|
جعجعة المالكي في البصرة .. حل أم عقد
احمد البديري في خطوة عدها الكثير من المراقبين مفاجئة وغير مسبوقة أقدم رئيس الحكومة العراقية على وضع نفسه في موقف محرج دستوريا وسياسيا من خلال إقدامه على استنفار جميع القوى الأمنية والعسكرية للمواجهة العسكرية في البصرة والتي أعلن أنها ستكون فاصلة ضد من وصفهم بالميلشيات والمسلحين ، المالكي اختار لمعركته البصرة موقعا وصولة الفرسان عنوانا . وبحسب ما تناقلته وسائل الإعلام الغربية كالتايم وغيرها من الصحف البريطانية والأمريكية فان احد أسباب هذا التحرك العسكري الضخم هو الضغوط الكبيرة من الإدارة الأمريكية على المالكي للإقدام على هذه المواجهة والتي بينها ديك تشيني خلال زيارته الأخيرة للعراق بالإضافة إلى حاجة الحزب الجمهوري في حملته الانتخابية إلى أقناع الرأي العام الأمريكي بجاهزية القوات العراقية لملئ الفراغ الذي ستتركه بعض القطعات الأمريكية في حال مغادرتها بالإضافة إلى إقناع دافعي الضرائب الأمريكان بجدوى الإمداد المادي لاستمرار دعم وجود قوات بلادهم في العراق . أن من الأخطاء الدستورية الكثيرة التي ارتكبتها ولا زالت الحكومة العراقية هو التدخل السافر في شؤون محافظة البصرة من خلال التداخل مع صلاحيات الحكومة المحلية وتجريدها من أهم أسباب نجاحها ، ولعل أسباب سياسية كانت وراء المواقف المتشنجة للحكومة تجاه حكومة البصرة والتي يعود أبرزها إلى كون قيادات المحافظة في البصرة تمثل حجر عثرة أمام بعض المشاريع التوسعية لبعض الوجودات السياسية وهو ما يدفع تلك الجهات للضغط على رئيس الحكومة لسلب الشرعية من حكومة البصرة أو تعطيلها على اقل تقدير . ومن أخطر تلك الأخطاء الدستورية التي ارتكبتها الحكومة المركزية هو سلب الصلاحية والمسؤولية الأمنية من محافظ البصرة وتشكيل لجنة من بعض المقربين من قيادات الحزب الحاكم في بغداد لإدارة الملف الأمني لعاصمة العراق الاقتصادية المحاطة بمجموعة من دول الجوار الإقليمي التي لا ترغب باستقرار الأوضاع بتلك المدينة الطيبة ولم تستطيع اللجنة الأمنية التابعة للمالكي إدارة الملف الأمني بل سببت انتكاسا واضحا وتراجعا خطيرا للأمن والاستقرار منذ تسلمها لمهامها . وفي انتهاك ثان لصلاحياته الدستورية عاد المالكي لخلق توتر أخر في البصرة بإصداره لقرار يقضي بإقالة محافظ البصرة دون توضيح الأسباب ولتشهد المحافظة أزمة جديدة بعد أن صفقت بعض الجهات المغرضة والطامعة لهذا القرار وعملت على إثارة البلبلة في صفوف المجتمع البصري من خلال الشائعات والدعايات الكاذبة وكان لقرار المحكمة الاتحادية العليا فصل الخطاب بتبيان عدم دستورية القرار الصادر من السيد المالكي . واليوم يعود مرة أخرى رئيس الوزراء إلى ارتكاب خطأ جسيم بدخوله إلى محافظة البصرة من الشباك كما عبر احد أعضاء الكتلة الصدرية دون الالتفات إلى ضرورة إشراك الحكومة المحلية في مثل هذه المسألة الخطيرة وليدير سيادته معركته الفاصلة على أراضيها انطلاقا من القصور الرئاسية أولا قبل ان تجبره القذائف الصاروخية على المغادرة إلى مطار البصرة بمعية الشقيقان قادة الفتح الأمني عبد الكريم وعبد الجليل آل خلف القياديان في وزارة الداخلية وقيادة شرطة البصرة على أمل فك شفرة المشكلة الأمنية في البصرة . وبلا أدنى شك فأن جميع العراقيين الذين ذاقوا الأمرين إبان حكم البعث الدموي( من جراء حروبه الخاسرة وسياساته المجنونة) يحلمون بأن تنتهي كل المظاهر المسلحة التي ملئت ارض العراق طولا وعرضا لان بزوالها يزول القتل والقتال ويعم الأمن والسلام ربوع هذا الوطن الحبيب ولا يمكن تحقق ذلك إلا بنفاذ سلطة القانون على الجميع ووجود أجهزة رقابية تعمل على ضمن حيادية القانون وتطبيقه بعدالة ولكن من المؤسف القول أن (ما كل ما يتمنى المرء يدركه) لقد تحولت اغلب الأجهزة الأمنية في العراق إلى ميلشيات تنفيذية لسياسات الأحزاب والجهات والتيارات التي تنتمي لها عقائديا وأيدلوجيا ولم يكن اللباس الرسمي لها إلا غطاء قانونيا لتستر على الأعمال والمخالفات الغير قانونية والانتهاكات الإنسانية التي ترتكبها تلك الأجهزة . ومن الأخطاء الإستراتيجية التي حفلت بها تشكيلات الأجهزة الأمنية هي دخول عناصر غير كفوءة لمراكز القيادة والقرار في أجهزة الجيش والشرطة إلى حد أن يتبوأ احد أصحاب العاهات المستديمة لمنصب عقيد ومقدم أو أن يتحول احد المجرمين من عناصر النظام البائد كفدائيي عدي أو عضو في حزب البعث إلى قيادي لمجاميع أمنية من خلال قنوات الصحوة وجميع هذه الانتهاكات للأجهزة الأمنية تمت من خلال قانون دمج المليشيات . كل ذلك دفع إلى أن تتطور المواجهات بين الجهات المتنافسة إلى معارك كبرى بسبب تورط اغلب القيادات الأمنية في عمليات التصفية السياسية والتي شهدت قسوة مفرطة في التعامل مع الخصوم إلى حد ارتكاب ممارسات اشد رهبة من تلك الممارسات التي اتبعها نظام صدام في التعامل مع الرافضين لسلطته الإجرامية وهو ما نقلت الفضائيات صورا من أساليبه في الديوانية وذي قار وكربلاء. الأمر الذي يبعث على العجب أن الأسباب المعلنة للعمليات العسكرية في البصرة كان الاضطراب الأمني الذي ساد المحافظة في الفترة الأخيرة وخصوصا عمليات الاغتيال المنظمة مع العلم أن الحكومة ورئيسها يتحملان المسؤولية بالدرجة الأولى عن ذلك التدهور الأمني عندما سلمت مفاتيح السلطة الأمنية لقيادات لا تنتمي إلى البصرة وبعيدة كل البعد عن أجوائها ومجتمعها وبدل من أن تساهم في أنجاح عمل الحكومة المحلية فإنها تسارع إلى سلب صلاحياتها الأمنية لعامين متتاليين في خطوة غير حكيمة وتبعث على التساؤل وتثير الشك خصوصا أن بعض المحافظات كالموصل تعيش أجواء من الانفلات الأمني الخطير منذ أربع سنين دون أن تبادر الحكومة إلى اتخاذ إجراء شبيه لما تبنته في البصرة ؟ وهل صحيح أن الحكومة تجهل ام أنها تتجاهل الجهات المسؤولة عن الجريمة المنظمة التي تعصف بالمحافظة بالنظر لكون محافظ البصرة شخص تلك الجهات سابقا وقام بغارات على موقع عملياتها الإجرامية إلا أن ذلك الإجراء لم يقابل بالدعم الحكومي الايجابي بل وتحول إلى سبب لشن حملة واسعة ضده من قبل بعض الجهات المشبوهة بعلاقاتها مع أجهزة مخابرات دولية وإقليمية والمسكوت عنها حكوميا . ولكن من العجب العجاب أن تبادر حكومتنا إلى الإقدام على إجرائها العسكري في البصرة بثقة مفرطة ودون وضع حسابات لردود الأفعال الشعبية فيما تقف عاجزة ومترددة وهاربة من مواجهة الإرهاب التكفيري الذي يجتاح عدد من محافظات ومدن العراق الوسطى والشمالية كديالى وسامراء والموصل ويمسك بتلابيب قيادتها لسنوات مرتكبا المجازر الوحشية وجرائم الإبادة الجماعية دون أن تهتز لذلك ضمائر وغيرة المسؤولين الحكوميين رغم الاستغاثات والصرخات المتكررة لأبناء تلك المحافظات المنكوبة والملتهبة ، وهذا ما يؤكد نظرية أن ما حصل وحصل في مدن الجنوب والوسط العراقي من عمليات عسكرية هو عبارة تصفية حسابات ومشروع سياسي خطير لتغيير ديموغرافية تلك المحافظات لصالح بعض الجهات السياسية المستبدة . أن أحدا لم يعلم ما قد تؤول إليه الأوضاع المتدهورة في بغداد ومحافظات الجنوب والوسط المضطربة بسبب أحداث البصرة ولعل التصعيد من الحكومة سوف يقابل بتصعيد من الطرف الأخر مما يعني المزيد من الخسائر في الأرواح وإتلاف في البنى التحتية فهل تنتبه القيادة العراقية لهذا الموقف أم تستمر في تنفذ خطتها العسكرية دون النظر في ما تسفر عنه حملتها من نتائج كارثية ..... مئات العراقيين ذهبوا ضحية العمليات الأخيرة في البصرة وباقي مدن العراق والرقم في ازدياد مرعب قد يؤدي إلى ما لايحمد عقباه وقد يكون ( القشة التي ستقصم ظهر البعير) خصوصا وأن الاحتلال الأمريكي اعتبر أن هذا الاختبار فرصة للمالكي لإثبات جدارته واستحقاقه للمنصب الذي ينافسه عليه بقوة الشريك السياسي لحزب المالكي وعبر مرارا عن رغبته باعتلاء قياديه لرئاسة الوزراء . السيد المالكي وضع نفسه وحزبه في مأزق سياسي حينما اختار مواجهة التيار الذي ارتقى على أكتافه لمنصب رئاسة الحكومة ولولا ذلك لكان عبارة عن رقم تكميلي في مجلس النواب لأن منافس المالكي في سباق الرئاسة نحو المنطقة الخضراء كان يمتلك الكثير من المقومات التي يفتقد إليها المالك إلا أن التيار الصدري كان له القول الفصل في مضمار السباق ، لذلك كانت الصدمة الأولى للمالكي لشركائه الصدريين ان اختار وزرائهم دون غيرهم هدفا للتغير إلى أن اضطر التيار إلى الانسحاب من الحكومة وتفويض المالكي باختيار وزراء مستقلين تكنوقراط وهذا ما لم ولن يحققه السيد رئيس الوزراء الذي يصر على منح وزارات الكتلة الصدرية إلى رفاقه في المهجر . ثم كان سكوته المطبق عن التنكيل الذي تعرض له التيار الصدري في محافظات الجنوب والوسط قبل أن يبادر بالأخير بقيادة الحملة الأمنية بنفسه لقتال الصدريين في البصرة والذي لم يكن بالتأكيد الخيار الوحيد بل المتيقن أن وسائل الحوار لم تستنفد ولكن خيار صولة الفرسان ربما كان خارج إرادة رئيس الوزراء وربما هو أفضل الخيارات ضمن حسابات السلطة والرئاسة .
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |