|
لست من مشاهدي الفضائيات العربية إلا عندما يتصل بي صديق، يخبرني عن برنامج مهم، كلقاء مع شخصية معينة تستحق المشاهدة. وهكذا تلقيت مكالمة من صديق مساء 4/3 الجاري، له اهتمام بالقضايا الفكرية، أخبرني بأن الدكتورة وفاء سلطان ستكون ضيفة على قناة الجزيرة في برنامج (الاتجاه المعاكس) الذي يقدمه فيصل القاسم، في الساعة السابعة من توقيت غرينج. فشاهدت البرنامج. ومن حسنات الدكتورة وفاء سلطان أنها تترك عادة بعد كل مقابلة لها في الجزيرة، زوبعة من ردود أفعال عنيفة. وهذه صفة جيدة في رأيي، تحتاجها الشعوب العربية لإيقاظها من سباتها العميق في مستنقعاتها الراكدة التي تحتاج إلى تحريك. ولكن في النهاية، اضطرت القناة إلى أن تعتذر لمشاهديها، وتحذر مقدم البرنامج عن أقوال الدكتورة (كذا). الرابط أدناه. قناة الجزيرة تعتذر وتحذر فيصل القاسم عقب استضافته الباحثة وفاء سلطان . وفي الحقيقة، ولو أردنا الإنصاف، كان على قناة الجزيرة أن تعتذر، لا من أقوال الدكتورة وفاء، بل من أقوال مقدم البرنامج وضيفه السيد طلعت رميح اللذين كانا يحرضان على الإرهاب وينفثان سموم الكراهية ضد الشعوب الغربية. وهذا مخالف لـ(وثيقة تنظيم البث والاستقبال الفضائي في المنطقة العربية) التي أصدرها مؤتمر وزراء الإعلام (أو الإعتام، أو الإعدام) العرب الطارئ قبل أسابيع قليلة. فمن أقوال السيد طلعت مثلاً: أن الغرب لا يعرف غير لغة القوة وأن على المسلمين أن يهبوا هبة رجل واحد ضده... وغيره كثير يمكن للقراء الكرام الإطلاع عليه بفتح الرابط في نهاية المقال. لا أريد هنا الدفاع عن الدكتورة وفاء سلطان، فهي تعرف جيداً كيف ترد على خصومها بقوة المنطق والحجة القوية كما عرفناها. ولكن مداخلتي هذه للدفاع عن مبدأ حق النقد، وحقنا جميعاً في حرية التعبير التي افتقدناها في بلداننا العربية والإسلامية. إن حرية التعبير هي حق من الحقوق المقدسة في العالم المتحضر، وخاصة في الدول الغربية "الكافرة" بلغة الإسلاميين، و"الرأسمالية المتوحشة" بلغة اليساريين، و"الإستعمارية" بلغة القوميين العرب، علماً بأن هؤلاء وهؤلاء لم يعرفوا الأمان والعيش الكريم إلا في هذه الدول التي يقيمون فيها ويشتمونها ليل نهار. ويا للمفارقة، فإن معظم الذين انتقدوا الدكتورة وفاء والرسوم الكارتونية الدنيماركية، يعيشون في الغرب ولكنهم فشلوا في فهم قيم الحضارة الغربية والتضحيات التي دفعتها شعوبها في سبيلها عبر قرون، والتي من أهمها (حرية التعبير، وقيمة الإنسان الفرد وكرامته وحريته) التي تمثل أقدس أقداس الديمقراطية الليبرالية الغربية، ولا يمكن أن يتنازلوا عن هذا الحق المقدس مهما كلفهم الأمر، لأنهم يعلمون جيداً أن أي تنازل عن حريتهم لاسترضاء المسلمين، يعني تمادي هؤلاء في طلب المزيد من النازلات إلى أن يحولوا المجتمعات الغربية الحرة إلى مجتمعات لا تختلف عن المجتمعات الإسلامية التي فر منها المسلمون أنفسهم ولجؤوا إلى الغرب بسبب قيمه الحضارية النبيلة. والمشكلة الأخرى، أن الذين انتقدوا الدكتورة وفاء سلطان، ليسوا من التيار الإسلامي فحسب، بل وشاركهم في ذلك أعضاء من التيار اليساري والماركسي وذلك بذريعة العقلانية والاعتدال، وعدم الإساءة إلى الدين. والسؤال الملح هو: هل لهؤلاء أن يعلموننا أين نضع الخط الفاصل بين النقد المنطقي والإساءة للدين؟ لقد نسي هؤلاء ما قاله ماركس في هذا الخصوص: "النقد أساس التقدم، ونقد الدين أساس كل نقد". هذا المبدأ الماركسي تبنته الحضارة الغربية ومن جميع الانتماءات السياسية والفكرية، ولن يقبلوا بالتخلي عنه. لا نريد هنا الدفاع عن الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للنبي محمد، التي استفزت مشاعر المسلمين. ولكننا وكما قالت وفاء سلطان، كان على المسلمين أن يتصرفوا بحكمة وبهدوء وعقلانية وليس بردود أفعال بدائية. فالذي حصل أن ظهر علينا رجال الدين من السياسيين وغير السياسيين على شاشات الفضائيات العربية، يرعدون ويزبدون، يحرضون الشارع العربي والإسلامي، يهددون بالويل والثبور وعظائم الأمور، وقاموا بتهييج العوام، فقام هؤلاء بردود أفعال عدوانية مثل، حرق كنائس المسيحيين وسفارات الدول الأوربية في بلدانهم كما حصل لسفارة الدنيمارك والنورويج في دمشق وبيروت. هذا التصرف مدان ويدل على أن المسلمين مازالوا يعيشون مرحلة ما قبل العقل، يتصرفون وفق الأفعال الانعكاسية (Reflex actions)، وهذا يسئ إلى سمعتهم ودينهم أكثر من الرسوم الكاريكاتيرية. عقدة النقص والحاجة للعلاج بالصدمة مشكلة الدكتورة وفاء سلطان تتمثل في كونها امرأة عربية، تتمتع بشجاعة وجرأة وثقافة واسعة، تقول الحقيقة كما تراها دون مواربة أو لف ودوران، وتسمي الأشياء بأسمائها الحقيقية في مجتمع تعوَّدَ على النفاق واستخدام الكناية والكذب، وتسمية الأشياء بعكس معانيها الحقيقية، فمثلاً تسمي العرب الأعمى بصيراً والنجاسة طهارة...الخ. وعليه لا يجوز لنا أن نسمي التصرفات الرعناء همجية أو الإرهاب تخلفاً. هذه الصفة لم يألفها العرب من قبل ومهما كانت ثقافتهم وانتماءاتهم السياسية والفكرية المعلنة، حيث تربوا في مجتمعات فحولية، تعطي الحق للأخ أن يقمع أخته، بل وحتى يذبحها ذبح النعاج دفاعاً عن الشرف الرفيع، حتى وإن كانت أكبر منه سناً وأكثر ثقافة. فالدكتورة وفاء سلطان طبيبة مختصة، تحمل شهادات جامعية عالية، ومستشارة في طب الأمراض العقلية في بلد متطور مثل الولايات المتحدة الأمريكية، إضافة إلى ثقافتها الواسعة خارج اختصاصها المهني، في الفلسفة والتاريخ والتراث العربي-الإسلامي، كما هو واضح من بحوثها القيمة التي أثارت ضجة اجتماعية واسعة. لقد اعتاد العرب والمسلمون على معاملة المرأة وفق الصورة النمطية الدونية التي كونوها عنها عبر التاريخ في المجتمعات الإسلامية بأنها "ناقصة عقل ودين"، فكيف يسمح لامرأة مثل وفاء سلطان أن تتحدث وتتحدى بهذه الشجاعة والصراحة وتعاملهم بطريقة لم يألفوها من قبل؟ والأنكى والأمر، أن حتى المرأة العربية المثقفة، والتي تقيم في الغرب وتدعي أنها يسارية وماركسية وتقدمية يدبجن المقالات عن حقوق المرأة ..الخ، استكثرت على الدكتورة موقفها الشجاع هذا في مواجهة التخلف واتخذت منها موقفاً مضاداً. هذا الموقف من بعض الكاتبات العربيات التقدميات، دليل على ترسخ عقدة المجتمع الذكوري في أعماق المرأة العربية وقبولها للخضوع للرجل كقدر مكتوب لا مناص منه، وبديهية مسلَّم بها، ومن المقدسات التي لا يجوز الخروج عليها، فالمطلوب من المرأة وفق رأي هذا البعض، الخضوع لإرادة الرجل حتى ولو كان على خطأ. وإزاء هذا التخلف المريع الذي تعيشه شعوبنا العربية، اكتشفت الدكتورة وفاء سلطان أن أفضل علاج لهذا التخلف هو تطبيق العلاج بالصدمة. وقد كتبتُ مقالاً قبل عامين في هذا الخصوص بعنوان (العرب والعلاج بالصدمة ). والمعروف في طب الأمراض العقلية أن الشيزوفرينيا (انفصام الشخصية) من أكثر الأمراض العقلية في هذا المجال، والعلاج المستخدم أكثر نجاعة من غيره لهذا المرض هو الصدمة الكهربائية (ECT). كذلك بالمعنى الاجتماعي، فالمجتمع العربي من أكثر المجتمعات في العالم يعاني من الازدواجية في السلوك، أي مرض (انفصام الشخصية الاجتماعية). لذلك فهذا المجتمع بحاجة ماسة إلى مواجهته بصراحة متناهية وإعلامه بأمراضه الاجتماعية ومعالجته بالصدمة كذلك. وهذا هو أسلوب الدكتورة وفاء وأسلوبنا في العلاج، وهو من أفضل أنواع العلاجات لأمراض العرب الاجتماعية.
تهمة التشنج ينتقد البعض الدكتورة وفاء بأنها كانت متشنجة في تلك المقابلة. ولكن ماذا عسى الضيف أن يفعل عندما يبدأ مقدم البرنامج سؤاله بقوله (ألم تخجلي من تصريحك الذي تطالبين فيه بإعادة نشر الرسومات الدانمركية،...؟؟) والسؤال الذي نود طرحه هنا هو: هل هذا هو أدب الحوار المتحضر؟ أليس هذا استفزازاً لمشاعر الضيف، ومخططاً مسبقاً، القصد منه إهانة الضيف؟ ومع ذلك حافظت الدكتورة على هدوئها واستقبلت السؤال بكل هدوء، ولكن مقدم البرنامج وضيفه الآخر (طلعت رميح) الذي كان معه في الستوديو، تدخلا مراراً وتكرارا، يقاطعانها ليقطعا عليها تسلسل أفكارها عمداً على الدوام. كما واستحوذ السيد طلعت على معظم وقت الدكتورة وفاء دون أن يتدخل مقدم البرنامج لإيقافه وضبط الندوة، بينما التزمت الدكتورة وفاء بعدم مقاطعة السيد طلعت إثناء مداخلاته وحتى إثناء مقاطعته لها خلال الوقت المخصص لها. ولكن تمادى السيد طلعت ومقدم البرنامج في مقاطعة الدكتورة بأسلوبهما الفض حتى نهاية البرنامج دون أن يسمحا لها بالإجابة على الأسئلة الموجهة لها، هو الذي دفع الدكتورة وفاء إلى أن ترد عليهما في نهاية البرنامج بما يليق بهما. وحسناً فعلت، إذ وجهت له في اللحظة الأخيرة الصفعة التي يستحقها لتعطيه درساً في أدب الحوار.
اعتذار الجزيرة مخطط ومفتعل كما ذكرت أعلاه، أعتقد جازماً أن كل ما جرى ضد الدكتورة وفاء سلطان في تلك المقابلة كان مخططاً مسبقاً وبعناية فائقة ودقة متناهية. فقد بدأ مقدم البرنامج (فيصل القاسم) بمقدمة طويلة تتضمن إثارة الحقد والكراهية والتحريض ضد الغرب على طريقة (وامعتصماه، طاب الموت يا عرب.. وغيرها). ثم توجه بسؤاله الأول إلى الدكتورة وفاء سلطان، وتبين أن خط الصوت مقطوع رغم وجود الصورة، لذا فانتقل بالسؤال إلى ضيفه الآخر، طلعت رميح الذي أخذ وقتاً أكثر من اللازم. في رأيي أن قطع خط الصوت كان مدبراً. وبدليل أنه لما حان وقت توجيه السؤال إلى الدكتورة وفاء بدأ مقدم البرنامج سؤاله بأسلوب استفزازي فض وغير مؤدب، بقوله: (ألم تخجلي..الخ). وعليه فكل شيء كان مخططاً مسبقاً لتقود إلى هذه النتيجة المطلوبة ضد الدكتورة وفاء وضد حرية التعبير. والآن لنحلل ما قالته الدكتورة وفاء والتي استحقت عليه كل هذه الضجة والانتقاد، كما جاء في تقرير اعتذار قناة الجزيرة. أولاً، يقول التقرير: تعتذر القناة "من إساءة إلى الدين الإسلامي الحنيف والمعتقدات السماوية". كما اعتذرت عن ما أسمته "الأقوال الجارحة التي تفوهت بها المشاركة وفاء سلطان" وأضافت " وتعتذر القناة جراء ذلك لكافة مشاهديها عما بدر من أقوال جارحة تفوهت بها المشارِكة، وهو ما دفع القناة إلى إلغاء إعادتي البرنامج يومي الأربعاء والخميس". أنا شاهدت البرنامج من أوله إلى آخره، ولم ألاحظ أن ما تفوهت به الدكتورة كان مسيئاً للقرآن أو للدين. فإذا قالت: أن " القران الكريم يحرض على العنف والإرهاب " وهي تقصد بذلك الآيات التي تدعو إلى قتال الكفار أي غير المسلمين، وهذا وراد، ويسمونها بآيات السيف أو آيات القتال، وهي نفس الآيات التي يعتمد عليها الإرهابيون المسلمون وفقهاء الموت في تبرير الإرهاب وقتل الأبرياء في جرائم بشعة يسمونها جهاد. وهناك العشرات من هذه الآيات لا مجال لذكرها لأننا لا نريد الإطالة. كما وكتبنا مع غيرنا بهذا الخصوص مراراً وطالبنا بإعادة النظر في تفسير هذه النصوص. والجدير بالذكر، أن هناك شخصيات دينية مرموقة طالبت بإلغاء بعض الأحاديث النبوية وإعادة تفسير بعض الآيات القرآنية بما يلائم العصر. وكان آخرها قرارات أصدرها رجال دين في تركيا بهذا الخصوص، راجع الرابط أدناه. ولم يفسر أحد تلك القرارات بأنها مسيئة للدين أو الذات الإلهية. كما وطالب الشيخ الأزهري الدكتور أحمد صبحي منصور، مؤسس جماعة (القرآنيون) إلى إلغاء الأحاديث كلها، والاعتماد الكلي على القرآن فقط، لأن حسب اعتقاده، هذه الأحاديث ملفقة ومعظمها مجانبة للحقيقة وضد العقل. ولم يعتبره أحد أنه أساء للنبي أو للدين. ثانيا، أما عن تصرفات المسلمين في الرد على الرسوم الكاريكاتيرية التي نشرتها صحيفة دنيماركية، بأنها "همجية ومتخلفة"، فنحن إذ نسأل هؤلاء، بأية كلمات تصفون حرق كنائس المسيحيين وعدد من سفارات الدول الأوربية في البلاد العربية واختطاف وقتل عدد من القسسة في العراق كرد فعل على تلك الرسوم؟ أليست هذه أعمال همجية ومتخلفة؟ ثالثاً، قالت وفاء سلطان: "غيّروا أنفسكم قبل أن يغير العالم ما أنتم به ويجبركم على ذلك". وأنا إذ أسأل: وما الخطأ في ذلك؟ أليست هذه نصيحة قيمة تستحق الضيفة عليها الشكر الجزيل بدلاً من هذه التهم الباطلة؟ وما الفرق بين هذا القول وما جاء في القرآن: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)؟ رابعاً، يضيف بيان اعتذار الجزيرة: (ورفضت الباحثة وفاء التشكيك في المحرقة الصهيونية "الهولوكوست" وقالت بأنها حقيقية ولا يجوز التشكيك فيها). وأنا إذ أسأل، هل بإمكان مقدم برنامج الاتجاه المعاكس، فيصل القاسم، وإدارة قناة الجزيرة، أو أي رئيس عربي التشكيك بتلك المحرقة لكي تطالبون الدكتورة وفاء بالتشكيك بها؟ إنها محرقة بكل معنى الكلمة، وكما أكدت الضيفة، ارتكبتها النازية الألمانية في الحرب العالمية الثانية، وأدانها العالم كله، وهي جرائم موثقة بأفلام وثائقية لا يمكن التشكيك بصحتها. وبدوري، أتحدى فيصل القاسم وهيئة قناة الجزيرة إذا تجرؤا وشككوا بصحة هذه المحرقة "الهولوكوست". خامساً وأخيراً، إنهم يحاسبون الدكتورة وفاء بأنها [اعتبرت سلطان الإسلام بأنه "وسيلة سياسية"]. وما الخطأ في هذا القول؟ ألم يقل المسلمون أن الإسلام دين ودولة؟ ألم يؤكد المؤرخون المسلمون على دولة الرسول التي تأسست في المدينة، ثم توسعت عن طريق حروب الفتوحات حتى وصلت الهند والسند شرقاً وأسبانيا وحدود فرنسا غرباً؟ وما معنى دولة الخلافة الإسلامية التي يسعى لتحقيقها الأخوان المسلمون وغيرهم من أحزاب ومنظمات الإسلام السياسي؟
محاولة تكميم الأفواه وعليه وبناءً على كل ما تقدم، أعتقد جازماً، إن اعتذار قناة الجزيرة عن أقوال الدكتور وفاء ما هو إلا مسرحية صيغت لهذا الغرض، وضجة مفتعلة، خططت فصولها مسبقاً، القصد منها نشر الإرهاب الفكري ضد الليبراليين العرب، لمصادرة البقية الباقية من هامش حرية التعبير، كمقدمة لإقامة محاكم تفتيش إسلامية في البلاد العربية، على غرار محاكم التفتيش التي أقامها حكم الكنيسة في أوربا القرون الوسطى. إنها نقلة نوعية في حملة إرهاب فكري يقوم بها دعاة الإسلام السياسي المهيمن على قناة الجزيرة وعلى العديد من الفضائيات الأخرى، ومحاولة منهم لتكميم الأفواه وتسليط سيف تهمة "الإساءة للدين والتعرض للذات الإلهية" على رقابنا، لبث الرعب ضد كل من يتجرأ وينتقد القادة الإسلاميين أو التصرفات الهمجية التي يقوم بها الغوغاء بدفع وتحريض فقهاء الموت ضد كل من لا يسير على نهجهم المتخلف. والجدير بالذكر أنه قبل أيام ادعى أحد رجال الدين في البحرين أن من ينتقده فقد انتقد الله. وهذه التهمة وجهها النظام الإيراني قبل سنوات ضد الأستاذ الجامعي الأكاديمي هاشم آغاجري عندما ألقى محاضرة في جامعة طهران، انتقد فيها الحكام الملالي على تفشي الفساد، فحوكم بالإعدام بتهمة التعرض إلى الله، وبعد تدخل الرأي العام العالمي خفف الحكم إلى سجن مؤبد. هذا هو أسلوب الإسلام السياسي في كل مكان وزمان. وعلى المثقفين أن لا يرضخوا لأعداء الحرية وتحت أية ذريعة كانت.
اللجوء إلى الكذب يفتقر دعاة الإسلام السياسي إلى المنطق السليم والمعلومات الدقيقة الصحيحة، لذلك يلجؤون إلى الكذب الصريح. وهذا ما فعله السيد طلعت رميح حيث قام بتوجيه اتهامات للغرب بقصد التحريض، ليس لها أي أساس من الصحة، مثل ادعائه حرق دور السينما في الغرب بسبب عرض الفيلم يتعرض للسيد المسيح، أو أن الرئيس الأمريكي ترومان أمر جيوشه في الحرب العالمية الثانية بقتل كل من كان فوق سن العاشرة في الفلبين أو دول جنوب شرق آسيا..الخ. وقد فندت الدكتورة وفاء في المقابلة، والدكتور كامل النجار في مقالته على الحوار المتمدن، هذه الأكاذيب. وعليه أرى من واجب قناة الجزيرة أن تعتذر لمشاهديها عن أكاذيب ضيفها.
تحالف اليسار مع الفاشية الإسلامية تتهم السيدة بيان صالح في مقالتها عن المقابلة هذه، الدكتورة وفاء سلطان بالانحياز إلى اليمين الأمريكي–الإسرائيلي. أعتقد أن السيدة بيان وهي تطرح نفسها ككاتبة يسارية علمانية وماركسية، كغيرها من التيار اليساري-الماركسي، وقعت في الفخ الذي نصبته الفاشية الإسلامية لليسار العربي والأوربي. وهذا التحالف نراه واضحاً في أوربا اليوم بعد إسقاط حكم طالبان في أفغانستان ونظام البعث الفاشي في العراق. (راجع مقال الدكتور كاظم حبيب، قوى الإرهاب ونشاط بعض قوى اليسار الألماني ضد العراق في ألمانيا، نشر على مواقع الإنترنت) فهذا اليسار مصاب بعقدة الكراهية ضد أمريكا والتي أسماها الخميني بـ(الشيطان الأكبر). وعليه فكل ما تفعله أمريكا، وحتى لو كان في صالح الشعوب فهو خطأ علينا مقاومته، بحجة أن أمريكا لن تقدم شيئاً في سبيل سواد عيوننا، بل في سبيل مصالحها، بغض النظر عما إذا كانت هذه المصالح مشتركة حتى ولو كان في سبيل خلاص البشرية من الإرهاب والأنظمة الفاشستية. وقد جئنا على هذا الموضوع مراراً وتكراراً. إلا إننا نود أن نذكر ما قال المفكر الجزائري الراحل (مالك بن نبي) في هذا الخصوص، عسى أن تنفع الذكرى، فيقول: [والإستعمار يعلم عنا أشياءً كثيرة نجهلها نحن عن أنفسنا، وخصوصاً تلقائية استجاباتنا السلوكية. فمثلاً هو يعلم بأنه حينما يقول الشيطان: 2+2=4 ، فإن المسلمين سيقولون: هذا ليس صحيحاً لأن الشيطان قال ذلك. وعلى العكس من ذلك، فإذا ما ارتفع صوت له سمة "الصدق" يقول: 2+2=3، فإن المسلمين سيقولون هذا حق لأن هذا الرجل الصادق قال ذلك. (مالك بن نبي، مشكلة الأفكار، ص123). ورغم أن كلام مالك بن نبي موجه للمسلمين قاله في ظروف السبعينات وحركات التحرر الوطن، إلا إنه ينطبق اليوم على التحالف غير المعلن بين التيارات الثلاث (الإسلاموي والقومي العروبي واليساري) فرغم عداء هذه التيارات فيما بينها، إلا إنها تلتقي معاً في عدائها للغرب وبالأخص لأمريكا. وعليه، نقول لهؤلاء السادة، أن اليسار واليمين فقدا معناهما اليوم، لأن الحضارة البشرية مهددة بالإرهاب الإسلامي، وهذه ليست تهمة خيالية اختلقتها أمريكا للسيطرة على الشعوب بحجة محاربة الإرهاب، كما يدعي هؤلاء، على القوى العلمانية بمختلف تياراتها وأيديولوجياتها، ترك خلافاتها الثانوية جانباً وتشديد النضال ضد وحش الإرهاب الهمجي.
الخلاصة والاستنتاج أن كل ما جرى في تلك المقابلة التلفزيونية كان مخططاً مسبقاً بعناية ودقة، لاستفزاز الدكتورة وفاء سلطان، والاستمرار في مقاطعتها، وعدم السماح لها بالإجابة على الأسئلة الموجهة لها، وتشويه إجاباتها، ومغازلة غوغائية الشارع العربي، خاصة في وقت معاناة أهل غزة برد الفعل الإسرائيلي الشديد على الصواريخ التي ترميها حماس على إسرائيل. وسياسة حماس الطائشة هذه القصد منها إفشال حل الصراع العربي-الإسرائيلي، بتحريض وأوامر من إيران وسوريا. والاعتذار الذي قدمته قناة الجزيرة ما هو إلا مسرحية، الغرض منه القضاء التام على ما تبقى من هامش حرية التعبير في العالم العربي، ونشر الإرهاب الفكري بتهمة (الإساءة للمقدسات الدينية والذات الإلهية). وعلى المثقفين العلمانيين الديمقراطيين الانتباه والحذر من هذا المخطط الذي يحاك ضدهم، وعدم السقوط في هذا الفخ. وأخيراً، على قناة الجزيرة، أن تقدم الاعتذار الشديد للدكتورة وفاء سلطان على سلوكها المشين هذا، وعلى المسلمين توجيه الشكر لها على نصائحها القيمة لهم عندما طالبتهم بأن يغيروا أنفسهم وفق متطلبات العصر، وأن يعلموا أبناءهم على حب الحياة والتعايش مع العالم بسلام. فهل من يسمع؟ ـــــــــــــــــــــــ مواد ذات علاقة بالموضوع الباحثة وفاء سلطان: على المسلمين أن يعيدوا النظر في التعاليم الارهابية التي بين أيديهم (فيديو) عبدالخالق حسين العرب والعلاج بالصدمة http://www.elaph.com/ElaphWeb/ElaphWriter/2006/4/142236.htm تغيير جذري: تركيا تعيد النظر في معاني الاحاديث (النبوية) http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/world_news/newsid_7266000/7266135.stm قوى الإرهاب ونشاط بعض قوى اليسار الألماني ضد العراق في ألمانيا - كاظم حبيب
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |