|
"يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا" محمد (ص) اليأس موت يسعى فوق التراب, ونعيب على أجداث الخراب. اليأس صراخ أملٍ قتلته الأيادي الآثمة. اليأس مقبرة الحياة وعدو السماء. اليأس ميدان نزيف الطاقات ودفنها تحت رمال القنوط ودموع البهتان وجثث الأحلام. اليأس حالة نفسية انفعالية تتلثم بالمشاعر السلبية وتتدثر باللون الأسود، فلا ترى النور ولا تتغرغر إلا بالأوجاع والحسرات، وتطلق زفرات الخيبة والكسل والتلاشي في وادي الخسران. وأسبابه قد تكون خارجية أو داخلية, لكننا نعزو كل شيء إلى العوامل الذاتية وننسى العوامل الخارجية, بينما كل شيء ناجم عن التفاعل ما بين الحالتين. فتعدد العوامل الخارجية الداخلة في صناعة المشكلة القائمة يؤدي إلى استفحالها وعدم القدرة على الخروج منها. والعوامل الداخلية قد تكون في تفاعلاتها شاهدا على الفشل المتلاحق في تأريخنا، وتدفعنا إلى التقليل من جهودنا والميل إلى الكآبة والقنوط والنظر إلى حالنا بعيون الاستصغار والضعف والانكسار. ويمكن استخدام هذه الورطة لصناعة التأثير الآخر واستعمال العجز المتعلَمLearned Helplessness لتحقيق الاعتماد التام على الآخر والعيش في زنزانة اليأس الأليم. ومن طبائع السلوك البشري, عندما يفعل شخص شيئا صحيحا فأنه يعزوه إلى عوامل ذاتية أو شخصية, وعندما يخطئ يرده لأسباب خارجية. فنحن نرى أخطاءنا ناجمة عن أسباب ظرفية محيطية وليست ذاتية، بينما نعزو نجاحنا لأنفسنا، ونجاح المنافس لنا لأسباب خارجية أو ظروف خدمته أو للحظ، كما أننا نلوم الآخر ولا نلوم أنفسنا. وهناك حالات عاطفية سلبية ودوافع ضارة تحركنا دون وعي واضح لها أو إدراكٍ لمناهجها واتجاهات تأثيرها ونتائج فعلها. كما نرى أنفسنا أكثر مرونة وأقل توقعا من الآخرين ونوقن بذلك لأننا نجهل الآخرين. وكلما ازدادت مساحة جهلنا للآخر كلما تراكمت الانفعالات والدوافع السلبية تجاهه. فنحسب العدل غير عادل, والصدق كاذب, والبرهان تضليل وأوهام, والتعليل تسويغ لما لم يكن في الحسبان. ولكي نتخلص من هذه الغيوم السوداء ونرى الشمس مضيئة في أعماق نفوسنا والقمر بدرا في أرواحنا وخيالاتنا, لا بد لنا من وعي بعض المهارات التي تعدنا لمسيرة الأمل والنجاح والتحقق الأكيد والأفضل. ومن هذه المهارات: أولا: تعلم الثقة والأمل "فأن مع العسر يسرى. إن مع العسر يسرى" لا يوجد أقوى من هذا التعبير الخلاق عن الأمل وهو يتكرر للتأكيد وليقظة البشر الذي لا يعلل نفسه إلا بالقنوط في أكثر الأحيان ويستسلم للدموع والأحزان. بينما الثقة والأمل يتحققان من خلال الاقتراب الإيجابي والتفاعل الموضوعي مع مفردات الحياة القائمة. والبحث عن المتغيرات الإيجابية التي تمنح الأمل، ولابد من الوقوف بوجه الأفكار التي تساهم في الاعتماد على الآخر وبناء حضارة اليأس والقنوط. ثانيا: فهم وتفسير المحيط بأحداثه ومتغيراته, لأننا لا نريد أن نتوهم المعرفة أو ندركها، وهذه الحاجة هي التي دفعت إلى قيام الكثير من الثقافات والنظريات ومنذ ابتداء أول الحضارات, بل ومنذ أن بدأ البشر يخطو على التراب ويتساءل عن ماهية نفسه وكل شيء حوله . لأن المعرفة تعطينا القدرة على السيطرة والشعور بالاطمئنان والأمان, أكثر من الجهل والشك وعدم اليقين. ولهذا فنحن نميل إلى تفسيرات الأديان ونلتزم بالإيمان ونحسب أن نظام الكون القائم من حولنا وفقا لما جاءت به الأديان المختلفة. إن عدم الفهم والمعرفة يؤدي إلى التشويش والضعف والسقوط في مهالك الأحابيل, والإصابة بضعف الروح ووهن النفس فنكون فريسةً لليأس. ثالثا: وعي الاعتقادات الطارئة نحن نصدق أي شيء نراه ونسمعه أول وهلة, لكننا نفسره بعد ذلك, ونرى هل أنه صائب أم خاطئ, فنرفضه أو نبقى نصدقه ونقر به, وهذا يتطلب وقتا وطاقة فكرية ومعرفية، لكننا عندما نكون متعبين ومحكومين بالظروف الصعبة فأننا نصدق الأكاذيب والإشاعات المغرضة. فالعناء والتعب والإنهاك يؤثر على قدرة الفهم والوعي والتقدير والحكم على الحالات. والطامع يسعى لإقناع الضحية بما يريد عندما تكون في حالة من التوتر والإرهاق والخوف. ولهذا فأن كل ما نراه تحت تأثير الظروف الصعبة يكون غير صحيح أو خاطئ, ولا بد من عدم التقرير تحت حالات كهذه, لأن الجو لا يصفو إلا بعد أن ينجلي الغبار, والعقل لا يبصر إلا بعد زوال الانفعال. رابعا: مقاومة الصدمات المقفلة هذه الصدمات والتفاعلات السلبية المتواصلة في عالم مغلق ووفقا لظروف الضغط القاسي والخوف المروع, تعطل القدرات على معرفة المخرج أو الحل الصحيح, فتدفع إلى العجز والاستسلام واستلطاف اليأس والخنوع الدائم. وهي من أقوى العوامل التي تساهم في صناعة اليأس الجماعي, وتحريك المجتمعات نحو سلوكيات اليأس والدمار والخراب الشديد. خامسا: عدم الإحساس بأن المستقبل أسود ومؤلم فعندما نعاني الخوف وضياع الأمان وهيمنة الوعيد وعدم الاستقرار وتوفر أسباب الخيبات, يترعرع اليأس بيننا فيدفع إلى المصائب الكبرى على مستوى الذات والمجتمع وتصبح قيمة الفرد بلا معنى. ووفقا لهذه المشاعر المكفهرة الخانقة يتولى العقل جذب الأفكار المتفقة مع الحالة النفسية السائدة, وهذه الأفكار تؤدي إلى صيرورات فاعلة في الواقع تعبر عنها وتطورها. وبهذا يدخل المجتمع في دائرة مفرغة من النشاطات البائسة. وأخيرا, فأن غاية الحياة البشرية السعادة والمحبة والسلام والتطور والارتقاء والوصول إلى مهارات التعبير الإنساني الأمثل. واليأس حالة مؤقتة ولا يمكنه أن يقيم لأنه ضد الحياة وتلك حقيقة ساطعة مثل الشمس. فلابد من محاربة اليأس وزراعة أشجار الأمل والمحبة والإشراق في دروب الزمن. فارفعوا رؤوسكم وحركوا أقدامكم وابتسموا للحياة لكي يهرب اليأس ويصادقكم الأمل. فطعم المستقبل نتذوقه في أطباق الحاضر, وعلينا أن نعد المستقبل بكل قدراتنا على صناعة أفضل ما يمكن لمسيرة الأجيال. "عسى الكرب الذي أمسيت فيه يكون وراءه فرج قريب" فأنكروا اليأس ودعاته "فعسى الله أن يأتيَ بالفتح" فتشرق الأنوار وتبتهج الوجوه وتهنأ القلوب برحمة الله الغامرة.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |