المخابرات ... ورجال المخابرات .. الحلقة الرابعة / الباب الخشبي

 

جلال جرمكا/ كاتب وصحفي عراقي/ سويسرا

عضوألأتحاد الدولي للصحافة وعضومنظمة العفوالدولية

tcharmaga@hotmail.com

المخابرات ورجال المخابرات .. سلسلة من الذكريات ألاليمة .. أتذكرها طالما أنا حي .. فهي اليوم ولربما غدا وحتى مماتي جزء من تأريخ حياتي المرير .. أنقلها بكل أمانة، الغريب أن بعض ألأخوة كانت لهم أراء متباينة حول المقدمة والحلقة ألأولى.. لذلك لابد أن أوضح :

كتاباتي ورأيي بالحكومة والبرلمان شىء .. ومذكراتي شىء أخر.. لا أكيل بمكيالين.. الرأي رأي والمذكرات مذكرات.. كيف يريدونني ؟... أمدح المخابرات ؟؟ أمدح منتسبوا معتقل / الحاكمية؟؟ أمدح الجلادون الذين لاضمائر لهم ولاقلوب ؟؟ مع ذلك لا أظلمهم.. أنقل الحقائق كما رأيتها لابل عشتها .. وأعتقد أن كل الذين أعتقلوا قبلي وبعدي يشهدون على الحالة هناك ويؤدونني على صحة ما أكتب .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

في كل طابق من طوابق معتقل (الحاكمية) التابعة لجهاز المخابرات ممر طويل وعلى جانبي ذلك الممر هناك (زنزانات) صغيرة مصممة لشخص واحد .. وقد رتبت بشكل منسق حيث الجانب ألأيمن فيها زنزانات تسلسلها فردية .. 1، 3، 5، 7، 9 ... وهكذا .. أما الجانب ألأخر فتسلسله زوجي.. 2، 4، 6، 8 ... وهكذا!!.

في الطابق الثاني الذي كنت معتقل فيه، كانت هنالك غرفة كبيرة في نهاية الممر أسموها بـ / (الباب الخشبي) والسبب لكونها كانت الغرفة الوحيدة التي بابها من خشب!!.

ولتلك ألغرفة أختلافات عن بقية الزنزانات ومنها :

• أنها شيدت للحرس .

• بابها من خشب.

• جدرانها مطلية باللون ألأبيض .

• فيها شبابيك كبيرة وعالية .. لذلك فهي غير مظلمة في النهار .

• لاتوجد فيها مغاسل وتواليت .

لي مع تلك الغرفة حكايات مؤلمة .. وبالضبط حالتين لا أنساهما مادمت على قيد الحياة.. سأبدأ بسرد الحالة الثانية .. وبعدها ألأولى :
ــ لجهاز المخابرات (نظام) يختلف فيه عن بقية ألأجهزة (آلآمن وألأستخبارات وألأمن الخاص) .. وبأختصار :

كل محكوم حينما ينهي مدة محكوميته (أذا كان من معتقلي المخابرات وحوكم من قبلهم) .. لايطلق سراحه من سجن أبو غريب.. بل يجب أن يعاد الى المخابرات ليبقى ضيفا عليهم لليلة أو ليلتين أو أكثر (حسب ألأمزجة المريضة!!) .. وبعدها يطلق سراحه .. والسبب لاشىء سوى ألأستفزاز والتهديد .. كل العملية عبارة عن ملأ أستمارة وتلقي التهديد بعدم التحدث عن المخابرات (سلباٌ أم أيجاب) حينها يطلق سراحه من هناك!!.

في الحقيقة أن المسألة لاتكمن في ملأ أستمارة فقط بل في الواقع هي أحدى أساليبهم القذرة حتى لاينسى المعتقل تلك ألأيام ويتذكرها مازال حياٌ ... فعلاٌ ممارسة رهيبة ومدروسة بأتقان!!.

من سؤ حظي (العاثر) أنه صادف يوم أطلاق سراحي يوم الخميس .. وتلك حكاية طويلة .. حيث على الذي ينهي محكوميته ويطلق سراحه .. عليه أن يحمل معه (كيس مملؤ بالدنانير) .. يوزعها شمالاٌ ويميناٌ والا ستتأخر العملية لأيام .. وفي تلك الحالة ونظرأ لفقدان الثقة يحاول المطلق سراحه الخروج من أبو غريب بأسرع وقت ...!!.

تم تحويلي الى (قسم ألأفراج) والقسم المذكور يشرف عليه (وزارة العمل) .. بعد دفع المزيد من الرشاوي، تم تحويلي الى مركز الشرطة (داخل المعتقل) وهناك سلموني الى (رئيس عرفاء / حسن)، ركضنا مسرعين الى قسم (الكومبيوتر) لتأشير أطلاق سراحي .. وهناك أيضاٌ دفعنا (المقسوم) وأخيرأ خرجت من الباب الرئيسي وأخذنا (أول سيارة تاكسي) الى منطقة / أسكان غرب بغداد .. حيث هناك دائرة للشرطة الجنائية عملهم تأشير المطلق سراحهم وفتح صفحة (سوداء) لهم لكونم من المجرمين وخائني الحزب والثورة، من حسن حظي أن الدائرة مذكورة مفتوحة أبوابها طيلة الليل والنهار حيث بعد الدوام هنالك (ضابط خفر) وعدد من المنتسبين .

دخلنا وخلال نصف ساعة وبعد أن دفعت (المقسوم) للسيد ضابط الخفر .. أصبحت من المجرمون وخائني الحزب والثورة ..!! .

في تلك الفترة كنت أسكن منطقة المنصور / حي المنتنبي.. وبما أن منطقة / أسكان غربي بغداد قريبة من منزلي لذلك طلبت من (السيد / رئيس عرفاء حسن) أن يتكرم على ونزور العائلة ونتناول شيئاٌ وبعدها ليأخذني ويودعني عند المخابرات .. أراد ألأمتناع ولكن بعد أن سلمته (رزمة) قبل بالعرض فوراٌ!!.

وصلنا فجأة الى البيت والعائلة في ذهول وكأني نزلت عليهم من السماء.. والسبب لكون كانت هنالك دعاية بحجزي (بعد أنهاء المدة) حتى أشعار أخر .. وفعلاٌ بعد أنتهاء مدة المحكومية أبقوني أسابيع!!!!.

أمضيت عدد من الساعت بين ألأهل وألأولاد والجيران ... بعد ذلك وفي الساعة السابعة توكلنا على الله وتوجهنا نحو شارع / 52 حيث الحاكمية .

سلمني (رئيس عرفاء حسن) الى ألأستعلامات .. ودعني وشجعني وقال :

ـ هالله هالله يا أبو آلآن .. كلها أيام ويفرجون عنك لا تشيل هـُم!!!.

أستلموني وقد أخذت ألأحتياطات حيث أرتديت (دشداشة) ولم أصحب معي ولاشىء.. لاساعة ولاحلقة ولا نقود الا القليل!!!.

أصطحبني أحدهم بعد أن أمرني برفع (الدشداشة) لأغطي بها وجهي .. سحبني وأودعني في الغرفة التي نتحدث عنها (الغرفة ذات الباب الخشبي) وأخذ يسرد على التعليمات .. بالمقابل كنت أعرفها كلها لكوني كنت ضيفا عليهم لفترة طويلة!!.

ياريتني لم يدخلوني الى تلك الغرفة حيث :

سريسر حديدي ... وعليه .. (دوشك) فقط وفي الجانب ألأخر (ساق أصطناعي) .. كان منظرأ مخيفاٌ .. أول عمل قمت به وضعت الساق تحت السرير!!!.

بقيت في تلك الغرفة المأساوية الى يوم السبت الساعة الرابعة بعد الظهر أطلقوا سراحي .. وأكاد لا أصدق وأنا حر طليق في (شارع الصناعة)،حيث أخرجوني من الباب الخلفي!!!.

قضيت ليلتين في تلك الغرفة كانت بمثابة سنتين ... كان ألأرهاب بعينه بجانب ذلك الساق ألأصطناعي وذلك السرير المأساوي .. وألأغرب كلما أردت قضاء الحاجة كان على أن أطرق الباب ويأتي الحرس ويخرج أحدهم من زنزانته ويصطحبني الى هناك ... كانت عملية شاقة حيث ألأنتظار والقلق..حسب مزاج السيد الحرس!!.

الحالة ألأخرى :

ـ في بداية أعتقالي كانوا يهددونني بجلب عائلتي وأطفالي للتحقيق والتعذيب!!!... كنت أخشى تلك العملية القذرة جداٌ وكانت شغلي الشاغل!!.

في فجر أحد ألأيام أستيقظ الجميع على أصوات (صراخ وعويل) من عدد من ألأطفال وأمرأة وهم يقتادون بالقوة داخل ذلك الممر الطويل ... سمعنا أحدهم يقول :

ـ خذوهم الى غرفة الباب الخشبي!!!.

ظلت تلك العائلة في تلك الغرفة لأكثر من أسبوع .. وفي تلك الفترة قلبوا حياتنا الى أكثر من جحيم!! حيث سمعنا العجب العجاب!!!.

المشكلة كانت عندما يأخذون (ألأم) الى التحقيق ويبقى ألأطفال وحدهم .. كانت عملية لاتذكر.. حيث ألأطفال يتوسلون بالجلادين لترك أمهم .. والجلادون يأخذونها عنوة .. وهي تصرخ وألأولاد يصرخون ... خلال فترة غياب ألأم لاينقطع ألأطفال عن البكاء حتى الهلاك وألأغماء .. بعد عودة ألأم يبدأ الصراخ(أكثر وأعلى) حينما يرون أثار التعذيب على جسم والدتهم!!!.

مع تلك المعناة .. كنا نتمتع بسماع أصوات ألأطفال وهم يضحكون عندما يزودون بوجبة طعام أو شيئاٌ أخراٌ!!.

فيما بعد علمنا بأن تلك العائلة، عائلة (ضابط) قد التحق بالمعارضة في كوردستان!!!.

بعد فترة نقلوهم الى جهة مجهولة .. وبذلك أزيل هم من همومنا الكثيرة ... لعن الله تلك الغرفة وصانعيها والمشرفون عليها ... كانت أيام مرة ... لاتنسى!!!.

ـ هنالك حلقات أخرى بأذنه تعالى ـ

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com