إن الذي يطلع على تاريخ العرب السياسي قبل وبعد الإسلام حتى ولو بشكل بسيط وسريع يتوصل بما لايدع مجالا ً للشك إلى أن السبب الوحيد الذي يقف وراء ضعف وتخلف وتمزق العرب وهيمنة الأجنبي عليهم عبر العصور يعود إلى الخلافات البينية التي تبلغ في معظم الأحوال إلى درجة التقاتل والتكالب على الامتيازات والمصالح النفعية الفردية والفئوية التي تتطلب الإمساك بالقرار السياسي أو اكبر قدر ٍ من التأثير على الساحة السياسية حتى لو اضطر هذا الطرف أو ذاك للتحالف مع العدو الأجنبي الطامع في البلاد أو تقديم خدمات مهينه له للاستقواء به ضد أخيه وابن بلده في الطرف المخالف له لتحقيق أهدافه التي غالبا ماتكون متقاطعة مع المصلحة العامة وهو مايضع البلاد تحت مطارق ومعاول الأعداء الأجانب الطامعين والذين يبذرون مثل هذه الخلافات ويغذونها لتضمن لهم السيادة المطلقة والمرتبطة باستمرار تلك الخلافات .

وهكذا نجد أن الفرس والرومان كانوا يحتلون أجزاء كبيرة من الأراضي العربية ولم يتركوها إلا بعد أن ظهر الإسلام ووحد العرب فتمكنوا عند ذاك أن يهز موهم شر هزيمة ويدكوا معاقلهم في عقر دورهم . فقد قال الله تعالى في محكم كتابه مخاطبا ً الرسول محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم :"لو أنفقت مافي الأرض ِ جميعا ما الفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بين قلوبهم ..... صدق الله العظيم " حيث حقق الله على يدي رسوله الكريم عليه وعلى آله الصلاة والسلام تلك الوحدة التاريخية التي لم يسبق لها مثيل ولم تتكرر إلى يومنا هذا .

وما أن توفى الرسول عليه الصلاة والسلام حتى بدءوا يتمردون على خلفاءه وبلغ التمرد مدى غير مسبوق عند تجراهم على ذي النورين عثمان بن عفان  رضي الله عنه وقتلوه في منزله وهو يقرا القران الكريم وكان صائما ثم ماحدث للإمام علي بن أبي طالب وأبنائه الحسين والعباس عليهم السلام حيث عادت السلطة إلى التداول عن طريق الاستيلاء عليها بالقوة المسلحة والتخطيط والتآمر بعد أن كانت بالبيعة الطوعية .

وانتهت بسقوط الدولة العربية على أيدي الأجانب المعتدين الطامعين والحاقدين ، ولا تزال الأراضي العربية محتلة من قبلهم   بشكل مباشر كما في فلسطين ولبنان وسوريا والعراق وغير مباشر للأقطار العربية الأخرى .

وبعد كل هذه الأحداث لم تتعض القيادات السياسية والدينية والثقافية العربية وتدرك أن السلاح الأمضى الذي يرفعه الأعداء فوق رقابهم هو سلاح "فرق تسد" سلاح التفرق والاختلاف والتقاتل من اجل المصالح الذاتية والفئوية ولا سيما من خلال إقامة أحزاب وكتل سياسية ذات طابع ومضمون ديني وطائفي وعنصري لضمان استمرار النزاع بينهم وعدم الاتفاق وإنهاك القوى الساعية لراب الصدع القائم على الدوام . فنجد الفلسطينيين يتقاتلون ونجد اللبنانيين يتقاتلون ونجد العراقيين كذلك ولولا أن الحكومات العربية الأخرى حكومات مركزية ليست تعددية وتمسك بزمام الأمور بدرجة أو بأخرى ولو إلى حين ... لحدث عندهم شيئا ً مشابها لما في لبنان وفلسطين والعراق . ولذك نعتقد أن العدو الأول الأخطر والوحيد للعرب ليس أعدائهم التاريخيين بل قياداتهم السياسية والدينية والثقافية التي لاتجيد الصدام والخلاف والتناحر والتقاتل واستعراض العضلات والبطولات والشجاعة الفائقة حد التهور إلا ضد بعضها البعض مثلما لاتجيد السياسة والدبلوماسية والتملق والتزلف والتنازل حد التوسل والاستسلام والتبعية والعمالة سوى مع الأعداء مقابل إلحاق الأذى بأبناء جلدتهم ومساعدتهم على انتزاع مابايديهم من حقوق مشروعة.

إن العلاج الوحيد وأؤكد ثانية أن العلاج الوحيد المعول عليه والمتاح أمام العرب لحل هذه الإشكالية الخطيرة والكارثية هو التخلي عن الخلافات العقائدية والمواقف المتناقضة والاتفاق على حد أدنى يتسم بالوسطية المرنة بين الانسياق للأجنبي وخططه حد الاستسلام والمهانة وبين الإصرار على استخدام القوة في ظل وضع ينعدم فيه التكافؤ العسكري مع إمكانية المناورة مرة بالتصعيد ومرة باللين حسب متطلبات الموقف لان اتفاق القيادات العربية الشيء الوحيد الذي يخيف الأعداء ويقض مضاجعهم ولذلك فإنهم لايعولون على شيء كتلك الخلافات فتراهم دائما يغذونها ويلهبون سعيرها فتدر عليهم المزيد من المكاسب .

والأمر الآخر المهم هو إلغاء جميع التنظيمات السياسية الفئوية التي يشف منها الانتماء لهذا المكون الديني أو ألاثني أو ذاك والإبقاء على التنظيمات الوطنية التي تضم جميع أبناء البلاد دون تفريق وبخلافه سوف لايستمر الوضع الحالي فحسب بل يتجه إلى مزيد من التراجع وتعميق وتجذ ير الاحتلال بكل مايعنيه من أضرار ومساوئ .

فلو تناولنا أزمة الرئاسة في لبنان مثلا ، وبحثنا عن حل لها يرضي جميع الأطراف ، فهل نعجز عن إيجاده ؟ الجواب بالتأكيد لا ... لان الطريق المعبد واضح ومعروف للجميع ولكن ماذا نفعل لمن يحمل الممنوعات وبالتالي فانه يضطر إلى أن يسلك الطرق الملتوية ، فلو قام كل طرف من الأطراف بترشيح شخص  تنطبق عليه شروط رئيس الجمهورية وقاموا بإجراء القرعة بينهم بشفافية تامة ... ألا تنتهي الأزمة ؟ ... بالتأكيد ستنتهي فورا لو أنهم كانوا عازمين على ذلك ويريدون مصلحة البلاد... ولكن سبب ذلك يعود إلى وجود أحزاب سياسية دينية وقومية لها عمق خارجي لايسمح لها باتخاذ موقف وطني في مصلحة الشعب اللبناني بل يضحي بها من اجل الأجنبي ومن اجل مصالحه الشخصية أو الفئوية  . وهكذا في فلسطين والعراق ، ولذلك فان العدو الصهيوني يصور للرأي العام انه خسر حرب لبنان الأخيرة تحت ضغط ضربات حزب الله وانه وافق على الهدنة بفعل قوة حماس وتأثير صواريخ القسام وعملية القدس الأخيرة والحقيقة إن الكيان الصهيوني لديه قدرة تمكنه من مهاجمة الدول العربية مجتمعة ً دون أن يخسر الحرب والقضاء على قوة حماس ليس تضخيما لقوته أو استهانة بالقدرات العربية ولكن لأن الصهاينة موحدون  كأفراد وقيادات فضلا على امتلاكهم أقوى واحدث التقنيات بينما العرب يفتقدون إلى الاثنين معا برغم أن تعدادهم يتجاوز عدة أضعاف عدد الصهاينة لان العبرة ليست بالعدد بل بالنوعية وقد  اتخذ الصهاينة هذا الإجراء وشكلوا لجنة فينوغراد لإضفاء مصداقية على انسحابهم المدبر من لبنان بهدف تمرير مخططات معينة تتطلب بقاء حزب الله وحماس مؤثرين في الساحتين اللبنانية والفلسطينية بدعم خارجي إلى حين الانتهاء من الأغراض المخطط لها . 

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com