الارهاب وارهابيون

 

علي توركمن اوغلو

alikerim1966@yahoo.co.nz

ظهر الارهاب كمفهوم سياسي بعد الثمانينات من القرن الماضي بعد ان تفكك الاتحاد السوفيتي وانسحب من حلبة الصراع السياسي فأنهار بذلك التوازن العالمي الذي ساد لحوالي اربعين سنة . فلكي تتمكن الولايات المتحدة الامريكية التي استفردت بمقدرات العالم من تمرير مخطاطاتها الموجهة للهيمنة المطلقة على العالم الجديد والتي ارادت وتريد تشكيله تحت مسميات ابتدأت بالنظام العالمي الجديد، ثم العولمة، واخيرا مشروع الشرق الاوسط الكبير، كانت بحاجة لاعذار مقنعة لقطاع واسع من متوسطي الثقافة من البشر، وكان هذا العذر هو محاربة الارهاب.

 ولكي تحارب الولايات المتحدة هذا الارهاب وتنتصر عليه، وجب عليه الظهور في هذا الشرق الاوسط الكبير، خصيصا في الحلقات المهمة والاستراتيجية منه، وقد تم اختيار افغانستان والعراق والسعودية وفلسطين وتركيا في المرحلة الاولى، وشمال افريقيا في المراحل اللاحقة. وهكذا اصبح هذا الارهاب يشكل طليعة قدوم الجيش الامريكي، أو كانه الحمى وسيلان الانف قبل الوقوع طريح فراش الانفلونزا الحادة.

 ولكي يبدأ الارهاب لابد من وجود ارهابيين، ولقد سمت الولايات المتحدة الامريكية ارهابييها وعينتهم وحددتهم بأعضاء تنظيم القاعدة. وسواء كانت القاعدة تنظيما ساهمت المخابرات المركزية في تأسسيها ثم فقدت السيطرة عليها لاحقا، أواغمضت العين عن نشاطاتها اثناء الصراع الامريكي- السوفيتي في افغانستان، فالنهاية واحدة، فهنالك في الساحة السياسية – العسكرية قطبان متصارعان قطب قوي يمثل الشرعية الدولية (الولايات المتحدة الامريكية) وقطب ضعيف متمرد وعاصي ومعادي لهذه الشرعية هم ارهابيوا القاعدة . ولكي يتم القضاء عليهم يجب احتلال الارض التي يقفون عليها لتطهيرها ثم اقامة نظام سياسي متوافق مع الشرعية الدولية.

 هذاهو ملخص الفيلم الامريكي الجديد الذي يتوجب علينا مشاهدته شئنا، أم ابينا، وما على دول العالم الا ان تعلن موقفها علانية، وتوضح صفها، هل هي مع الشرعية (الامريكية) الدولية، ام تصطف مع ارهابيي القاعدة . ولقد صنفت الولايات المتحدة الامريكية الارهاب الى صنفين : ارهاب عالمي ذات مفهوم مطلق ( يستهدف الولايات المتحدة ومصالحها كما حدث في عمليات تفجير برجي التجارة العالمية في نيويورك) يتوجب الاجماع على محارته واجتثاثه وعدم التهاون معه ولامناص للدول الحليفة للولايات المتحدة الا التعاون معها في محاربتها، وأرهاب محلي ذات مفهوم نسبي (لايستهدف الولايات المتحدة بل يستهدف النظم السياسية للدول الاخرى ديمقراطية كانت ام لم تكن) لايتوجب على الولايات المتحدة الامريكية محاربته، أو معاونة الدول الاخرى التي تعاني منها، بل يترك الخيار للخارجية الامريكية لادراج تلك المنظمات الارهابية في اللائحة الامريكية للارهاب، أو تصنيفها ضمن المنظمات التحررية والنضالية . وهكذا فان الدول الاخرى التي قبلت امريكا تصنيف ارهابها المحلي ارهابا ليس عليها الا انتظار قرار الولايات الامريكية في معاونتها في القضاء عليها وفقا لمعيار المصلحة المتبادلة، أو مفهوم الحلف الاستراتيجي، أو تأثير اللوبيات الفعالة في اراضيها .

 فمنظمة الحماس التي تعادي اسرائيل الحليفة الاستراتيجية للولايات المتحدة الامريكية تتصدر قائمة لائحة الارهاب المحلي الامريكية، وهي ملزمة بمعاداتها وعزلها سياسيا واجهاض حكومتها المنتخبة، ولايتوقع يوما من الايام ان تسدي النصيحة لاسرائيل بالجلوس على طاولة المفاوضات معها، بينما منظمة بككا الارهابية في تركيا تاتي في الدرجة التالية في لائحة الارهاب المحلي، ولان تركيا ليست اسرائيل بالنسبة للولايات المتحدة الامريكية لذلك تتردت طويلا في الاستجابة لطلبات تركيا المتكررة لضرب معاقلها في دولتها التي اسستها في شمال العراق، وهي ان سمحت بذلك، فانما فعلت ذلك لحلحلة الوضع الجامد والخروج من دوامة الحلقة المفرغة من الارهاب الذي لم ينقذها حتى نصيحتها السابقة للاتراك بأدخال تسعة عشر عضوا من اعضاء منظمة بككا الارهابية البرلمان التركي كنواب عن حزب المجتمع الديمقراطي . وما الايعاز الامريكي لتركيا لانهاء عملياتها العسكرية فورا وسحب قواتها دون السماح للاجتثاث الكامل لهولاء الارهابيون، ومن ثم اطلاق القادة العسكريون الامريكان امثال ( الجنرال راي اوديرانو والاميرال وليم فالون) تصريحات توصي تركيا بعدم فاعلية الحل العسكري ووجوب الجلوس مع اعضاء هذه المنظمة الارهابية حول مائدة المفاوضات والاستسلام لارادتها الا دليل واضح لما اقول.

لقد خلق هذا التصنيف المزدوج والكيفي للارهاب الى فوضى فكرية في العالم وخصيصا في تلك البلدان التي تعاني من وجود مشاكل سياسية - اجتماعية مزمنة، يلجأ فيها من يعادي النظم السياسية فيها الى استعمال العنف وقتل الابرياء من مواطنيها واشاعة الخوف بينهم وتدميرالبنى التحتية فيها لالحاق الهزيمة بها، وان لم تنجح في ذلك اجبارها على الاقل للاستلام لارادتها والموافقة على الجلوس معها حول طاولة المحادثات. وما على تلك الدول الا ان تنتظر لطف الولايات المتحدة لتضيف ارهابييها الى لائحتها، أو تتلقى شر اعمالها ان هي اعلنت عدائها للولايات المتحدة، اذ ستنقلب تلك المنظمات الارهابية الى منظمات جهادية ونضالية ومدافعة عن التحرر ونصيرة للديمقراطية، فتتلقى بذلك مباركة الولايات المتحدة ومساعدتها العلنية والسرية، أو قد تتخذ المخابرات المركزية تلك المنظمات رؤوس حراب في اسقاط من لاتريد رؤيتهم على راس السلطة في الدول الاخرى.

 ان هذا الموقف الغريب والذي احدثه هذا التصنيف الكيفي للولايات المتحدة يظهر جليا في بلدين متجاورين ابتليا ببلوة الارهاب، الاول العراق الجريح الذي تتداخل فيه مفهوما الارهاب، العالمي متمثلا بالقاعدة التي قدمت للعراق مع الولايات المتحدة، أو قبل مقدمها بقليل لكي يبدأ الصراع معها في الفلوجة وديالى والموصل والزاب وبغداد، وينتهي هذا الصراع بتدمير البنى الاساسية للعراق والمحلي ممثلا بالمقاومة الحقيقية والوطنية التي يقودها القوميين من العرب السنة لهذا الاحتلال.

 والبلد الثاني هي تركيا التي تعاني من الارهاب المحلي، فالاكراد العراقيون ضمن هذا الموقف الغريب والعجيب، يتعاطفون مع هولاء القتلة ويسمونهم مناضلين لانهم اكراد ويسدون النصيحة لتركيا بأيجاد حل سياسي معهم (شبيه بالحل السياسي لمشكلة الاكراد في العراق طبعا)، بل وقد وصل بهم المقام في التعاطف والتحالف الى معالجة قسم من جرحى هذه المنظمة الذين سقطوا اثناء العملية العسكرية التركية البرية الاخيرة في منطقة الزاب الاعلى في مستشفيات السليمانية واربيل، ودهوك، وكركوك حيث تسربت بعض الاخبار عن وجود ثمان وعشرون جريحا ارهابيا من بككا في مستشفى صدام بكركوك، حيث منعت الزيارات لتلك الردهات من دون اعضاء الحزبين الكرديين، ولقد تم دفن اربعة من هؤلاء الجرحى الذين ماتوا، وكانت من بينهم امرأة، في مقبرة الشيخ محي الدين وبحضور عدد كبير من كبار الشخصيات الكردية في كركوك . غير ان نفس الاكراد لايترددون في نعت المسلحين من العرب السنة (المجاهدين) الذين يحاربون الاحتلال الامريكي في العراق، او الذين يستهدفون العسكريين والمدنيين العراقين بالارهابيين.

 ويبدو اننا ضمن هذا التداخل في المصالح والذي يولد تداخلا في المفاهيم سنبقى نتحدث طويلا عن الارهاب وانواعه لحين اختراع مفهوم جديد لرؤية عالمية جديدة، وتقسيم جديد يعيد ترتيب الصفوف وفق معيار جديد.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com