|
الشباب والدور النشود في الاصلاح والتغيير
ميثم عامر بما يمثلونه من طاقة متنامية وعنفوان وتوقد، يلعب الشباب، دوراً مهماً في جميع مناحي التغيير على مستوى بلدانهم. فهم حقيقة الوقود وأداة الإصلاح على مستوى السياسة والاقتصاد والمجتمع. ولذلك يدفع الشباب ثمناً باهظاً من حياتهم يؤثر بصورة مباشرة على مستقبلهم المهني والاجتماعي. بجانب المرآة والنساء، دائماً ما تستهدف الأنظمة فئة الشباب كأحد ثنائي التأثير في أي مجتمع، سلباً أو إيجابا. فإذا ما لاح مشروع مجتمعي أو على مستوى الدولة، فلابد من إشراك أو احتواء هاتين الفئتين من أجل نجاح ذلك المشروع- الشباب والمرأة. وأذكر في لقاء جمعني مع أحد قادة حزب العمال البريطاني، وفي ظل الحديث عن النقلة التي حدثت لحزب العمال إبان فوزه الأولي الساحق على حزب المحافظين، أنهم اعتمدوا على إستراتيجية تقديم الشباب والمرأة في مواقع قيادية في الحزب. طبعاً هناك بعداً آخر في هذا التوجه، وهو أن هاتين الفئتين تمثلان الشريحة الأكبر عددياً وتأثيراً في المجتمع، ومتى ما تم احتواءهما، فقد تم ضمان توجيه المجتمع بكامله. بعد هذا التقديم، وتسليطاً للضوء على الشباب والدور الذي يمكن أن يلعبوه في أي إصلاح سياسي منشود، يمك أن نتناول الموضوع من الجوانب الآتية: -1- البعد الإداري والقيادي: فمن ضمن الأمور التي يعول عليها الأنظمة و\"أصحاب الأجندة\" هو الإعتقاد بضحالة الثقافة العامة والخاصة لدى فئة الشباب وانحصار اهتمامهم بأمور تكاد تكون ليست محل مشاطرة مع بقية فئات المجتمع، مما يؤكد الانطباع المأخوذ عن الشباب بأنهم منغلقون على أنفسهم، ولايهتمون إلا بالقضايا التي تمسهم بشكل مباشر. ولهذا كان الشباب محل إستهداف من خلال بعض الوسائل التي تكون قريبة من ميولهم واهتماماتهم. ومع اختلافي مع التأصيل لهذا التوجه، إلا إنه واقعي الأمر الذي تراه عملياً من خلال حضور وتواجد الشباب الشحيح في الفعاليات المجتمعية المختلفة، إلا ما ندر. وأعتقد هناك تفهم لحالة \"اللا أبالية\" وعدم العناية بالقضايا المجتمعية الأخرى وذلك لقناعة- حسب ما أرى- لحالة اليأس من التغيير المجتمعي، واقتناع أولئك الشباب بعدم قدرتهم على التأثير، ناهيك عن الرسائل العملية من الاستهداف والعقاب التي ترسلها الأنظمة للناشطين والمتقدمين في القضايا المجتمعية. فهذه كلها تلعب دور في ابتعاد الشباب عن التفاعل مع القضايا المجتمعية وذات الشأن العام. هناك أيضا بعد آخر، هو إبعاد المؤسسات المجتمعية لفئة الشباب، وذلك بسبب تفرد ونفوذ القيادات الهرمة التي ترى في الشباب طيش وعدم قدرة على لعب أدوار قيادية في المجتمع، وهو أمر انعكس على تفاعل أولئك الشباب وتصديهم للمشاركة في أي أنشطة تهدف لتغيير ذلك الواقع. ومن هنا لابد من إعادة الصياغة لبعض الوسائل المتبعة في الإدارة والإستقطاب، والتي يجب ان تبنى على الثقة بالآخر- والمقصود هنا الشباب- وعلى قدرته بأن يكون شريكاً حقيقيا في صناعة القرار وخلق وعي مجتمعي مؤثر في ذلك القرار . فلابد من تغيير النظرة المجتمعية للشباب بانهم طائشون وغير مسئولون ولا يستطيعون تحمل الصعاب، فهذه النظرة كفيلة بأن تأد (من وأد) القدرات الجبارة عند الشباب وتساعد في هروبهم وارتماءهم في أحضان من يريد بهم وبأمتهم ومستقبلهم سوءاً. فأنا لست من دعاة أن يرمي الحمل كله على الشباب، ولكن لايمكن الإستغناء أيضا عن الشباب فهم قادرون على المشاركة ليست فقط على دفع العجلة، ولكن أيضاُ في توجيهها. وعليه لابد من إشراكهم- وليس فقط جرهم للدعم والدفع- في عملية صناعة القرار وتفعيله. طبعاً، هذه المسئولية وأن تقع من هو في مواقع إدارية مؤثرة، إلا إن الشباب يجب أيضا أن يفرضوا انفسهم على صناع القرار من خلال الحضور والتفاعل والتأثير في آلية صنع واتخاذ القرار. -2- البعد التثقيفي: وهذا الجانب مرتبط بالسابق، ويعني بعملية التوعية وإشراك فئة الشباب في المشاريع المختلفة، فهذا يستدعي التوعية والتثقيف والمكاشفة بأي أجندات وأهداف سواء كانت مرحلية تكتيكية أو استراتيجية بعيدة المدى. وفي هذا الجانب، لابد من توفير عناصر التوعية والمعلومات اللازمة، وتحصين الشباب بمفردات ومفاهيم وأبعاد مشاريع التغيير المطلوبة، بحيث يتبنى – أولئك الشباب- الإنخراط في تلك المشاريع والدفاع عنها بكل ثقة واصرار حتى تتحقق أهدافها. من جانب آخر، مطلوب من الشباب أن يلعبوا دوراَ أساسياً في عدم التشرب باي ثقافة ومعلومة ما لم تكن محصنة من خلال ثوابت محددة واضحة بالنسبة لهم، وإلا كانوا محل استهداف التوجيه لليمين والشمال. وعليه لابد أن لا يكتفي الشاب بالتلقي بطريقة أحادية، بالحاق ذلك بالبحث والتقصي والإطلاع، خصوصا ونحن نعيش الطفرة التقنية التي جعلت من المعلومة في متناول اليد. فتعدد مصادر المعلومة يحمي من الزيغ والتوجيه، وتضمن التعرف على آراء الأخرين والتيقن والقناعة بالأفكار وجداوئيتها، وذلك بمقارنتها بالثوابت. ومعرفة الثوابت تستحصل من خلال الثقافة والاطلاع، بغض النظر عن وسائله المختلفة. -3- البعد المهني: وحتى يلعب الشباب دوراً متميزاً في اي مشروع إصلاحي، لابد أن يتقدموا في نيل مواقع مهنية من خلال تخصصاتهم المختلفة. فنجاحهم في مواقع مهنهم، سواء كانوا طلبة أو مهندسين أو اطباء أو صحفيين أو أي مهنة اخرى، سوف يرسل رسائل الأطمئنان والثقة لمن هو في المواقع القيادية المؤثرة في المجتمع للسماح لهم بلعب دور أساس في صناعة القرار، وايضا لبقية أفراد المجتمع. فمن يملك خبرة في قيادة المركبة يمكن أن يوثق به عندما يمنح مسئولية سياقة حافلة جماعية. والعكس صحيح، فلا يمكن ان تطمئن لسياقة من لا خبرة له في السواقة، ولايمكن تبرير منحه الفرصة في ذلك. أيضا هناك بعد آخر في الموضوع، هو جانب الخبرة المتراكمة والتي تعمل كالرياضي الذي يقوي عضلاته ويستعد للسباقات الحقيقية. فمن يملك خبرة وقدرة على التحمل ومن تدرب وتمرس، هو بلاشك سيكون محل تقديم للمشاركة في صنع وإدارة القرار في اي مشروع تغيير. هناك طبعاً سلبية لهذا التوجه، ومنبعث من الرغبة في التميز وتحسين الوضع المادية والإجتماعي، وهو حق للشاب الذي سهر الليالي وقدم التضحيات من أجل مستقبل أفضل. ونقصد هنا الإنغماس لحد البعد والتخلي عن لعب أي دور في مشاريع التغيير، حتى لو كان قريباً من التخصص المهني. والنقطة التي نجادل فيها ان توجهات المشاريع المجتمعية يفرضها من يوجهها ويقود دفتها، فإذا لم يتم التصدي للعب دور أساس فيه، خصوصاً من الشباب القادر المؤهل، فإن أي تردي في الوضع وآثاره السلبية التي لن تستثني من يعتزل ويبتعد معتذراً بانشغاله بمهنته واحترافها، فلا ينفع البكاء على اللبن المسكوب. ومن يتصدى أولاً، ويتزعم الأنشطة، يكون تأثيره هو الباقي وتوجهه هو القادر على مقاومة اي تعديل مستقبلي. -4- البعد التنظيمي: لايمكن النظر للأمور من خلال ما يعرف بالتغيير عن بعد \"الرموت\". فلكل مشروع آليات تغيير التي من خلالها يمكن التحكم في مخرجاته. ولا يمكن لعب دور مؤثر في تلك المخرجات إلا من خلال معرفة تلك الأدوات والقدرة على ممارستها وتفعيلها. فالنقد لايكفي، والمكلمة لا تؤثر، وإنما تقمص أدوار مؤثرة في المشاريع. فعليه، لابد من الإنخراط في المؤسسات المختلفة للمجتمع، والسعي للتأثير على صناعة وتوجيه القرار فيها. وإلا نكون كمثل الذي ينعق ولا يسمع إلا نفسه. ونحن عندما نطلق هذا التوجه، نفترض وجود آليات التغيير والتوجيه، بحيث تعكس رغبة المشاركين في تلك المؤسسات. وأي مؤسسة تستهدف الشباب بحيث تكون مشاركتهم فيها لخدمة أجندات الأنظمة وتلميع صورها، فيجب عدم تحقيق ذلك لها، بل يجب العمل على مستويين، الأول فضح تلك المؤسسات وتعريتها حتى لا ينخدع بها الأخرون، والثاني العمل على خلق البدائل الحقيقية. فبدون وجود البدائل أو على الأقل طرح مشاريع السعي وخلق الأرضية لوجودهأ، يصبح العمل كاتهويش في الهواء الذي يتعب صاحبه ويستسلم في نهاية المطاف. نريد مشاركة حقيقية من الشباب، ولكن نرفض استهبالهم واستغفالهم واستخدامهم لتقديم صورة غير واقعية لمؤسسات مجتمعية غير فاعلة ومؤثرة. نريد المشاركة على أساس وجود أدوات التغيير الكاملة والقدرة على استخدامها وتفعيلها يما يعكس رغبة وإرادة جمهور المشاركين. ونقولها بالفم الملئان: لا للمشاركة في المؤسسات الصورية المفرغة من معانيها الحقيقية، ونعم للمشاركة الفاعلة في مؤسسات التغيير والتشريع والرقابة التي تحكمها أدوات تمكين وقدرة على تحقيق كل ذلك، دون تقييد أو توجيه من خارج تلك المؤسسات. استنتاجات: الشباب هم وقود التغيير، ولكنهم أيضاً قياداته وعليهم يقع العبء الأكبر في توجيه وقيادة ذلك التغيير. بهم ينجح ويدونهم يفشل، وبعدم تصديهم وابتعادهم، يشتركوا في تحمل مسئولية توجيه الآخرين وفرض مشاريع تخدم أجندات خاصة. يستطيع الشباب إن يلعب دوراً في التأصيل والتأسيس، وكذلك في الإدارة المباشرة لمشاريع التغيير. ويتطلب ذلك منهم حضوراً ومشاركة ووعياً، وكذلك رفضاً لكل مشاريع استغلالهم لتدميرهم وتدمير المجتمع بكامله، فهل سيعي الشباب تلك الأدوار؟
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |