عبدالكريم كيلاني
Karim_gaylany@yahoo.com

انتابني شعور بالأسى وأنا أرى دجلة وهي تتخضب باحمرار أمواجها خجلا من آثام المتلاعبين بجدائلها الطفولية المشوبة بالأبيض الحالك , يزيد الأسى كل يوم وأنا أتلصص كالمجذوب من ثقب الرصاص على مدينتي الملطخة بالعهر الفوضوي , فلا أرى سوى قهقهات بائسة يمارسها المتبعثرون "الوندول" الجدد وآكلي لحوم الأحياء الموتى , ذوي المخالب الساخطة بالبشاعة , يستفزني كل يوم " بم طاخ " هذا المشهد العاري من الأنسانية , فأعود أدراجي محملا بأطناب الحزن والملل , أدثر أناملي بدثار الأمل علها تجد سبيلها لأيامي المكفهرّات , وأقول لنفسي التعبة " غدا ستعود دجلة الموصل الى زرقتها الساحرة " , أجوب شوارع موصلي وحيدا , فأخالني نمرا جريحا أو طاووسا منتوف الريش , لاأجد سوى قهقهات خاوية الا من الخبث , عيون غائرة ترمقني بنظراتها الشزرة , عيون غريبة لم أألفها من قبل , يدب في أوصالي رعب راعش , يلقي في روعي سهاما ذوات أنصال مسمومة تسفح دموعي الطفولية , أدور حول تاريخ مدينتي كما أدور حول نفسي , فأحتكم الى الدهشة , هل أنا دولاب أدور بسرعة البرق !!؟؟

أم طاحونة عتيقة أجرجر خيبتي وخذلان زمني معي اينما حللت ؟؟!!استوقفني " أبوتمام

" ذاك الشامخ في كورنيش موصلي وأساور الحزن يلف عمامته المتهرئة ويداه الممتدتان عبر الماضي فيسألني "

_ أين أنا ايها الطافح بالحيرة ؟؟ ومااسم هذه المدينة ؟؟

_ انها الموصل التي ولّتك بريدها وقضيت نحبك فيها ايها الشاعر .

- لم أراني غريبا عنها ؟ لم هي تبكي وتئن وتستبيح جمالها بلا وعي ؟؟

- انها تبكي لأنها استبيحت من قبل الوحوش البشرية الضارية , وتئن لأن الملوثين اغتصبوها وقطفوا زهرة ربيعها , انهم يرومون فض بكارتهاعنوة ايها الشاعر.

- ومن هم هؤلاء , بالله عليك انجدني بماتعرف ؟

- ان الغاصبون في مدينتي غرباء .. يظهرون في ليل الغفلة كخفافيش الظلام ليحصدوا الارواح البريئة , وليرسموا بمخالبهم صور الموت والدمار , يطلقون على انفسهم ما يحلو لهم من أسماء , لكن أفعالهم كماترى وتنظر بأم عينك ؟؟ خالية من الانسانية والحياة ,

- أذن فليجل الخطب وليفدح الأمر فليس لعين لم يفض ماؤها عذر تركت اباتمام وهو يبكي على أطلال موصله وينتحب ايما انتحاب , ولم التفت اليه كي لاتنهمر الدموع من عيني بغزارة ويكفيني ما أرى من دمار .

عبرت الشارع بعد ان هزني صوت (( مفخخة )) فلم أأبه لها لأننا اعتدنا عليها في تفاصيل يومياتنا وكأننا لانأبه للموت ولانستحق الحياة , سمعت أصواتا رائقة تتخللها أنغام موسيقى عذبة تبلغ مسامعي من بعيد وهي تقتحم صوت (( المفخخة )) كأنها تقاوم أعداء الانسان في مدينتي المسالمة , "كم يردلي يردلي سمرة قتلتيني خافي من رب السما وحدي خليتيني , انا رايح لحلب عليش توصيني أوصيك مشط ومغي ومكحلة لعيني مغي = مرآة ..." وكلما اقتربت من مصدر الصوت كان المشهد بهيجا أكثر .. والوجوه تتضح معالمها أكثر , ولكن الغرابة سيطرت على نفسي اللائبة حين رأيت ان المجتمعين هم من أزمان متفاوتة , فهذا الملاعثمان الموصلي يجانبه السري الرفاء الموصلي واسحاق الموصلي وربعي بن الافكل العنزي ومحمد صديق الجليلي وووو آخرون , وهم يحتفون بمدينتهم البهية وكانهم يرقبون الغد بعيون مفتوحة وقلوب مغمسة بالأمل , وهنا تيقنت بأن الموصل عصية بأهلها , قوية بارادتها, غنية بتراثها, لن ترض أن يعيث بها الفاسدون , ويحيلوا حاراتها الى مقابر , فابتسمت رغم مايحدث لأنني أيقنت أن الدمار زائل والموصل باقية , عائدة الى ربيعها وخضرتها وجمال صباحاتها ,, لكن متى ؟؟ هذا هو السؤال

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com