|
"ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون" الأنفال 21 المجتمعات البشرية نسيج اجتماعي منسوج بخيوط الوجود البشري المتنوعة الألوان التي تصنع ثوبا زاهيا وجميلا. وهي بناء قائم ومتكاتف بلبناته المختلفة الأشكال والمؤسسة لقوامه الفريد وقوته المؤثرة في الحياة. ولكي يكون النسيج الاجتماعي متينا فأن أفراده يتفاعلون فيما بينهم في بودقة الامتزاج الإنساني الراقي الذي يعبر عن إرادة الأرض والسماء. والنسيج الاجتماعي شأنه شأن أي نسيج آخر لابد من تفاعل خيوطه وتشابكها وانعقادها على بعضها لكي تحقق ما تريده بقوة فتؤسس لوجودها الواضح الفعال. وكبناء لا بد من تفعيل قدرات الإبداع الذاتية والجمعية من أجل الوصول إلى غاية الإتقان وأجمل البنيان. وعبر العصور ونحن نبني بالأشكال المختلفة ونضمها إلى بعضها ونلصقها بالمواد اللازمة للبناء كالإسمنت والجص وما شابهها, ونستخدم الشكل المستطيل والمربع وغيرها من الأشكال التي نجعل سطوحها ذات مواضع للتواشج والالتصاق لتنضم إلى بعضها بقوة وصلابة. وفي الحياة البشرية لم يتم استخدام الكرات في البناء, وذلك لأن ضم الكرات إلى بعضها أمر صعب وأنها لا تنشد بقوة حتى في حالة ضمها إلى بعضها, وإنما تميل إلى الافتراق والسقوط جانبا, فالكرات تتصادم ولا تتلاحم, وتتقافز ولا تتساكن, ويكون تحريكها أسهل من أي شكل هندسي آخر, فالمستطيل أو المكعب لا يمكن تحريكهما بذات السهولة التي نحرك بها كرة بذات الكتلة. وقياسا على هذا فأن البشر يمكنه أن يكون كأي شكل هندسي ممكن في تفاعله مع بعضه في كيانه الإجتماعي والوطني, وتتعزز القوة الاجتماعية باختلاف الأشكال الداخلة في بنائه وتناقص كراته, فكلما قل عدد الأشكال البشرية الكروية في المجتمع, فأنه سيكون أقوى وأصلد, أما إذا ازداد عدد كراته فسيكون أوهى بناء. وعليه فأن استهداف أي مجتمع وتحطيمه يتحقق بإشاعة وتنمية الكرات البشرية فيه. والكرة البشرية يمكن صناعتها بسهولة, وذلك بتوفير العجينة الانفعالية اللزجة ذات القدرة العالية على التشكل وفقا للإرادة الفاعلة والساعية إلى أهدافها المعلومة والمنشودة. وبتوفير الطاقة الانفعالية والنار العاطفية يمكن صناعة البشر الكروي الذي لا يتفاعل, بل يتصادم ويتقاتل مع بشر كروي آخر من حوله. وبهذا يتحول المجتمع إلى ساحة للبليارد تتراشق فيها الكرات البشرية وتنتهي إلى أفواه الضياع والهلاك. ولكي يتحول البشر إلى كرة يحتاج إلى أن يتكور داخل انفعالاته وعواطفه التي تم تأجيجها وشحنها, لدرجة يتم صهره فيها وتذويب جميع طاقاته وقدراته وانحسارها داخل جلد سميك من المشاعر السلبية, فتجعله يتنافر مع الكرات الأخرى التي يتم صناعتها وتكثيرها لكي تتصادم وتتفرق, وتمضي في تفاعلات الاصطدام العشوائي الذي يزيدها انفعالا وتشددا وتطرفا وفقدانا للبصيرة والعقل. والكرة البشرية مخلوق يسعى لكنه قد تم تجفيف عقله وسحقه بسنابك الأحداث الانفعالية الشديدة الفعالية, لتحقيق التكور الوجداني والنفسي والفكري في دنياه, ومن خلال التفاعلات المتواصلة التي تمضي لصياغة شكله الكروي اللازم للضياع والدمار. وعندما يكتسب الفرد البشري هذه الصفة يكون خطرا على نفسه وغيره, لأنه سيتدحرج بلا قدرة على ضبط النفس والتحكم باتجاه الحركة, وإنما يمضي في التصادم حتى ينتهي به المطاف في فم التراب. والبشر الكروي يكون منغلقا على نفسه وعلى ما يراه ويعيه, ويغلف ذلك بقشرة انفعالية سميكة لا تسمح برؤية الواقع واستيعاب الحقائق والتفاعل الإنساني الصحيح, وإنما تحوله بقوتها العاطفية إلى وجود متنافر ومشاكس وسلبي, مثلما تلتقي الكرات ببعضها وتفترق متنافرةً بمسافة تتناسب وقوة تصادمها ببعضها. وهكذا يكون الناس ككرات مكبوسة بالانفعالات وخالية من قوة الأفكار ومهارات التحاور والتفاعل البناء مع الآخرين. ومجتمعات الكرات تكون مهلهلة, ويمكن اختراقها وهدمها بأضعف هبة ريح , فهي غير قادرة على التماسك أمام العواصف بل تتفرق وتتشظى وتتطاير كالهباء. فهل نحن مجتمعات كرات؟ تساؤل علينا أن نجتهد بالجواب عليه, لنعرف حقيقة وجودنا وقوانين تفاعلنا واتجاه حركتنا , في زمن كل نشاط فيه محسوب بدقة متناهية.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |