت، ومن ثَمَّ هويخدش مصداقية الناقد، وحتى ينتقص من درجات علميته وثقافته، إذ يؤدي به إلى ولوج وهدة التمييع، ويدخله في متاهة المجاملات الرخيصة غير البريئة في غالب الأحيان.

 إذ الناقد الأدبي الجاد المؤمن برفعة رسالته لا يبتغي إلا تشريح النص من أجل إبراز خبئه الجيد وكذلك ذلك المجانب للصواب، سواء تعلق الأمر بالقالب الأدبي وبالمضمون، وسواء أ كان من مبدع ومن مبدعة.

إذ ليس من فرق في كيفية مقاربة النصوص متعلقٌ بجنس الكاتب، فما من موضوع مباح للأديب تناوله دون الأديبة، وإلا فهوالتكريس لتداعيات الموروث التقاليدي المقيت، فما لا يجب طرحه لأن الأخلاق قد تمجه وترفضه، فالأمر فيه سيان بالنسبة للجنسين، وما هورديء إنتاجه ومستهجن إبداعه فهوكذلك بالنسبة إليهما معا.

ويبدوأن احتكار الرجال لفضاءات الإبداع الأدبي لمدة طويلة ـ للإقصاء كان من نصيب المرأة ـ جعلهم غالب القضاة والمحتكم إليهم عند تقييم الكتابات في العالم الرقمي، وهم في الغالب لم يتوصلوا لحد الآن للتجرد من الأفكار المسبقة عن المرأة

والسائدة في المجتمعات التقاليدية، فهي تبقى بالنسبة إليهم تلك الأنثى...والغواني يغرهن الثناء...

إذ ذلك التمييز لا زال الموجود والكائن، ومتعلق بتغلغل النظرة الغريزية للرجل إلى المرأة رغم معايشته لولوجها شتى الميادين وخاصة الفكرية والأدبية منها، وبالرغم من أن موجات "الحداثة" قد تغلغلت في نفوس الجل منهم كما يدعون.

 وهذا ما لا يمكن أن يستساغ أدبيا ولا حتى أخلاقيا، لأنه يُشعر بعدم الإيمان بالندية للمرأة مع الرجل في عالم الأدب، وبعدم القدرة منها على الإبداع الرصين المستحق لذلك لنقد الرصين، المؤدي بها في نهاية الأمر إلى مراجعة النفس باستمرار من أجل تحسين وتجويد الإنتاج...

 وبناء على هذا يجب على الأديبة الواعية أن تنشد ـ حينما تنشر نصا إبداعيا في احد المواقع الأدبية الرصينة ـ الحصول على انطباعات وانتقادات محايدة من الأدباء والمثقفين،وذلك من أجل الاستفادة من توجيهاتهم وآرائهم لتتقدم قدما إلى الأمام، لا لتستجدي عبارات الإطراء والمجاملة رغم رداءة النص وتردي نوعيته...

فالتوسعة في إنفاق المدائح على المرأة في مجال النقد أمر على المرأة المثقفة أن تحاربه وتستهجنه، لأن وجوده وتكريسه يعني أنها غير قادرة على الصمود كما الرجل أمام النقد البناء الجاد الموصل إلى اكتشاف الهنات، ومن ثم العمل على التصدي لها بتجاوزها وإصلاحها.

فكم من "المبدعات" أُحطن بهالات من الإعجاب وأغدقت عليهن المدائح في واقع الحال... فكان أن استسلمن لوهم التميز، وتهن في بحور تلكم العلاقات!!! وانصرم ربيع حياتهن بين أيدي المعجبين والزملاء...واكتشفن في آخر الأمر وبعد ضياع فرص الاستقرار الاجتماعي أن الإعجاب لم يكن إلا بالجسد وبالشباب لا غير...فما من رصيد إبداعي يعتد به، وما من إبداع كان أصلا، وإنما هوكلام معسول أتقن "النقاد "تنسيقه من أجل حيازة الاستمتاع ب"القرب" وب"المقاربة"...!!!

فالمطلوب من الأديبة الواعية إذا أن لا تطالب وأن لا تقبل إلا بما تستحق، وعوض أن تستمرئ ما ينثال عليها من هبات القول وتبرعات الاستحسان، عليها أن تسعى إلى نبذ ذلك السلوك وإلى الرد عيه بتطوير نفسها، وبناء كيانها الفكري من أجل حيازة ما لها عن جدارة واستحقاق.

فحين الإطلاع على بعض المواقع التي تقدم نفسها بصفة ال"أدبية" وحتى الجادة نجد أقلاما نسائية تؤثث فضاءات تلك المواقع، ولا تعمل إلا على الترويح عن العنصر الرجالي، الذي يستغل وجودها للتفاعل معها حول التافه من المحاور والموضوعات وحتى البذيء الشائن منها في بعض الأحيان، وذلك من أجل الهروب من واقع مأزوم متشنج عمل على خلقه هو، ثم وهويكرسه داخل أسرته عن طريق العنف واللامبالاة والإهمال.

 ج ـ ترهل الساحة الأدبية العربية:

 وذلك عن طريق إغراق المجال الأدبي بالنصوص المتراكمة، طبعا دون حضور معايير الجودة...فقط هوتصاعد لوتيرة الإبداع الذي فُتح بابه أمام الكل، حتى أمام من لا يتقن اللغة العربية التقريرية العادية، بَلْهَ تلك التي تمكن من النسج على النول الأدبي الرفيع.

 فتلكم المجاملات المبالغ فيها وغير محسوبة النتائج هي من وراء اعتقاد البعض كونهم أصبحوا الأدباء حقيقة، وبالتالي تجدهم لا يفتأون يغرقون المواقع بكل ما تتفتق عنه قرائحهم من نصوص لا تنفع إلا في التدليل على سذاجة منتجيها وبساطة تفكيرهم.

 د ـ حرمان القراء من النصوص الأدبية المتألقة الراقية:

 تلك التي كان يمكن إبرازها وتمتيعها بما تستحقه من الاهتمام والدراسة لولا كونها المغمورة في بحر الغثاء الرقمي، ذلك الذي لم يعد النقاد يرون أنفسهم المعنيين بولوج خضمه من أجل العمل على تعيين الفاسد ونبذ المتهالك المتواجد فيه.

 هـ ـ ظهور تيارات أدبية متنافرة:

 وقد ساهم في ذلك تعدد المواقع، وحتى ظهور تلك لا تحتضن ولا تنشر إلا لتوجه إيديولوجي معين...وذلك لعدم الرغبة في قبول الرأي الآخر، ولعدم استيعاب بُعدِ الحق في الاختلاف، ذلك البعد التي يُمكِّن من التواجد في فضاء افتراضي واحد، ثم

ويكون عونا على إقامة حوار حضاري جاد وبناء يُفَعِّل أواصر الأخوة في الإنسانية حتى إن انتفت وشائج أخرى.

 وأخيرا...

 هذه من باب التمثيل لا الحصر بعض الخاصيات والمقومات الإيجابية والتداعيات السلبية الناتجة عن استعمال النشر الرقمي في المجال الأدبي، تلك الطريقة التي لا يمكن الاستغناء عنها لارتباطها بالتقدم الإنساني، ولإتاحتها الحصول على العديد من المكاسب...وتلك التي يجب إعادة النظر في سبل توسلها حتى يثمر لك التوسل ازدهارا وينعا في عالم الأدب، ذلك المحتفي بجمالية الرؤى المصورة بجميل الأنساق والكلمات...

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com