المخابرات ... ورجال المخابرات / ح5
 

 

جلال جرمكا/ كاتب وصحفي عراقي/ سويسرا

عضوألأتحاد الدولي للصحافة وعضومنظمة العفوالدولية

tcharmaga@hotmail.com

الطعام وعظم الدجاج

المخابرات ورجال المخابرات .. سلسلة من الذكريات ألاليمة .. أتذكرها طالما أنا حي .. فهي اليوم ولربما غدا وحتى مماتي جزء من تأريخ حياتي المرير .. أنقلها بكل أمانة بأذنه تعالى من غير زيادة أو نقصان .. صحيح هنالك حالات لا أذكرها لكونها أشبه بالخيال!!! ولكن على العموم حاولت أن لا أنسى أدق التفاصيل .

حينما نقلوني وأستقريت في معتقل / أبوغريب دونت كل صغيرة وكبيرة !!.

ـــــــــــــــــــــ

حسب التوجيهات ، كان الطعام في معتقل (الحاكمية) سىء للغاية ، بالرغم من ردائته كان قليلاٌ أيضاٌ ، بحيث يبقى (المعتقل) جائعاٌ ليل نهار!! ، وتلك سياسة قذرة أتبعوها الى أخر يوم في ذلك المعتقل (السىء الصيت) !!.

توزيع الطعام كان كالآتي :

1 / الفطور :

توزع في الساعة الثامنة ، يأتي أحدهم بعربة عليها (قدر كبير) مملؤ بالشوربة الصباحية ويرافقه واحد أو أثنان من أفراد (أمن الدائرة) .. ما أن يدخل بداية القاعة حتى ينادي بصوته الجهوري :

ـ هيأوا (الصحون) .. تناولوا الفطور .. والفطور عبارة عن (ماء ساخن فيها حبيبات من (الحنطة والرز) وقليل من ألأصباغ!!.

نعم علينا أن نتهيأ وكل واحد يهيأ (الصحن) وهو عبارة عن صحن من البلاستك .. نأكل فيه ونغسل ملابسنا فيه ونبرد فيه الماء للشرب ونستحم بواسطته أيضاٌ!!.

مع الفطور هنالك وجبة شاي بارد من(غير سكر) ..!!!.

تبدأ عملية التوزيع والجميع وراء الباب وبيده (الصحن) .. الويل لمن يتأخر!!.. تأتي العربة أمام الباب .. يزود بالطعام من خلال فتحة في الباب !!.

2 / في الساعة العاشرة يتم توزيع (الخبز) .. وأي خبز ؟؟؟ عبارة عن (صمون عسكر) نصفه عجين .. لكل معتقل أربعة أرغفة الى اليوم التالي!!.

3 / الغداء :

توزع بين الساعة الثانية عشرة والنصف والواحدة .. عبارة عن (رز غير مطبوخ) وعلى شكل كتل صخرية ولم نرى أثراٌ للزيت .. وغالباٌ مايكون (محروق) ، ناهيك عن وجود الشوائب وألأحجار وغيرها .. أنها مآساة بحق!.

4 / العشاء :

عبارة عن (معكرونة) في ماء ساخن وصبغ أصفر وفيها الكثير من الملح !!!.

هذا الجدول ثابت تقريباٌ .. ولكن في بعض ألأحيان يقدمون (خضراوات مطبوخة في الماء فقط) من غير زيت أو ملح أو أية نكهة تذكر!! وغالباٌ ماكانوا يقدمون (القرنابيط) بسبب رخصها لاغير !!!.

في البداية ولعدد من ألأشهر يصاب (المعتقل) بالعديد من ألأمراض.. ولكن بمرور الزمن يتعود على تلك الحالة!!!.

في أحدى ألأمسيات سمعنا شيئاٌ غير مألوفاٌ قط ..!! ... سمعنا (عامل الطعام) ينادي ويقول :

ـ عشاكم اليوم دجاج... نعم دجاج ... ماذا تريدون ؟؟ قولوا موخوش حكومة .. يا أولاد الـ .... !!.

شخصياٌ أعتبرتها (مجرد مزحة سخيفة) ولعب بمشاعرنا... والا أي دجاج..؟؟ ومتى أكلنا الدجاج ...؟؟.

لكن كلامه وأدعائه أصبحتا حقيقة .. نعم ما أن ناولتهم الصحن حتى رأيت بأم عيني عدد من الدجاجات في القدر.. أخذ الصحن ووضع فيها قطعة صغيرة من الدجاج وقليل من الماء!!!.

أستلمت الصحن ولازلت في شك من ألأمر.. !! جلست والتهمتها بدقائق... آه .. كم كانت لذيذة!!؟؟.

من ألأمراض التي أصابتني بسبب (الطعام والقذارة والتعذيب الجسدي والنفسي) وجود (حكة) في أذني اليسرى فكانت بمثابة كارثة.. المعضلة عدم وجود أي شىء لأدخله في ألأذن... في أحدى المرات طلبت من أحد الحراس (عود ثقاب) وشرحت له ألأسباب...!! ولكنه أوصل الخبر الى مسؤليه .. وحينها حلت بى كارثة حيث طلبوني الى التحقيق ولمدة أيام بحجة أنني أريد أشعال حريق في زنزانتي!!!.

بعد (س و ج) وأهانات .. شرحت ألأمر ولكن لم يقتنعوا .. مع ذلك لم يغلقوا التحقيق ..!!!.

وأنا التهم قطعة الدجاجة .. عثرت على ظالتي المنشودة .. يا الهي.. لقد وجدت (عظمة) برأس مدبب كالمسمار يصلح لأستعماله في أدخاله الى آذني.. لقد فرجت لله الحمد ..!!.

غسلت العظمة وأستعملتها كانت بمثابة (هدية ربانية) كانت تفي بالغرض وأكثر ...!!... وضعتها في جيبي خوفاٌ من التفتيش المفاجىء .. والدخول الى تحقيق أخر... وتلك لم أكن أريدها قط ..(اللي في يكفيني!!).

كما توقعت ... في ظهيرة أحد ألأيام فتحوا الباب وطلبوا مني أخراج حاجياتي الى خارج الزنزانة لغرض التفتيش !! وأية حاجيات ؟؟؟ بطانيتان .. زوج نعال .. صحن وكوب .. فقط!!.

فتشوا الغرفة .. وأنا خائف من (السلاح الذي في جيبي) .. أردت التخلص منها (العظمة) لكنني لم أفلح !! حيث كان أحدهم يقف بالقرب مني!!!.

بعد تفتيش الغرفة .. فتشوا جسمي ووجدوا (العظمة) !!!... وكأنهم أكتشفوا مؤامرة كبيرة أو سلاح ذري !!.

تعرضت الى الكثير من الأهانة والكلام البذىء .. والسبب :

أنني أريد ألأنتحار بواسطتها .. وألأهم من الذي زودك بها ... أعترف والا ... !!.

ـ ياجماعة الخير ... هل تتذكرون قبل شهر أطعمتمونا ـ دجاج ـ لقد وجدت العظمة في تلك المناسة .. والسبب كذا وكذا !!!.

ولكن على مين ... أوقفوني ساعات ووجهي الى الجدار .. مناقشات وتهديد وعويل .. الا أن جاء كبيرهم كسر العظمة وأمرهم بأعادتي الى زنزانتي ولكن في حالة أدنى مخالفة أخرى ستكون النتائج وخيمة !!!.

عدت الى غرفتي .. وأنا (أنعل) الدجاج .. والعظمة .. وآكلي الدجاج وموزعي الدجاج وذلك اليوم ألأسود الذي زفوا لنا بأكل الدجاج !!.

كانت أيام سود ... أصبحت ذكريات مرة ولاتنسى أطلاقاٌ!!.

ـ هنالك حلقات أخرى بأذنه تعالى ـ

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com