|
رغم ان الديمقراطية لا يمكن حصرها بآلية واحدة كالانتخابات مثلا , الا ان المعنى الاخير قد احتل مساحة كبيرة من مفهوم الديمقراطية في اذهان المواطنين العراقيين, وقد يكون مرد سوء الفهم هذا الى حداثة التجربة الديمقراطية اذا جاز لنا ان نطلق هذا الوصف على سير العملية السياسية التي اعقبت سقوط نظام صدام حسين عام 2008, وعلى اية حال فان الانتخابات تظل هي الملمح الابرز لصور الديمقراطيات حتى في الدول والشعوب التي تختزن تراثا ديمقراطيا عريقا. وبقدر ما يتعلق الامر بالعراقيين فان التفكير في مشروع الانتخابات اقترن بجملة من المناقشات السياسية التي افضت بدورها الى اطر قانونية كان من بينها اختيار اسلوب الاقتراع على شكل قوائم مغلقة تحتوي على اسماء مرشحين يجهل السواد الاعظم الكثرة الكاثرة من مستوياتهم الفكرية وخلفياتهم السياسية والاجتماعية والايدلوجية, مع استثناء القوائم المفردة التي ضمت اسماء شخصيات معروفة على الصعيد الاجتماعي بقدر او اخر, وكذلك استثناء جميع اسماء القوائم الجماعية المغلقة التي كانت معروفة سلفا بالنسبة لسائر الاحزاب والكيانات السياسية التي اشتركت في الترشيح للفوز بمقاعد مجلس النواب ومجالس المحافظات بطبيعة الحال. ان الصراع الذي كان قد احتدم الى حد ما قُبيل اقرار قانون الانتخابات السابق طفى على السطح مجددا بين الكتل السياسية والاوساط الفكرية والثقافية المهتمة بهذا الموضوع, ورغم ان دورة الانتخابات العامة وصلت الى شوطها الاخير تقريبا, ورغم ان المدة التشريعية لمجالس المحافظات قد انتهت منذ وقت ليس بالقليل, الا ان السجال بين انصار كل من القائمتين المفتوحة منها والمغلقة على سبيل المثال لا الحصر لا يزال على اوجه, وطبيعي فان لكل من الفريقين وجهة نظره الخاصة المشفوعة بالادلة والبراهين على سلامة تصوراته والتي تتقاطع مع تصورات الاخر المخالف. وكما هو معروف فان اسلوب المناظرات السياسية لا يمكن ان يمنح الناخب العادي رؤية واضحة حول اية قضية من القضايا مثار الاختلاف والنزاع, وعليه فلابد من تزويده بمعلومات كافية وافية حول حسنات وسيئات كل من الموقفين المتضادين لكي يكون على بينة من امره اذا ما اراد ترجيح احد الموقفين على الاخر, وهذه المسؤولية تقع على كاهل وسائل الاعلام بخاصة المستقلة ومن ضمنها مراكز البحوث والدراسات, وبحسب المستفاد من التجربة الانتخابية السابقة فان القوائم المغلقة مهدت الطريق امام المقتدرين على تحمل اعباء تكلفة الحملات الانتخابية من اجل الوصول الى مبتغاهم بطريقة سرية سلسة وقللت الى حد كبير من ثقل تلك الاعباء سيما وان البلاد كانت تشهد وضعا امنيا شديد التعقيد, وان جهات عديدة رافضة للعملية السياسية انذاك اعلنت الحرب المفتوحة ضد جموع الناخبين فضلا عن المتقدمين للترشيح, الا ان الواقع يقول ان نفس القائمة المغلقة تلك قد ادت الى بروز نماذج من القيادات سواء في البرلمان او مجالس المحافظات لم تستطع ان ترتقي الى الحد الادنى مما انيط بها من دور في خدمة ناخبيهم, فضلا عن كون بعض الفائزين في تلك الانتخابات بنوعيها كانوا غير مؤهلين للترشح لخوض تلك الانتخابات اصلا, فقد ثبت ان البعض منهم لم يكن حاصلا على شهادة الدراسة الثانوية او ما يعادلها كحد ادنى وفقا لما نصت عليه شروط لائحة الترشح في قانون مجلس المحافظات المقر من سلطة الائتلاف المؤقتة. هذا من جهة, ومن جهة اخرى فان الناخب لم يكن ليستطيع التملص من مسؤوليته التي ساعدت في وصول الوضع السياسي الى ما وصل اليه باعتبار ممارسته الطوعية لعملية الاقتراع وانتخاب مرشحيه بحسب الآلية المذكورة, اللهم الا اذا اتيحت له الفرصة مجددا لتعديل ما يراه مناسبا في اولويات الاختيار..., وفي هذا السياق فان الطاقم السياسي الحالي بكل ماله وعليه غدى نتيجة طبيعية لتلك الاطر القانونية التي تاسست على بنود كان من افرازاتها سيادة القائمة المغلقة وتنحي القائمة المفتوحة.., ولعلنا نشهد تجربة مغايرة لما حدث قبل سنوات في موسم الانتخابات المقبلة, رغم ان البعض يقول ان مجرد الاقبال على صناديق الاقتراع ليس في وارد تفكير الغالبية العظمى من الناس ويعلل هذا البعض مثل هذا التكهن بخيبة الامل الجماعية التي تعرض لها المجتمع العراقي جراء اداء الفرق السياسية المنتخبة. وحتى لا ننساق كثيرا وراء احتمالات سوداوية من هذا القبيل, فان التجربة السياسية العالمية اثبتت على مدى عقود من الزمان بان خيار الحكم الديمقراطي ورغم كل الاخطاء التي تسجل ضده فانه جاء في اسوأ الظروف بخسارات اقل من خسارات الانظمة المستبدة للشعوب التي جربت العيش تحت النظم بشقيها الدكتاتوري والديمقراطي, كما ان التاريخ الحاضر يشهد على هذه الحقيقة ايضا, فمن بين خمسة عمليات انتخابية جرت مؤخرا في كينيا وماليزيا وباكستان وروسيا والولايات المتحدة الاميركية كانت اكبر خسارة مني بها الناخبون في دولة كينيا الافريقية حيث سقط المئات صرعى نتيجة اتهام المعارضة للحكومة الكينية بتزوير نتائج الانتخابات ما ادى الى حدوث نوع من الثورة السياسية اذا جاز التعبير, ولكن حتى هذه الخسارة الفادحة جُبرت اخيراعلى نحو ما باذعان كيني رسمي لصوت المعارضة, ليبلغ هذا البلد الى شاطيء الامان او الى حالة من الوفاق قادت الى حل وسط بين الطرفين المتصارعين. وليس من المستغرب ان تتولد القناعة من جديد بجدوى الانتخابات بالنسبة للعراقيين سيما ان صندوق الانتخابات يحمل في داخله مفاجئات ليس من السهل التعرف عليها مقدما حتى من قبل اعتى السياسيين, وتجربة الانتخابات الماليزية خير شاهد على ذلك, فقد تغيرت المعادلة السياسية بصورة جلية في هذا البلد الذي يشابه نسيجه الاجتماعي نسيج المجتمع العراقي الى حد كبير, وكان التغيير نتيجة لاجراء الانتخابات البرلمانية الماليزية قبل اسبوعين. وتأسيسا على ما تقدم ينبغي ان يراعي القائمون على سير العملية الانتخابية المقبلة في العراق الامور الاتية: • بعد المصادقة على قانون انتخاب مجالس المحافظات المزمع تنفيذه في شهر تشرين الاول المقبل يبدو من الضروري وضع نظام انتخابي جديد يضمن عدم تكرار اخطاء التجربة السابقة. • احاطة المواطن علما بكل تفاصيل بنود قانون الانتخابات الجديد من خلال عرضه عبر وسائل الاعلام المختلفة وبواسطة خبراء في القانون. • تكثيف لبرامج التوعية التي تظهر محاسن النهج الديمقراطي واهمية مشاركة الشعب في الية صنع القرارالسياسي عبر الانتخابات. • الاستماع الى وجهات نظر الطبقات المثقفة وقادة الرأي بخصوص المواد القانونية الاكثر جدلا مثل صلاحيات المحافظين وطبيعة القوائم. • اشاعة ثقافة التداول السلمي للسلطة واحترام الانظمة والدساتير والقبول العملي بنتائج الانتخابات بصرف النظر عن النتائج. • بث روح الامل في نفوس المجتمع ومعالجة كوامن اليأس والاحباط وتغيير المسارات السياسية الحالية بما يعود بالخير على حياة العامة من الناس. • تمكين جهاز القضاء من الاشراف على عمل المفوضية العليا للانتخابات ومنح القضاة صلاحية الطعن بنزاهة الانتخابات في حال حدوث خرق قانوني. • ضرورة مراجعة مجمل الشروط التي وردت في قانون مجلس المحافظات السابق بخصوص قبول الترشيح, سيما ما يتعلق منها بشرطي العمر والتحصيل العلمي مع الاشارة الى ان التجربة الماضية اثبتت ان شرطي العمر والتحصيل العلمي المتدنيين المنصوص عليهما في القانون المذكور لم يساعدا على وصول النائب الى مستوى مرضي من ناحية الحنكة والحصافة السياسية. • وبقدر ما يتعلق الامر بقانون انتخابات مجالس المحافظات ينبغي ايراد حجج علمية مقنعة بخصوص تحديد عدد مقاعد مجالس المحافظات وعلاقة هذا العدد بالكثافة السكانية لكل محافظة اذ ان تحديد عدد اعضاء مجلس محافظة بغداد بواحد وخمسين عضوا وتحديد عدد اعضاء سائر مجالس المحافظات الاخرى بواحد واربعين عضوا من دون الالتفات الى الكثافة السكانية المتفاوتة من محافظة الى اخرى لم يحمل في طياته حجج علمية مقنعة بحسب المختصين بهذا المجال.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |