|
يتكرر التاريخ، لأن الجماعات والأفراد لا تتعلم من دروسه، والإنحراف هو المتكرر الوحيد في التاريخ، فالتكرار نكوص إلى الوراء، وهو بالتالي تخلف مقارنة بالحركة إلى أمام، وظاهرة الطغيان متكررة ومتناسخة، لأن أقفالاً ثقال ترهق عقول الطغاة، وتجعلهم الأشد تخلفاً، فلا يدركون من تجارب غيرهم سوى ما يتفق مع اهواءهم، فلا عجب أن يقرأ صدام لهتلر، ويقتدي موسوليني بنابليون، ولأنهم يرون أنفسهم الأقوى والأصلح لا يستشعرون نواقصهم، ولا يتعظون من مصير أمثالهم، والطاغية يظن أن لن يقدر عليه أحد، ولسان حال الأمة الطاغية مثل المندثرة عاد والتي في طريقها للإندثار أمريكا: "من أشد منا قوة". الطغيان وحركة التاريخ على طرفي نقيض، والمتصدي لحركة التاريخ أشبه بالمتحدي لموجة تسونامي، وأقصى استطاعة الطاغية ركوب موجة التاريخ على الطريقة الهيجلية، ولكن لأمد قصير، فسرعان ما تهبط به إلى القعر، وتنزل عليه بكل ثقلها، فتدمره تدميراً. غالباً ما يتقوض الحكم الطاغوتي ذاتياً، لأنه يختزن نواة تدهوره وانهياره داخله، وأول من يمسك معول هدم النظام الطاغية نفسه، الذي يستبد برأيه وقراره، ويتخذ له بطانة تسبح بحمده، يعظمون فكره، ويسفهون أراء معارضيه، ويقسرون الناس على الامتثال لمشيئته ونزواته، فإذا استجابوا له أوردهم ونفسه الهلاك، وإن خرجوا عليه هلك هو ونظامه. الطاغية عدو نفسه، وألد أعداءه عقله المعطل والمنحرف، فلو كان في عقل فرعون ذرة من الحكمة والمنطق لتوقف عند شاطيء البحر الذي فلقته عصا النبي موسى بقدره الله القدير، ولكنه عاند واستكبر واتبع هواه ونفسه الأمارة بالسوء فأردته وجنده صرعى، ولكن القضاء على الطاغية بالمعجزة الربانية، كما في حالة فرعون، استثناء على القاعدة، فكيف تتحق الحتمية التاريخية لزوال الطغيان بالرغم من امتلاكه لوسائل القوة والمنعة الكثيرة والمتنوعة والضعف الظاهري للقوى المعادية له؟ يخطيء من يظن أن الجنرال "شتاء" هزم نابليون على تخوم موسكو. ولا أتفق مع المؤرخين الذين يروون بأن المماليك أوقفوا زحف الطغاة المغوليين عند حدود مصر. ولم يدحر الستالينيون النازيين في ضواحي ستالينجراد، فالفرقتان من نفس الصنف الطاغوتي، وإن اختلفا في الفكر والمنهج. ولم ينهزم الجيش الأمريكي ويولي الإدبار في جنوب شرق أسيا بفعل الأسلحة الروسية أو الصينية. وكان النظام الطاغوتي البعثي هيكلاً متهاوياً، والطاغية وأعوانه أعجاز نخل خاوية، عندما وطأت القوات الأمريكية وحلفاؤها أرض الرافدين. لم يهزم كل هؤلاء الطغاة نتيجة تفوق أعداءهم العددي أو التسليحي أو اللوجستي، بل أعداء الطغاة بشر عاديون، لا يتميزون بالألقاب أو الأنساب، بل بالقيم والأخلاق والصفات، هم رافضون للاضطهاد، كارهون للظلم، حافظون لكرامتهم، صائنون لحقوقهم، مدافعون عن إنسانيتهم، لا ينتمون لطبقة واحدة وإن كان معظمهم فقراء محرومين، أعداؤهم يسمونهم الرعاع، والمنصفون يعرفونهم بسيماءهم من أثر التعفف والصبر، وهم المستضعفون، جيش الله الظاهر، في كل زمان ومكان، الواقف بالمرصاد لكل الطغاة. لا أدري ما الذي دفع بالمالكي لتقمص دور الطاغية، لعله جشع السلطة الذي تحرك في نفسه الضعيفة بفعل القرب من أبار النفط في البصرة، أم نتيجة تأثره بالمواد المشعة التي خلفتها أسلحة المحتلين، أم تراها حساسية لرائحة النفتالين الأمريكي النفاذة المنبعثة من البزات العسكرية لقادة قطعاته الملتفين حوله، ولكني أرجح أن تكون وراء نزوة المالكي الطاغوتية وسوسة شيطان، نراه محتلاً ويراه هو متعدد الجنسيات، ولو تعوذ من الوسواس الخناس، وقرأ سورتي المعوذتين، لكان خيراً له ولحلفاءه، منقطعو الأنفاس، ترهقهم ذلة، بفعل الضغط الأمريكي، الذي هبط عليهم بالأمس بصورة ديك تشيني، ومن المعروف أن شياطين الجن تتقمص أجساد الحيوانات. وإذ زين للمالكي الشيطان الأكبر قتله الأبرياء من الشيعة بذرائع باطلة، وقال له إبليس العصر بوش بإن لا غالب له اليوم من الشيعة المستضعفين، وإنه جار له بالرجال والسلاح والعتاد، وها أنت يا مالكي تجد نفسك وحلفائك في خندق واحد مع شر الدواب، من الأمريكان قتلة المسلمين، والأوربيين الذين يحادون الله ويسبون رسوله في الليل والنهار، والإرهابيين السلفيين الذين لا هم لهم سوى قتل فقراء الشيعة وهدم مراقد أئمتهم، والصهاينة أعداء الإنسانية. تصور معي يا مالكي المشهد ما قبل الأخير من واقعة الطف، وإمامنا الحسين عليه السلام ينظر إلى أجساد سادة الشهداء من أخوانه وأبناءه وأصحابه، وقد تهيأ للجولة الأخيرة مع جيش الطاغية يزيد وأهل الكوفة، ثم أراك بنظر المتخيل قادماً أنت وحلفائك في جحفل فيغمرني الفرح بأن أنصاراً للإمام قد أتوا للقتال مع جبهة الحق والهدى، ثم أطلع وبقدرة قادر على مكنون نفسك، وأقرأ افكارك، فأصدم بأن نفسك تخيرك بين الدنيا والآخرة، بين الفوز بالآخرة مع الإمام الحسين أو الظفر بالدنيا مع طاغية عصره يزيد، ولا أصدق عيني وأنا اراك تميل بقوتك إلى معسكر يزيد، أتعرف لم يردد الشيعة أن في كل يوم عاشوراء؟ إن لم تكن تعرف فاعلم بأن المقصود هو إنك في كل يوم تخير بين جبهتي الحق والباطل، والشيعي هو من ينصر دوماً جبهة الحق ويخذل الطغاة والمعتدين. عليك بأن تدرك بأن القتال الدائر في بغداد والجنوب ليس مجرد صراع سياسي بين حزبك وحلفائك وبين التيار الصدري، وبغض النظر عن المواقف الآنية والتكتيكية للطرفين، فليس الصدريين وحدهم يعارضون الحكومة بل كل الشيعة المستضعفين، بعد أن تكشف الوجه القبيح للحكومة والفئات المشاركة فيها، وتأكد لجماهير العراقيين، والشيعة بالذات، بأنهم طلاب مناصب وعبدة كراسي، وما تمسحهم بالدين سوى خدعة مفضوحة، فقد فشلت هذه الحكومة في كل الاختبارات، فلا خلصت البلاد من الإرهابيين، ولا حققت الأمن، وفي عهدها هدمت مراقد الأئمة وأولياء الله الصالحين، وشحت الخدمات الأساسية، وارتفعت أسعار المواد التموينية الضرورية، واستوزر الجهال، واستوظف مزورو الشهادات، وتفشت الرشوة والاختلاس، وها هم المشاركون في الحكومة يكملون أفعالهم المنكرة بالعدوان على القوات الشعبية، التي لولاها لنجح المشروع الأمريكي الوهابي الصهيوني باخلاء العراق من الشيعة بالقتل والتهجير. لا تمني نفسك يا مالكي بدوام المنصب، فأيامك في الحكم باتت معدودة، وستقال قبل زوال عهد بوش، ولن تجني من صولتك الخائبة سوى تأجيل قرار عزلك لأيام أو أسابيع، وستبقى الدماء التي سفكتها بالتعاون مع المحتلين والبيوت التي هدمتها على رؤوس الأبرياء شواهد باقية على طبائعك وطبيعة عهدك، أما انتصارك أنت وحلفائك فهيهات، لأنك لم تقرأ التاريخ، ولو قرأته واتعظت من أحداثه، لعلمت بأن أرض العراق، بل كل الأرض، لا يرثها الأمريكان وحلفاؤهم وعملاؤهم بل عباد الله المستضعفون.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |