قاسم محمد الكفائي/ عراقي مقيم في كندا

canadainsummer@yahoo.com

 الأعلامُ الحَي هو أن يُمارسَ العاملونَ فيه عمَلهُم أحرارا وفقَ ضوابط ِمسؤوليتِهم ومهنيتِهم، فتزدهرُ بهِ مساحة ُ الرأي، وتنشط ُ قواعدُ السياسةِ في البلادِ، لتنعكسَ ايجابا على حياةِ الأنسان، وعلى طموحهِ المُتصاعد بلا مَلل ٍ. وفي الأعلام خطورة ٌ تتهدَّمُ بها صوامعُ البلادِ على رؤوس أهلِها عندما يكونُ بوقا مأجورا، أو محبوسا في قبضة اليدِ الواحدة، والفكرِ الواحد، وليسَ للآخرين حق الأدلاء بكلمةٍ حرّة، أو رأي ٍمُخالفٍ بمقدارِ الطموح أو الأختيار . العراقُ ما بعدَ نهايةِ حِقبةِ استبدادِ صدام انتعشت فيه حرية ُ الرأي، وباتَ الأنسانُ العراقي يختارُ كلمَتهُ، ويطرحُ رأيَهُ وفق آلياتٍ اعلاميةٍ تتظاهرُ بالنزاهةِ وحسن السُلوك . والحقيقة أنّ هذا الأعلام ما زال يشكو حالاتِ اقصاء الآخرين من المِهنيين أو حالاتِ التعتيم على الحقائق بسبب تراكماتِ الثقافةِ السيّئةِ التي خلفتهَا حِقبة ُ الأستبدادِ تلك، وبسبب اختباء عناصر غير مُخلِصة تحت تلك التراكماتِ، مرتبطة ً بحقبةِ الماضي الذي كان يتزعمُه اللصوصُ والخفافيش . فمرارة ُهؤلاء قد يتجرّعها أهلُ الأختصاص والثقافة في شؤون الأعلام كظاهرة صِراع ٍ طبيعيةٍ تظهرُ في كلّ مرحلةٍ من مراحل ِ حياةِ الأمة، وهي أقلّ حِدة من مرارةِ وخطورة أهل ِالحَلِّ والعَقد من رموز البلاد المخلصين عندما يمتلكون القوة والسطوة ولا يمتلكون الثقافة في تدبيرِ الواقع الأعلامي الهادف الذي لو تبنته مؤسّساتُ المجتمع ِالمدني باخلاص ٍ ومهنيةٍ مع فتح كلِّ أبوابِ الطموح والأختيار والأمكانات التقنيةِ والماليةِ سيكونُ أداة بناء ٍ ناجحةٍ على مستوى الأنسان والوطن، وسيكونُ السورُ العظيم ُ الذي يَحُول دون مَساس ِ أهل ِالشر بمسيرة البناء السياسي والاجتماعي والاعماري التي يتبناها المجتمع العراقي الديمقراطي، في داخل العراق وخارجهِ . ففي خِضَمّ واقع ٍ أمنيٍّ ُمترَدٍّ يعيشهُ العراق بسبب ظاهرةِ الأرهابِ البَعث – وهابي، يضاف اليها ظاهرة الفساد السياسي لدى بعض السياسيين المنافقين، والفساد الأداري والمالي عند اللصوص والمنتفعين الذين لا يتحملون لمسؤولياتِهم الوطنية، ولا يهمُهُم مُستقبل وطنِهم وشعبِهم !!! . في هذا الواقع المُزري يبثّ تلفزيون العراقية برنامجَه بعنوان (تحت نصب الحرية) الذي يُعِدّهُ ويقدمُه السيد وجيه عباس .

عنوانُ البرنامج له معنىً واسعا وكبيرا، وهو يشيرُ الى حجم المسؤولية التي يتبناها السيد (وجيه) وألوان ِ التصدي التي يجب أن يتعاملَ بها باعتبار أن ظاهرَة الأرهاب ِالتي تنهشُ بجسدِ الواقع العراقي تتعدد ألوانُها كما ذكرنا سلفا وتتعدّدُ أساليبُها في الصِراع . لم يكن البرنامج الذي يقدمهُ السيد وجيه علميا أو أدبيا، بل هو برنامجُ الرجل ِالمُحاربِ، المدافع ِعن حُرمةِ وطنِه، وكرامةِ الأنسان العراقي، ومدافع ٍعن حقوق ٍ ينهشُها   (الدوني) المُتمترسُ خلف منصبهِ الرسمي وفي قلبهِ ضغائن، وفي فِكرهِ مُخلفاتٌ  لثقافة الماضي السَقيم . ومن خلال متابعاتِنا المُستمرة لحلقاتِ البرنامج لا يستهوينا نحن معاشر العراقيين المعَذبين بنار الدكتاتورية وحثالى الأصدقاء والأشقاء غيرَ الأسلوب الأنجع الذي يتبعه مُقدم البرنامج بالتعاطي مع الحدثِ أو فضح (بعير) من أهل الفتاوى الوهابية، أو دسائس دوائر المباحث العربية، أو موقفٍ لحاكم ٍ رجعي مُتصعلِك لا يهمُه إلاّ الطعنَ بالعراق وبتجربيتهِ الديمقراطية بسكين غدرهِ ونفاقِه، وتصديرِهِ الى العراق عناصرَ الجهاد البدوي . أيضا، فضحهُ لصوصَ الداخل، أو المتقاعسِين عن أداء واجباتِهم التي يجب عليهم تقديمها بافضل أداءٍ خدمة ً للمواطن العراقي، كمُساهمة ٍ ُتضاف  في ترتيب بيتهِ ومستقبلهِ . الدورُ الذي يؤدِيهِ (وجيه) هو في غاية الخطورة على سلامتهِ، عملا بقواعدِ المسؤولية الوطنية، وإرضاءً لمشاعرِ المواطن العراقي الذي تجري في عروقه نارُ ويلاتِ (سلاتيح الأشقاء من البدو والحَضر) . لقد انفرد وجيه باسلوبٍ لاذع ٍ بامتياز للطعن او الرد على هؤلاء الحثالى والسفلة . فمِثلُ هؤلاء لن يؤثر بهم حديثُ المودة والاخوة والتراحُم والوطنية، بينما نجد ذواتِهم شيطانية، ضحلة ومُقزّزة . بعضٌ من ساستِنا المخلصين يعتبرون هذا الاسلوب خروجا عن الضوابط التي يتميز بها إعلامُ الدولة بينما هو في حقيقتهِ يختصرُ المسافة َ والزمنَ للكشفِ عن الواقع المُندثر، أو لأزاحةِ الغبار عن معلومةٍ يحاولُ رعيلُ المنافقين طمسَها والنيلَ منها . وهذا الأسلوب لا يتشابه مع أسلوب المسؤولين من المخلصين الذين يتميّز خطابُهم بالِصبغة الفلسفيةِ والمجازيةِ في واقع الأرهاب الأسود، وفقدان رغيفِ الخبز والخدماتِ الأساسية. هذا النمط من الخطاب لا تطيق سماعَه أو العمل به شريحة واسعة من المهنيين المثقفين العراقيين، ووجيه واحد منهم . فليسَ من عيبٍ إذن ان يتهكمَ الضحية ُ يوما على الظالم، او يسخرَ من منافق، ويتكبرَ على المُتكبر على الله والانسان . ما بينَ هذه المُقدمة لمقالنا والعَرض تقرر غلق برنامج تحت نصبِ الحُرية، وانقطعَ الأستاذ وجيه عن ظهورهِ على الشاشة العراقية بعد ان عَودَنا وتعوّدنا عليه . ثمة نصيحةٍ لابدّ من التاكيدِ عليها , هي أن اقصاء صحفي مثل السيد وجيه يُعد خروجا على المسؤولية الاعلامية الوطنية التي تتحَملها الحكومة ُ ومديرُ عام شبكةِ الاعلام العراقي، ايضا يُفسر هذا الخَرق نوعا من الجَهل او التجاهل ِ لدى المَعنيين في الشأن الأعلامي الهادف . ولا يبقى لنا ولهم إلا المطالبة بعودتِه الى موقعِه معزّزا لممارسة دوره الذي كان عليه .

الذي نعتقدُه أنّ قرارَ إزاحة (تحت نصب الحرية) عن موقعِه الرسمي قد أزاح أسسَ الثقافة التي يَنتهجُ بها عملُ هذا البرنامج، وهو بحاجةٍ الى مراجعةٍ كونهُ أثلجَ صدورَالأشرار، وفتحَ عليهم أبوابَ الطمأنينة، بينما مُريدوه وهم مئاتُ الآلاف لا يستسيغون مشاهدة العراقية بنفس الحماس الذي يرَون فيه صديقهُم وجيه وقد ظهرَ عليهِم بعيون ٍ اتعبتها ظلامية ُالواقع الماساوي الذي يمرُّ به العراق، فيَردُ على كلِّ حدَثٍ بطريقةٍ تليقُ بالأعداء الظالمين، وهو أشبه ما يكون صراع ما بين الضحيةِ وأخطبوط ٍ مُشاكس .

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com