|
لقد أثبتت التجارب السياسية أن معاناة وإشكاليات الشعوب التي تبنت النظام السياسي التعددي الذي يبيح إقامة أحزاب وكتل سياسية على أسس دينية وقومية تتعدى كثيرا معاناة وإشكاليات تلك التي تتبنى النظم الدكتاتورية والاستبدادية أو ذات الحزب الواحد ولاسيما الشعوب المكونة من أطياف دينية وقومية متنوعة . وابرز الأمثلة على ذلك الشعب اللبناني الذي اتخذ من النظام التعددي نظاما سياسيا له منذ عشرات السنين ولا يزال يدفع ثمن تبني مثل هذا النظام من أمنه واستقراره وحريته واستقلاله وتقدمه ودماء أبناءه وذلك لان هذه الأحزاب لايمكن أن تكون أحزابا ً وطنية ليس لكونها لا تمثل جميع مكونات الشعب وتمثل مكون واحد فحسب بل لأنها تشكل امتدادا لنفس المكون في دول أخرى مجاورة وغير مجاورة وهو ما يجعلها أسيرة ذلك المكون وأجندته وأطماعه وأجندة وأطماع امتداداته الخارجية التي تتقاطع مع مصالح المكونات الأخرى والوطن عموما ويفقد البلاد الكثير من مقومات الاستقلال والاستقرار وبالتالي يتحول التنافس السياسي القائم على أساس تقديم الأفضل من البرامج الوطنية إلى صراع طائفي وعنصري يعرض البلاد للتوتر الدائم الذي يبلغ في أحيان كثيرة حد اندلاع الحروب الاهليه والتدخلات الخارجية السياسية والعسكرية والاقتصادية المباشرة وغير المباشرة بسبب المحاصة الناتجة عن هكذا نظام سياسي ودخول أعداء البلاد الخارجيين المتربصين على الخط بانتظار أية ثغرة للتسلل من خلالها لتفعيل سلاح "فرق تسد" فتكون النتيجة بلدا ً ضعيف البنية متخلف يسقط أو على وشك السقوط دائما في الهاوية السحيقة في أية لحظة. إن معايير المفاضلة بين الأنظمة السياسية كما هو معروف تتم على أساس مدى المنفعة التي تحققها تلك الأنظمة للشعب ومدى الأضرار التي تلحقها بها ، ففي ظل الأنظمة الدكتاتورية والاستبدادية وأنظمة الحزب الواحد القوية يتمتع الشعب عادة بالأمن والاستقرار والإدارة المركزية الحازمة واتخاذ القرارات السريعة بحيث لاتبقى هناك سوى إشكالية طبيعة الشخص الماسك بالسلطة فمعظم الأنظمة المماثلة تصادر حريات وحقوق الإنسان بدرجة أو بأخرى ولكن تبقى أسوء سلبياتها أفضل من أحسن ايجابيات الأنظمة السياسية التعددية موضوع البحث وهذا لا يجعلها مرفوضة من قبل العقل والمنطق العلمي والديمقراطي فحسب بل ومن الناحية الشرعية أيضا لان مقاصد الشرع الإلهي هي جلب المنافع ودفع المفاسد وليس هناك أكثر واخطر وأسوء من المفاسد التي تجلبها الأنظمة السياسية التعددية المذكورة لأنها تقدم على طبق من ذهب افتك سلاح ضد الشعوب يكفل لأعدائهم إضعافهم وتمزيقهم والهيمنة عليهم ألا وهو سلاح "فرق تسد". وهاهو العراق يكرر نفس الخطأ الكارثي ورأى العالم كله كيف عانى الشعب ولا يزال من جراء ذلك النظام من تأخير لتشكيل الحكومة إلى صعوبة الحصول على التوافقات بين الكتل لإصدار القوانين والتي لجأت إليها مضطرة ً الكتلة الحائزة على الأغلبية في مجلس النواب لإضفاء الشرعية الوطنية على القوانين برغم امتلاكها الحق الدستوري في تشريع القوانين بمفردها بسبب قناعتها بعدم إمكانية التفرد بالتشريع لأنها لا تمثل الشعب العراقي كله وإنما تمثل مكون واحد من مكونات الشعب الكثيرة وان قيامها بذلك يعني استئثار فئة من فئات الشعب بالحكم وهو صورة من صور الدكتاتورية والاستبداد كما يؤدي إلى تهميش وإقصاء أو حتى ظلم وقمع المكونات الأخرى وانتهاك حقوقها وحرياتها وما يتوقع من ردود أفعال منها على ذلك لان الأغلبية التي تشكلها الكتلة الدينية أو القومية ليست أغلبية وطنية تضم جميع فئات ومكونات الشعب بل أغلبية الفئة الواحدة والمكون الواحد وهنا تكمن الخطورة ولذلك نعتقد أن هذا النظام يتناقض مع الديمقراطية التي تهدف إلى تحقيق حكم الشعب بأغلبيته الوطنية - أي أغلبية كل فئة من الفئات - التي تحقق آماله وطموحاته المتجسدة بالأمن والاستقرار والاستقلال والتقدم والرفاهية للشعب وليس بأغلبية إحدى الفئات التي تكون ثمارها معاكسة ومدمرة تماما لتلك الآمال والطموحات فضلا على تناقضها مع مقاصد الشرع الإسلامي وان كان بعض تلك الكتل تهدف إلى تطبيقه كما تعلن . فالمطلوب في التعددية المعول عليها هو تشكيل أحزاب وكتل سياسية تضم أعضاء ً من جميع الفئات بحيث لا يلمس المواطن عائديتها لفئة بعينها بل يجب أن يلمس أنها تمثل جميع فئات الشعب...
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |