|
لكي يتغير العالم من حولنا علينا أن نغيّر أفكارنا. فالإنسان يعيش أفكاره, ويسعى في يومه وفقا لما فيه من رؤى وتصورات. فهو يستيقظ في الصباح ويبدأ تفاعلاته اليومية تبعا للأفكار الطافحة في رأسه, فما عنده يكون من حوله . فإن كان مزاجه حزينا سيقوم بأفعال ونشاطات تبعث على الحزن, وإن كان فرحا فأن نشاطاته ستعبر عن الفرح. والمزاج يرتبط بالأفكار كما هو معروف ونوع الفكرة تصنع حالة المزاج وبالعكس. وهكذا فالإنسان يفكر ويفعل, وكل ما يقوم به يكون لسان حال أفكاره, ففكرة الخوف تصنع عالما خائفا, وفكرة الكراهية تدفع إلى ما يؤكدها ويؤسس للنشاطات الكريهة القاضية بموجبها. ما نفكر به يتحقق, فاعرف أفكارك لتعرف ما هي حياتك. لأن الحياة مسرح تفاعل الأفكار وميدان التعبير عنها, وكل ما نقوم به من نشاطات, إنما هو مرتبط بفكرة قائمة وفاعلة في أعماقنا. ولا بمكن فصل الفعل عن الفكرة, فلكل فعل وعمل فكرة تؤسس له وتدفع إلى تحقيقه. ونحن لا يمكننا أن نغير الأعمال لكي نغير الأفكار, بل لا بد من تغير الأساس والباعث للفعل والعمل, وعندها سيتغير ويكون وفقا لما نريده. والإنسان يخضع لأفكاره, بل ومستعبد بالفكرة الفاعلة في رأسه ولهذا فهو ضحية لها, لأنها قد تأخذه إلى ما لا يحمد عقباه ولا يتفق ومبتغاه, عندما يصبح فريسة لها وقد تسيدت على أرجاء كيانه. ومن هنا, فلكي ندفع الإنسان إلى القيام بفعل ما, علينا أن نزرع فكرة ذلك العمل في عقله وأن نجعل فكرته تتمكن منه وتستخدمه للوصول إلى غاياتها وبناء قدرات تحقيقها في محيط الواقع الذي يتحرك فيه. فالأفكار أصل الأفعال وتغييرها يغير الأفعال, وكيفما تكون الأفكار تكون الأعمال. إن العقل البشري وعاء يتمثل الأفكار التي توضع فيه ويعبر عنها بالأفعال الناجمة من أوامره الصادرة إلى أجهزة الجسم التي يتحكم بها. ولهذا فأن استهداف الإنسان يكون من خلال امتلاك عقله وسرقة قدراته على التمحيص والتمييز، وتحقيق أعلى درجات الإعياء والاضطرابات العاطفية ذات القدرات الانفعالية العالية، والتي تحدد إمكانيات العقل وتأسرها وتمنعها من التفاعل الصحيح مع الفكرة، وتجعله بلا خيارات سوى الاستسلام والخنوع والإذعان لكل دوافعها ونوازعها رغما عنه, لأنه قد توقد عاطفيا وتسعّر انفعاليا وما عاد إنسانا وإنما دمية لسلطة الفكرة المتوثبة في كيانه المعنّى بقيودها ونهجها الذي لا ينفعه، لكنه يسعى به ويحققه رغما عنه. وفي المجتمعات الواقعة تحت هيمنة الفكرة الواحدة والمنهج الواحد, يكون التغير عسيرا والانتقال من حال إلى حال صعبا, لأن الإنسان قد شيّد جدارا انفعاليا حول أفكاره، وصار ضحية لانطلاق عواطفه التي تحكمت بها أفكاره الأحادية ذات التأثير السلبي عليه وعلى محيطه. ولهذا فأن التنوع والاختلاف مطلوب لكي تتغير مسيرة الحياة بعيدا عن الانغلاق والجمود, ولهذا أيضا فأن الحرية والديمقراطية توفران الفرصة الخلاقة للتغير والتطور لأنهما لا تساندان الرضوخ لفكرة مهيمنة, بل توفران العديد من الأفكار التي تزعزع سيادة الفكرة الواحدة وتبنيان معالم الانفتاح والتواصل الكبير مع معالم الذات والموضوع . ويبدو أن إرادة الخالق في تأكيد التنوع والاختلاف انطلقت من وعي مخلوقاته ومناهج صيرورتها، فتم توفير مساحة لا حدود لها منهما, وأصبح للصدفة دور خلاق في بناء الوجود الحي وتحقيق التطور والارتقاء القائم في الحياة. وعليه فأن طاقة التنوع والاختلاف من أهم شروط البقاء والتواصل الأرضي للمخلوقات, لأنها توفر الأرضية الكفيلة بالتعامل مع المتغيرات الزمنية وبناء الحياة وفقا لمفردات عصرها وآليات الفهم المتجدد في ميادينها. فأصبح التعبير الذاتي أمرا واجبا وضروريا لاستمرار الحياة، لأن قوانينها تسري رغما عن المصدات والسدود التي لا تستطيع أن تصمد أمامها. وهكذا فأن العقول المتجمدة في حفرة الأفكار البائدة لا يمكنها أن تقاوم أمواج تيارات التغيير والتواصل والتقدم الأرضي, وبهذا فأنها عرضة للانهيار والانقراض والتلاشي الحتمي الذي لا مفر منه. وعليه فأن العقول المعبأة بأدوات التفكير السلبي التي فيها كتل من الأفكار السوداء لا يمكنها أن تتفاعل مع مسيرة الحياة إلا بمنهج انقراضي وطاقات سلبية تنعكس عليها فتنهيها. ولا بد لها لكي تكون في خضم الحياة المتجددة والمتواصلة, من أن تراجع أفكارها وتغيرها وتهدم جدرانها الانفعالية، وتتخلص من عواصف عواطفها ومشاعرها المتوقدة على جمرات الأفكار المحشوة في أدمغتها، والتي تسوقها كالقطيع إلى حيث يتم جزرها وإنهاء دورها وتحويلها إلى لحوم معدة لمعدة التراب. وقد تلاشت العديد من التفاعلات التي تخضع لأفكار غير قادرة على مسايرة نهج الحياة المتجدد. وعندما ننظر من حولنا إلى عالمنا الصاخب المزدحم بالمرارات والمآسي والويلات، ندرك أنها جميعا من صنع الأفكار الفاعلة في رؤوسنا نحن البشر, وما علينا لكي نحقق السعادة والأمن والرفاه, إلا أن نغير الأفكار, ونستخدم المفردات المعبرة عن الحياة، وأن نرى الألوان ذات القدرة على صناعة الوجود المتفائل, وتحقيق الآمال والطموحات، وأن يكون تعبيرنا عن وجودنا الإنساني متوافقا مع التطلعات الإيجابية، والمعاني والقيم السامية التي تحافظ على المجتمع وتبني موائل الرجاء. وبهذا يكون الإنسان وتتحقق معالم الطريق الصحيح وعناصر التفاعل الإنساني الأكبر على جميع المستويات. والخلاصة أن الحياة ميدان أفكار, وكيفما تكون الأفكار السائدة تكون الحياة, ولا يمكن تغيرها إلا بتغيير الأفكار . وعلينا أن نكون جادين في تنقية أفكارنا ووعي تأثيرها على حياتنا وتقرير مصيرنا. وأن نرى بأننا ننجز ما عندنا من أفكار, أو هي تدفعنا وتطوعنا لإنجازها, فنحن مخلوقات تحقق ما تعتقد وتنجز ما تدرك. ولن يتغير ما حولنا حتى نغير ما في أنفسنا, وتلك حكمة خالق الأكوان العظيم ولا تبديل لقوانين السماء فوق التراب.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |