|
تعدد القنوات الفضائية وتكريس ممارسات العنف ضد المرأة في العراق
م.م. صفد حسام حمودي/ تدريسي وباحث في الشؤون الإعلامية – مركز جامعة بغداد دراسة في آثار خلق الفضائيات "صورة ذهنية" مشوهة عن المرأة توطئة أصبحت القنوات الفضائية سمة من سمات الواقع المعاصر, واحتلت المكانة الاولى بين وسائل الاعلام , ان تعددية هذه القنوات, وانتشارها وتخطيها للحدود الجغرافية لمختلف المجتمعات, صارت لها توابع سلبية – ايضا- على الرغم من انها عززت بشكل كبير من مستوى تقدم الحريات, حاولت هذه الدراسة الملخصة, والتي تقدمنا بها بمناسبة اليوم العالمي للمرأة, التعرض فيها لابرز جوانب تلك التوابع ومخاطرها, والتي منها تركيز مضامين الرسائل الاتصالية على عنصر الصراع, وتغذية ممارسات العنف لدى الافراد. وتناول الباحث مخاطر خلق "صورة ذهنية مشوهة" عن المرأة من قبل عدد من الفضائيات, الامر الذي شكل عنفا اضافيا في حقها, رافقت ممارسات العنف والصراع اليومية في الحياة, وبحث في دوافع خلق القائمين بالاتصال فيها لمثل هكذا صورة بعيدة عن الواقع, واثارها الاجتماعية والنفسية المستقبلية على المرأة في العراق, ودور التشريعات القانونية في التصدي لمثل هذه الممارسات.
دور القنوات الفضائية في المجتمعات المختلفة وفرت القنوات الفضائية عناصر الاتاحة الفورية للاحداث المهمة للناس العاديين في انحاء العالم, ولعل ابرز البدايات العالمية في ذلك, كانت حين نقلت شبكة (CNN) التي تبث رسائلها من اطلانطا الامريكية, وقائع انقلاب موسكو مطلع تسعينيات القرن الماضي, مباشرة الى العالم, وكان الموسكوفيون انفسهم يراقبون احداث الانقلاب في منازلهم عبر هذه الشبكة, التي كان لتغطيتها المباشرة لاحداث الحرب على العراق 1991 الدور الكبير في انتشارها عالميا. ومع منتصف العقد التسعيني, بدأت اغلب الحكومات العربية باطلاق قنواتها الفضائية الرسمية, الا انها حملت تلك الاهداف التي سعت لتحقيقها في تأسيسها للوكالات الوطنية للانباء (1956-1976), مع بدايات تحررها من الاستعمار, والتي لم تات لظروف موضوعية, وانما لدوفع تتعلق باستكمال هيبة الدولة, بجعلها اداة للتعبئة الجماهيرية, والتوظيف السياسي, على وفق اجندات الانظمة السياسية الحاكمة. لقد نبهت احدث (11-ايلول-2001), وما اعقبتها من حملات اعلامية غربية مكثفة, هدفت الى تقديم صورة ذهنية مشوهة عن العرب والمسلمين, الحكومات العربية بضرورة تطوير القنوات الفضائية العربية, وتعزيز وظائفها الاعلامية المتعددة, في محاولة لاجتذاب المتلقين العرب, لا سيما من فئتي المراهقين والشباب, ممن بدأوا بالتعرض للفضائيات الاجنبية الوافدة حينذاك, لما امتلكته من عناصر اثارة وجذب وتشويق, فضلا عن توفيرها الفرص الكبيرة لتعلم اللغات الاجنبية, والتقاط الفاظ ومدلولات "جديدة", يتداولوها في تجمعاتهم, ويكرس من خطورة ذلك, إن هناك من ينظر الى اللغة الانكليزية, على انها اصبحت تعني اكثر من مجرد اللغة او الادب, وانها تعني تنشئة افضل, وشخصية اكثر جاذبية. وفي المقابل.. اظهرت دراسة اجريت على عينة من الاعلاميين الغربيين والقائمين بالاتصال في هذه المؤسسات الاعلامية, ان 85,7% منهم يرون ان العرب والمسلمين اصوليون , و 78,6% معادين للغرب , و 69% يرونهم معادين للمرأة, و 67,3% يرونهم معادين لحقوق الانسان , و 66,1% يرونهم ارهابيين, و 50,9% يرونهم متخلفين... وهذه الصورة المنحازة لدى القائمين بالاتصال في المؤسسات الاعلامية الغربية – فضلا عن توجهات وسياسات مؤسساتهم وحكوماتهم- تكون دافعا لتقديم صورة مشوهة للاحداث والوقائع الاصلية المتعلقة بالواقع العربي.
تعدد الفضائيات وشروط الحريات بدأت ملكية القنوات الفضائية العربية بالتعدد, من ملكية رسمية للحكومة, الى ملكية خاصة للاحزاب, وملكية خاصة للافراد, ووجد الباحث من خلال تجربته الميدانية, ان ملكية القنوات الفضائية العربية الخاصة بالافراد, صارت تمثل جزء من من استكمال هيبة الافراد – الملاك – انفسهم, والذين هم في الغالب رجال مال واعمال, لدوافع شخصية, او لتحقيق الوجاهة الاجتماعية, والمنافع الاقتصادية من خلال التقرب عبر هذه القنوات الى اصحاب القرار في دولهم, وليس لاسباب موضوعية تتسم باخلاقيات الاعلام. لقد عادت تعددية ملكية القنوات الفضائية العربية باثار ايجابية, من حيث ان هذه التعددية هي احد منابع الديمقراطية, وهي من اهم بواعث تقدم الحريات, الا ان تلك (الحريات) الناجمة من تعددية ملكية القنوات الفضائية, يجب ان لا تتحول الى فوضى فضائية عارمة, وينبغي لها ان تؤطر بقواعد المسؤولية الاجتماعية. وبحثت الجامعة العربية في الثامن عشر من تشرين الثاني 2007 في ندوة موسعة لها بالقاهرة, اداء الفضائيات العربية على وفق ما اطلق عليه بالحريات المسؤولة الراعية لقيمة المرأة والطفل والإنسانية في المجتمعات العربية وسط انفجار فضائي لا محدود, ووجه النقد في هذه الندوة للعديد من الفضائيات , الا انها لم تتمكن من تحديد تشريعات موحدة حول خروج عدد من القنوات الفضائية على القيم الاجتماعية في عملها, وعدم الاخذ بالحريات المسؤولة.
"قيم" الاعلام في المجتمعات العربية معروف ان وسائل الاعلام – ومنها القنوات الفضائية- ينبغي لها ان تعتمد "قيما", هي اشبه بقواعد لانتقاء الرسائل الاعلامية المختلفة من قبل القائم بالاتصال, والذي كان يقوم بمهام ما يعرف بحارس البوابة, والذي يسلم البعض بغياب اهمية دوره نتيجة تعددية هذه الوسائل. وتتعلق هذه "القيم", او تفسيراتها بالجوانب الاجتماعية والدينية والثقافية والسياسية والاقتصادية, لمجتمعات وسائل الاعلام ومتلقيها, وتنسجم مع عاداتهم وتقاليدهم, وتعاقبت تأريخيا نظريات مختلفة في العمل الاعلامي, ومنها: النظرية السلطوية, ونظرية الارادة الحرة, والنظرية الليبرالية, والنظرية الاشتراكية, فضلا عن نظرية المسؤولية الاجتماعية, التي ترى ان من يتمتع بالحرية يجب ان تكون عليه التزامات معينة ازاء المجتمع. واذا كانت قيمة "الاثارة" تحمل من بين معانيها في المدارس الاعلامية الغربية: ما يتعلق بالغرائز والفضائح الجنسية وقصص العشق والمغامرات العاطفية, فان هذه القيمة ينبغي ان تشير في مجتمعنا العربي الى اثارة الانتباه, لما في المادة الاعلامية من اهمية, اي انها اثارة عقلية لا غريزية.
العنف المتلفز على الرغم من ان ظاهرة العنف موجودة – اصلا- منذ ظهور الانسان الاول, الى ان دراسات اعلامية مختلفة اجمعت على ان القنوات الفضائية صارت احدى الدوافع المهمة التي تكرس من السلوك العنيف بين الافراد, لا سيما ان الكثير من القائمين بالاتصال ركزوا على قيمة "الصراع" المتضمنة مشاهد العنف, في انتقاء الرسائل الاعلامية – على الرغم من حدة الانتقادات التي وجهت اليهم في ذلك – وعللوا ذلك: بان الحياة قائمة على صراع... ليس بين الافراد فقط, وانما بين الدول والامم, وان الاعلام الموضوعي هو ناقل دقيق للاحداث. وقد اسهمت تلك الرسائل الاعلامية, بشكل تراكمي, في تنامي السلوك العنيف, لدى اعداد كبيرة من المتلقين لها. وقد تبدأ تغذية السلوك العنيف مع الاطفال, و تنمو معه في مراحل عمرية لاحقة, وما زالت مشاهد العنف التلفزيوني تلقى قبولا كبيرا بين الاطفال ممن يتعرضون لها عبر الشاشات, ونشير هنا الى ان الافلام الكرتونية للاطفال التي تحمل الصراع والعنف, استحوذت على المراكز الاولى في "شبابيك التذاكر" في صالات العرض الامريكية, التي تشكل بورصة السينما العالمية, وسجل فلم الجريمة ((رجل العصابات الامريكي)) اعلى الايرادات بمبلغ 24,3 مليون دولار حتى منتصف تشرين الثاني 2007 , وتدور قصته حول الصراع مع تاجر مخدرات شرير, وتبعه بمركزين فلم (أسود و حملان) , ويتحدث عن اصابة جنديين امريكيين في الحرب في افغانستان.
آثارة خلق "صورة ذهنية" مشوهة عن المرآة انتقدت دراسات امريكية عدم تساوي الفرص في التصدي للوظائف الحكومية المهمة, بين المرأة والرجل في اغلب المجتمعات, وان احصائيات تولي النساء لهذه الوظائف ما زالت غير جوهرية او مهمة... وان الاسهامات العديدة التي يمكن للعديد منهن ان يقدمنها الى حياة ازواجهن المهنية في تلك الوظائف, هي القيام بدور المظيفات, او باعتبارهن تابعات جذابات, يعملن كدعامات على مسرح الاحداث, المقصود بها ان يكن حاضرات مرئيات دون ان تسمع اصواتهن, في مناسبات وظيفية واجتماعية. ونقلت صحيفة "الخليج " الاماراتية في 20-11-2007, استطلاعا اكد ان مجالسة الرجال لزميلات شقراوات لساعات طويلة من العمل يزيد من النشاط الوظيفي للرجل, ويقل هذا النشاط تبعا للون بشرة وشعر ومواصفات المرآة التي تعمل بالقرب منه. لقد باتت النظرة "الغريزية" للمرأة تشكل عنفا شديدا بحقها, تزداد حدته تبعا لتشدد اعراف المجمتع الذي تنمي اليه وتقاليده, وكرس من شدة هذا العنف, الصورة الذهنية التي اوجدتها بعض وسائل الاعلام, لا سيما القنوات الفضائية عنها, باعتبار ان هذه الصورة –الذهنية- تمثل مجموعة الاحكام والتصورات والانطباعات القديمة و الجديدة المستحدثة, الايجابية منها و السلبية, التي ياخذها شخص او مجتمع عن آخر, ويستخدمها منطلقا واساسا لتقييمه لهذا الشخص او المجتمع, وليحدد موقفه وسلوكه ازاءه. وفي العراق, وفضلا عن تعرض المراة للعنف, الذي يمكن ان تتعرض اليه بقية النسوة في مختلف المجتمعات, بدا عدد من القنوات الفضائية المملوكة للافراد بتقديم "صورة مشوهة" عن المرأة, ويعزز الخطورة المستقبلية في ذلك, النظرة بان الاعلام صورة مصغرة عن المجتمع , وعن توزع القوى والسلطة فيه, وهو يعمل في ظل انظمة (اجتماعية وسياسية واقتصادية) تتغذى منها وتغذيها. لقد اشترط الدستور تكفل الدولة بحرية التعبير عن الراي, وحرية الصحافة والطباعة الاعلان والاعلام والنشر, بان لايخل ذلك النظام العام والاداب, بيد ان قنوات فضائية عراقية قدمت "المرأة" على غير حقيقتها, ويقدم عدد منها, وفي ظاهرة غير مسبوقة في الاعلام التلفزيوني العربي, عروضا توحي بالاباحة الغريزية عبر رسائل SMS تظهر على شاشاتها طلبات للتعارف على (نسوة جريئات لقضاء ساعات الليل), عبر ارقام في اسفل هذه الشاشات. ان خلق "صورة" مشوهة ومسيئة بهذا الشكل عن المرأة في العراق, يعده الباحث من اقوى انواع العنف الذي يمكن ان تتعرض اليه امرأة, لما يمكن ان يوقعه من ايذاء نفسي في ذاتها, وصراع داخلي فيها, قد يؤثر سلبا في فاعليتها وقدرتها على الانتاج, والتعاطي بايجابية مع المجتمع, واذا ما كان باحثون قد عدوا ان تشويه بعض الرجال لسمعة مطلقاتهم لحرمانهن من حضانة اطفالهن عنفا شديدا ضمن النطاق الاسري, فان خلق "صورة ذهنية" سلبية عن المرأة, عبر هذه القنوات الفضائية هو عنف اكثر حدة واشد خطورة على المستوى الاجتماعي بشكل عام. ووجد الباحث من خلال تجربته الاعلامية الميدانية ان تلك الصورة التي قدمتها هذه القنوات, لم تكن بقصد ايقاع العنف ضد المرأة العراقية بشكل معد له سلفا, من قبل القائمين بالاتصال فيها, وانما اتت كنتيجة للتخطيط الاعلامي غير الصحيح في اثناء تحديدهم للاهداف التي ترمي مؤسساتهم الاعلامية الى تحقيقها, وصياغتهم غير الدقيقة لرسائلهم الاتصالية دون اعتماد اخلاقيات الاعلام البناء. ويهدف ذلك الى اجتذاب جموع المتلقين بوقت قياسي, وسط كم هائل من الفضائيات, عبر توضيف الايحاءات الغريزية في اساليب متعددة, دون النظر الى الاثار المستقبلية السلبية المحتملة, على المتلقين والمرأة معا, جراء التعرض لمثل هذه الرسائل. وهنا يمكن ان يؤدي التعرض التراكمي للرسائل الاتصالية المتضمنة قيمة الصراع, وتقديم صورة ذهنية مشوهة عن المراة, والترويج عنها على انها "سلعة تبحث عن مستفيد" الى تحفيز السلوك العنيف نحوها من قبل الرجل, في البيت او الشارع او في الوظيفة, ويمكن ان يعرضها الى تحرش او اعتداء, فضلا عن الاسهام في خلق "النموذج التخيلي" للمراة في ذهنية الرجل, والذي قد لا تنطبق مواصفاته على زوجته, فيتكرس سلوكه العدواني تجاه زوجته, للتعبير عن احتجاج غير معلن او مقبول الدوافع من قبله, ويزيد ذلك من مستوى العنف الأسري, والذي هو احد مكونات العنف الاجتماعي بشكل عام.
الخاتمة مثلما كان لتعددية القنوات الفضائية اثارها الفعالة في تواصل المجتمعات فيما بينها وتطورها, وغير ذلك من ايجابيات, الا ان لغياب التشريعات القانونية التي تؤمن سلامة تلك المجتمعات, وابتعاد بعض القائمين في الاتصال فيها عن الاسس الصحيحة والموضوعية في الاعلام, جوانب سلبية. لقد حاولت هذه الدراسة الملخصة ان تظهر الآثار السلبية المستقبلية التي يمكن أن يشكلها تقديم "صورة ذهنية" مشوهة عن المرأة في العراق, وان كان ذلك غير مخطط له بشكل متعمد ومقصود من قبل القائمين بالاتصال في عدد من القنوات الفضائية, وإنما كانت نتاج عدم إدراك وفهم صحيح لأخلاقيات العمل الإعلامي, والوعي السليم في حدود الحريات الممكنة على وفق ثقافات وعادات المجتمعات, ويوصي الباحث بضرورة تبني التشريعات القانونية الواضحة والحازمة للتصدي لمثل هذه الممارسات, فضلا عن الدور الكبير الذي يمكن أن تلعبه المنظمات الصحفية في هذا المجال.
المصادر: 1- د. اديب خصور, صورة العربي في الاعلام الغربي, المكتبة الاعلامية, دمشق, 2002. 2- صفد حسام حمودي, مصادر الاخبار في الصحافة, رسالة ماجستير غير منشورة, كلية الاعلام, جامعة بغداد, 2003. 3- ميج جرينفيلد, الصحافة في واشنطن, ترجمة: فائزة حكيم, الدار الدولية للاستثمارات الثقافية, القاهرة, 2004. 4- د.عبد الله عبد الشكور, العنف ضد المرآة, الكتيب التربوي (22), مركز التطوير والتعليم المستمر, جامعة بغداد, بلا تاريخ.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |