|
عمانوئيل دلي أجتهد فأخطأ فانجب مشكلة ... بابا الفاتيكان وأنا العراق!
حميد الشاكر عندما (أنعم) بابا الفاتيكان بيندكتوس السادس عشر الحالي بالكردينالية على الاب مار عمانوئيل دلي رئيس الكنيسة الكلدانية الكاثولكية، كنت من النزر اليسير الذي لم يتحمس لهذه الخطوة من قبل بابا الفاتيكان من جهة والاب المحترم دلّي من جهة اخرى، وبقيت حابس في نفسي هذا التحفظ على هذه (المكرمة) البابوية، لالشيئ الا لسبب اصيل وهو : ان قراءة هذه الخطوة الكنسية البابوية تجاه الاب عمانوئيل دلي العراقي وفي هذه الظروف العراقية الحرجة ستلد اشكالات ونتائج خطيرة للغاية على نسيج الاجتماع العراقي ووحدته الوطنية اليوم !. ولكن وبما ان نائب رئيس جمهورية العراق الاستاذ عادل عبد المهدي بادر وبلا ادنى تحفظ بالمباركة للكردينال عمانوئيل دلي، وبما ان السيد عادل عبد المهدي نائب رئيس الجمهورية المحترم يدرك الهواجس المستجدة لطوائف العراق قاطبة لاسيما منها القليلة العدد، فقد بقينا بعيدا عن الاشارة لتحفظاتنا التي استشعرناها اثناء سماع هذا الخبر، اما بعد ان اصبح مسيحيي العراق اليوم في دائرة الاستهداف المباشرة من قبل الارهابيين الصداميين فتوجب علينا ان نظهر تلك الهواجس التي لم نذكرها في السابق ليطلع العراقيون على حيثيات الاشكالية وماهية تبلورها الى ربما كارثة لاتحمد عقباها على وحدة الشعب العراقي ومصيره المشترك، وتتلخص بكل بساطة تلك الهواجس من الخطوة البابوية الكنسية في الفاتيكان وقبول الاب عمانوئيل دلي لهذه (المكرمة) بالمحاور التالية : اولا :- ان نمطية التفكير للشعب العراقي تتوجس ريبة من كل ارتباط عقائدي او تنظيمي يمتد بجذوره خارج الوطن العراقي، لاسيما ان تاريخ العراق القديم والحديث يشير الى عملية تمتلك منسوب عالي من الحساسية لمجرد التفكير او القول ان الحزب او الطائفة او الكتلة او التجمع..... الفلاني له شبهة او شائبة الانتماء الفكري او العقائدي او التنظيمي الى خارج الوطن العراقي الكبير، وهذا مادفع العراق في القديم وفي الحديث الى ان تكون له قطبية جذب الى الداخل العراقي ليقيم حضارة متكاملة الجوانب، جاذبة لابنائها نحو الداخل وغير طاردة لهذه الامة الى الخارج، فكان للعراق فكره وحوزته وعقيدته وتنظيمه المستقل والوطني، بعكس كل من يريد ان يستورد الفكر او العقيدة او يرتبط بالخارج العراقي لاي سبب، فان الشعب العراقي قبل الحكومة والسلطة كانت ترى بهذا التوجه اشكالية وطنية كبيرة للداخل العراقي !. وبالفعل هناك صراع كبير جدا من الخارج العراقي للسيطرة على هذا الداخل، ومن خلال هذه الجدلية الطبيعية تكونت للعراق تلك الحساسية المفرطة نحو الداخل والخارج، فكانت للعراق ومازالت خصوصيته الوطنية المختلفة عن الاخر العالمي، وتنطبق هذه الرؤية على كل الشأن العراقي العقائدي الديني والفكري الفلسفي والسياسي الحزبي والاجتماعي والاسري والفردي ايضا، وليس صدفة ان يلد العراق حوزة علمية دينية مستقلة في النجف الاشرف ترحب بالقادم ولاتدفع العراقي للبحث في الخارج، وكذا الحال عندما نقول ان العراق هو الوحيد في هذا العالم العربي والاسلامي الذي استطاع ان يشكل فلسفته الفكرية من الداخل ايضا بانجاب فيلسوف على مستوى محمد باقر الصدر، وكذا الحال سياسيا وحزبيا وكذا اجتماعيا واسريا وفرديا كأكتفاء ذاتي للانتاج العراقي الوطني الخالص !. ثانيا : - عندما اسمع خبر اكرامية البابوية الكنسية في الفاتيكان للاب المحترم عمانوئيل دلي وترفيعه كاردينالا، وانا كعراقي تحت وطأة فكرة الخارج والداخل تلك لاريب ان هناك صدمة ستنتابني عندئذ عندما يدخل عنصر الخارج ليشكل لي عقائد المواطنين العراقيين في الداخل، ليس بسبب ان الخارج لايستطيع ان يوجه الداخل العراقي عقديا لصالح الوطن العراقي فحسب ولكن لاسباب كثيرة جدا منها على سبيل المثال لا الحصر هنا : أ - هل من المفروض ان يكون الكعب العالي للاب عمانوئيل دلي بتاريخه العراقي الحضاري الكبير، ومسيحيته الاصيلة التي تأخذ من عين العراق الصافية، أم ان المفروض ان يكون الفاتيكان صاحب التاريخ القصير هو الاولى بهذا الكعب العالي الذي يمنح المكرمات لابناء العراق الاكثر عمقا حضاريا وفكريا من الفاتيكان نفسه ؟!. بالامس القريب كان البابا السابق يتوسل بصدام حسين المشنوق بامر العدالة العراقية لزيارة العراق والوقوف على اطلال سومر مدينة ابراهيم ليشم عبق الاصالة للاديان الثلاثة اليهودية والمسيحية والاسلام بأور ابراهيم الخليل عليه السلام، فكيف لمثل هذا الموقع ان يكون صاحب الكلمة العليا على الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية العراقية ؟. وكيف يرضى او يقبل الاب عمانوئيل دلي ان يكون اقل مرتبة من البابا السادس عشر في الفاتيكان الذي لايملك اي ميزة تذكر حضارية او علمية تؤهله لان يكون صاحب مكرمة على مسيحيي العراق السابقين له بالاف السنين من الايمان برسالة السيد المسيح عليه السلام ؟. ولماذا لايكون الاب عمانوئيل دلي هو صاحب المكرمة على بابا الفاتيكان السادس عشر وليس العكس ؟!. ربما الاب عمانوئيل اجتهد في هذا الموضوع فباع الكنيسة العراقية برخيص الى فاتيكان العالم الغربي !. ب - ان من المعروف انسانيا وعالميا ان للفاتيكان مشروع مختلف تماما عن مشروع الاوطان والبلدان الاخرى، لاسيما البلدان العربية والاسلامية واختلاف هذا الفاتيكان في توجهاته العقدية والسياسية والاقتصادية مع بلدان العالم الاسلامي والعربي الذي يعيش فيه اليوم الاب عمانوئيل وطائفة من مسيحيي العراق وغير العراق بات معروفا وواضحا تماما، لاسيما ان اضفنا الى ذالك ان للفاتيكان تاريخ كنسي صليبي غربي ينظر بعين الريبة للعالمين العربي والاسلامي بل وكانت هناك حملات كنسية تهيئ حربيا لغزو العالم الاسلامي والعربي باسم التبشير للمسيحية وكانت ردات الفعل العربية والاسلامية تكون معاكسة في الاتجاه والتوجه الكنسي لتتصادم كلا الكتلتين سياسيا وحربيا بشكل عنيف ومأساوي، وهنا عندما يأتي والدنا المحترم الاب عمانوئيل دلي لينتمي للفاتيكان رسميا وليصبح موظفا لهذه الحكومة الكنسية، فأن ذالك سوف ينعكس بصورة سيئة جدا على الذهن العراقي الوطني العام ويثير فيه مؤشرات خطرة جدا على المستوى الوطني تماما ؟!. نعم ربما مسيحيي مصر من الاقباط يدركون هذا المعنى تماما وحساسية الموقف بين الفاتيكان وذهن العالم العربي والاسلامي، لذالك هم على مسافة بعيدة جدا من مؤسسة الفاتيكان الكنسية الاوربية ولايرحبون كثيرا ان يكون البابا شنوده موظفا في الفاتيكان او صاحب رتبة رمزية وذالك للحفاظ على طابعهم الوطني المصري وكذا علاقتهم مع مواطنيهم من المسلمين المصريين وحكومتهم العربية والاسلامية، وهذا بعكس ما اجتهد به الاب عمانوئيل ليدخل العراق ووحدته في دوامة الخشية والريبة بين افراد الشعب الواحد المراد بناء الثقة فيما بينه والبين الاخر، وربما تأثر الاب عمانوئيل بالتجربة المارونية اللبنانية وانتمائها اللامحدود لمشاريع الكنيسة الغربية، قد اغرى الاب دلّي للدخول على نفس الخط والمشروع المراد اقامته في باطن العالم العربي والاسلامي ايضا !. ولكن مثل هذا التوجه للاب عمانوئيل دلي وقبوله بالدخول على خط التبشير الكنسي العالمي وداخل الاوطان العربية والاسلامية ليس فقط يعد اشكالية كبيرة عند التفكير بمنعكساتها السياسية والاجتماعية فحسب، بل ان مثل هذه الخطوة تشكل خطر حقيقي على مستقبل مسيحيي العراق انفسهم داخل وطنهم الام العراق الذي يسع لكل ابناءه ماعدى المتصلين بغيره من الخارج، كما انها خطوة - وليعذرنا الاب دلي هنا - تميز بين مصالح الفاتيكان ومشروعه الديني التبشيري، وبين المصالح الوطنية العراقية في ادامة لحمة الوطن العراقي وعدم تشتت ولاءات ابناءه لهذه الجهة او تلك من الجهات الخارجية !. تمام : ليتذكر الاب عمانوئيل دلي ان من سبقوه للانخراط في هذا المشروع العالمي الكنسي الخطير قد اشعلوا الحروب الاهلية داخل اوطانهم المحلية كما حصل في لبنان الطائفية والدم، ومع انه ليس هناك من وجه مقارنة بين موارنة لبنان ومسيحيي كلدانيي واشوريي وسريانيي العراق، فان الخشية الشخصية لنا شخصيا هي ليست من مشروع التبشير الكنسي بحد ذاته بقدر ماهي خشية شخصية تنتابنى على استقرار مواطنينا من الشعب العراقي بكليته العراقية الاصيلة !. نعم : هل اخطأ الاب دلّي بخطوته تلك وقبوله بشغل منصب موظف في الفاتيكان الكنسيب الغربي ؟. الجواب لدينا : (نعم) قد اخطأ والدنا المحترم في اجتهاده اللامبرر لربط مسيحيي العراق بفاتيكان الغرب البعيد، وكان من الاجدر به ان يكون اكبر من الفاتيكان نفسه ليكون العراق فاتيكان العالم وليس الفاتيكان عالم العراق، كما كان العراق حوزة الدين ولم يكن الدين حوزة للعراق !؟.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |