|
قرأت ما كتب بخصوص زيارة محمود أحمدي نجاد رئيس جمهورية إيران الإسلامية إلى العاصمة بغداد الحبيبة، هذه الزيارة التي تعتبر تاريخية رغم مخالفة بعض المتشنجين المعترضين لفكرة التقارب الحاصل بين بلدين شهدت حدودهم حربا ضروسا دامت ثمان سنوات (1980 -1988)، راح ضحيتها مئات الآلاف من الضحايا من الجانبين، وأمثالهم من الجرحى والمعاقين. كلنا يتذكر كيف اندلعت تلك الحرب الشعواء، وأسبابها الحقيقية لا تخفى على ذي عقل رشيد، حينها كانت ماكنة صدام الإعلامية تطبل لأكاذيب وافتراءات، مشرعنة من خلالها حربها المستنزفة لقدرات العراق البشرية والعسكرية والمادية حيث تبنى وقتها النظام العراقي مهمة الوقوف بوجه المد الفارسي متبرعاُ بالشعب العراقي للأمة العربية، تحت دعوى حماية البوابة الشرقية. (مسألة عادية فالكل كان عنده فدوه لبو عداي والعروبة!!). اذكر تفاصيل الحرب المؤلمة للشعبين الإيراني والعراقي على حد سواء، كما أذكر جزئيات جريمة التسفير البشعة التي تعرض لها أبناء العراق وأنا منهم حين زج نظام صدام البائد بالعوائل المسلمة الشيعية العربية الأصيلة والأكراد الفيلية إلى إيران، التي كانت حديثة النشأة بعد سقوط نظام شاه إيران. لم أزل أتذكر وجوه الناس على الحدود، وكم وددت لو تمحى تلك الصورة من ذاكرتي، ومنها موقف لم يزل في ذهني وهو منظر عمي رحمه الله الذي عاش ومات في إيران ولم يستطع إتقان اللغة الفارسية! سأل موظف الحدود عمي عن أسمة و اسم عائلته (اسم شما وفاميلتن) أجابه المسكين دون أن يفهم السؤال إي والله أنا لابس فانيله حتى شوف!! ومشهد آخر لرجل قروي عجوز ينوح ويبكي على مزرعة النخيل التي كان يملكها (آه بويه نخلاتي..آه يا نخلاتي) وقد صودرت منه عنوة وتم تهجيره وحيدا!! مظالم والله لم ينظر فيها حتى اللحظة!! كل هؤلاء الناس وغيرهم ممن هربوا من بطش الجيش الصدامي بعد حرب الخليج الثانية وانتفاضة شعبان المباركة استقبلتهم إيران الإسلامية وحمتهم وجعلتهم ضيوفا رغم المشاكل والصعاب التي كانت تواجهها خلال فترة الحرب الجائرة وما بعدها.. أقول هذا ليس دفاعاُ عن الجمهورية الإسلامية وإنما كي لا نصبح ببغاوات نردد ما علق في أذهاننا من خزعبلات الثقافة الصدامية التي باعت العراق وشعبه لمن يدفع أكثر!! ولست هنا بصدد شرح صفحات أصبحت من التاريخ. ولا للعتب على كتّاب القومية العربية والبعثية لعلمي ويقيني المسبقين إنهم لايستحقون هذا العتب والكلام معهم أشبة بمن ينفخ بقربة مقطوعة، فبعضهم هاجم الزيارة بشكل غير منطقي متهماُ الحكومة العراقية الحالية بعدم الوطنية وانعدام الضمير وهي تستقبل بزعمهم عدو العراق الأول! يا ترى من هو عدو العراقيين الحقيقي؟ هل هي إيران الدولة التي بادرت لمد يد العون وتقديم المساعدة من أجل النهوض بواقع العراق الخدمي؟ فكما يعلم الجميع أن إيران تمتلك قدرات فائقة في مجال التكنلوجيا والطاقة وقد قطعت أشواطا مهمة في هذا المجال، والعراق بلد يحتاج إلى تلك الخبرات وهذا العون، لما أصابه من انهيار في البنية التحتية نتيجة الحروب العديدة والغزو الأمريكي وما تلاه من تخريب لمفاصل الدولة على يد الإرهاب العابر للحدود من تدمير الطاقة الكهربائية والمائية وقطاعات الخدمات الأخرى. أما الدول العربية المجاورة للعراق، فقد ظلت مترددة ومتفرجة على خراب البلد الاقتصادي والخدمي بل ساهمت في استمرار تدهور الوضع الأمني من خلال تصدير الإرهاب القاعدي الوهابي الذي يعمل على تفاقم الأزمات حتى لا ينهض العراق ثانية. فالحديث عن العلاقات الإيرانية العراقية بعد سقوط النظام في بغداد الذي تسبب في نزف جراح ملايين العوائل من كلا الطرفين، يجب إن يكون بمستوى الواقع المعاش، فهذه إيران بلد له ثقله في المنطقة ويستطيع دون شك مساعدة العراق للنهوض وفي مجالات شتى. أتساءل وباستغراب: لماذا الخوف من جار مسلم والاعتراض على مبادرة التعاون بين البلدين مادامت تصب في مصلحة الشعب العراقي؟ لماذا تبقى آفاق بعض الكتاب والمحللين السياسيين تنحصر في أفكار قوموية بالية دون الارتقاء إلى مستوى وحجم الضرر الذي أصاب العراق ومحاولة الاستفادة من جميع الفرص و المبادرات التي تدعم العراق في عملية إعادة الأعمار؟
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |