الحالة الفرعونية لدى الانسان – الحلقة السادسة عشر

 

محمود الربيعي

mahmoudahmead802@hotmail.com

نمو الحالة الفرعونية عند الطفل –  جنبوا اطفالكم الاصابة بالحالة الفرعونية

 توطئة

 لماذا نؤكد على الحالة الفرعونية؟

 الحالة الفرعونية مرض يصيب الانسان بدا من ولادته ومرورا بكل مراحل حياة الانسان، بسبب التربية الاسرية الخاطئة،  او المحيط السئ الذي يعيش ويترعرع فيه ويتغذى من ثقافته، او بسبب الظروف القاهرة التي يمر بها الى غير ذلك من الاسباب ، وينشئ نتيجة لذلك انسانا غير الذي نتوقع منه كونه مدنيا بالطبع يحب الاخرين ويتعاون معهم ويفنى في سبيل المبادئ والقيم، ويدافع عن الحق، ويموت في سبيل اعلاء كلمة الحق واهله مثلما يدافع عن نفسه وعرضه وماله.. ان الحالة الفرعونية اذا ماتراكمت سببت اشاعة ثقافة العنف في المجتمع ويحدث ذلك ظهور حالات عنفية قد يكون ضحيتها عشرات او مئات او الاف وقد يكون ضحاياها الملايين من الناس احيان.

 ان تجمع الحالة الفرعونية في انسان او في حزب اوفي طائفة وتغذيتها المستمرة لطبقة من الناس على هذه الشاكلة يشكل خطرا حقيقيا يهدد حياة الناس وسعادتهم.

 

هل اكد الخالق سبحانه وتعالى على ضرورة اخلاء الارض من الحالة الفرعونية ؟

 ساقتصر في مقالتي هذه على ماذكر فقط ومن جانب واحد على ماورد من التاكيد على الاية \" فباي الاء ربكما تكذبان \" من سورة الرحمن وهي سورة 55 والتي ذكرت احدى وثلاثون مرة،  فلماذا يكررالله سبحانه وتعالى هذه العبارة كل هذه المرات؟ افلا يكفي ان يذكرها مرة واحدة ! ولماذا ارتبط الحديث كل مرة عن التكذيب، ولماذا ارتبط الحديث كل مرة عن فئتين من الخلق وهما الجن والانس ! ولماذا خاطب الله سبحانه وتعالى معشر كل منهما ! ولماذا يذكر الله سبحانه وتعالى في اكثر من موضع مرتين او اكثر على ضرورة العمل بالمبدا والفكرة وفي الكثير من ايات القران! اليس ذلك يعني غفلة الناس وعدم استجابتهم بسهولة وانهم ينسون والفرض تذكيرهم وتكرار النصيحة.

 

لماذا يلح الانبياء والرسل على الدعوة الى التوحيد ؟!

 لقد ارسل الله سبحانه وتعالى ثلاثمائة واحد عشر رسولا (311 )، كما ارسل مائة وعشرون الف نبيا ( 120000) كلهم دعوا الناس الى توحيد الله سبحانه وتعالى وعدم الاشراك به، افلا يكفي ان يبعث الله الى الخلق نبيا واحدا يدعوهم الى التوحيد !، فما هو السر في ذلك؟! وفي كل مرة يقول الله سبحانه وتعالى افلا يعقلون\" افلا يذكرون؟! افلا يتدبرون؟! الخ من العبارات التوبيخية المستمرة ومنذ ان خلق الله ادم وقبله وبعده.. قال نوح عليه السلام مخاطبا قومه \" ربي اني دعوت قومي ليلا ونهارا فلم يزدهم دعائي الا فرارا، واني كلما دعوت لهم لتغفر لهم جعلوا اصابعهم في اذانهم واستغشوا ثيابهم واصروا واستكبروا استكبارا \" سورة 71 نوح الايات 5و6و7.

فلماذا كرر نوح عليه السلام كل ذلك في دعوة استمرت تسعمائة وخمسون عاما بدون كلل او ملل؟! .. وهكذا كان دور بقية الانبياء والرسل والمصلحين من الدأب في تذكير الناس على رعاية حقوق الانسان وبذل الكلمة الصادقة والتاكيد على انتهاج سياسة اللاعنف مع الطفل ومع الزوجة او الزوج وفي كل حالة يتواجد فيها الرجل وتتواجد فيها المراة، من حيث اننا نشجع مبدا هابيل ونرفض مبدا قابيل..  نحب مبدا المصلحين ونكره مبدا المفسدين.. وهكذا كان دور الاوصياء عليهم السلام،  فقد اثر عن الامام علي عليه السلام انه اشتكى اليه الناس من خطيب يكرر ويعيد نفس الايات ونفس الكلمات دون ان يكون موسوعيا يتحدث بكثرة وينوع حديث، وعندما ساله الامام روحي له الفدا عن سبب ذلك من عدم التغيير اجابه الرجل ياامير المؤمنين لم اغير حديثي لانهم لم يتغيروا حيث ارى الناس على ماهم فيه من المعاصي والمنكرات،  فالقاتل والسارق والزاني على ماهم فيه دون ان يلتفتوا الى انفسهم ويتوبوا الى الله، لذلك لم اغير لانهم لم يتغيروا ؟! فقال له ممتحنا فما تقول في التقوى فاجابه عامله وخطيبه المنصب فقال فأما التقوى فهي الخوف من الجليل والرضا بالقليل والحكم بالتنزيل والاستعداد الى يوم الرحيل، فقال له الامام روحي له الفدا بارك الله فيك فانت تعلم ماتقول فاستمر على مانت عليه.. وقد ذكرت هذه الحكاية في مقالات سابقة في احدى الخواطر حيث نشرت خواطر متعددة في رمضان الماضي وعن الحج في هذا العام، وهي حكاية سمعتها من افواه الناس، والعبرة في الفكرة والمضمون.

 

المثل يقول اولاتعلم ان الحبل في تكراره في الصخرة الصماء قد اثرا ؟ !

 وهذا المثل الذي لم يولد بالصدفة وانما هو تعبير عن الخبرات المتراكمة عند الشعوب وعند الناس وبالفاظ متباينة وبالسن مختلفة، كلها تؤكد على ان الانسان يحتاج دائما الى من يذكره ويعينه ليلتفت الى نفسه وينزع عن نفسه الغرور وركوب موجة الشيطان \" ومنهم من يقول ائذن لي ولاتفتني الا في الفتنة سقطوا وان جعنم لميطة بالكافرين\" سورة 9 التوبة الاية 49 .

 

نحن بحاجة الى اشاعة ثقافة السلم ونبذ ثقافة العنف

 اننا نلفت كتابنا ومفكرينا وادبائنا ومعلمينا وخطبائنا الى ضرورة إشاعة ثقافة السلم بين الناس ولابد للدولة وللقيادات المختلفة داخلها ان تلتفت الى التخطيط والاعداد لتغيير المناهج والكتب، والى اعادة النظر في برامج المحطات الاذاعية والتلفازية، وفي طبيعة الكتب والمنشورات الصادرة اوالتي يكتب لها ان تصدر، وفي تنبيه الطبقة المثقفة التي تقود المجتمع الى اتباع المنهج السليم في بث الوعي بين الناس على اساس التخلص من ثقافة العنف وتوجيه الناس الى الاخلاق الجيدة التي تدعو الى المحبة والتعاون ونكران الذات.

 

لازال الكثير من الناس بحاجة الى توعية

 ان مستوى القارئ يعتمد على مستوى الثقافة العامة للمجتمع، حيث يبقى ذلك المستوى مرهونا بالقيادات سواء كانت داخل الاسرة او العشيرة او الدولة او الحزب او الطائفة اوالعنصر \" واذا رايتهم تعجبك اجسامهم وان يقولوا تسمع لقولهم كانهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله انئ يؤفكون \" سورة 63 المنافقون الاية 4.

 

عود الى بدا للحديث عن نشوء الحالة الفرعونية ونموها عند الطفل

ان على الاسرة ان تتصرف فيما بينها بشكل حضاري خالي من العنف..  فان أي مظهر من مظاهر العنف بين الابوين ينعكس تاثيره بشكل سلبي على حياة الطفل ويظهر على شكل عقد مستحكمة لايمكن ازالتها والتخلص منها بسهولة..  فالصورة التي تنطبع في ذهن الطفل وهو يرى قسوة ابيه تجاه امه ويرى شدة النزاعات بينهما له الاثر المحبط في عملية البناء النفسي للطفل بحيث تغلب على ذلك الطفل المعاناة من العقد المزمنة التي تؤثر على مسيرة حياته ومستقبله .. كما ان تصرف الابوين تجاه الاخوة وامام الطفل يطبع في مخيلته صور العنف التي يراها والتي تترك اثارها على اتجاهات الطفل وطبيعة تصرفاته.

  ان عقلية الطفل وقدرته على التمييز تنمو بنموه الجسماني فيمتص من محيطه الغث والسمين ولابد في هذه الحالة ان لايسلط عليه ضوء الانفعالات اوالجدل الحاد والنزاعات بين افراد الاسرة اومام والجيران اوالاصدقاء،  وينبغي ان يرى صور الحوار الحر البناء الذي ينبغي ان تتسم به طبيعة والديه واخوته ليكونوا له قدوة.. ان الطفل يولد على الفطرة ويحمل البراءة في نفسه ولابد ان يشعر با لعطف والحنان ويتلقاهما من والديه واخوته واخواته وبقية اقاربه  فان ذلك يزرع روح المحبة والالفة بين افراد الاسرة والاقارب وينمي رغبته في الرحمة والشفقة والتعاون والتوادد.

 

الطفل نعنيي به الذكر والانثى

 يخطا من يظن ان حالة الطغيان والتجبر والتفرعن مقصورة على الرجال ، ويخطا من يضن انها تصيب الملوك والرؤساء فقط فقد تصاب بها النساء كما يصاب بها الرجال بل وتشمل الحالة جميع مراحل الانسان سواء كانت مرحلة الطفولة او الفتوة او الشباب، وفي داخل الاسرة وخارجها، وقد تظهر الحالة على شكل فردي او كظاهرة اجتماعية عامة ونعني بذلك الدولة او مجموعة من الدول.

 

الاعتدال في محاسبة الطفل

 الافراط في كل امر او التفريط به يعطي دائما نتائج عكسية..  وهذا المبدا ينطبق على كيفية محاسبة الطفل،  فالافراط في استخدام العنف يعمق في مراكز الاحساس والذاكرة والتفكير  في ان العنف هو القاعدة التي يجب ان يسير عليها الانسان لحفظ البنية الاجتماعية والاخلاقية، وهذه التصورات تنطبق على ظاهرتي الصدق والكذب،  فالمجتمع الذي يحبذ الكذب يعمق القناعة بانه الطريق الصحيح لجلب المنفعةفي نفس الوقت الذي يعمق فيه ان الصدق حالة سلبية يمكن ان يخسر بها الانسان الكثير من مصالحه ، وهذا الفهم القاصر ياتي بسبب الجهل بحقيقة الحياة ومفهوم الناس تجاه الكون والحياة ومفهومي المبدا والمعاد.

  وعلى كل حال فان مفهوم التربية والتعليم يجب ان يتطور ليأخذ ابعادا مختلفة عما هو سائد في تفكير الناس والمربين والمعلمين..  فتربية الطفل عن طريق محاسبته لاتعني استخدام العنف بالضرب او التقريع المسبب للعاهات الجسدية والنفسية،  وانما يعني بالضرورة انتهاج سياسة التوجيه والتأديب لكي يفهم الطفل بان هذا صحيح وذاك خطا، وان هذا حرام وذاك حلال، وانه ان فعل الحرام فان عقابه في الاخرة العذاب ، وان حسابه في الدنيا يعني عقاب الدولة وعقاب المجتمع، وان الخطأ يفقد الاحترام والتقدير والثقة وعلى هذا الاساس فان طريق التوجيه أفضل من العقاب البدني، الا في حالات الضروة القصوى وذلك يتطلب فهما دقيقا للتشريع سواء على مستوى الدولة او مستوى الدين.. فالغرض في النهاية هو ان نشير بدرجة معينة الى خطا الطفل لأجل تعديل سلوكه وتقويم تصرفاته بالاتجاه الذي يعزز من قيمته كانسان فلا ينبغي ان نستخدم العنف وبأية درجة كانت ولأتفه الأسباب.

 

كيف نجعل الطفل يتخلص من طاقتة الزائدة ؟ وكيف نجنبه حالة العنف ؟

 يمتلك الطفل طاقة كبيرة ونشاط حيوي كبيرين،  فكيف يصرف الطفل هذه الطاقة  خصوصا اذا منعناه من الحركة واللعب والتطلع الى عالمه الخارجي..  وماذا يحصل لو منعناه من مسك جميع الحاجات من حوله واقصد بذلك منعه بطريقة عنيفة، وهل يمكننا بهذه الطريقة  ان نخلق شخصية متزنة وواثقة من نفسها لها حرية الاختيار؟!  وكيف سنشجع اطفالنا على مبدا التفهم والحوار والمناقشة  اذا استخدمنا العنف المستمر معهم وفي كل الامور؟ .. اننا في حالة استخدام العنف المستمر سنجعل منه انسانا لايقبل التفاهم ولايقبل لغة الكلام بل يؤمن بالقوة والعنف في فرض الامور، وسنعطل اهم حاجة يملكها الانسان في القبول او الرفض وهي اللسان ذلك المخلوق العجيب الذي له القدرة على الاقناع والوصول الى قرارات وهي الوسيلة التي تتوصل الى الاختيار بسهولة بدلا من اللجوء الى القوة، ومتى لستخدم الانسان عقله ولسانه امكنه من العيش مع الاخرين واتلف معهم.

 

الرياضة واللعب مهمان ومفيدان في تصريف  طاقة الطفل

 ان توفير مساحة جيدة ومعزولة عن الادوات المنزلية والاثاث المهم والادوات الكهربائية والادوات والالات الحساسة والصغيرة التي قد تتلف،  او تؤثر على حياة الطفل وتعرضه الى خطورة،  امر ضروري للطفل،  حيث اننا باعطائه مساحة كافية وملائمة له ومناسبة لمداركه وقدراته وفهمه المحدود فانه يساعد على انطلاق الطفل وتصريف طاقته بشكل ناجح، خاصة اذا كانت هناك متابعة واشراف وارشاد وتربية وتنمية مستمرة.

 

نصيحة للمربين والمعلمين

 ننصح بمطالعة كتاب جامع السعادات لمحمد مهدي النراقي خصوصا المواضيع التي تتعلق بالغضب وبالإفراط والتفريط إلى غير ذلك من العناوين المهمة البارزة وهو كتاب قيم من ثلاثة أجزاء.

 المصادر

 القران الكريم

موقع السراج في الطريق الى الله  لتدقيق الايات القرانية الكريمة www.alseraj.net

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com