الرصافي نصير المرأة ...!

 

هادي فريد التكريتي/عضو

اتحاد الكتاب العراقيين في السويد

hadifarid@maktoob.com

بمناسبة عيد المرأة، أقدم قرنفلة حمراء لكل امرأة ناضلت وحازت ما ناضلت من أجله، ولك امرأة لازالت تناضل من أجل حريتها وتحررها، وللمرأة العراقية، المقهورة في داخل وطنها وخارجه، وهي تناضل ضد الإرهاب والقتلة، وضد سارقي لقمة عيشها وحقها في الحياة ..

معروف الرصافي أحد الشعراء العراقيين الكبار، الذين ولدوا من رحم المؤسسة الدينية، أواخر العصر العثماني،والخلافة الإسلامية، ففي الربع الأخير من القرن التاسع عشر، وتحديدا في العام  1875  كانت ولادته في بغداد،  حيث  تلقى علومه الدينية وثقافته الأدبية، على يد علماء ومشايخ وأساتذة زمانه آنذاك، انفصل عن هذه المؤسسة، ليدخل ميدان الحياة العامة، السياسية والإجتماعية، عن طريق الشعر والأدب، مستغلا موهبته الشعرية والأدبية، في عرض أوضاع العراق الإجتماعية والسياسية، المزرية التي كانت سائدة آنذاك،  والتعريف بها، خصوصا بعد أن تم انتخابه في مجلس " المبعوثان التركي " ممثلا للعراق في "اسطانبول"  مركز الحضارة آنذاك، وحاضرة الخلافة العثمانية وعاصمتها، التي تدير شؤون إمبراطورية، مترامية أطرافها، في قارات ثلاث، أوربا وأسيا وأفريقيا .

الرصافي في كل مراحل حياته،  كان عراقيا ووطنيا، حتى النخاع، عاش هموم شعبه ونضالاته قبل تشكيل الدولة العراقية، وبعدها، فكل قصائده التي قد نظمها، وبغض النظر عن غرض القصيدة، ومكان أو زمان، المناسبة التي قيلت فيها ..كان حب العراق نابضا في صدره، وحياة شعبه  شاخصة أمام ناظريه، فلا غرابة إن كان يتحسس آلامه  وما يعانيه، من خسف وجور وإذلال،هاتفا باسمه ومعبرا عنه،  طالبا تغيير أوضاعه، الاجتماعية والسياسية،فلم ترهبه السلطة ولم يغريه منصب أو مال، مجاهرا برأيه عالياً وحراً، في كل وقت ومناسبة،  فهو أي، " الرصافي الشاعر الوحيد الذي طالب بخلع السلطان عبد الحميد ..كما دعا إلى إسقاط المكية وإلى الجمهورية .."* 

  الرصافي، من الشعراء الأوائل والقلائل، الذين وقفوا إلى جانب المرأة، مطالبا برفع الحيف والظلم الواقع عليها، داعيا إلى تحريرها  من قيود الجهل والأمية والتخلف، معتبرا تعليمها، هو مفتاح تقدم وتطور المجتمع، لذا طالب الحكم، بفتح المدارس لتعليمها،  مدركا ظروف المجتمع ونظرته المتخلفة  تجاه المرأة وتعليمها،  وبسبب حالة البؤس والفقر التي  كانت تعاني منها أغلبية  الشعب، فالتعليم آنذاك كان متاحا أمام قلة من الموسرين، وفقط للذين يملكون المال والجاه، لذا تنوعت أساليبه في طرح مشاكل المرأة ومعاناتها،مستخدما أسلوب المحاججة والإقناع،  تارة، وأخرى، سالكا طريق الفضح، لمؤسسات دينية متعاونة مع قوى إقطاعية وأخرى ذات نفوذ في مفاصل الدولة، تقف حائلا أمام تعليم المرأة وتمتعها بحقوقها الطبيعية،  مستفزا القوى المتنورة، بحال المرأة عندنا، وما هو عليه وضعها في الغرب، من أجل إصلاحات  تجاري روح العصر ..  

فبمناسبة يوم المرأة، وتذكيرا بمواقف شاعرنا الوطني الكبير معروف الرصافي، وتدليلا على أنه كان مناصرا عنيدا لها، ضد أعدائها، مطالبا بتحررها ونيل حريتها، فمنذ قرن مضى، وهو، لايزال متقدما، بمواقفه الفكرية والسياسية على الكثير من الشعراء العراقيين في الوقت الحاضر،لسكوتهم عما تعانيه المرأة من اضطهاد وقتل وتشويه، جسماني وأخلاقي،  وإهدار لدمها، وعدم الإنتصاف من أعدائها  لها، ودون انتصارهم  لمطالبها  ..

 

أن أعداء المرأة، في كل زمان ومكان، يثيرون قضايا باطلة ومعرقلة للتقدم،هدفها تشديد الخناق على المرأة وحريتها، حتى في أمور، لم تكن ذات بال، أو لم تكن لها الصدارة في المجتمع الذي عاش فيه الرصافي، وحتى قبله، وهذا دليل على أنهم، في وقتنا الراهن، يبتدعون أمورا، ليست بعيدة عن الدين وعن التقاليد، فقط، بل إنها غير موجودة أصلا، غرضهم منها إعاقة التطور والوعي الإجتماعي،   لإبقاء التخلف العقلي والفكري سائدا، وساحة يرتعون بها .. 

أجتزء بعض مقاطع مختلفة، من بعض  قصائد شاعرنا الكبير والوطني، معروف الرصافي،  التي ساند فيها المرأة في مجالات وأوقات مختلفة،داعيا ومحرضا لها، على نبذ التقاليد البالية، التي لم تعد تماشي روح العصر وتطوره ..

  ففي قصيدته بعنوان:  "المرأة في الشرق "

ألا ما لأهل الشرق من بُرَحاءِ

يعيشون في ذُلِ به وشقاءِ

لقد حَكًموا العادات حتى غدت لهم

بمنزلة الأقياد للأسراء

 ****

وما ذاك إلا أنهم في أمورهم

أبو أن يسيروا سيرةَ العقلاء

لقد غمطوا حق النساء فشدٌدوا

عليهن في حبس ٍٍوطول ثواء

قد ألزموهن الحجاب وأنكروا

عليهن إلا خَرجْةً بغطاء

أضاقوا عليهن الفضاء كأنهم

يغارون من نور به وهواء

وقد زعموا أن لسن يصلحن في الدًُنا

لغير قرار في البيوت وباء

أهانوا بهن الأمهات فأصبحوا

بما فعلوا من ألأم اللؤماء

ألم ترهم أمسوا عبيدا لأنهم

على الذل شبًُوا في جحور إماء

وهان عليهم حين هانت نساؤهم

تَحمًُل جور الساسة الغرباء

أيسعد محياكم بغير نسائكم

وهل سعدتْ أرضً بغير سماء

****

أقول لأهل الشرق قول مؤلًبِ

وإن كان قولي مُسخِط السفهاء

لقد مزقوا أحكام كل ديانة ٍ

وخاطوا لهم منها ثياب رياء

وما جعلوا الأديان إلا ذريعةً

إلى كل شغب بينهم وعداء

***

وفي قصيدته :"  نساؤنا "  ...مهداة إلى صاحبة مجلة الخدر

وإني لأشكو عادة في بلادنا

رمى الدهر منها هضْبة المجد بالصدع

وذلك أنًا لم تزل نساؤنا

تعيش بجهل وانفصال عن الجمع

وأكبر ما أشكو من القوم أنهم

يَعُدًُون تشديد الحجاب من الشرع

يقولون لي إن النساء نواقصُُ ُ

ويُدْلون فيما هم يقولون بالسمع

فأنكرت ما قالوه والعقل شاهدي

وما أنا في إنكار ذلك بالبِِدْع

إذا النخلة العَيْطاء أصبح طلعها

ضعيفا فليس اللوم عندي على الطلع

ولكن على الجذع الذي هو ثابتً

بمنبت سوء فالنقيصة في الجذع

  ****

ومن قصيدة " حرية الزواج عندنا "

 ظلومكِ أيتها الفتاة بجهلهم

إذ أكرهوك على الزواج بأشيبا

طمِعوا بوفر المال منه فأخجلوا

بفضول هاتيك المطامع أشْعَبا

فإذا رفضت ِ فما عليك برفضه

عارً وإن هاج الولي ً وأغضبا

إن الكريمة في الزواج لحرًة

والحر يأبى أن يعيش مذبذبا

 قلب الفتاة أجلُ من أن يُشترى

بالمال لكن بالمحبة يُجتَبى

بيت الزواج إذا بنوه مجددا

بالمال لا بالحب عاد مخربا

إن الزواج محبة فإذا جرى

بسوى المحبة كان شيئا متعبا

لا مهر للحسناء إلا حبها

فبحبها كان القران محببا

خير النساء أقلُها لخطيبها

مهرا وأكثرها إليه تحببا

وإذا الزواج جرى بغير تعارف

وتحبب فالخير أن نترهبا

         ***

ولقومنا في الشرق حال كلما

زُدت افتكارا فيه زدت تعجبا

تركوا النساءبحالة يرثى لها

وقضوا عليها بالحجاب تعصبا

قل للألى ضربوا الحجاب على النٍسا

أفتعلمون بما جرى تحت العَبا

شرف المليحة أن تكون أديبة

وحجابها في الناس أن تتهذبا

             ***

هل يعلم الشرقي أن حياته

تعلو إذا رَبَى البنات وهذبا

وقضى لها بالحق دون تحكمٍ

فيها وعلمها العلوم وأدبا

فالشرق ليس بناهض إلا إذا

أدنى النساء وقربا

فإذا ادًعيتَ تقدما لرجاله

جاء التأخر في النساء مكذبا

         ****

ومن قصيدته " المرأة المسلمة  "

 لم أر بين الناس ذا مظلمة

أحق بالرحمة من مُسلمة

منقوصة حتى بميراثها

محجوبة حتى عن المكرمة

قد جعلوا الجهل صوانا لها

من كل ما يدعو إلى المَاثمه

والعلم أعلى رتبة عندهم

من أن تلقاه وأن تعلمه

ما تصنع المرأة محبوسةًٌ

في بيتها إن أصبحت مُعدِمه

ضاقت بها العيشة إذ  دونها

سُدت جميع الطرُق  المُعلمه

من أي وجه تبتغي رزقها

وطُُرقها بالجهلِ مستبهمه

        **** 

ومن قصيدة له " التربية والأمهات "

 هي الأخلاق تنبت كالنبات

إذا سقيت بماء المكرُمات

تقوم إذا تعهدها المُربي

على ساق الفضيلة مُثمرات

ولم أر للخلائق من محل

يُهذٍبها  كحضن الأمهات

فحضن الأم مدرسة تسامت

بتربية البنين أو البنات

وأخلاقُ الوليد تقاسُ حسنا

بأخلاق النساء الوالدات

وليس ربيبُ عاليةِ المزايا

كمثل ربيب سافلة الصفات

وليس النبت ينبت في حنان

كمثل النبت ينبت في الفلاة

فيا صدر الفتاة رَحُبْت صدرا

فأنت مَقرًُ  أسنى العاطفات

لأخلاق الصبي بك انعكاس ً

كما انعكس الخيالُ على المِراة

وما ضَرَبانُ قلبك غير درس

لتلقين الخصال الفاضلات

فأول درس   تهذيب السجايا

يكون عليك يا صدر الفتاة

فكيف نظنًُ بالأبناء خيرا ً

إذا نشأوا بحضن الجاهلات

وهل يُرجَى لأطفال كمالٌ

إذا ارتضعوا ثُدِيً الناقصات

أأُمً المؤمنين إليك نشكو

مصيبتنا بجهل المؤمنات

فتلك مصيبة يا أم ُمنها

" نكاد نغص بالماء الفرات "

 تخِذْنا بعدك العادات دينا

فأشقى المسلمون المسلماتِ

بحيث لزمن قعر البيت حتى

نزلنَ به بمنزلة الأدَاة

وعدوهن أضعف من ذباب

بلا جنح وأهون من شذاة

وقالوا شِرعةُ الإسلام تقضي

بتفضيل " الذين على اللواتي "

وقالوا إن معنى العلم شيء

تضيق به صدور الغانيات

وقالوا الجاهلات أعفُ نفساً

عن الفحشاء من المتعلمات

لقد كذبوا على الإسلام كذبا

تزول الشم ٌ منه مزلزلات

أليس العلم في الإسلام فرضا

على أبنائه وعلى البنات

ألم تر في الحسان الغيد قبلا

أوانس َ كاتباتٍ شاعراتِ

وقد كانت نساء القوم قِدْما

يرُحُنَ إلى الحروب مع الغزاة

وكم منهن من أُسرت وذاقت

عذاب الهُون في أسر العُداة

فماذا اليوم ضرٌ لو التفتنات

فهم ساروا بنهج هُدىً وسرنا

بمنهاج التفرق والشتات

نرى جهل الفتاة لها عفافاً

كأن الجهل حصن للفتاة

ونحتقر الحلائل لا لجُرم

فنؤذيهن أنواع الأذاة

ونلزمهن قعر البيت قهراً

ونحسبهن فيه من الهَنات

لئن وأدوا البنات فقد قبرنا

جميع نسائنا قبل الممات

        ****   

*ديوان الرصافي، المجلد الثاني/ دار العودة بيروت /1983

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com