|
كان يوم الأثنين الماضى يوما حزينا وقاتما فى البيت الأبيض وفى حياة الرئيس جورج بوش حيث توالت فيه الأخبارالسيئة واندلعت التظاهرات المطالبة بسحب القوات الأميركية من العراق وأنهاء الحرب التى تحولت من حرب تحرير الى حرب تدمير وأستنزاف تم خلالها فرض نوع غريب من الأحتلال يتجاهل ويعجز فيه المحتل عن الوفاء بالألتزامات المترتبه عليه وفق الأتفاقيات الدولية تجاه البلد المحتل، فى حفظ الأمن والنظام وحماية أرواح المدنيين وضمان حياة كريمة لهم ... ولعل أفدح خطأ ارتكبته أميركا، هووضع زعماء ميليشيات متطرفة فى قمة السلطة، تأتمر بأوامرها وتتخذ من العنف والدجل وسيلة للبقاء فى السلطة وتقاسم الغنائم، مما لا ينسجم قط، لا مع الأهداف المعلنة للحرب ولا مع القيم الأميركية فى الحرية والديمقراطية وحقوق الأنسان . يوم قبر فيه الى الأبد مشروع ( الشرق الأوسط الكبير ) لنشر الديمقراطية فى المنطقة والذى بنى عليه بوش وادارته آمالا عريضة واتخذ من العراق منطلقا له . ففى صبحة هذا اليوم - الذى صادف مرور خمس سنوات على بدأ الحرب وسنة واحدة على ستراتيجية بوش الجديدة فى العراق - اعلنت المتحدثة باسم البيت الابيض دانا بيرينوان الرئيس الاميركي تبلغ بألم حصيلة القتلى، وهويتحمل مسؤولية القرارات التي اتخذها. وقالت بيرينوبعدما تحدثت الى بوش في وقت سابق بالطبع انه متألم ويبكي كل الارواح البشرية التي سقطت بدءا بأول القتلى في هذا النزاع وحتى آخرهم اليوم . وكان رد فعل بوش على هذا الخبر المحزن غير مباشر . ففى ظهيرة اليوم نفسه أدلى ببيان قصير لدى تواجده فى وزار الخارجية الأميركية أشار فيه الى هذا اليوم هو" يوم التفكير " واعاد الى الأذهان مقتل عدد من موظفى وزارة الخارجية الأميركية اضافة الى منتسبى الجيش الأميركى . قال بوش: "آمل أن أسر جميع القتلى منذ بدأ الحرب وحتى الأيام الأخيرة تعرف بان مواطنينا يبتهلون الى الرب لتمنحها الصبر والشجاعة، ونحن نعتقد بأن حياة أى انسان غالية". ولم يقل بوش كلمة واحدة عن مئات الآلاف من الضحايا المدنيين العراقيين وهل كانت حياتهم غالية أم رخيصة ؟. وفى اليوم نفسه ندد المرشحون لأنتخابات الرئاسة الأميركية بسياسة بوش وذكروا مواطنيهم بالخسائر البشرية والمادية التى تكبدتها وتتكبدها أميركا فى حرب العراق . فقد كان من المقرر ان تكرس هيلارى كلينتون كلمتها فى جامعة بنسلفانيا للعواقب الأقتصادية الناجمة عن مصادرة الدور المملوكة للمواطنين الأميركيين الذين لم يسددوا ما بذمتهم من قروض، ولكنها طلبت من الحضور فى بداية كلمتها أن يفكروا فى الأحصاءات المحزنة للخسائر البشرية الأميركية فى حرب العراق . قالت السيدة هيلارى كلينتون: "أود أن أتحدث أولا ولبعض الوقت عن الخبر المؤلم الذى يمزق نياط القلب : بعد خمس سنوات بلغ عدد الجنود الأميركيين الذين فقدوا حياتهم فى العراق (4000) فرد . وثمة عشرات الألوف من منتسبى الجيش الأميركى الشجعان الذين اصيبوا بجراح بليغة – جراح منظورة وغير منظورة - جراح فى أجسامهم وأذهانهم وقلوبهم " وأضافت قائلة : " اذا انتخبت رئيسة للولايات المتحدة، فأننى سوف أسعى الى تخليد خدماتهم الأستثنائية وتضحياتهم وتضحيات أسرهم، بوضع حد لهذه الحرب واعادة أبنائنا الى الوطن بأسرع ما يمكن وبحس المسؤولية، كلما كان ذلك ممكنا ..." أما السناتور باراك أوباما فقد قال فى تجمع انتخابى فى مدينة غينسبوروفى كارولينا الشمالية : " موت أى انسان – مأساة، ونحن نقف اجلالا لكل أميركى سقط صريعا فى هذه الحرب، نحن نفكر بأسرهم ونصلى من أجلهم . كان ينبغى وضع نهاية للحرب منذ أمد بعيد، بل لم بكن لها مبرر أصلا . ينبغى أعادة قواتنا الى الوطن واجبار القادة العراقيين أخيرا غلى الأحساس بالمسؤولية تجاه مستقبل شعبهم . " وفى مساء يوم الأثنين المشؤوم نظمت مسيرات حاشدة لمئات الآلاف من حاملى الشموع فى كل أنحاء أميركا من سان فرانسيسكوالى نيويورك. للمطالبة بأنهاء الحرب،. كما قامت المنظمات التى ترعى مصالح المحاربين القدامى بالتذكير بعدد الضحايا من القتلى والجرحى والمعاقين ودعت الرأى العام ووسائل الأعلام الأميركية الى ايلاء عواقب الحرب ومعاناة اسر الضحايا اهتماما أكبر . أحدى هذه المنظمات – Iraq and Afghanistan Veterans of America - قالت فى بيان للأعلام يوم الأثنين أيضا أن " الأستطلاع الذى قامت به مؤخرا – Pew Research Center كشفت ان وسائل الأعلام الأميركية لا تلقى ما يكفى من الضؤ على مآسى الحرب فى العراق وان اهتمامها بالحرب قد تراجع فى شهر شباط الى أدنى مستوياتها منذ خمس سنوات بسبب المشاكل التى تعانى منها الأقتصاد الأمبركى وحملة الأنتخابات الرئاسية . واظهرت نتائج الأستطلاع أن ثلث الأميركيين فقط يعرفون عدد القتلى الأميركيين فى العراق رغم أن معظم الأميركيين ما زالوا يعتقدون بأنه لم تكن هناك ضرورة لشن هذه الحرب التى طالت أكثر مما يجب .." وطالبت المنظمة بالكشف عن كل االتداعيات الوخيمة لحرب العراق . ولكن الصحافة الأميركية فى ذلك اليوم تحديدا أولت اهتماما ملحوظا بالجوانب السياسية والعسكرية والأقتصادية لهذه الحرب فى الذكرى الخامسة لنشوبها ولورود خبر مقتل الجندى الأخير فى الرقم الرمزى ( 4000 )، فقد ذكرت جريدة – The New York Times - أن ادارة بوش أخفقت فى بداية الحرب فى تخمين كلفتها حتى على وجه التقريب، حيث قدرت تكاليف أسقاط نظام صدام واعادة الأمن والأستقراروتشكيل حكومةجديدة بحوالى (50 – 60) مليار دولار ولكن خبراء الأقتصاد يقولون الآن ان نفقات الحرب قد بلغت ( 600 ) مليار دولار . وركز خبراء الأقتصاد الأميركيين فى مقالاتهم وتصريحاتهم فى هذا اليوم على الجانب الأقتصادى لهذه الحرب التى فاقت نفقانها كلفة أى حرب آخرى خاضتها الولايات المتحدة فى تأريخها وبضمنها الحرب العالمية الثانية وحرب الفيتنام. وقد اضطرت الناطقة بأسم البيت الأبيض الى الأعتراف بأن " تكاليف الحرب قد فاقت كل التوقعات ولكنها استطردت قائلة : " لم يرد فى كل التقدبرات المتعلقة بتكاليف الحرب، ما هوثمن الفشل فى العراق ؟ واذا استطاعت منظمة القاعدة من ايجاد ملجأ لها فى العراق، فأن ثمة احتمال ان تتعرض بلادنا الى ضربة أخرى ونحن على علم بثمن مثل هذه الضربات ." ويرى المحللون الغربيون بعد مرور خمس سنوات على تورط الولايات المتحدة فى المستنقع العراقى ومرور سنة كاملة على تطبيق ستراتيجية بوش الجديدة فى العراق وتصاعد الخسائر الأميركية رغم التعزيزات الحربية، أن المشروع الأميركى قد باء بالفشل سواء فى العراق وفى الشرق الأوسط ككل. حيث عاد العراق الى نقطة الصفر والبداية وذهبت جهود الولايات المتحدة أدراج الرياح ولم يعد الرئيس بوش وأى مسؤول فى الأدارة الأميركية يتحدث غن هذا المشروع .. عراق اليوم: عراق الدمار والفوضى وليس عراق الديمقراطية والأزدهار - كما زعمت ادارة بوش وأدواتها من زعماء الميليشيات المقامرين بمستقبل بلادهم - حيث لا أمن فيه ولا أستقرار ولا أعمار وخدمات . بلد حرم من كل مقومات الحياة الطبيعية رغم الثروات الطبيعية والبشرية الهائلة التى يمتلكها . بنى تحتية مدمرة وحكومة عاجزة وفاسدة حتى النخاع و(أحزاب) تتستر بالدين وتتاجر بالطائفية وتنفذ أجندة الدول التى خلقتها فى مطابخ أجهزة مخابراتها،(أحزاب) لا تشبع من نهب ثروات البلاد واستغلال السلطة لمصالحها . ليس فى العراق اليوم أى حزب، بالمعنى المتعارف عليه فى الغرب لمصطلح (الحزب) بأستثناء الحزب الشيوعى العراقى، بل زمر تتخذ من الدين والطائفة ستارا لتحقيق مآرب سياسية، وهى لا تؤمن لا بالديمقراطية ولا بحقوق الأنسان ومتخلفة فى نظرتها الى الحياة وتحاول أحياء طقوس دموية، لا تمت الى الدين بصلة وقد أرجعت بلد الحضارات الأولى فى التأريخ البشرى الى عهود شريعة الغاب، اذ هى تعادى كل ما هوحضارى وانسانى وجميل فى الحياة المعاصرة، وتفرض على العراقيين نمطا باليا من العيش لم يعد له وجود فى أى بلد آخر فى العالم، حتى فى أفغانستان آخر معاقل الفاشية الأسلاموية . اضف الى ذلك كله، هذا السعى المحموم لتصفية النخب العلمية والثقافية العراقية من قبل أعداء العراق وبتواطؤ مع حكام العراق الجدد الذين وصلوا الى الحكم على القطار الأميركى، كما وصل قيلهم طغمة البعث الساقطة . أنهم حقا، الصداميون الجدد، وهم أسوأ من صدام بكثير، لذا ليس من العجب أن تتحسر الشرائح المسحوقة من العراقيين اليوم على زمن صدام، تصوروا الى أى درك وصل العراق اليوم فى ظل الأحتلال والحكم الرجعى الطائفى، ليتحسر العراقيون على نظام دكتاتورى فاشى ارتكب أبشع الجرائم بحقهم. ومهما تكن خسائر الولايات المتحدة البشرية والمادية نتيجة لهذه الحرب، فأنها لا يمكن ان تقاس بخسائر العراق البشرية والمادية وبمعاناة شعب العراق التى تفوق طاقة البشر . خمس سنوات ضائعات قاسيات من عمر العراقيين مليئة بالدم والدموع حصيلتها ضياع ثروات البلاد وتصفية خيرة علمائها ومثقفيها ومليون شهيد مدنى وملايين النساء الأرامل والأيتام والنازحين والمهجرين . يوم الأثنين الفائب كان يوما أسود فى البيت الأبيض وفى تأريخ الولايات المتحدة الأمبركية وكل ذلك بسبب سياسة متهورة لرئيس اصبح محل التندر والسخرية فى العالم بأسره .
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |