منظمات يهودية تنشط بين قبائل إسلامية أفغانية الدكتور جعفر هادي حسن أستاذ جامعي عراقي وباحث متخصص باللغة العبرية والدراسات
اليهودية واللغة العربية وهو حاصل على شهادة الماجستير من جامعة بغداد وعلى البكالوريوس (شرف) باللغات السامية من جامعة مانشستر في بريطانيا وكذلك على الماجستير والدكتوراه باللغة العبرية والدراسات اليهودية.

درّس في عدد من الجامعات منها: جامعة البصرة، والملك عبد العزيز، وسالفورد، ومغيل، ومانشستر والكلية الإسلامية للدراسات العليا في لندن، كما أشرف على دراسات عليا في بعض تلك الجامعات. وترأس مركز اللغة العربية في لندن لعشر سنوات. وله عدد من الكتب والدراسات المنشورة بالعربية والإنجليزية عن اليهودية وغيرها. كما كتب مادة اللغة العبرية - نشأتها وتاريخها وتطورها - لدائرة المعارف الإسلامية في تركيا وهو ما زال مستمراً بالكتابة والتأليف. وله موقع على الإنترنت باسم: www.dirasaatyahudiya.comْ ولأهمية المواضيع التي يعالجها وجهده المتميز وندرة المختصين في هذا الشأن، توجهت \"النور\" إليه ببعض الأسئلة، فكان الحوار التالي:

كيف تبلورت عندك فكرة الاهتمام باللغة العبرية والدراسات اليهودية؟

تبلورت عندي فكرة التحول من الدراسات العربية إلى اللغة العبرية عندما كنت أدرس الماجستير في اللغة العربية في جامعة بغداد حيث درسنا وقتها مع الأستاذ الدكتور إبراهيم السامرائي شيئاً من اللغة العبرية وكان مختصاً باللغات السامية. ومنذئذ فكرت أن أكمل دراستي في هذا الموضوع وعندما قبلت في جامعة مانشستر في بريطانيا طلبوا مني أن أدرس للبكالوريوس أولاً قبل أن أبدا بالدكتوراه وهكذا درست العبرية والآرامية والسريانية والفينيقية في المرحلة الأولى ثم درست للماجستير والدكتوراه في الجامعة نفسها وانتهيت من الدكتوراه في العام 1979 كما طلب مني أيضاً أن أدرس اللغة الألمانية وبهذا الاختيار أصبح أفقي المعرفي أكثر اتساعاً وعمقاً وفهماً لكثير من القضايا.

ما هي طبيعة الصراع العلماني الديني في إسرائيل وما هي مظاهره؟

لصراع العلماني الديني في إسرائيل هو حقيقة واقعة وقد أخذ بالتزايد والتطور منذ ما قبل نشوء الدولة حتى وصل اليوم إلى هذا المستوى المتقدم. وكانت بداياته في العشرينيات من القرن الماضي، عندما بدأ المستوطنون العلمانيون يكثرون في فلسطين وينشئون منظمات وجمعيات ومدارس حيث رفض المتدينون الانضمام إليها بسبب ما يرونه من مخالفة العلمانيين للشريعة اليهودية. وكرد فعل على ذلك أخذ المتدينون بدورهم ينشئون مؤسسات خاصة بهم لا ينتمي إليها إلاّ من كان منهم.

وبعد إنشاء الدولة أعطي رجال الدين صلاحيات كثيرة في قضايا الأحوال الشخصية وغيرها وأنشئت لذلك مؤسسة ضخمة هي رئاسة الحاخامية وهذه المؤسسة أيضاً هي التي تقرر فيما إذا كان الشخص يهودياً أو غير يهودي، وهذه القضية تثير انزعاج العلمانيين. ومما ينتقدون به المتدينين هو إعفاء الكثير من شبابهم وشاباتهم من الخدمة في الجيش أو تأجيل خدمتهم بحجة الدراسة في المدارس الدينية أو التدين في حالة الشابات، وكذلك فرض هذه المؤسسة الشروط على ما يؤكل وما لا يؤكل، وما هو طاهر أو غير طاهر وكذلك فرض الكثير من الممنوعات يوم السبت. وما يزعج العلمانيين أن المتدينين يحصلون على أموال كثيرة لصرفها على مؤسساتهم الدينية ويرون في ذلك اجحافاً بحقهم، وبسبب ذلك أصبحت هناك مظاهر من الاستقطاب بين المجموعتين ومن هذه المظاهر إنشاء مدارس خاصة بالمتدينين لا يدخلها طلاب من أبناء العلمانيين، بل ومثلها كليات وجامعات (جامعة بار إيلان مثلاً).

ومن هذه المظاهر إنشاء مستوطنات خاصة لكل مجموعة من المجموعتين بل إنشاء مدن كاملة بالمتدينين مثل مدينة \"بني برق\" التي يزيد عدد نفوسها على مئة ألف شخص من المتدينين وكذلك مدينة \"إلداد\" \"وكريات سفر\" \"وبيطار عيليت\" وكذلك مدينة خبد. وغني عن القول ظهور أحزاب دينية وعلمانية تعكس هذا الاستقطاب حتى أن بعض الأحزاب أنشأت على أساس محاربة المتدينين. وقد أنشئت مؤسسات كثيرة لرأب هذا الصدع الآخذ في الأتساع ولكن هذه المؤسسات لم تحقق نجاحاً يذكر بل إن بعض مسؤوليها تركها وتخلى عن العمل بسبب اليأس وفقدان الأمل. وبسبب اتساع الهوة بين المجموعتين ارتفعت أصوات منهما تنادي بالانفصال وقال أحد الحاخامين في مقالة له في صحيفة «يدعوت أحرونوت» مخاطباً العلمانيين: «إننا من غير الممكن أن نقبل عقيدتكم كما أن مثلنا المقدسة ليست مثلكم وأولوياتنا مناقضة لاولوياتكم وأهدافنا في الحياة مختلفة تماماً عن أهدافكم لذلك فبدل الصراع والمعارك يكون من الأفضل أن ننفصل عن بعضنا ويذهب كل منا في طريقه».
تشير في بعض مقالاتك إلى فرقة يهودية تسمى اليهودية البشرية ما هي هذه الفرقة؟

اليهودية البشرية هي إحدى الفرق اليهودية الحديثة التي ظهرت في الولايات المتحدة الأميركية في الستينيات من القرن العشرين وحسب إطلاعي ليست هناك أدبيات عنها في اللغة العربية. وعند تأسيسها أصدرت بياناً عن معتقداتها وأهم ما جاء فيه هو أن اليهودية ليست ديناً موحى به وإنما اليهود كبشر هم الذين أوجدوها ولذلك أسميتها أنا بالبشرية ترجمة لكلمة Huministic.

وهؤلاء يرون بأن تاريخ اليهود هو قصة إنسانية ولا دخل للرب فيها ويرون أن اليهودية لا تشمل التشريعات وحسب، بل تشمل العادات والتقاليد والفن والأدب وغيرها، ولذلك فاليهودية ليست ثابتة وإنما هي تتطور بتطور الزمن. ومن القضايا التي يختلفون فيها عن بقية اليهود هو أنهم ينكرون وجود إبراهيم واسحق ويعقوب كشخصيات تاريخية. وغنى عن القول بأنهم لا يعتبرون التوراة موحى بها وهي في رأيهم قد جمعت من مصادر مختلفة ولم يكتبها موسى، وإنما كتبت في القرن السادس قبل الميلاد أو بعده، وهم ينتقدونها ويعتبرون قصصها متناقضة ومثيرة للإرتباك والتشويش ويرون فيها وثيقة معادية للمرأة بل وتتسم بالعنصرية لأنها تعتبر اليهود شعباً مختاراً متميزاً ومفضلاً على غيره ولأنها تعطي لليهود حقوقاً خاصة بهم دون غيرهم لأنهم أبناء يهوه المفضلون، كما أن الناس الآخرين ليس لهم دور، ويقول أتباع هذه الفرقة إن ثلثي التوراة هي وثيقة محرجة فهي تشجع على إهانة اليهود المعاصرين.

وهم لا يعتقدون بما جاء في التلمود ويعتبرون ما فيه خرافات لا علاقة له بالدين، ويرفضون الالتزام بشروط السبت ويعتبرونه رمزاً للروابط الإنسانية فقط، ويعتقدون بأن المناسبات الدينية اليهودية قد طورها البشر وتأثرت بثقافتهم وهي يمكن أن تفسر بشكل طبيعي وليس على أساس ديني.

أما بالنسبة إلى إسرائيل فهم ينتقدونها ويعتبرونها دولة ذات قوميتين يهودية وعربية وليست دولة يهودية وإن العرب فيها لا يعاملون كمواطنين متساوين مع السكان اليهود ويطالبون إسرائيل أن تمنحهم حقوقاً متساوية وبأسرع ما يمكن.

هل كانت هناك محاولات لإنشاء موطن قومي لليهود في فلسطين قبل الحركة الصهيونية المعروفة؟

لم تكن دعوة هرتزل لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين هي الأولى بل كانت هناك دعوات قبلها مثل دعوة الحاخام زفي كليشر (1874) ودعوة الحاخام يهوذا القلعي (1878)، ولكن هذه الدعوات بقيت نظرية دون تحقيق خطوات عملية. ولكن ما قام به الثري اليهودي يوسف ناسي في القرن السادس عشر أعتبر أول محاولة صهيونية عملية قبل الحركة الصهيونية التي أنشأها ثيودور هرتزل في نهاية القرن التاسع عشر.

وكان هذا الثري من أصل برتغالي التجأ إلى حاضرة الدولة العثمانية وأصبح من المقربين إلى السلطان سليمان القانوني وابنه سليم وطلب من السلطان أن يسمح له بإقامة مستوطنات في مدينة طبرية وما حولها، ووافق السلطان على ذلك وأصدر قراراً في العام 1561 نص على تخصيص مدينة طبريا وسبع قرى حولها للمشروع ولم يكن السلطان يقصد من الموافقة على المشروع أن يكون لليهود دولة في فلسطين ولكن يوسف ناسي كان يهدف من ذلك إلى جمع اليهود في هذه المنطقة كحل للمشكلة اليهودية بعد طردهم من أسبانيا في العام 1492 ومن البرتغال فيما بعد.

وبدأ يوسف ناسي بإقامة مشاريع للمنسوجات الصوفية والحريرية ودعا اليهود من أسبانيا وإيطاليا والبرتغال وغيرها للقدوم إلى طبرية للمشاركة في المشروع، وأخذ ينقلهم بسفنه التي كان يملكها وأنشأ وكالة سرية لهذا الغرض، وقام أيضاً بجلب المواد الأولية لهاتين الصناعتين حيث أستورد كمية من الصوف من أسبانيا وجلب كمية من أشجار التوت لزراعتها ولتربية دودة القز وإنتاج الحرير، وبنى لطبرية سوراً طوله ألف وخمسمائة متر.

وتوافد اليهود على المنطقة وأثار هذا انتباه السكان فذكر أحد المؤرخين بأن كثيراً من اليهود قد ذهبوا في تلك السنة إلى الشرق، وفي أثناء سفرهم هاجمهم فرسان مالطة وغرق بعضهم في البحر وأخذ البعض الآخر أسرى وكان يوسف ناسي يدفع فدية هؤلاء ويفك أسرهم.

كما أثار المشروع شكوك بعض الدول الغربية حتى أن سفير فرنسا لدى الباب العالي كتب رسالة إلى حكومته يلفت نظرها إلى ما يقوم به يوسف ناسي، وقد جاء في رسالته المؤرخة في أيلول - سبتمبر - 1563: «إن يوسف ناسي قد حصل على فرمان من الباب العالي وقعه كل من سليم ومراد ابني السلطان لبناء مدينة على بحيرة طبرية ليسكنها اليهود فقط. وهو بهذا يريد أن يحقق هدفه فيبدأ من هذا ليجعل نفسه ملكاً على اليهود، لذلك يطالب فرنسا بأمواله». وكان يوسف ناسي قد أقرض فرنسا وبولندا بعض الأموال.

كما أثار المشروع شكوك الفلسطينيين ومخاوفهم وكتبوا شكوى إلى الباب العالي، جاء فيها: «إن الغرض من هذا المشروع هو جعل طبرية مملوءة بالأفاعي الخبيثة، التي هي أكثر خبثاً من تلك التي تسكن الخرائب» ولكن الشكوى لم تغير من رأي السلطان، وأثناء ما كان العمل مستمراً حرض شيوخ المنطقة العمال على الإضراب فأضربوا عن العمل فعاقبتهم الحكومة واعتقلت شيوخهم بل ذكر أن اثنين من هؤلاء أعدما، فرجع العمال إلى العمل واكمل المشروع، ولكن سكان فلسطين أخذوا يهاجمون سكان المشروع ويخيفونهم وظلوا يقومون بذلك سنوات حتى أضطر بعضهم إلى ترك المدينة وعقد اليهود صلحاً مع السكان العرب، ولكن الصلح لم يدم طويلاً واخذ المشروع يتدهور بسبب الهجرة إلى خارج طبرية وتوقف هجرتهم إليها حتى انتهى أمره إلى الفشل في بداية القرن السابع عشر.

ما هي قصة الأطفال اليمنيين الذين فقدوا بعد تهجير أهلهم إلى إسرائيل؟ لمن المشاكل التي ما زالت عالقة منذ نشوء إسرائيل والتي لا يعرف عنها الناس كثيراً ولم تجد لها حلاً إلى اليوم، هي مشكلة أطفال اليمنيين اليهود الذين أختفوا بعد هجرتهم إلى إسرائيل في نهاية الأربعينيات وبداية الخمسينيات من القرن الماضي. وهذه القضية ما زالت تثير غضب اليهود الشرقيين بصورة عامة إلى اليوم.

وكان المهاجرون اليمنيون قد أسكنوا في بداية هجرتهم فيما يسمى بمدن الانتقال «معبروت» وقد ظلوا فيها حتى العام 1953 أو بعده بقليل، وكانت شكاوى هؤلاء حول اختفاء بعض أولادهم في هذه المدن في البداية فردية ولكنها أصبحت قضية عامة بين الأعوام 1966-1968 عندما تسلمت هذه العوائل أشعارات بضرورة التحاق أبنائها بالجيش على الرغم من أنهم كانوا قد أخبروا بأن أولادهم قد ماتوا. وأخذ اليمنيون يكتبون عن هذا الموضوع ويطالبون بالكشف عن مصير هؤلاء الأولاد. وكان من أوائل المقالات التي نشرت حول هذا الموضوع وتضمنت بعض التفاصيل، مقالة نشرتها صحيفة «أفيقيم» التي كان يشرف عليها يهود اليمن وكانت بعنوان: \"انتهاك حقوق الإنسان في إسرائيل\"، وقد جاء في بعضها: «لقد مرت سبع عشرة سنة منذ الشكوى الأولى حول اختفاء أطفال يمنيين، وقد جمعت إلى الآن بعض الحقائق التي تعطي صورة مرعبة لما حدث.. والغالبية العظمى من هؤلاء كانوا أطفالاً رضعاً وقلة منهم بين خمس وست سنين من العمر وبعض هؤلاء كانوا من الأطفال الوحيدين لوالديهم والبعض منهم اختفى مع أخ أو أخت.. وإن هناك أدلة موثقة تشير إلى أن بعض الزعماء والمسئولين وكذلك بعض المؤسسات والمنظمات كانوا على علمٍ بما حدث..».

ونشر الحاخام مناهم شنيرسن زعيم الحسيديم اللوبافتش كتاباً في ثمانينيات القرن الماضي أكد فيه اختطاف مئات الأطفال وطالب بإرجاعهم. وتختلف التقديرات حول عدد الأطفال المفقودين فبعضهم يرى أنهم بالمئات وآخرون يعتقدون أن عددهم يصل إلى الآلاف. وفي العام 1994 أعتصم حاخام مع أربعين من أتباعه في مدينة «يهود» قرب تل أبيب لفترة شهر مطالباً بالتحقيق، وحصل إطلاق نار بين هذه المجموعة والشرطة وقتل شخص واعتقل الحاخام وسجن مع مجموعة من أتباعه، وقال هذا الحاخام يومها إن هناك آلافاً من الأطفال اليمنيين الذين اختطفوا وأعطوا إلى عائلات إشكنازية.

وفي التسعينيات اعترف الحاخام بوروش عضو الكنيست ورئيس أغودات إسرائيل بالوكالة في حينها بالاختطاف، وقال أنه يعرف مسؤولين أحياء شاركوا في هذه العملية وما زالت هذه القضية عالقة قابلة للتسبب باضطرابات ضد الحكومة الإسرائيلية.

ما هي أسطورة القبائل الضائعة والبحث عنها؟

تعتمد المخيلة اليهودية في البحث عما يسمى بالقبائل الضائعة على ما ورد في التوراة من نصوص ترتبط بتهجير هذه القبائل من السامرة (مملكة الشمال) وتشتيتها في أماكن مختلفة من الإمبراطورية الآشورية، وورد ذكر هذه الحادثة أكثر من مرة في التوراة؛ منها ما جاء في سفر الملوك 17/5 بالنص التالي: «وصعد ملك آشور على تلك الأرض كلها وصعد إلى السامرة وحاصرها ثلاث سنوات.. وفي السنة التاسعة لهوشع
أستولى ملك آشور على السامرة وجلا إسرائيل إلى آشور وأسكنهم في حلاح وعلى الخابور ونهر جوزان وفي مدن ميديا» وقد وردت عبارة مهمة في سفر الأخبار وهي «وهم هناك إلى هذا اليوم».

وكان وقوع هذا الحدث تاريخياً في الربع الأخير من القرن الثامن قبل الميلاد، وطبقاً لما ورد في التوراة فإن عشرة قبائل سكنت مملكة الشمال، ومع أن هذه القبائل المهجرة كانت قد اندمجت مع الشعوب الأخرى ولم تبق معزولة أو متميزة، لكن اليهود أخذوا يتحدثون على مدى العصور عن هذه القبائل وأنهم «هناك إلى هذا اليوم». وطبقاً لما تذكره دائرة المعارف اليهودية «إنه لم يبق شعب من الشعوب إلا، واعتقد في أنه من هذه القبائل الضائعة وأنها تعيش بينه. من اليابانيين والانجليز والهنود الحمر إلى الأفغان. ولم تبق منطقة إلا واقترحت لسكن هذه القبائل في أفريقيا والهند والولايات المتحدة والصين وبلاد فارس والقفقاز» ومنذ وقت مبكر تحدث اليهود عن هذه القبائل وقد ذكرها المؤرخ اليهودي جوزيفوسن (عاش في القرن الأول الميلادي). وذكر هذه القبائل ووجودها الرحالة اليهودي بنيامين التطيلي (القرن الثاني عشر الميلادي) في رحلته المشهورة وأعطى وصفاً مفصلاً عن وجودها وعن المدن التي تسكن فيها في جزيرة العرب، وكذلك تحدث عن الملوك الذين يحكمونها، كما ذكر أيضاً أن بعض هذه القبائل تعيش في منطقة ما من بلاد فارس، كما أن المغامر اليهودي داوود الراؤوبين (من القرن السادس عشر) الذي ظهر في أوروبا أيضاً تحدث عن هذه القبائل وقال إن أخاه يوسف يحكم بعض هذه القبائل وأن له جيشاً من ثلاثمائة ألف مقاتل، كما أنه قابل البابا كليمنت السابع عشر وعرض عليه حلفاً مع الدول المسيحية لإخراج المسلمين من فلسطين وصدقه البابا وأعطاه بعض الرسائل إلى ملك أسبانيا وإثيوبيا ولكن الراؤوبين اختفى فجأة في أسبانيا.

كما ادعى الرحالة اليهودي مونتزنيوس (من القرن السابع عشر) أنه رأى بعض هذه القبائل التي تتكلم شيئاً من العبرية في أميركا اللاتينية ثم أخذ الرحالة الغربيون والمستشرقون يتحدثون عن هذا الموضوع وعن وجود هذه القبائل في الهند وفي أفغانستان وغيرها من الدول، وكذلك سكان الولايات المتحدة الأصليين.

وتحدث المكتشف الاسكتلندي جيمس بروس الذي ذهب لاكتشاف منابع النيل، في القرن الثامن عشر عن يهود التقى بهم في أثيوبيا وعرف هؤلاء اليهود فيما بعد بالفلاشا الذين نقلوا إلى إسرائيل في القرن العشرين. واليوم يتحدث بعض اليابانيين عن أن أصلهم يعود إلى القبائل الضائعة وكتبوا كتباً عن ذلك، وكذلك يتحدث بعض الأفارقة في كينيا وأوغندا ورواندا وجنوب أفريقيا على أنهم من القبائل الضائعة وكذلك في الهند وأميركا اللاتينية.

هل هناك منظمات يهودية تحاول تهويد قبائل مسلمة كما ذكرت في أحدى مقالاتك؟

نعم هناك محاولات جادة ومستمرة في هذا الإتجاه منذ أكثر من عشرين سنة، ويتركز نشاط هذه المنظمات على قبائل على الحدود الأفغانية الباكستانية بخاصة قبيلة البتان التي يصل عدد أفرادها إلى ما يقارب من خمسة عشر مليوناً.

منذ القرن التاسع عشر وربما قبله أخذ الحديث يكثر عن وجود بعض القبائل الضائعة في أفغانستان وأخذ بعض المبشرين من الذين زاروا هذه المناطق يذكر بعض التقاليد عند هؤلاء، والتي قالوا عنها إنها مشابهة لما عند اليهود. وقال هؤلاء إن هذه القبائل هي من القبائل التي هجرها الآشوريون وأنها عند دخول الإسلام إلى هذه المنطقة اعتنقت الإسلام، واخذ المبشرون وغيرهم يذكرون بعض التفصيلات عن الطقوس والشعائر لدى هؤلاء، التي قالوا عنها أنها من أصل يهودي بل حتى قالوا إن شكلهم يشبه الشكل اليهودي، ثم جعل اليهود لهؤلاء ذكراً في التوراة وقالوا بأن شخصاً إسمه «أفغانه» ذكر في التوراة على أنه حفيد لملك بني إسرائيل الأول «شاؤول» (ليس في التوراة ذكر لأفغانه كما ذكروا) واعتمد هذا الرأي اسحق بن زفي الرئيس الأسبق لإسرائيل في كتابه عن الأقليات اليهودية، ثم أخذ الحديث يؤكد على الأصل اليهودي لقبيلة البتان وأنهم هم أنفسهم يعتقدون بهذا الأصل وأصبح هذا وكأنه حقيقة مفروغ منها.

فالباحث المعاصر ثيودور بارفت يقول: «هناك اعتقاد على نطاق واسع بأن البتان الذين يعيشون في الشمال الغربي من باكستان والجنوب الشرقي من أفغانستان هم من أصول يهودية.. وأنهم ينظرون إلى أنفسهم على أنهم متفوقون على القبائل الأخرى.. وان أحد أسباب ذلك هو اعتقادهم أنهم ينحدرون من أصول يهودية وأنهم يتحدثون باعتزاز أنهم يرجعون في أصلهم إلى إسحق وإبراهيم».

وتقوم منظمات يهودية منذ ثمانينيات القرن الماضي بنشاط بين هذه القبائل، ومن هذه المنظمات منظمة «عامي شاب» التي تغير اسمها اليوم إلى «شابي إسرائيل» (العائدون إلى إسرائيل) وقد طلبت هذه المنظمات من دبلوماسي أفغاني يعيش في الغرب أن يترجم أصول الديانة اليهودية وطقوسها إلى البشتو اللغة التي يتكلمها هؤلاء، وكانت هذه المنظمة قد نشطت في تحويل بعض القبائل التي تعيش على الحدود الهندية البورمية (مينامار) إلى اليهودية، وقد نقل المئات من هؤلاء إلى إسرائيل وآخر مجموعة نقلت من هؤلاء كانت في نهاية العام 2006 .

ومن المنظمات الأخرى التي تعمل في هذا المجال منظمة «كلاّنو» (كلنا) وهي منظمة تختص بتحويل ما يسمى بالقبائل الضائعة إلى اليهودية وتنقلهم إلى إسرائيل وهذه المنظمات تتحدث عن قبائل البتان بتعاطف، ويقول رئيسها إننا نريد أن نرجع هؤلاء إلى ديانتهم ونعوض عن إهمالنا لهم.. إنهم يحتاجون إلى مساعدتنا بوجه العداء للسامية ضدهم. وهذا النشاط كما هو واضح هو جزء من المشروع الصهيوني وهذا التخطيط البعيد المدى يلقى الكثير من ظلال الشك على ما تخطط له إسرائيل نحو الفلسطينيين.

هل هناك بعض الفرق اليابانية التي تعتقد بأن أصلها يهودي؟

نعم هناك مجموعة من اليابانيين من رجال دين ومثقفين وغيرهم ممن يعتقدون أن أصلهم يعود إلى بني إسرائيل القدماء ويعتقدون بأن بعض هؤلاء قد وصلوا اليابان بعد فترة تهديم المعبد اليهودي في العام 70 ميلادية، ويبدو لي أن هؤلاء قد تأثروا بما جاء في كتاب نورمان ماكلويد وهو مبشر ذهب إلى اليابان في القرن التاسع عشر وبقي فيها لفترة، وكتب كتابا عن اليابان تطرق فيه إلى هذا الموضوع، وأخذ هؤلاء يبحثون عما يسمونه أدلة على وجود بني إسرائيل القدماء في اليابان وهم قد اصطنعوا بعض الأدلة ليثبتوا لليابانيين أنهم من هذا الأصل.

وقد اقترن هذا الأمر بتحول بعض اليابانيين إلى اعتناق المسيحية الصهيونية التي جلبوها إلى اليابان من الولايات المتحدة الأميركية بعد دراستهم فيها حيث أثر هؤلاء على بعض رجال الدين المسيحيين الذين أثروا بدورهم على أتباعهم. وكان من هؤلاء الذين تأثروا رجل دين اسمه (أبراهام) ايكورو تشيما وقد أسس منتصف القرن العشرين فرقة سمّاها «مكويا»، يبلغ عدد أتباعها ما يقرب من مئة ألف ومؤسسها واتباعها يؤمنون بالصهيونية إيماناً عميقاً وهم يذهبون لزيارة إسرائيل في كل سنة ويحتفلون بنشوئها ويتبرعون لها بالأموال وهم يستعملون نجمة داود ويضعون المنواره (الشمعدان) شعار دولة إسرائيل في كنائسهم، كما يستعملون اللغة العبرية في بعض صلواتهم.

هل هناك جماعات يهودية ترفض المشروع الصهيوني؟

هناك أكثر من مجموعة يهودية تعارض الصهيونية وإنشاء دولة إسرائيل، ولكن أهم هذه الجماعات هي جماعة نطوري قارتا (نواطير القرية - المدينة) وهي عبارة آرامية تترجم عادة بحراس المدينة والمقصود بالمدينة هنا هي مدينة القدس. والمجموعة الاخرى هي مجموعة حسيدية (من اليهود الحسيديم) اسمها «الستمار» ويبلغ عدد الستمار الحسيديم عشرات الآلاف بينما لا يتجاوز عدد أعضاء نطوري قارتا بضعة آلاف، وهناك مجموعات أخرى صغيرة.

وهذه الجماعات تنطلق في نقدها للدولة من منطلق ديني وليس من منطلق سياسي وهي تعتقد أن المشروع الصهيوني وانشاء الدولة فيما بعد يخالفان معتقداً دينياً وهو أن الدولة اليهودية لا يمكن أن ينشئها إلا المسيح المخلص اليهودي وعلى اليهود أن ينتظروا قدومه، وكل دولة يهودية تقوم على غير هذا الأساس وسابقة لدولة المسيح هي دولة غير شرعية ولا تمثل اليهود، وهؤلاء يتمنون زوال الدولة وهم اليوم يعتبرونها دولة كبقية الدول الأخرى التي يعيش فيها اليهود، وعندما أُعلِنت الدولة قامت نطوري قارتا بنشاط واسع ضدها وهي ما زالت مستمرة في هذا النشاط، والكثير من هؤلاء لا يتكلمون العبرية لأنهم يعتبرونها لغة مقدسة بل يتكلمون «اليديش» (وهي خليط من الألمانية القديمة والعبرية وبعض السلافية)، كما أنهم لا يستعملون جوازاتها ويقومون بتظاهرات أمام القنصليات الإسرائيلية أحياناً! ، ويرفعون لافتات مكتوب عليها «يهودية لا صهيونية» كما أنهم يشتركون في التظاهرات العربية والفلسطينية ضد إسرائيل، وللمزيد من ذلك يراجع كتابنا «اليهود الحسيديم».

ما هي المصادر التي ترجع إليها عادة في دراساتك؟

أنا أعتمد عادة في كتاباتي ودراساتي عن اليهود واليهودية والقضايا الإسرائيلية على المصادر اليهودية كالتوراة والتلمود والزُهر وغيرها بلغاتها الأصلية لأنني أعرف العبرية التي كتبت بها التوراة والآرامية التي كتب بها بعض التلمود، وكذلك أرجع إلى المصادر اليهودية الأخرى التي كتبها اليهود بلغات أخرى مثل الإنجليزية.

وغالباً ما لا أستعمل مصادر عربية ترتبط بقضايا يهودية حتى لا أتهم بالتحيز، بخاصة إذا كان هناك جانب نقدي في الموضوع، بل إنني في الواقع أعتمد على المصادر اليهودية في مثل هذه الحالات كي تكون الحجة أقوى في النقد والنقاش وكي لا أعطي مجالاً للاتهام بالتحيز، ولذلك ليس هناك ضرورة للرجوع إلى المصادر العربية، واستعمال المصادر اليهودية هي ظاهرة واضحة في كتاباتي. ما هي العلاقة بين المذهب الأرثوذكسي والمذاهب الأخرى في إسرائيل؟

كانت دولة إسرائيل عند نشوئها قد جعلت اليهود الأرثوذكس مسؤولين عن تحديد هوية الشخص فيما إذا كان يهودياً أو غير يهودي، وهم يقومون بذلك عن طريق مؤسسة أنشأتها الحكومة باسم رئاسة الحاخامية التي ذكرناها. ولما كان المذهب الأرثوذكسي يعتبر أتباعه هم اليهود الحقيقيون فإن أتباع المذهب الإصلاحي واتباع اليهودية المحافظة واليهود اليسوعيون وغير هؤلاء لا يعترف بهم يهودا. وكذلك لا تعترف هذه المؤسسة بأتباع فرقة اليهود القرائين - وهي الفرقة التي مرّ على ظهورها أكثر من ألف سنة - وتصدر مؤسسة رئاسة الحاخامية فتاوى بين فترة وأخرى في تكفير هؤلاء وتوصفيهم بأنهم خارجون عن اليهودية.

ويسود المجتمع الديني الإسرائيلي اليوم حالة من التوتر بسبب ذلك ويبدو أن هذا التوتر سيزداد بمرور الزمن بسبب هجرة أتباع المذاهب الأخرى إلى إسرائيل على الرغم من عدم اعتراف رئاسة الحاخامية بهم.

ما هي علاقة يهود الشتات بإسرائيل؟

تهتم إسرائيل اهتماماً كبيراً بالشتات وتعتبره العمق الخارجي لها، ولذلك يوجد اليوم وزير خاص به في وزارة أيهود أولمرت، والشتات يمد إسرائيل بأهم عنصر لقوتها وهم المهاجرون إضافة إلى المساعدات المادية والمعنوية والسياسية، وهناك منظمات كثيرة أنشئت في الشتات لدعم إسرائيل والدفاع عنها وأهم هذه منظمة أيباك في الولايات المتحدة الأميركية.

وكانت الجماعات اليهودية في الشتات إلى وقت قريب تؤيد سياسة إسرائيل دون مناقشة بخاصة نحو الفلسطينيين ولكن في السنوات القليلة الماضية أصبح هناك تحول ملحوظ في موقف الجاليات اليهودية من سياسة إسرائيل تجاه الفلسطينيين وأكثر ما يظهر هذا التحول في المملكة المتحدة وفرنسا وجنوب أفريقيا، وكان بعض اليهود في بريطانيا هم الذين بدأوا ذلك وأول من نادى بالمقاطعة البريطانية احتجاجاً على سياسة إسرائيل تجاه الفلسطينيين وقد قام هؤلاء بإنشاء بعض الجمعيات المستقلة من أجل هذا الغرض. وهذا يعني أن التأييد غير المشروط الذي كانت تتلقاه إسرائيل من يهود الشتات أخذ يتصدع، والصدع وإن كان قليلاً اليوم ولكنه قد يتسع في المستقبل.

هل ما زالت إسرائيل قادرة على جلب المهاجرين؟ الهجرة اليهودية المنظمة إلى فلسطين بدأت حتى قبل ظهور الحركة الصهيونية في نهاية القرن التاسع عشر، وقد ازدادت هذه الهجرة بعد ظهور الحركة الصهيونية وتضاعفت بعد نشوء دولة إسرائيل في العام 1948 وما زالت مستمرة إلى اليوم، ولكن عدد المهاجرين يزداد ويقل حسب الظروف التي تمر بها إسرائيل.

فقد أنخفض عدد هؤلاء خلال الانتفاضتين الفلسطينيتين الأولى والثانية ولكنها رجعت بعد ذلك إلى معدلها المعتاد في السنين السابقة، فهو في حدود العشرين ألف مهاجر في السنة. ولكن عدد المهاجرين أخذ يقل منذ ثلاث سنوات وقد أصبحت نسبة المهاجرين في العام 2006 أقل نسبة خلال الثماني عشرة سنة الماضية، وقد أقلق هذا المسؤولين في إسرائيل وقاموا بمحاولات عدة حتى لا ينخفض العدد إلى أقل من ذلك.

فقد قاموا بإرسال مسؤولين كبار - عدا المندوبين الذين يرسلونهم كل سنة والذين يسمون\"شلحيم\" - إلى بعض الدول ومنهم رئيس الوكالة اليهودية التي من مهمتها الأولى جلب المهاجرين إلى إسرائيل.

ولكن الذي يبدو، هو أن معدل الهجرة إلى إسرائيل سينخفض في السنوات المقبلة، ولذلك أسباب منها أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني مستمر ولا أمل بظهور حل في المستقبل القريب، كذلك تحسن الوضع الاقتصادي في الدول التي كان يهاجر منها اليهود مثل دول الاتحاد السوفياتي، ولذلك تبحث إسرائيل اليوم عن مصادر أخرى للمهاجرين حتى وإن كان هؤلاء ليسوا يهوداً على ادعاء أنهم يعودون إلى أصول يهودية.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com