المؤسسات الفلسطينية بالبرازيل ـ وافاقها المستقبلية

 

جادالله صفا /كاتب

فلسطيني مقيم بالبرازيل

Capaibr@hotmail.com

المؤسسات الفلسطينية الجماهيرية بالبرازيل، والتي اكدت على تمثيلها للجالية، كانت دائما وباستمرار على علاقات مميزة بالسفارة الفلسطينية، مؤكدة على التفافها حول خط السفارة الذي هو خط منظمة التحرير الفلسطينية كاطار وكيان يمثل الشعب الفلسطيني، وكانت مؤتمرات المؤسسات الفلسطينية للجالية، دائما تعقد بطلب من السفارة الفلسطينية وبعد موافقة السفير، وهذا كان يدل على دور السفير والسفارة في رسم التوجهات المستقبلية، والتاثير على قراراتها ودورهما باختيار قيادة الفيدرالية، ليصل الى دعم مرشحين في العديد من التجمعات الفلسطينية بالمدن الاساسية بالبرازيل، والذين يتعاطون مع الخط السياسي لمكتب المنظمة او السفارة والسفير الفلسطيني، الجالية الفلسطينية بالبرازيل هي التي بادرت بالبدء بتاسيس الجمعيات الفلسطينية وتشكيل الفيدرالية الفلسطينية الاولى لتتبعها الدول الاخرى على مستوى القارة.

شهدت المؤسسات الفلسطينية ومؤتمراتها في عقد الثمانينات تنافسا وصراعا بين اطراف وتيارات سياسية، التي جاءت انعكاسا للصراع والتنافس داخل منظمة التحرير الفلسطينية، ولكن منذ بداية التسعينات اخذ الصراع والتنافس داخل هذه المؤسسة منحى اخر، وذلك بعد تعيين سفيرا جديدا لفلسطين واقالة السابق، حيث حاول السفير المقال ان يعود الى العمل السياسي والدبلوماسي من خلال مؤسسة رسمية فلسطينية الا ان محاولاته لم توفق وخسر بالمؤتمر السابع من ايصال ممثلين له الى مركز القرار بالفيدرالية، رغم محاولاته التنسيق مع قوى اليسار الفلسطينية بالمؤتمر، فاكد المؤتمرين على استمرار تمسكهم بالمنظمة واعتبار السفارة الفلسطينية والسفير مرجعيتهم وتم اختيار القيادة الجديدة للفيدرالية الفلسطينية على هذا الاساس.

لم تتمكن الجالية الفلسطينية بالبرازيل من عقد مؤتمرها الثامن الا بعد انطلاقة انتفاضة الاقصى، حيث بادرت بعض الجمعيات الفلسطينية الى اجراء انتخابات جديدة بجمعياتها، احساسا بالمسؤولية اتجاه اعادة الاعتبار الى هذه المؤسسة، في هذه المرحلة الجديدة التي تشهدها الساحة الفلسطينية، للوقوف الى جانب انتفاضة اهلنا في فلسطين المحتلة، للدفاع عن اهداف نضالنا الفلسطيني والتمسك بالثوابت والحقوق الفلسطينية، وتوج هذا التحرك بوسط الجالية بالدعوة الى عقد المؤتمر الثامن للمؤسسات الفلسطينية التي تمخض عنه انتخاب هيئة ادارية جديدة على راسها السفير السابق المقال، علما ان قبل المؤتمر حصلت حوارات بين اطراف وتيارات سياسية فلسطينية من اجل الوصول الى حالة وفاق، تؤدي الى نهوض بالمؤسسة الفلسطينية بالبرازيل، ولكن لم تمضي فترة قصير الا وتنكشف كافة اهداف المتحاورين وتوجهاتهم المصلحجية بحثا عن مراكز، وبغض النظر عن حسن النوايا التي كانت تظهر عند بعض الاطراف في حينها، الا انها اثبتت عكس ذلك فيما بعد، فكانت الغاية من المؤتمر هو البحث عن مراكز ومواقع قيادية وتنافس على عضوية مجلس وطني، رغم تاكيد رئاسة المجلس الوطني الفلسطيني بعدم التعاطي والاعتراف مع ما تقرره الاطراف الفلسطينية بالبرازيل والمؤتمر المقرر عقده لانتخاب اعضاء مجلس وطني جديد، خلال هذه الفترة التحضيرية للمؤتمر وعقده، برزت خلافات كبيرة كانت ظاهرة وواضحة للعيان، وبالاساس مع السفارة، التي قادها السفير المقال مع السفير الفلسطيني بتلك الفترة.

ورغم الطعنة الكبيرة التي تلقاها بعض المحسوبين على اليسار الفلسطيني بالمؤتمر، والجهود التي بذلوها من اجل انجاح المؤتمر التي تمثلت بالحشد الكبير من ابناء الجالية، الا ان هذه المجموعة اصرت عن قصد او حسن نوايا، مراهنتها على تغيير بموقف قيادة الكونفدرالية الجديدة لاجراء تعديل على قيادتها، علما ان المؤتمر اقر في نظامه الداخلي، بان الرئيس المنتخب يحق له اجراء تعديل على هيئته الادارية، فكانت هذه المجموعة تراهن على تغيير وتعديل يضمن لها مشاركة حتى ولو رمزية بالهيئة القيادية، او مستقبلا بعضوية مجلس وطني، ولكن هذه الاوهام سرعان ما تبددت وتبخرت وطارت عندما تم تعيين رئيس الكونفدرالية سفيرا لفلسطين باحدى دول امريكا اللاتينية، وهنا انكشفت الاوراق لدى الجميع، وتم الدعوة الى مؤتمر اخر، وتم انتخاب هيئة قيادية جديدة للمؤسسة الفلسطينية، التي عادت الى اسمها القديم اتحاد المؤسسات الفلسطينية بالبرازيل وليس الكونفدرالية كما تم اقراره بالمؤتمر الثامن، حيث تم استبعاد المجموعة اليسارية التي شعرت بالفعل انها كانت عبارة عن اداة وسلم لصعود الاخرين، ولكن الجديد الذي خرج به المؤتمر هو حول مرجعية الهيئة الادارية للفيدرالية الفلسطينية بالبرازيل، والمسؤولية عن هذه الفيدرالية تقع على عاتق من؟

كل المؤشرات تقول ان الهيئة الادارية للفيدرالية الفلسطينية بالبرازيل، تتلقى التوجهيات والارشادات من سفارة اخرى بامريكا اللاتينية، مما ترك اثرا سلبيا على دور السفارة الفلسطينية بالبرازيل وادائها، سواء على مستوى الجالية ام على المستوى الدبلوماسي، مما اعتقدت السلطة الفلسطينية ان الاداء للسفيرة الفلسطينية التي تم احالتها الى التقاعد او نقلها الى دولة اخرى هو اداء ضعيف، ورغم اتفاقي مع هذا الاعتقاد، الا ان السفيرة قبل مغادرتها اكدت لبعض ابناء الجالية عن مؤامرة من احد السفراء بالقارة لنقلها او اعفائها من مهمتها، وبالفعل تم التاكيد ان الوضع العام بالبرازيل يشهد صراعا حادا بين اطراف بمركز القرار بالقارة، واتوقع ان المؤسسات الفلسطينية والجالية الفلسطينية ستشهد خلال الفترة القريبة القادمة ايضا صراعا كبيرا بهذا الاتجاه، بعد التعيين الجديد بالسفارة الفلسطينية، وهذا يعود الى صراع الاطراف والتيارات داخل حركة فتح، والتقاسم الوظيفي، حيث بدأ السفير الجديد قبل وصوله الى البرازيل من اجراء اتصالاته بالعديد من ابناء الجالية الفلسطينية، ليؤكد لهم على اهمية المؤسسة الفلسطينية والجمعيات.

السفيرالفلسطيني الجديد ستكون امامه مهمات وتحديات كبيرة باتجاه المؤسسات والجالية الفلسطينية، على راسها اعادة الثقة بالعمل الوطني بالبرازيل، وترسيخ الجهود من اجل النهوض بالمؤسسة الفلسطينية، لتنشيط الجالية الفلسطينية ومؤسساتها، وانتخاب هيئات ادارية جديدة على مستوى الجمعيات تؤكد على قدرتها ودورها المسؤول، تمهد مستقبلا لهيئة ادارية جديدة للفيدرالية الفلسطينية، لاعادة الفيدرالية الفلسطينية الى البرازيل، علما ان السفير الجديد كان موظفا بالسفارة الفلسطينية في عقد التسعينات، وهوعلى دراية كاملة وكبيرة بكافة تفاصيل العمل الفلسطيني الدبلوماسي والجاليوي والمؤسساتي.

اما التحدي الاخر الذي سيواجهه هو التشكيلة المستقبلية للكونفدرالية الفلسطينية على مستوى القارة في حال عقد مؤتمرها، بمفاهيم خارج اطار التوجه العام للسلطة الفلسطينية، حيث كانت التوقعات تشير الى عقده بتشيلي خلال العام الماضي، ولكن نتائج الانتخابات الاخيرة بتشيلي واختيار هيئة ادارية جديدة للفيدرالية هناك، معروفة بتوجهات يسارية وهي للمرة الاولى التي يصل تيار بهذا التوجه الى رئاسة الفيدرالية الفلسطينية هناك، فان هذا الانجاز ايضا يشكل عقبة اساسية لعقد المؤتمر بتشيلي، والتي ترجح ان يعقد بالبرازيل، والوضع العام للفيدرالية الفلسطينية بالبرازيل وتوجهات هيئتها الادارية لا تصب باتجاه التوجه العام للسفارة الفلسطينية، حيث سيتم النظر بالحسابات المستقبلية، تمهيدا للجولة القادمة.

ومن هنا يجب التاكيد على اهمية العمل الجاليوي والجماهيري للمؤسسات الفلسطينية، لتثبيت المفاهيم الديمقراطية بالتعامل داخل المؤسسات الفلسطينية بالبرازيل، والذي يضمن الحقوق الفردية والجماعية لكافة الاطراف، والابتعاد عن حالة التعصب، واعتبار ان الجمعيات والمؤسسات الفلسطينية بالبرازيل هي ملكا للجالية الفلسطينية، وعدم اقصاء احد من الادلاء برايه بما يخدم مصالح الجاليه وتوجهاتها السياسية والديمقراطية، والعمل على حل كافة التناقضات بالجمعيات بما يضمن مشاركة واسعة للجالية الفلسطينية، وهو يدرك جيدا ان مهمته بهذا الاتجاه صعبة جدا، نتيجة النفور العام لدى الجالية الفلسطينية من السياسات السابقة التي مارسها السفراء السابقين اتجاه المؤسسات، والخلافات الحادة بين ابناء الجالية، اضافة الى ما خلفه اوسلو من سلبيات انعكست على اداء المؤسسة والجالية.

كذلك يتوجب على التيارات الاخرى الموجودة داخل الجالية الفلسطينية، والتي تتعارض توجهاتها مع طرفي اصحاب القرار بالفيدرالية والسفارة الفلسطينية، ان تتوجه هذه التيارات الى المؤسسات الفلسطينية، والتاكيد على حقها بالانتماء والانتساب الى الجمعيات والتاكيد على عضويتها، فلا يجوز اطلاقا بعض اطراف اليسار ان تدافع عن المؤسسات الفلسطينية، وتطالب بدمقرطتها وهي بنفس الوقت خارج اطارها، فمن واجبها ان تدعو كافة ابناء الجالية الى الانتماء الى المؤسسات الفلسطينية، والدعوة الى تشكيل مؤسسات بالمناطق التي يتواجد بها جالية فلسطينية، وان العمل هو بين الجماهير والجالية، وان التفاف الجماهير والجالية يكون دائما حول المواقف الصائبة والبرامج الواقعية، ومطلوب من كل كافة القوى الى نبذ كافة الخطوات السيئة والبذيئة التي تسيء الى المؤسسة او دورها، وان تتراجع بعض العناصر عن اجراءاتها التي اتخذتها بحق الجمعيات، فالخلافات هي خلافات بالنهج والفكر والبرنامج، مع التاكيد مرة اخرى ان المؤسسة يحب ان تكون خارج اطار الصراعات الفكرية والسياسية على اعتبار انها مؤسسات جماهيرية لكافة اطياف الشعب الفلسطيني، فالجمعيات الفلسطينية كانت دائما وابدا تعاني مثلما تعاني مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية من الهيمنة والتفرد بالقرار، وان التغيير والاصلاح لن ياتي الا من خلال النضال من ضمن المؤسسات وكسب الجالية والجماهير، وليس الهرب من المؤسسات دون مبرارات مقنعه.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com