|
تتفق وتختلف معظم القوى السياسية الممثلة تحت قبة البرلمان العراقي حول أمور أساسية، وفقاً لحسابات مصلحية فئوية بحتة، لا علاقة لها بالمصلحة العامة، وينفرد التيار الصدري بينها في مواقفه المبدئية الثابتة، ورفضه المساومة عليها في سبيل كسب منصب سياسي أو منفعة لأعضاءه، فهو الوحيد بين كل الفرق السياسية الذي يجمع بين التمسك بالنهج الإسلامي ومقاومة الاحتلال بكل الطرق الممكنة والحفاظ على وحدة العراق أرضاً وشعباً ومنع تقسيمه على أسس إثنية أو طائفية أو عشائرية والدفاع عن حقوق العراقيين كافة في الحياة والحرية والكرامة، لذا أعتبره الصوت الصافي الوحيد مقابل جوقة النشاز السياسي داخل وخارج البرلمان العراقي، ولا عجب أن يستهدفه أدعياء التدين وأنصار الاحتلال وكارهو وحدة العراق والطائفيون والإرهابيون وبقايا النظام البعثي البائد وعملاء أعراب الخليج، الذين شنوا عليه حملة دعائية مضادة من التهم الباطلة والأخبار الملفقة والأراجيف، وعلى الرغم من تضافر جهود المحتلين مع أعوانهم والإرهابيين والصداميين في ترويج هذه الأكاذيب حول التيار الصدري فلم يصدقها العراقيون المخلصون الواعون، الذين تلمسوا بأنفسهم تقوى ووطنية وشجاعة ومروءة وشهامة أتباع التيار . ليس هنالك من هو أكثر مهارة وكفاءة من الأمريكان واجهزتهم المختصة في تشويه سمعة خصومهم، لذا يعكف مساعدو المرشحين المتنافسين على مناصب سياسية على تقصي ماضي خصومهم السياسيين، لعلهم يقعون على سلوك أو قول مناف للعرف أو الذوق العام، يكون وسيلة للتشهير بالخصم والإساءة لسمعته، مما يقلل من فرص حصوله على دعم وأصوات الناخبين، وكان إدجار هوفر مدير مكتب التحقيقات الفدرالي الأسبق يحتفظ بملفات سرية عن خفايا الحياة الخاصة للسياسيين البارزين في أمريكا، مماضمن له الاستمرار في منصبه أطول فترة زمنية في تاريخ المكتب. ومن المؤكد أيضاً بأن الأمريكان الحريصين على تحقيق كامل أهدافهم التخريبية في العراق يعتبرون السيد مقتدى الصدر وتياره الصدري عدوهم الأول، وهو مقارنة بأعدائهم من القاعدة، أخطر بكثير لأنه زعيم ديني من عائلة عرفت بنضالها ضد الطغيان، وينتمي إلى أكثرية العراقيين من الشيعة، الذين لو اتفقت كلمتهم حول طرد الأمريكان لهزموهم شر هزيمة، ومن لايصدقني فلينظر إلى ما فعل حزب الله اللبناني بالصهاينة في حرب تموز 2006م، وشيعة العراق هم أضعاف أضعاف شيعة لبنان عدداً، ولا يمتلك شيعة لبنان عشر ما يمتلكه شيعة العراق من موارد، ناهيك عن قدسية أرض العراق وما بباطنها من رفات طاهرة لأئمة أهل البيت عليهم السلام. لست منتمياً للتيار الصدري، وإن كنت أتفق مع منهاجه الفكري ومقاومته للاحتلال ومواقفه الرافضة لتقسيم العراق وعودة البعثيين، ولا يحتاج السيد الصدر لقلمي للدفاع عنه فرهن إشارته إعلاميون أكفاء، لا يترددون في رد السهام الموتورة التي لا ينفك كارهو نهضة شيعة العراق من توجيهها إليه، ولكني لا أتحمل الضيم ولا أرتضى ظلم إنسان، سواء كان قائداً دينياً وسياساً مثل السيد مقتدى الصدر أم إنساناً عادياً مثلي، لذا وضعت هذه المقالة المقتضبة لا دفاعاً عن السيد الصدر وإنما انتصاراً للحقيقة والعدل. "إن الباطل كان زهوقاً" قانون رباني حتمي، لأن الباطل نقيض العقل الفطري والمنطق، ومهما حاول البعض تزيين الباطل لأنفسهم وللناس فهو لا محالة زائل، والاحتكام للعقل والالتزام بالعدل هو الطريق الأمثل لإزهاق الباطل، وبفعل هذا القانون الرباني تبددت أباطيل كفار قريش حول النبي الأعظم، وذهبت هباءاً كل جهود بني أمية والعباسيين في التمويه على حقائق إمامة أهل البيت، ولايحتاج الفرد لجهد كبير للتمييز بين الحقيقة والباطل بشرط احتكامه للهدي الآلهي وللعقل لا الأهواء وتمسكه بالموضوعية والعدل لا التحيز، لذا فقد طاشت سهام الحاقدين على السيد مقتدى الصدر، لأن رماتها مطعون في صدقهم وإخلاصهم، بل ارتدت عليهم لتفضح تخاذلهم أمام المحتلين وتفريطهم بوحدة ومصالح العراقيين، قالوا عنه زوراً وبهتاناً بأنه "متهور"،لأنه وأتباعه تصدوا ببطولة للمحتلين امتثالاً لأوامر ونواهي دينهم ومذهبهم ، فهل سيد الشهداء وأب الأحرار الإمام الحسين (ع) الذي قارع بنفسه مع ثلة مباركة من أهله وأصحابه جيش أكبر دولة استكبار في عصره في قاموسهم من المتهورين أيضاً؟ وهل العراقيون وقادتهم من رجال الدين الذين ثاروا في 1920 م على قوات بريطانيا الدولة العظمى في ذلك الزمن متهورون أيضاً؟ فهل يريدون من السيد مقتدى الصدر أن يترك هدي محمد وعلي والحسين الذين آمنوا بالله وجاهدوا بأنفسهم وأموالهم دفاعاً عن العدل والحق ويقتدي بمنطقهم الدنيوي وموقفهم التخاذلي؟ عجز الحاقدون على السيد مقتدى الصدر والتيار الصدري عن الانتقاص من سياساته وقراراته، ولأن حقدهم اعماهم عن التعقل سقطوا في السخف والحمق، فليس هنالك أكثر حمقاَ من قول بعضهم بأن السيد الصدر "لبناني"، وهو المسلم العراقي الأصيل، الذي لم يقسم يمين الولاء للعلم الأمريكي ولا لملكة بريطانيا أو غيرها من ملوك وحكومات الدول الغربية والشرقية ليحصل مضطراً أو مختاراً على جنسية غير جنسيته العراقية، كما فعل الكثير من أركان أعداء التيار الصدري، وأقول لهؤلاء الحاقدين: يا ليتكم تقولون عني بأني لبناني أيضاً، لأني أتشرف بأن أكون لبنانياً شيعياً، فأشاركهم في أمجادهم وانتصاراتهم على الصهاينة. والأعجب من هذه الفرية السخيفة انتقاد البعض للسيد الصدر لاغضاءه عند مخاطبته وسائل الإعلام والصحفيين، وادعائهم الباطل بأنه دليل ضعف وتهيب، وقد نسي هؤلاء الذين يتمسح البعض منهم بالدين نفاقاً ورياءاً بأن غض البصر تواضعاً وورعاً هو امتثال للأمر الرباني والوعظ النبوي، وهي صفة الأنبياء والرسل والائمة والصالحين، ولازلنا نتمثل ببيت الشاعر الفرزدق في مدحه الإمام زين العابدين: يغضي حياءً ويغضى من مهابته***فلا يكلم إلا حين يبتسم، فهنيئاً للسيد الصدر بتشبهه بالأنبياء والائمة والصديقين. بالأمس غير البعيد تطاول الحاقدون في العراق وغيره على الإمام الخميني قدس الله سره، لأنه سمى أمريكا بإسمها الحقيقي، أي الشيطان الأكبر، وفضح عملائها من الطغاة أمثال صدام وآل سعود وغيرهم، وقد روى لي أحد العراقيين الفضلاء في السعودية، وهو شقيق شهيد الإيمان المجاهد الكبير عبد العزيز البدري، الذي لا تسعفني ذاكرتي المتعبة باسمه الكريم، بأن وفداً رسمياً من وعاظ سلاطين آل سعود زار إيران بعد قيام الثورة الإسلامية فيها، واحتفى بهم الإمام الخميني في مقره وبيته في حسينية جمران، وبعد عودة الوفد استقبلهم الملك السعودي خالد، وكان من ضمن الوفد إمام الصلاة الحالي في الحرم المكي، الذي سأله الملك عن الإمام الخميني فأجابه باستخفاف: "خميني ما عنده كنب"، مشيراً إلى حقيقة خلو مقر الإمام من المقاعد والأرائك، وقد ضج الملك وأعضاء الوفد بالضحك من ذلك الوصف، وكيف لا وملوك آل سعود يسكنون في قصور كلف بنيانها وتأثيثها مليارات الدولارات، وقصور وعاظهم مليئة بالغالي والنفيس من الأثاث، وما أشبه وعاظ السلطان الوهابي ببعض رجال الدين في العراق، فهم أيضاً يرتدون الغالي من الثياب، ويقتنون المقاعد والأرائك الثمينة، بينما يفضل السيد مقتدى الصدر الاقتداء في ملبسه ومجلسه بسيرة أباءه وأجداده وبالإمام الخميني، فمتى سيقولون عنه أيضاً: "سيد مقتدى ما عنده كنب!" هنيئاً للسيد مقتدى الصدر على تواضعه وزهده وعزوفه عن أضواء الإعلام، والله ينصره ونحن معه مادام يعادي الاحتلال الأمريكي ومخططاته الخبيثة في العراق والمنطقة، ويتبنى النهج الإسلامي التحرري الإستقلالي، ويعارض رد الاعتبار للقتلة البعثيين والإرهابيين، ويناصر مطالب المستضعفين من ابناء شعبه.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |