الأضواء العشرة على الفصائل المسلحة في العراق

 

رائد الحامد

raedalhamed@gmail.com

الضوء الأول

الحرب الإيديولوجية على الحركات الجهادية

منذ الأيام الأولى لاحتلال العراق، بدا العدو الأمريكي يروج عن طريق بعض وسائل الإعلام التي يدعمها، وبعض السياسيين والأحزاب والحركات التي تدور في فلكه وتنفذ سياساته، مقولات مثل، إن المقاومة العراقية هي مستوردة ومرتبطة بالإرهاب العالمي الذي يمثله تنظيم القاعدة، وان المتطوعين العرب يشكلون نسبة تسعين في المائة من عدد المجاهدين في الساحة، إلا أن الأيام أثبتت خطأ تلك المقولات باعترافهم هم، ووفق ما جاء في دراسة أعدتها كلية ويست بويند مكفري، فان عدد المقاتلين في العراق يقدر بحوالي مائة ألف مقاتل من بينهم حوالي خمسمائة من العرب، أي إن نسبتهم هي خمسة في المائة، بل إن دراسات أخرى اعتبرت إن نسبتهم لا تصل إلى أربعة في المائة، أي إن وجود الأجانب أو المقاتلين في تنظيم القاعدة من غير العراقيين وجود رمزي، وهو ما قد ينعكس سلبا على الواقع الاجتماعي <!--[if !vml]--><!--[endif]-->وتماسكه في المناطق السنية إذا استمرت الاشتباكات، بل الحرب بين فصائل المقاومة الإسلامية الوطنية والعشائر من جهة، وبين تنظيم القاعدة من جهة أخرى.

تقول السيدة كارين هيوز مساعدة وزيرة الخارجية الأمريكية للشؤون الدبلوماسية، إن بإمكان أمريكا مساعدة القادة الدينيين غير الجهاديين القادرين على إعاقة الجهاد ومنعهم من مساعدة المجاهدين، ومساعدة القادة الدينيين يساعد بالتالي في تقليل إستعداد الشباب للانخراط في العمل الجهادي، ولا بد أن يكون غرضنا مخفياً، حيث إن الإعلان عن إن ما نقدمه لهم يهدف إلى مساعدة أمريكا، سوف لن يكون مقبولاً من قبل الكثير منهم، لذلك لا بد من إفهامهم إن هدفنا هو المساعدة في تقليل العنف ضد المدنيين، ولكن علينا أن نتخطى كل الصعوبات من خلال تحديدنا من هو القائد الديني الصحيح، ومن منهم القادر على مساعدتنا أكثر، ويتم ذلك بالتعاون مع حكومات الشرق الأوسط والضغط عليها للسماح بحرية سياسية أوسع، ورؤية أقوى للقادة الدينيين الذين يهددون مستقبل الجهاد، ففي مصر مثلاً علينا مساعدة الإخوان المسلمين، وفي السعودية والعراق مساعدة القادة الدينيين المعتدلين من السنة، وكذلك القادة الدينيين الشيعة، إلى هنا ينتهي كلام السيدة كارين هيوز

وكان نائب وزير دفاع العدو الأمريكي السابق وولفوتيز قد حدد الأسس التي يجب أن تحكم الإستراتيجية الأمريكية لمحاربة الإرهاب، خلال مؤتمر كبير عقدته مؤسسة راند للأبحاث العسكرية الإستراتيجية، وهي، إن على الولايات المتحدة أن تفهم إن النصر على الإرهاب لن يكون ملموسا على شاكلة استسلام اليابان للولايات المتحدة أو سقوط حائط برلين، وان علينا أن نستخدم كل ما لدينا من قوة إضافة إلى القوة العسكرية ضد الإرهابيين، وان صراعنا مع الإرهاب له جانب فكري وجانب مادي، ولابد لنا من القيام بأعمال تتجاوز مجرد اعتقال أو قتل الإرهابيين لمواجهة رؤيتهم ومشاريعهم في التسلط والموت.

يمكن أن تكون الخطوة العملية تنفيذا لما تم الاتفاق عليه في لقاء رايس هي حملات التشهير الإعلامية وسياسة العزل والتنفير التي قادتها قناتي العربية والزوراء ناهيك عن عشرات القنوات الأخرى الممولة عراقيا وإيرانيا وأمريكيا إضافة إلى مجلة العصر الناطقة باسم الإخوان المسلمين ومواقع الكترونية مهمة تملكها شخصيات دينية مؤثرة يتجاوز عدد متصفحيها عشرات الآلاف يوميا وكانت محسوبة على الخط الجهادي وتنقل أخبار المجاهدين حول العالم كالمختصر ومفكرة الإسلام وغيرهما، إضافة إلى شخصيات عراقية برلمانية أو سياسية أدمنت الحضور في معظم الفضائيات بصورة متواصلة، والاهم الجولات المكثفة التي قامت بها بعض قيادات فصائل المقاومة الإسلامية الوطنية في أوساط عشائرية سنية شمال بغداد وكذلك في دول خليجية مهمة، إضافة إلى تجنيد مئات الكتاب العراقيين والعرب.
<!--[if !vml]-->بات معلوما أن مشروعا يهدف للالتفاف على الجهاد بمشورة أمريكية، ترعاه أربع حكومات عربية لديها تنسيق مع بعض فصائل المقاومة الإسلامية الوطنية، وقد تلتحق أو التحقت به دولة خامسة، وهو المشروع الذي رعته وزيرة الخارجية كونداليزا رايس التي استدعت إلى عمان في شباط 2007 رؤساء مخابرات أربع دول عربية، هي الأردن ومصر والسعودية والإمارات، وكان المعلن حينها تدارس الموقف من إيران، والتهديدات التي يشكلها الإصرار الإيراني على المضي قدما في برنامجها النووي، ومن خلال متابعة مواقف الدول الأربع من الملف النووي لم نلحظ أي تبدل في مواقفها الرسمية المعلنة بعد أكثر من ستة أشهر، في حين إن تقارير صحفية منسوبة إلى مقربين من اللقاء، نشرت في حينها، أشارت إلى أن الهدف غير المعلن هو تكليف تلك الدول باستثمار صلاتها وعلاقاتها مع قادة فصائل المقاومة الإسلامية الوطنية للتنسيق والتعاون في إطار الحرب الأمريكية على الإرهاب المتمثل بالحرب على تنظيم القاعدة في العراق لحسم صراعها الكوني معه على ارض العراق، والضغط عليها باتجاه التعاون مع قوات الاحتلال الأمريكي للقضاء على تنظيم القاعدة، مقابل تعهد الولايات المتحدة بالقضاء على الميليشيات الشيعية، وإعطاء دور سياسي لتلك الفصائل بعد انجاز المهمة الأمريكية في العراق، وتصفية النفوذ الإيراني في العراق، وإمكانية توجيه ضربة عسكرية اجهاضية محدودة لإيران، وبالتأكيد فان قيام القوات الأمريكية بضرب إيران يستوجب أولا إيقاف العمليات المسلحة في العراق وتامين الحدود مع إيران، وكانت بعض الأنظمة العربية التي تربطها علاقات وثيقة بالإدارة الأمريكية قد طالبتها بالفرز بين ما يمارسه تنظيم القاعدة من عمليات تدخل في إطار الإرهاب وبين ما تقوم به فصائل المقاومة العراقية، وعدم وضع جميع عمليات هذه الفصائل في سلة الإرهاب تمهيدا لإشراكها في إطار العملية السياسية ضمان نجاح المشروع الأمريكي في العراق والمنطقة.

لم يكن لقاء رايس سوى خطوة عملية تجسد ما جاء في دراسة مؤسسة راند والتي توصي بالعمل على توجيه الحرب ضد تنظيم القاعدة فكريا من خلال تعويم الخلافات الفكرية بينه وبين باقي الحركات الجهادية ذات الأهداف المحلية والمبالغة فيها وإشاعتها وإظهارها للعلن في أوسع نطاق كما توصي ضمنا بالعمل على خلق حالة شعبية إسلامية عامة وعراقية خاصة للعزل بين الحركات الجهادية المحلية المتمثلة بتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين أو ما بات يعرف باسم دولة العراق الإسلامية والمجتمع العراقي من جهة وبينها وبين القيادة العالمية للجهاد المتمثلة باسامة بن لادن والظواهري من جهة أخرى .

وكانت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندليزا رايس في 11/11/2005 قد دعت المملكة العربية السعودية إلى حث العرب السنة في العراق على المشاركة الإيجابية في انتخابات 15/12/2005، وفي اليوم التالي ومن مدينة الموصل قالت السيدة رايس، إن السعوديين لديهم العديد من الاتصالات والعلاقات مع فصائل المقاومة الإسلامية ومع قادة العرب السنة وآمل أن يتم حثهم على المشاركة بطريقة إيجابية في العملية السياسية للبلاد.

تم التأكيد على ذلك خلال قمة شرم الشيخ التي عقدت أواسط ربيع هذا العام، من أجل وضع الآليات لتنفيذ مشروع رايس الذي قبلته جهات مسلحة وطنية وإسلامية بنى عليها العراقيون آمالا في التحرير، وتعتبر قمة شرم الشيخ نقطة التحول الاستراتيجي لجبهة الإصلاح التي تمني نفسها أن تكون البديل السياسي في حال انسحاب قوات الاحتلال بناءا على وعود أمريكية مباشرة أو عن طريق أطراف دول المشروع الرباعي العربي (مشروع رايس)، لكن الجواب جاء سريعا من شرم الشيخ نفسها بأن لا بديل لحكومة المالكي الشيعية، حيث قال أحد مساعدي وزيرة الخارجية الأميركية من المشاركين في القمة، ( أميركا تريد من قمة شرم الشيخ أن تضغط البلاد العربية على المقاومة السنية لكي توقف حربها ضد حكومة المالكي الشيعية ).

يتلخص مشروع رايس في إعادة تشكيل الجيش السابق بقيادة احد كبار العسكريين السابقين المقربين من نظام الرئيس الراحل صدام حسين، وان أكثر من دولة عربية مجاورة مرشحة لأن تستضيف أراضيها الجيش الجديد، من أهمها السعودية، لتشكيل أفواج وألوية من نفس أهالي المحافظات ونشرهم في عموم المحافظات والزحف من الموصل جنوبا حتى البصرة، وتقوم بعمليات تطهير المحافظات والمدن من عناصر تنظيم القاعدة والميليشيات وتسليمها للجيش الجديد، مع ضمان انسحاب آمن لبعض قوات العدو الأمريكي باتجاه دولة الكويت، فيما تقوم القوات المتبقية بحماية الحكومة الجديدة، ( أقر الكونغرس الأمريكي مؤخرا صرف مبلغ 750 مليون دولار لتأمين عملية انسحاب قوات الاحتلال بشكل آمن )، ووفق ما هو مرسوم أو متوقع، يتم حل الجيش الحالي وإعلان حالة الطوارئ، وتسليم الجيش الجديد مهمة الحفاظ على الوضع الداخلي لمدة عامين بالتعاون مع قوات الاحتلال وتشكيل حكومة تكنوقراط لتصريف الأعمال لحين انتخاب أو تعيين حكومة جديدة.

إن الأحداث الدامية بين الفصائل المسلحة، والنهج السياسي الجديد الذي رسمته مخابرات الدول الأربع، مشروع رايس أو المشروع الرباعي العربي، ليس أكثر من تنفيذ حرفي لما جاء في دراسة قدمتها مؤسسة راند التي يديرها المحافظون الجدد صناع القرار الأمريكي، وهذه الدراسة قدمت بعض التوصيات المهمة للقضاء على المشروع الجهادي في العراق بوسائل جديدة، بعد أن اعترفت باستحالة تحقيق هدف الولايات المتحدة عسكريا.

جاء في دراسة مؤسسة راند في 18 / 11 / 2006، وهي المؤسسة التي اعتمدت الإدارة الأمريكية على بعض توصياتها في قرارها غزو العراق، جاء فيها توصيات لأصحاب القرار الأمريكي بضرورة العمل على خلق إسلام حضاري يؤمن بالديمقراطية، في مواجهة الإسلاميين المتشددين والمتطرفين، وعزل التدين في إطار اجتماعي وسياسي ضيق، ودعم الاتجاهات الصوفية والشيعية، وتأجيج عداءها للحركات الجهادية السلفية، أو الإسلام الأصولي المتطرف، وتوجيه الحرب ضد تنظيم القاعدة انطلاقا من عقيدتها وليس عن طريق مواجهتها عسكريا، وذلك بالعمل على زرع الخلافات بين تنظيم القاعدة والحركات الجهادية المحلية في مواطنها، وهو ما حصل بالفعل في ديالى والعامرية والرمادي وغيرها وما سيحدث لاحقا في نينوى، وحسب نفس الدراسة، فان عقيدة تنظيم القاعدة تعاني من نقاط ضعف يمكن استغلالها في العمل بنفس الوقت على تحييد وعزل القاعدة بدعوى أنها جماعة وافدة أساءت لأبناء العراق السنة والشيعة وشوهت صورة المقاومة العراقية، وهو ما نسمعه ونقرأه في بيانات فصائل المقاومة الإسلامية الوطنية كجبهة الإصلاح وجبهة التغيير وغيرهما ممن يتحدثون باسم المقاومة والجهاد أمثال محمد عياش الكبيسي وإبراهيم الشمري وغيرهما، وكما نسمعها من شخصيات برلمانية وسياسية ودينية من رموز العرب السنّة الذين دخلوا في العملية السياسية كخلف العليان وطارق الهاشمي وغيرهما من ( الرموز التي جاؤوا بها لما يسمى بالعلمية السياسية وهي نماذج فاسدة لا تمت إلى معاناة البلد بصلة )، كما وصفها الناطق الرسمي لجيش المجاهدين أحد مؤسسي جبهة الاصلاح الشيخ عبد الرحمن القيسي في حوار اجرته معه وكالة حق في 15/10/2007.

وحسب الباحثة انجل راباسا التي ساهمت في الإشراف على الدراسة، فان عقيدة القاعدة تعاني من نقاط ضعف قابلة للاستغلال تأسيسا على إن عقيدة القاعدة لا تتبناها جميع الحركات الإرهابية أو المتمردة في العالم، وبالتالي دعوة الولايات المتحدة إلى محاولة ضرب العلاقة بين المجموعات الجهادية المحلية والمجموعات العالمية عبر التركيز على الخلافات معها.

في إطار ما جاء في دراسة مؤسسة راند، تعرض تنظيم القاعدة لحملة إعلامية منظمة وذكية بدت كأنها عفوية، إلا أنها كانت هجمة شرسة متعددة الاتجاهات بهدف فك الارتباط بين تنظيم القاعدة والمجتمع العراقي الحاضن الاجتماعي له ولغيره من الجماعات الجهادية، باشرت قناة الزوراء الفضائية التي يملكها السيد مشعان الجبوري رئيس كتلة المصالحة والتحرير في البرلمان العراقي، ببث إصدارات فصائل المقاومة العراقية دون استثناء، إلا انه لم يبث أي إصدار أو عملية تبناها تنظيم القاعدة رغم كثرتها، وفي 13/02/2007 انتهجت خطا جديدا تميز بالهجوم على تنظيم القاعدة عبر شريطها الإخباري الذي وصفهم بالتكفيريين، وهي الصفة التي اقتصر استخدامها بادئ الأمر على قائمة الائتلاف العراقي والحزب الإسلامي العراقي، وبأنهم غرباء ووافدون ومرفوضون من عموم العراقيين ويسعون لزرع الفتنة وإشعال الحرب الأهلية السنية الشيعية، وبعد اقل من أسبوع وجه السيد الجبوري رسالة مصورة إلى أبي عمر البغدادي متهما إياه ودولته بقتل المدنيين سنة وشيعة، ومنتقدا إعلان دولة العراق الإسلامية.

 

الضوء الثاني

الحرب على الحركات الجهادية

في 31/07/2007، قال مايكل اوهانولون الخبير في معهد بروكينغز لوكالة فرانس برس إن الجيش الأمريكي أحرز تقدما كبيرا في مكافحة القاعدة في العراق، وان هذا النجاح هو بالتأكيد الخبر السار الرئيسي على الجبهة العسكرية، وان مكافحة تنظيم القاعدة ازداد فاعلية بفضل تعاون العراقيين، وقدر مسؤول رفيع في وزارة الدفاع الأمريكية، إن عدد عناصر تنظيم القاعدة في العراق لا يتعدى بضع مئات غير انه في وسعها تجنيد عناصر جدد من بين آلاف المقاتلين من الجماعات الأخرى، وبحسب قادة عسكريين أميركيين آخرين، فان التنظيم تقوده مجموعة صغيرة من المقاتلين العرب، في حين يشكل العراقيون 95% من مقاتليه.

في 08/01/2006، ذكرت صحيفة نيويورك تايمز نقلا عن دبلوماسي غربي وسياسي عراقي واحد قادة الفصائل المسلحة، أن مسؤولين أميركيين يجرون محادثات مع بعض قادة المقاومة في العراق في محاولة لإدخال الفصائل العراقية في العملية السياسية وتحييد تنظيم القاعدة بزعامة الزرقاوي، وان مسؤولين أمريكيين قد بدؤوا فعلا مفاوضات مباشرة مع قادة ميدانيين، إضافة إلى كبار قادتهم عبر وسطاء، وأوضحت الصحيفة أن هذه المفاوضات تهدف إلى الاستفادة من الخلافات بينهما، واستغلال فرصة الاشتباكات التي تدور بين الحين والآخر في اليوسفية والتاجي والقائم والرمادي، والتي تصاعدت في الأشهر الأخيرة.

وكانت عواصم عربية وأجنبية إضافة إلى سجني بوكا وأبو غريب، قد شهدت جولات من التفاوض مع الأمريكان، كاجتماع بيروت أواخر تموز 2005، واستضافت موسكو حوارا بين قيادات بعثية وسياسيين أمريكان، كما شهدت عمان حوارات مع شيوخ عشائر من الأنبار ادعوا قدرتهم على التأثير الفاعل على قادة فصائل المقاومة، إلا أن أهم اللقاءات تلك التي جرت برعاية مصرية في شرم الشيخ على هامش المؤتمر حول العراق وحضرها مقربون من المقاومة الإسلامية الوطنية كان لهم الأثر في الهدنة التي شهدتها انتخابات 15/12/2005.

لابد من التذكير انه بعد سنوات ثلاثة من الاستنزاف والخسائر الأمريكية انتقلت الحرب بينها وبين المقاومة إلى شكل من أشكال متعددة من الحرب المخابراتية التي قادها نيغروبونتي واحمد الجلبي وقادة أكراد وفيلق بدر الذي سيطر على الأجهزة الأمنية العراقية فور وقوع الاحتلال، ومن بين تلك الأشكال فرق الموت، ففعلت ما لم يعد خافيا على احد، حتى اكتشف الأمريكان إن فرق الموت التي أعدت لإشعال فتيل حرب أهلية، ومواجهة المجاهدين بواسطة الميليشيات بقيادة أمريكية، اكتشفوا أن خطة النصر البديلة هذه قد انقلبت ضدهم، فولاء فرق الموت هذه التي أنشاها نغروبونتي ليس لبلاده وإنما لإيران، كما هو ولاء السياسيين الذين استجلبتهم معها إلى العراق، وان ما تحقق من نصر لهم في الانبار التي باتت أكثر أمنا على الأمريكان من واشنطن بعد إن كان مجرد ذكر اسمها يثير الرعب في نفوس الأعداء بمن فيهم جورج بوش نفسه، هذا العدو اعجز من أن يحقق نصره في الانبار وهو لم يحققه، بل إن مجلس الإنقاذ بمن معه من شيوخ العشائر، وحماس العراق والحزب الإسلامي وصحوة الانبار والجيش الإسلامي وحركة جامع وغير هؤلاء، وبالأخص الإغراءات المالية عن طريق التعهدات والمقاولات الذي اثبت العراقي أمامها ضعفا لا يصدق، هؤلاء جميعا هم من أنجز النصر الأمريكي وليس الجندي الأمريكي.

وحسب موقع نيويورك تايمز على الانترنت فإن السفير زلماي زاده الذي عين سفيراً لبلاده في بغداد في حزيران 2005 التقى ممثلين عن مجموعات المتمردين لإقناعهم بالإنضمام إلى العملية السياسية الجارية في العراق، وقال إن هذه اللقاءات تمت بعد الإنتخابات الأخيرة وقبل أحداث سامراء شباط 2006 وبعدها، وهي المرة الأولى التي يعلن فيها مسؤول أمريكي عن لقاءات مع فصائل المقاومة، أما صحيفة لوس أنجلس تايمز فقد ذكرت في عددها الصادر في 28/3/2007 إن قادة أمريكان ومسؤولين حكوميين عراقيين اجروا لقاءات مع القيادة العامة للقوات المسلحة الجناح العسكري لتنظيم عزت الدوري، وتضيف الصحيفة، إن هذه اللقاءات جرت بعد تلقي الجماعات المسلحة طلبات مباشرة من حكومات عربية لها علاقات معها نصحتها بضرورة إلقاء السلاح والإنخراط في العملية السياسية، أما صحيفة القدس العربي فقد نشرت في 10/10/2007 إن علي لاريجاني الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني كشف إن لدى بلاده معلومات عن محادثات أجراها مسؤولون أمريكيون مع عزت الدوري نائب الرئيس العراقي السابق الذي يقال بأنه يقود بعض الجماعات المسلحة في العراق واعتبارها تمثل كارثة للشعب العراقي.

نشرت صحيفة الصباح الرسمية الصادرة في بغداد في 22/6/2007 نقلاً عن موفق الربيعي مستشار الأمن القومي قوله، إن مفاوضات غير رسمية جرت بين جميع الفصائل المسلحة بإستثناء القاعدة وبين الجنرال البريطاني السابق غرايام لامب الذي يلعب دور المنسق الوسيط في هذه المفاوضات، وان الحكومة العراقية وفرت مناخاً ملائماً لعقدها، وخولت الضابط البريطاني الصلاحيات التي تساعده على انجاز مهمته والوصول إلى حلول مرضية، وان اغلب الإجتماعات عقدت في السفارة البريطانية وان الحكومة العراقية على إطلاع كامل بمجرياتها وتفاصيلها، مؤكداً أن قسماً من الإجتماعات عقد في إقليم كردستان والقسم الآخر خارج العراق، وأكد إن هذه الجماعات أبدت رغبتها في الإنخراط في العملية السياسية، والحصول على دور في الدولة والأجهزة الأمنية إضافة إلى صدور عفو عام عن جميع المطلوبين والسجناء.

وكانت صحيفة نيويورك تايمز قد أشارت في تحقيق صحفي، إن السفير الأمريكي زلماي خليل زادة كان قد زار الأردن مطلع عام 2006 وأجرى محادثات مع ممثلين من الجيش الإسلامي وكتائب ثورة العشرين، وحسب الصحيفة فإن زادة رفض إعطاء المزيد من التفاصيل حول مضمون المحادثات، أما صحيفة الحياة اللندنية فقد نشرت في عددها الصادر في 20/3/2007 نقلاً عن مقربين من الجماعات المسلحة إن سبعة فصائل مسلحة تنشط في الانبار وديالى وصلاح الدين عقدوا لقاءات مع مسؤولين حكوميين تركزت على التعاون بين الطرفين لمحاربة تنظيم القاعدة، وأكد اللواء رياض الشمري حضور ممثلين عن الفصائل السبعة إلى بغداد قبل أيام حيث عقدوا تلك اللقاءات، وأكد أبو احمد الجبوري أحد المسؤولين في محافظة صلاح الدين في إتصال مع الحياة، مقاومة الجيش الإسلامي مشروع دولة العراق الإسلامية، وان عشائر المحافظة قد بايعت الجيش الإسلامي، وأوضح إن الحكومة المحلية في المحافظة تلعب دور الوسيط بين الجيش الإسلامي والحكومة.

وكانت صحيفة الحياة قد نقلت عن أبو وسام الجشعمي القيادي في حزب البعث عبر اتصال هاتفي قوله، إن الاتفاق الأخير بين حكومة المالكي وقيادات بعثية في سورية جاء بعد مفاوضات طويلة اضطلع بها مسؤولون عراقيون لأكثر من عام بطريقة مباشرة أو عبر وسطاء، واغلبها كانت بقيادة وزير الحوار الوطني أكرم الحكيم، وهو ما أكده سعد المطلبي مسؤول العلاقات الدولية في وزارة الدولة لشؤون الحوار الوطني في مقابلة أجرتها معه قناة بي بي سي.

إن مفتاح التغلب على الحركات الجهادية عموما، هو التعرف على مراكز القوى والضعف فيها، بحيث يمكن التغلب على القوى من خلال التعامل مع الضعيف والتعاون معه واستغلاله، هذا من وجهة نظر أمريكية، وبغض النظر عن تجاوزات تنظيم القاعدة، فان على الولايات المتحدة إن أرادت كسب الصراع في العراق وحسمه، تحييد القاعدة من خلال عزلها على اعتبار أنها تنظيم وافد أساء للشعب العراقي سنة وشيعة، وساهم في تشويه صورتي المقاومة والجهاد والمجاهدين، وهو يحمل مشروعا يتجاوز حدود العراق الجغرافية، وهذه إحدى النقاط التي تمكنت الولايات المتحدة من استثمارها، وجندت لهذا عراقيين يتصدرون الواجهات السياسية والدينية للعرب السنّة، ومقربون في ذات الوقت من فصائل المقاومة الإسلامية الوطنية كنائب الرئيس الحالي طارق الهاشمي بصفته رئيسا للحزب الإسلامي العراقي، وسلام زكم الزوبعي وخلف العليان وغيرهم، ولم يكن الأمر مقتصرا على ما ذكرناه، إذ سبق للهاشمي أن صرح بأن حكومته مستعدة للتفاوض مع جميع الفصائل باستثناء القاعدة، وقالت صحيفة لوس أنجلس تايمز في 28/3/2007 نقلاً عن أبو بكر القيادي في كتائب ثورة العشرين قوله، اتفقنا في السابق مع تنظيم القاعدة على مقاتلة الإحتلال، لكننا مختلفون معها بشأن موضوع استهداف المدنيين وأماكن العبادة، ونحن نستنكر أفعال القاعدة، فيما ذكر خلف العليان عضو البرلمان العراقي، إن كل الجماعات المسلحة على خلاف مع تنظيم القاعدة، فالقاعدة لها أجندة عالمية وليست عراقية، وقد استهدفت العديد من قادة الجماعات المسلحة، بل ان آخرين صاروا يسوغون حديثا عبر الفضائيات أو من خلال جولاتهم في العواصم المجاورة حيث يقيم قادة تلك الفصائل أو من يمثلونهم، عن ضرورة العمل على خلق عراق قوي مستقل يحكمه السنّة من أهله وليس الوافدون من إيران أو من دول عربية أو غيرها بعد 09/04/2003، وعن ضرورة التعايش السني الشيعي ضد التشيع الصفوي أو الوجود الفارسي والنفوذ الإيراني.

في مقابل ما اشرنا إليه من ضرورة عزل تنظيم القاعدة الوافد وتحييده حتى وان سلمنا جدلا بأنه صراع بين الإسلام والكفر كما تقول القاعدة، أو كما هي حقيقته، وهو الصراع الذي شارك فيه اغلب قادة وقياديي فصائل المقاومة الإسلامية الوطنية الحالية في العراق حين كان بين الإسلام (تنظيم القاعدة) وبين الكفر (الاتحاد السوفيتي السابق)، وحين كان يتوافق مع الرغبة الأمريكية في ظل الحرب الباردة بينها وبين الإتحاد السوفيتي السابق، إلا أننا كعراقيين يجب أن لا يعنينا هذا الصراع بأي شكل كان، حتى وان كنا مسلمون سلفيون أم صوفيون أم وسطيون، فالصراع هو بين تنظيم القاعدة والولايات المتحدة حصرا، هذه من وجهة نظري خلاصة الأفكار التي أراد العدو الأمريكي تسويقها عبر رجالاته في العراق، وهؤلاء منهم من هو قريب من أدق تفاصيل العمل المسلح، أو انه سبق وان كان يوما ما في أحد فصائله، أو تربطه صلات عشائرية مع بعض قادة الفصائل، أو إنهما ينهلان من معين فكري واحد كالفصائل المحسوبة على فكر الحزب الإسلامي العراقي أو المجيرة له، أو حتى انه كان من القيادات المتقدمة في الفصائل قبل دخوله في العملية السياسية بدعوى خدمة أهل السنّة كما يبرر، أو عدم ترك الساحة السياسية للآخرين، أو دخوله دخولا مزدوجا أي بمعنى العمل من داخل العملية السياسية لخدمة مشروعه المقاوم، وغير هذا من الدوافع التي وجد أو وجدوا فيها مبررا يسوغ لهم ذلك ويجنبهم الاستهداف من قبل الفصائل الجهادية، على اعتبار إن الدخول في العملية السياسية يصب في خدمة مشروع العدو الأمريكي.

وفي توقيت متزامن شاركت مجلة العصر الناطقة باسم الإخوان المسلمين السوريين في الخارج، بنشر وثائق سرية من وثائق جهاز المخابرات العراقية، قالت إنها حصلت عليها من شخصيات سنية عراقية تكشف عن العلاقة بين تنظيم القاعدة وإيران، ومن ضمنها واحدة تتعلق بإشراف عبدالهادي العراقي المعتقل حاليا لدى الأمريكان على تمويل القاعدة في محافظتي نينوى والتأميم وتكشف عن تواجده في معسكر تدريب 30 كم شمال ضريح الخميني يتدرب فيه بصورة مشتركة عناصر من تنظيم القاعدة ومن حزب الله اللبناني ومن جيش المهدي، ولم يرد تنظيم القاعدة على ما نشرته مجلة العصر، فيما أصدرت بيانا في 22/02/2007 يحذر من التعامل مع قناة الزوراء والكاتب العراقي سمير عبيد متهما إياهما بالتحريض على الفرقة بين الإخوة المجاهدين، حسب موقع وكالة الملف برس، ولم يتم نشر هذا البيان في المواقع المعروفة التي تقوم بنشر بيانات القاعدة، خاصة شبكة الحسبة وشبكة البراق ومنتدى التجديد، كما شاركت في الحملة مواقع مهمة كالمختصر ومفكرة الإسلام وغيرهما.

رابط الضوء الأول الحرب الإيديولوجية على الحركات الجهادية : http://raedalhamed.jeeran.com/archive/2008/1/455228.html

الأضواء العشرة على الفصائل المسلحة في العراق

 

الضوء الثالث

ملاحم ابوالعبد والجيش الإسلامي في العامرية

عبر اتصال هاتفي أجرته قناة العربية في برنامج صناعة الموت 15/6/2007 قال ( أبو العبد) الذي عرف نفسه بأنه احد القادة الميدانيين للجيش الإسلامي ( إن مقاتلين من الجيش الإسلامي ومعهم بعض العشائر المحلية يقاتلون القاعدة ويرفضون وجودها في المنطقة بسبب الجرائم التي ارتكبتها بحق المجاهدين من أعضاء الفصائل الجهادية الذين رفضوا الإنضمام تحت لواء ما يعرف باسم دولة العراق الإسلامية، وان مقاتلي الجيش الإسلامي يرفضون أي هدنة مع القاعدة ولا يعترفون بما ذكرته بعض المواقع الجهادية عبر الانترنيت من الوصول إلى صيغة للاتفاق بين قيادات الجيش الإسلامي و تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين )، وكان الجيش الإسلامي في العراق قد اصدر بيانا في 06/06/2007 جاء فيه، إن الجيش الإسلامي في العراق يعلن عن توصله إلى اتفاق مع تنظيم القاعدة يتضمن الإيقاف الفوري لكافة العمليات العسكرية بين الطرفين وفي كافة القواطع، ووقف كافة أشكال التصعيد بين الطرفين ومنها التصعيد الإعلامي، وتشكيل لجنة قضائية مرضية للحكم في كل القضايا العالقة بين الطرفين، لكن هذا الإعلان لم يصمد على أرض الواقع، أو أن الهدف منه أصلا كان إعلامياً، إذ لم تعد بيد الجيش الإسلامي فرصة للتراجع عما عقد عليه العزم من الحرب على القاعدة، ففي برنامج صناعة الموت الذي بثته قناة العربية في 15/6/2007، عادت قناة العربية لتلعب دورها في تأجيج الصراع، حيث أعلن ابوالعبد عبر اتصال هاتفي، إن مقاتلي الجيش الإسلامي يرفضون أية هدنة مع القاعدة ولا يعترفون بما ذكرته بعض المواقع الجهادية عبر الانترنت من الوصول إلى صيغة للاتفاق بين قيادات الجيش الإسلامي وتنظيم القاعدة، وأبو العبد هنا لا زال يتحدث بصفته أحد قادة الجيش الإسلامي، وبالتأكيد بالاتفاق مع باقي قياداته، وما يؤكد هذا الكلمة الصوتية التي بثتها القناة للناطق الإعلامي في الجيش الإسلامي علي النعيمي، مشيراً إلى إتفاق وقف العمليات العسكرية في 6/6/2007 حيث اتهم القاعدة بقتل أكثر من ثمانين مقاتلاً من الجيش الإسلامي وهدم بعض المساجد وترويع الأهالي واستباحة الدم العراقي.

وتبقى حقيقة علاقة ابوالعبد مع قيادته في الجيش الإسلامي مثار جدل الأوساط الشعبية والإعلامية بين مصدق بقطع علاقته بالجيش ومكذب ويسودها شكل من أشكال الغموض، والأرجح إن ما تم تداوله إعلاميا لا يعكس حقيقة العلاقة بينهما، وظل ابوالعبد يتحدث بصفته قائداً من قواد الجيش الإسلامي كما أفصح خلال إتصاله الهاتفي بقناة العربية في 15/6/2007 أي بعد أسبوعين من فتنة العامرية، وهو ما لم ترد عليه قيادته نفياً أو تأكيداً.

ابوالعبد قائد الجيش الإسلامي في منطقة العامرية صرح لصحيفة الواشنطن بوست في 9/6/2007 قائلاً (أنه كرّس الخمسة أشهر الماضية في جمع المعلومات الإستخبارية حول مقاتلي القاعدة في العامرية)، هذا التصريح يضع المراقب أمام تساؤلات عن الغاية من جمع المعلومات والجهة التي طلبت منه هذا، هل هي قوات العدو الأمريكي؟، أم هي قيادته في الجيش الإسلامي؟، ومع إفتراض حسن النية، فإنه قائد ميداني لا يحق له التصرف شخصيا بمعزل عن قيادته، ومع الأخذ بالافتراض الأول انه قد كلف بهذا من قبل قوات العدو، فهو أمر يلقي ظلالاً من الشك حول قدرة الجيش الإسلامي على الاستمرار مع وجود إختراقات تصل إلى مستويات عليا من القيادات الميدانية، هذا مع استبعاد أي إحتمال لإتفاق خفي بين قوات العدو الأمريكي وقيادة الجيش الإسلامي، ومع إستبعاد إفتراض تعاون أبو العبد مع قوات العدو، وإستبعاد إفتراضات أخرى، يبقى ان ابوالعبد كان مكلفاً من قيادته مباشرةً .

منذ خمسة أشهر سبقت تصريحه في حزيران 2007، بدأ ابوالعبد أو كلف بجمع المعلومات الإستخبارية عن القاعدة، أي منذ بداية العام الحالي، أي بعد فترة قصيرة من زيارة العمل التي قام بها قائد الجيش الإسلامي في تشرين الأول 2006 إلى السعودية بهدف إنتزاع فتوى من علماء دين سعوديون يكفرون بها تنظيم القاعدة، وهي المهمة التي فشل بها قائد الجيش كما جاء في تقرير وكالة الملف برس، فهل أن الحرب التي أعلنها الجيش الإسلامي على القاعدة تم الإعداد لها خلال تلك الزيارة؟، وان ابوالعبد هو المكلف بإشعالها؟، فالحروب عادة يتم التهيئة لها بجمع اكبر قدر من المعلومات عن الطرف الآخر، وهكذا كان.

تصريحات الدكتور ابراهيم الشمري الناطق الرسمي باسم الجيش الإسلامي لقناة الجزيرة معلقاً على أحداث العامرية، واتهامه القاعدة بتسيير آلياتها المحملة بالمدافع المتوسطة إلى جانب الآليات الأمريكية، أثارت زوبعة من ردود الأفعال بين الأهالي الذين استمعوا إلى التصريح، وأدلى الكثير منهم بشهادتهم في المنتديات وفي موقع الرابطة العراقية وغيرها، أكدوا فيها ان تلك الآليات لم تكن تابعة لتنظيم القاعدة وإنما تعود إلى أبو العبد أي إلى الجيش الإسلامي، واتهموه بأنه عاث فساداً وقتل من قتل من المجاهدين وغيرهم بالتعاون مع ميليشيات الحزب الإسلامي العراقي على مرأى ومسمع من قوات العدو الأمريكي، فهل كان يفعل هذا بعلم قادته أم أنه كان تصرفاً فردياً ؟ وحتى مع استبعاد الاحتمال الأول، تبقى قيادة الجيش الإسلامي مسؤولة مباشرة عن تصرفات أبو العبد، باعتباره حتى تلك اللحظة هو قائد الجيش الإسلامي في منطقة العامرية، بل هي مسؤولة عن كل ما فعله أبو العبد حتى تاريخ إعلان قرار الهيئة الشرعية في الجيش الإسلامي فصل أبو العبد في 29/6/2007 لمخالفته المنهج الشرعي للجماعة وعدم التزامه بأوامرها، أي بعد شهر كامل على اندلاع أحداث العامرية، ولم يتم نشر قرار الفصل حتى تاريخ 25/7/2007، أي بعد حوالي شهرين من تلك الأحداث، ومع الأداء الإعلامي والسياسي للجيش الإسلامي المشهود له بالكفاءة، تثار تساؤلات عن السر الكامن وراء إتخاذ قرار الفصل، وأيضا وراء تأخير نشره بحوالي شهر من صدوره، فهل حقاً ان قيادة الجيش الإسلامي قطعت صلاتها مع أبو العبد؟، ويبقى القول، ان قيادة الجيش مسؤولة عن كل ما قام به أبو العبد من استعانة بقوات العدو، التي قال عنها الناطق الإعلامي باسم الجيش في 12/6/2007، ان منهجنا قائم على قتال المحتل بنوعيه، ولذا ليس بيننا وبين قوات الاحتلال ومن معهم الاّ القتال، وعليه فهل ستقاتل قيادة الجيش قائدها المتمرد عليها افتراضاً لموالاته قوات العدو وصحوة الانبار واستعانته بهما؟، أم ان هذه الموالاة وهذه الاستعانة لها ما يبررها بتحييد عدو للالتفات إلى عدو آخر كسياسة متبعة أعلنها الجيش الإسلامي؟.

بعد الزلزال الذي ضرب الساحة الجهادية صبيحة 30/5/2007 وانقضاء أسابيع عليه وعلى خروج تنظيم القاعدة كلياً من العامرية، ومع خفوت أو صمت آلة الدعاية التي بدأت تفقد فاعليتها ضد تنظيم القاعدة، يتساءل الناس هناك عن حقيقة الجهات أو الجماعات التي كانت تنفذ جرائمها ضدهم؟، هل هم حقاً من مجاهدي تنظيم القاعدة؟، أم من مقاتلي الجيش الإسلامي؟، أم من عناصر الشرطة السرية التي أعلن عن وجودها حميد الهايس من مجلس إنقاذ الانبار؟، أم من ميليشيات الحزب الإسلامي؟، أم من المرتزقة الأجانب؟، أم هي قوات العدو الأمريكي؟، أم ماذا؟، فما عاد الناس يصدقون بالملصقات التي تذيل باسم تنظيم القاعدة أو غيرها من الفصائل، بل لم يعد الأهالي يثقون حتى بأئمة المساجد هناك بعد أن شاهدوا قوات العدو الأمريكي جنباً إلى جنب في باحات المساجد مع أئمتها ومقاتلي الجيش الإسلامي، وجوهر هذه الأجواء من انعدام الثقة بدأ ينسحب تدريجياً وببطيء إلى مناطق سنية أخرى كانت جحيماً على العدو، إذ لم تعد القاعدة في نظرهم كما تم تصويرها، بأنها عبارة عن مجاميع من القتلة وقطاع الطرق وأصحاب السوابق الإجرامية من الذين لا هم لهم سوى المزيد من سفك الدماء، خاصةً دماء أهل السنة، وان ولائهم ليس للإسلام وإنما لإيران، وإنهم ما استهدفوا أمريكيا، وهم في كل هذا على العكس من باقي الفصائل الأخرى التي تضم في صفوفها أصحاب العقيدة الصحيحة والسلوك القويم، ويحرصون على دماء العراقيين وأهل السنة منهم خاصةً، وولائهم ليس لأمريكا أو إيران أو غيرهما، إنما ولائهم للإسلام وحده، هذه المعادلة التي صورت القاعدة على تلك الصورة، وعصمت ونزهت وبرأت باقي الفصائل لم تستطع الصمود طويلاً بعد أن أدرك العراقيون في تلك المناطق ان تنظيم القاعدة لم يكن ضحية أخطائه وحدها، فكل الفصائل أخطأت بقدر أو بآخر، بل كان ضحية تحالفات بين بعض فصائل المقاومة الإسلامية الوطنية بالتعاون مع شيوخ عشائر عملاء وأحزاب سياسية سنية كواجهات خلفية لتلك الفصائل وبين العدو الأمريكي، وهذا الإدراك حتى وإن جاء متأخراً ولم يأخذ حظه بعد في الإتساع، وانه ليس من السهل على المراقب أو المواطن العادي التحقق منه، إذ لم يتبلور بعد بشكل واضح يمكن تلمسه بسهولة، لكنه موجود، وهو كفيل بإعادة الإعتبار إلى الجماعات التي تضرب العدو الأمريكي، وتأتي القاعدة في مقدمتها، إذ لا مجال لمزايدات الآخرين بعد أن هدأت الانبار والدورة والعامرية وغيرها من المدن والمناطق التي كانت محرمة على الأعداء، وهي اليوم مرتع آمن لهم، وهو أمر لا يرضي سوى فئة منتفعة أو شريحة مأجورة للعدو، ويبدو ان الوقت الآن بداية فصل جديد من فصول التمايز بين الحق والباطل بين المقاوم والمهادن وبين وبين، وبين من يجاهد لتكون كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا ومن يبحث عن عرض زائل من مال أو منصب.

 

الضوء الرابع

ما الذي جرى في العامرية؟

استمرت الاشتباكات التي اندلعت في 30/05/2007 على مدى خمسة أيام متواصلة في حي العامرية وحي الجامعة وبعض أحياء الغزالية، وهي الاشتباكات التي وصفها القائد الأمريكي الأعلى في العراق الجنرال بترايوس بالصراع المذهل، ( وهو أروع ما وصلنا إليه من خلال إيجاد بيئة ليقاتل هذا وذاك، أي القاعدة والجيش الإسلامي وكلاهما يعرف البعض )، وكان برنامج بانوراما من قناة العربية 20/4/2007 قد التقى بالسيد حيدر العبادي عضو البرلمان عن قائمة الائتلاف، وجاء على لسانه في رده على سؤال مقدمة البرنامج، حول إمكانية استثمار الحكومة الخلافات بين الفصائل الجهادية، ( بالتأكيد نتصور هذا واجب وطني عراقي اليوم، علينا ان نعزل الجماعات التي تتصور أنها تقاتل في سبيل الوطن على تلك التي تقتل الوطن والمواطن )، أما جين عراف مراسلة شبكة CNN المعروفة بتغطية الأحداث الكبرى كالحروب والصراعات حول العالم، فقد نقلت في تقرير لها نشر في صحيفة Iraq Slogger الأمريكية الالكترونية عن مسؤولين كبار في البنتاغون قولهم، ( إن الجيش الإسلامي في العراق الذي ينضوي تحت رايته عناصر في حزب البعث المنحل ومتمردون سنة، اتفق مع جماعات مسلحة أخرى على وقف الهجمات ضد القوات الأمريكية والعراقية، لقتال تنظيم القاعدة ).

تكرر ظهور أبو العبد 36 عاما، نقيب في الجيش العراقي السابق وبائع للسيارات المستعملة، مع كبار ضباط العدو الأمريكي منذ التنسيق الذي باشرته قوات العدو الأمريكي مع بعض فصائل المقاومة الإسلامية الوطنية، وخصوصا الجيش الإسلامي لطرد عناصر تنظيم القاعدة من بعض مناطق بغداد ومنها مدينة العامرية، وشكل قوة يطلق عليها أحيانا اسم مقاتلون من أجل الحرية أو متطوعو العامرية أو وطنيو بغداد وحسب صحيفة واشنطن بوست، فان قوات الإحتلال (أقامت علاقات مع عشرات المليشيات السنية المسلحة في منطقة العامرية تطلق على نفسها وطنيو بغداد، ويخطط الأمريكان لجعلهم كقوة شرطة العامرية)، وكان آخر ظهور بالصور لأبو العبد هو مع الجنرال ديفيد بترايوس بحضور نائب رئيس الوزراء العراقي برهم صالح الذي كلف من جانب حكومة نوري المالكي بعملية التنسيق مع هذه الجماعات، وقد حاولت القاعدة اغتيال أبو العبد عدة مرات، كان آخرها عندما حاولت إمرأة ترتدي عباءة سوداء اقتحام الحواجز الأمنية المحيطة بمقره لتفجير نفسها، ويقول أبو العبد للأسوشيتدبرس ( القاعدة تستهدفني أنا وعائلتي، ولهذا فنحن نغيّر مقر إقامتنا بشكل مستمر، ولا نبقى في مكان واحد أكثر من ساعات معدودة ).

وكان عناصر من تنظيم القاعدة في حي العامرية قد قاموا في شهر تموز 2007 بجر شابين في الـ 18 من عمرهما من داخل قاعة الإمتحان أثناء تأديتهما الامتحانات الثانوية، وبعد قطع عنقيهما قاموا بتعليق جثتيهما على شجرة، لأنهما كانا قد عقدا العزم على دعم القوات الأمريكية، حسب مراسل الأسوشيتدبرس ومصادر أميركية متمركزة في المنطقة، ويضيف حسب أحد زملائهما، إنّ هذين الشابين لم يكونا يرتديان قناعا في أثناء مرافقتهما للقوات الأمريكية، ولهذا كشفت عناصر القاعدة هويتهما.

وحسب وكالة الملف برس عن بعض شهود العيان، فان النزاع بدأ يشتد حين كتب احد الأهالي على جدار نادي الخطوط القريب من جامع ملوكي في العامرية (الموت لعملاء القاعدة) وحينما حاول أفراد تنظيم القاعدة محو العبارة انفجرت عبوة ناسفة عليهم وقتلت اثنين فاشتعلت نيران القتال، وحين تجمعت مجموعة من تنظيم القاعدة لرفع جثث القتلى صادف مرور اثنين من عناصر تنظيم الجيش الإسلامي بالصدفة فسخرا منهم، فقامت مجموعة القاعدة بضربهم ووضعوهم في صندوق السيارة وتوجهوا بهم إلى جهة مجهولة فحضرت مجاميع من الجيش الإسلامي لفك أسراهم، وجرى جدال بينهم وقالوا لهم إذا لم يتم إطلاق سراح الأسرى بعد ساعة فان الوضع سيتخذ منحى آخر، وبعد مرور ساعتين على الوقت المحدد لإطلاق سراح الأسرى، قامت مجموعة من الجيش الإسلامي بقتل اثنين من مجموعة القاعدة ونشب الصراع بينهم، وكانت الغلبة لتنظيم القاعدة بالسيطرة على الوضع في العامرية، وبدأ بحرق بعض دور عناصر الجيش الإسلامي وقتل أعوانه، وإزاء ذلك لم يجد الجيش الإسلامي من حل سوى اللجوء إلى القوات الأمريكية لمساعدته في دحر القاعدة، بحسب الملف برس.

اثر ذلك اندلعت اشتباكات عنيفة بين قوات الاحتلال الأمريكي مدعومة بمروحيات قتالية من جهة، وبين عناصر تنظيم القاعدة من جهة أخرى، ولم يتضح عدد القتلى والجرحى، إلا ان وكالة الاسوشيتد برس أوردت نقلا عن احد المسؤولين المحليين، ان قائد تنظيم القاعدة في منطقة العامرية المعروف بالحاج حميد قد قتل خلال الهجمات وتم اعتقال 45 عنصرا آخرين، وقام الجيش الأمريكي بتولي مهمة اعتقال عناصر التنظيم ونقل جثة زعيمهم.

كان دخول عناصر صحوة الانبار إلى جانب المقاتلين ضد تنظيم القاعدة قد صعد من حدة الاشتباكات التي بلغت أشدها في منطقتي جامعي ملوكي وجامع التكريتي، واعتبرت مصادر في الاتحاد الأوربي في بروكسل حسب موقع النهرين نت، سماح الجيش الأمريكي لمتطوعين سنّة جاءوا من الانبار إلى بغداد للقتال إلى جانب المليشيات السنيّة التي تقاتل القاعدة في العامرية، هو (خطوة باتجاه التخلي عن فكرة تقوية دور الشرطة والجيش للحفاظ على الأمن ومواجهة التنظيمات والمليشيات الإرهابية في العراق).

وفي مؤتمر صحفي، عقده الشيخ حميد الهايس الجمعة الأول من حزيران 2007 قال، لقد أرسلنا 50 رجلا من الشرطة السريّة من أهالي الأنبار إلى حيّ العامرية في بغداد، يعملون في ثياب مدنية وبسريّة تامة، بدؤوا بضرب تنظيم القاعدة فيها، ولقد تمكنّا من قتل الكثير منهم، وأضاف الهايس، إننا سنحارب كل الميليشيات التي تقتل أهلنا في بغداد وإنّ عملية مماثلة ستنطلق في حي الغزالية ضد القاعدة، ولدينا معلومات كافية عن أماكن تواجدهم وسوف نقتص منهم بعد ان أنهكوا عاصمتنا بالتفجيرات والقتل.

وتشير تقارير أخرى نقلاً عن شهود عيان في العامرية إلى أن مواجهات الأربعاء والخميس 30 و 31/5/2007 كانت عبارة عن معارك شوارع بالرشاشات وقاذفات القنابل اليدوية ومدافع الهاون بين القاعدة من جهة، والجيش الإسلامي وكتائب ثورة العشرين وصحوة الانبار من جهة أخرى، في حين بقي السكان داخل منازلهم.

وأضافت هذه التقارير أن الاشتباكات امتدت إلى الشوارع الرئيسية للعمل الشعبي، وقد طال القصف إعدادية العامرية بعد أن حاول مسلحو القاعدة الاحتماء بها، وادعى بعض سكان العامرية أن مسلحين آخرين ملثمين دخلوا المنطقة أثناء الاشتباكات كتعزيزات لتنظيم القاعدة، في حين هوجم مسجد ملوكي الذي تحصن به الجيش الإسلامي بقذائف الهاون.

وقال شهود عيان آخرين، أن نداءات وجهت من مكبرات المساجد المحلية لطلب هدنة بين الفريقين، ولكن المعارك استمرت حتى فرضت القوات الأمريكية والعراقية حظر تجول في وقت مبكر يوم الجمعة 01/06/2007.

وقال احد أعضاء المجلس المحلي في العامرية لوكالة اسوشيتدبرس، إن ما لا يقل عن 31 شخصا، من بينهم ستة مسلحين من تنظيم القاعدة قتلوا واعتقل 45 آخرون، وأن مروحيات أميركية حامت يوم الجمعة فوق المنطقة وأن الشوارع الرئيسة المؤدية إلى العامرية أغلقت لمنع مرور السيارات.

ويمكن ان يكون التحقيق الذي كتبه الصحفي جوشوا باترلو ونشرته صحيفة الواشنطن بوست في 9 حزيران 2007، وترجمه الأستاذ رعد الجبوري، يلقي المزيد من الضوء على حقيقة ما جرى في مدينة العامرية، خاصة وانه ينقل عن قائد قوات العدو الأمريكي في العامرية المقدم ديل كويل قائد الكتيبة الأولى، فوج الفرسان الخامس الملحق بفرقة المشاة الأولى الأمريكية، يقول التحقيق، انه في وقت متأخر من يوم الثلاثاء 29 مايس/آيار تلقى المقدم كويل إتصالاً عن طريق الهاتف من إمام مسجد الفردوس يبلغه بأنهم سيقومون بمهاجمة القاعدة (وما أريده منكم هو ان تبتعدوا عن الطريق)، وأجابه المقدم كويل، (يا شيخ، لا استطيع ان افعل ذلك، لا أستطيع ان أترك لكم العامرية)، إلا ان الإمام أصر على الأمر قائلا (حسنا، سوف ننفذ الأمر، سوف نهاجم القاعدة) وتوقيت هذه المكالمة سبق تفجر الأحداث التي بدأت في اليوم التالي الأربعاء 30/05/2007، وهو ما يؤكد ان أحداث العامرية تم ّ التخطيط لها مسبقا، ولم تكن أحداث الأربعاء سوى الشرارة التي أشعلت فتيلها، ويضيف الصحفي، (خلال الأسبوع الأول من هذا التعاون تمكنت القوات الأمريكية وبمساعدة وطنيو بغداد من قتل حوالي عشرة أشخاص مشتبه في انتمائهم للقاعدة واعتقلوا 15 آخرين، وهذا العدد وحده بالنسبة للمقدم كويل يوازي مجموع ما حققته القوات الأمريكية طوال الستة أشهر الماضية مجتمعة)، ويقول المقدم كويل (كنت أتلقى تقارير مباشرة من إمام المسجد كل 10 دقائق، "مقاتلوا القاعدة في هذا المكان"، "نحن محاصرون "، "نحن نتعرض للهجوم "، "إنهم حول المسجد " )، وفي أثناء لقاء بين الصحفي وأبو العبد، قال (إنه كرس الخمسة أشهر الماضية في جمع المعلومات الإستخباراتية حول مقاتلي القاعدة في العامرية، الذين تزايدت أعدادهم بعد وصولهم إلى بغداد مبتعدين عن شرطة العشائر في محافظة الانبار)، وهو مؤشر آخر يؤكد ما ذهبنا اليه من أن أحداث العامرية تمّ التخطيط لها مسبقا، وإنها تأتي في إطار خطة شاملة للحرب بين الفصائل تنفيذا لسياسات قد لا تكون محلية.

وفي يوم الجمعة الأول من حزيران، كما يقول الصحفي، أرشد المقاتلون الجنود الأمريكيين إلى مخزن ضخم للأسلحة في العامرية، يضّم أسلحة قنص وأسلحة رشاشة روسية الصنع وقاذفات صواريخ محمولة على الكتف (آر بي جي) والآلاف من الطلقات والذخيرة المتنوعة مخبأة في غرفة سرية لا يمكن الوصول إليها إلا بعد إزالة صندوق قاطع الدورة الكهربائية والزحف عبر فتحة ضيقة، وبينما كان الجنود الأمريكيين يقومون بتسجيل الغنيمة، انفجرت عبوة ناسفة موضوعة بالخارج أدت إلى جرح العديد من الجنود، أحدهم فقد قدميه بالكامل، وأثناء الرجوع من المهمة كان لدى أفراد المليشيا رجاءاً للأمريكيين : (أعطونا الأسلحة الموجودة في المخزن)،

ويقدر قائد الكتيبة بأن (المعلومات الإستخبارية التي يملكها هؤلاء المسلحون فيما يخص عناصر القاعدة لا يمكن التفريط بها).

دولة العراق الإسلامية من جهتها أصدرت بيانا في 02/06/2007 بينت فيه، ان البداية كانت، كتاباتٍ على الجدران تمس الدولة في منطقةِ تمكينٍ لها أذاقت فيها قوات العدو الأمريكي ألوان العذاب ودمرت له ما لا يقل عن (14) آلية في الأيام الأخيرة، وشكى البيان من استفزازات سابقة من مقاتلي الجيش الإسلامي في العامرية، تمّ علاجها بطريقة سلسة وانسيابية، حسب البيان، ويكمل روايته، (فجاء أحد أبناء الدولة ليمحو هذه الكتابات من الجدران وتنتهي القضية، وما أن وصل المكان حتى انفجرت عليه عبوة ناسفة أعدت له، فتناثرت أشلاؤه في أرجاء المكان وهو مسلم معصوم الدم)، (ولم تَنْتَه القضية هنا حتى قام أحد أمراء الجيش الإسلامي بِتَوَعُّد أحد أمراء كتائبنا، وفعلاً فتح الجيش الإسلامي النار على الأمير المشار إليه مما أسفر عن مقتل مسلمين اثنين حالاً كانا معه ثم قُتل الأمير وجُرح رابع كان معهم)، ( ثم ازداد الأمر سوءا، فتحصن الجيش الإسلامي في المباني ونشروا القناصة وراحوا يتربصون بجنود الدولة حتى قتلوا أخاً من خيرة الإخوة، واستمر الأمر في الصباح حتى أنهم استهدفوا إخوة كانوا يقومون بجولتهم اليومية وفتحوا النار عليهم ).

أما إبراهيم الشمري، الناطق باسم الجيش الإسلامي في العراق، فقد روى أحداث العامرية عبر قناة الجزيرة قائلا، (إن مسلحين تابعين للقاعدة اختطفوا ثلاثة من أعضاء الجيش الإسلامي في العامرية بعد ظهر الأربعاء 30/05/2007 وفتحوا النار على مجموعة محلية أخرى يقودها أبو العبد، وقاموا صباح يوم الخميس باقتحام مسجد ملوكي وقتلوا زيد أبو طيبة أحد أعضاء الجيش الإسلامي)، شهود العيان من أبناء منطقة العامرية المفترض أنهم يؤيدون الجيش الإسلامي في العراق، أكدوا قيام تنظيم القاعدة باختطاف اثنين من مقاتلي الجيش الإسلامي في العراق.

 

الضوء الخامس

الناطق الرسمي في الجيش الإسلامي

التعمد أم سوء الأداء

معروف عن الدكتور إبراهيم الشمري كثرة تناقضاته، ووقوعه في أخطاء أملتها عليه كثرة التصريحات والمقابلات التلفزيونية المفتوحة في الفضائيات الأكثر شهرة وأهمية بين أخواتها الناطقات باللغة العربية، وهذه في اغلبها قنوات غير ربحية ممولة من جهات معادية للعرب والمسلمين، وهي ذات أهداف إيديولوجية تنفذ سياسات مموليها، ومن أهم المقابلات تلك التي أجرتها معه قناة الجزيرة، وبدا أن هناك خطابا مبطنا يندرج في إطار سياسة العزل والتنفير والتشهير التي تسير في هديها فصائل عدة من فصائل المقاومة الإسلامية الوطنية ضد تنظيم القاعدة عبر منابر إعلامية أحادية الجانب لا تسمح بسماع الرأي الآخر، وما لم يكن شائعا من الوقائع الميدانية والخلافات بين الجماعات المسلحة بات أمرا معلنا، ولا يخفى ان من أهم ما ورد في تقرير مؤسسة راند، هو استحالة هزيمة المجاهدين في العراق عسكريا إلا من خلال شق وحدة صفهم وانتهاج سياسة إظهار الخلافات إلى العلن.

في رد وقعه أبو الحسن البصري الناطق الرسمي باسم جيش الفاتحين في 06/10/2006، حمل عنوان (رد الجريح المكسور على ما جاء في تصريح الدكتور)، مستوضحا الدكتور الشمري حول ما جاء في إحدى مقابلاته على سؤال عن انشقاق جيش الفاتحين عن الجيش الإسلامي في العراق، حيث أجاب مهونا ًشأنه ومستصغرا ًدوره في الساحة الجهادية، وأوضح بيان جيش الفاتحين، (جيش الفاتحين لم ينفصل عن الجيش الإسلامي، وإنما هو تنظيم مستقل التحقت به بعض المجاميع التي كانت تقاتل مع الجيش الإسلامي، وهو يضّم الكثير من المجاميع المستقلة أيضا، ولقد شكَّله جماعة من طلبة العلم المعروفين في العراق )، وتساءل متحيرا ًومستغربا ًوهو يوجه كلامه إلى الدكتور إبراهيم الشمري، ( ألم يكن الأجدر لك أن ترهب العدو وتعظم من شأننا أمامه لأننا فصيل جهادي ونحن لك ولكل المجاهدين؟ )، وفي حين اعتبر جيش الفاتحين تصريحات الشمري إساءة له، فإنه التمس له ( سبعين عذرا ًكما أوصانا قائدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم، لأن كثرة التصريحات قد تؤدي إلى زلةّ هنا وهفوة هناك )، وهي على ما يبدو ليست زلات أو هفوات كما يفهم من سياق البيان، بل هي تهم واضحة وصريحة إذ يتساءل في ختامه قائلا، ( من المستفيد من تصريحك، ولمصلحة مَن تصرح هذا التصريح؟! أهي الحزبية والسطحية وقصر النظر؟!، أم أن هنالك أطراف أخرى.....!!)، وتبقى الإجابة الكاملة على هذه التساؤلات لدى قيادات الجيش الإسلامي، وان أجابت الوقائع عن بعضها.
الافتقار إلى الواقعية والموضوعية وعدم دقةّ المعلومات التي أطلقها الدكتور إبراهيم الشمري تجاه جيش الفاتحين، نجدها في مواضع أخرى، منها إن الدكتور إبراهيم الشمري في ردّه على خطابات من أسماه ( الأخ أبي عمر البغدادي ) في 04/05/2007 قال، ( وما قامت به جماعة الجيش الإسلامي من اقتحامات لقواعد وثكنات عسكرية يبلغ بالعشرات وأسقطت قواعد كبرى بفضل الله أولا ًوآخرا ًومنها أكبر قاعدتين وهما القاعدة الذهبية في جرف الصخر التي أصبحت من أخبار الغابرين في عام 2003 قبل أن يتأسس تنظيم القاعدة في العراق )، والمعروف إن الجيش الإسلامي في العراق ظهر في عام 2004 أي بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، وكان أول ظهور له بين الناس في مايس 2004، أي بعد انتهاء معركة الفلوجة الأولى 4 نيسان لغاية 28 نيسان التي خاضتها مجاميع متعددة دون تسميات، باستثناء الفصائل الجهادية الكبيرة كجيش أنصار السنّة (جماعة أنصار السنة حاليا)، وتنظيم التوحيد والجهاد في بلاد الرافدين وغيرهما، وبعض فصائل المقاومة الوطنية كجيش محمد الذي تلاشى إثر اعتقال قائده مؤيد الناصري، إضافة إلى الثقل الكبير الذي شكلهّ أبناء المدينة، وكانت تلك المجاميع تأتمر بإمرة مجلس شورى مجاهدي الفلوجة بإمارة الشيخ عبدالله الجنابي، وبدا أن هناك حاجة لتجميع تلك المجاميع في سرايا أو كتائب أو جيوش لتسهيل مهمة قيادتها، وكذلك لإزالة التردد الذي يتعذر به البعض بحجة غياب الرايات، أما تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين فهو لم يظهر بداية الأمر بهذه التسمية، وكان يحمل اسم تنظيم التوحيد والجهاد في بلاد الرافدين بقيادة أبو مصعب الزرقاوي، وتبنى تفجير السفارة الأردنية في بغداد بتاريخ 07/08/2003، أي بعد الاحتلال بأربعة أشهر، ثم اتخذ الزرقاوي في عام 2004 اسم تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين بدلا من الإسم السابق، وكان العدو الأمريكي قد أعلن عن قتل أكثر من تسعين مجاهدا من جماعة التوحيد والجهاد فجر 11 حزيران 2003 خلال ضربة صاروخية وجهها إلى احد معسكرات التدريب في مدينة راوة 80 كيلومتر شرق مدينة القائم على الحدود السورية.

حادثة أخرى يرويها الشيخ عطا نجد الراوي عن الدكتور إبراهيم الشمري نورد بعض فقراتها كما نشرت في عدة مواقع الكترونية، ( وفيما يشبه زيارة عمل منسقة على مستوى رفيع توجه ( أي الشمري ) رفقة عدد من قياداته إلى السعودية وهو يحمل كنية "أبو سهل"، وبعد جولة موسعة له في البلاد، وقبل سفره عائداً إلى مقره في دمشق، استقبله الشيخ ناصر العمر الذي تكفل بتنظيم ما يشبه الجلسة الموسعة (استراحة) حيث جمع له حشد غفير من المشايخ في شتى أنحاء البلاد تحت شعار "نصرة أهل السنة في العراق"، وكان من ضمن الحضور كبار مشايخ العقيدة في الرياض والقصيم وبعضا ًمن المشايخ الأكاديميين من المتخصصين في الحديث أو من الباحثين ممن لهم ميول جهادية ومؤلفات مشهورة، وحتى انتقادات قديمة للقاعدة، وصويان الهاجري المشرف على موقع مفكرة الإسلام، وفريق ثالث من المحسوبين على الصحوة وذوي الميول الحكومية مثل وليد الرشودي، إضافة إلى جمع من أهل العلم والخبرة، فكان من "أعجب" ما قاله "أبو سهل"، خاصة في مناطق الرياض والقصيم حيث تركزت حملة الجيش الإعلامية على تشويه القاعدة، أن: "الجيش الإسلامي تأسس قبل الغزو الأمريكي للعراق بثلاثة أشهر"!، وهو ما ورد لاحقا في البيان ذاته، ورددّه الشمري غداة صدوره في لقائه الشهير مع أحمد منصور مذيع قناة الجزيرة، وأنه - الجيش-: "أسبق من القاعدة في العمل الجهادي"، إلا أن أبي سهل بُهت لما رد عليه أحد القادة المرافقين له وهو يصحح له وينصف أقرانه المجاهدين قائلا: "هذا غير صحيح وأنت تذكر يا أبو سهل لما اجتمعنا في بغداد أنا وإياك وفلان وفلان وكنا أربعة وقررنا حينها أن ننشئ الجيش وكان الزرقاوي وقتها يصاول الأمريكان"!!!! فأجاب بخجل ظاهر: "صحيح صحيح". ولما عرض مسألة إعلان "دولة العراق الإسلامية" مشيرا أنها ليست بدولة حقيقية ولا أرض مسيطر عليها، سُئل من قبل أحد المشايخ عن مدى سيطرة القاعدة على هذه الدولة خاصة في منطقة الأنبار فرد "مرتبكا" ومقللا من شأنها: "فقط الأنبار". وذهب أبعد من ذلك حين أفصح أمام هذا الشيخ عن مكنون نفسه: "كان عندي قناعة أننا لن نقاتل القاعدة لكن هذه القناعة بدأت تهتز". فاستعجب الشيخ المضيف وهو يُسِرّ لأحد مقربيه لاحقا: "لا أدري هل القاعدة قتلت أباه؟").

كانت وكالة الملف برس قد نشرت خبرا خاصا بها بعنوان ( الجيش الإسلامي يفشل في انتزاع فتوى سعودية بتحريم القاعدة ) نسبته إلى ما أسمته أطراف مقربة من أجواء العلاقات بين الجيش الإسلامي في العراق وتنظيم القاعدة يدور حول زيارة العمل المنسقة التي قام بها الدكتور إبراهيم الشمري برفقة عدد من مساعديه بزيارة عمل إلى السعودية وكان يحمل كنية ( أبو سهل )، جاء فيه، ( إن الجيش الإسلامي سعى ومنذ رمضان من العام الماضي ( 2006 ) إلى ما أسمته هذه المصادر ( تنفير الناس ) من القاعدة ودولة العراق الإسلامية التي كان قد أعلنها أواخر العام الماضي أبو عمر البغدادي، وحيث إن الجيش الإسلامي لم يتمكن من انتزاع فتوى من مشايخ نجد والحجاز ضد القاعدة فانه استند كليا إلى فتوى الشيخ حامد العلي واصدر بموجبها بياناته ضد القاعدة خصوصا بعد استفحال النزاع بينهما وبلوغه مرحلة القتال في العديد من مناطق نفوذهما في العراق .

رفض بعض المشايخ حتى ممن لهم مواقف حادة من القاعدة وبالذات إعلان ما أسمتها دولتها الإسلامية في العراق اتخاذ مثل هذا الموقف الذي سعى اليه قائد الجيش الإسلامي . وجاءت التبريرات بأنه في حال حصول ذلك فان دماء كثيرة ستسيل ,كما انه لا يجوز تكفير فصيل من قبل فصيل آخر لأنه ( كلام أقران ) بالإضافة إلى أن إصدار مثل هذه الفتوى تتطلب حضور المدعى عليه وهو القاعدة .

وفي رد الجيش الإسلامي في العراق على خطابات الأخ أبي عمر البغدادي في 04/05/2007، قال إننا ( كنا ندفع بالتي هي أحسن لحسم مادة الشر وحصر الصراع ليكون مع الأعداء فقط، بل وتحييد بعض الأعداء ما استطعنا إلى ذلك سبيلا )، والتحييد هنا بات يفهم تحييد العدو الأمريكي والالتفات إلى العدو الإيراني وغيره، وان ( يدعوا لنا بالخير والتوفيق وحسن الخاتمة كما نفعل تجاههم في مواقفنا سرا وعلنا )، هذا علنا، أما في السر فهو ما سعى اليه الجيش الإسلامي في العراق منذ رمضان من العام الماضي ( 2006 ) إلى ما أسمته هذه المصادر ( تنفير الناس ) من القاعدة ودولة العراق الإسلامية، كما جاء في التقرير الخاص لوكالة الملف برس الذي اشرنا اليه قبلا.

لم يقتصر الخلاف بين الجيش الإسلامي في العراق على دولة العراق الإسلامية أو تنظيم القاعدة أو جيش الفاتحين أو جيش المجاهدين وغيرها من الخلافات المعلنة في وسائل الإعلام، بل مع كل الفصائل التي تدور في فلك السلفية الجهادية، ومن أهمها جماعة أنصار السنّة، وحسب مقالة بعنوان ( حقيقة الخلافات بين القاعدة والجيش الإسلامي ) يروي كاتبها، ( أسوأ علاقات الجيش الإسلامي في العراق مع جيش أنصار السنّة الذين فاوضوا الفرنسيين بطلب منه ونيابة عنه، فتلقوا منهم ما يشبه الإهانة في حادثة اختطاف الرهينتين الفرنسيتين، ولما فشلوا في تحريض الجماعة على الدولة مستغلين مقتل ثلاثة مجاهدين اعترفت الدولة بخطئها، وجهوا لها صفعة جديدة ببيان تأسيس جبهة الجهاد والإصلاح حين زعموا أن كتائب ( الهيئة الشرعية ) انضمت للجبهة في حين أن الحديث يجري عن اثنين فقط من ديوان القضاء والشرع سبق وأن صدر بهما بيان من الجماعة وأعلن خروجهما منها، أن اختلاف منهج الجماعتين هو السبب في تباعد وجهات النظر بينهما حتى بديا على طرفي نقيض ).

 

الضوء السادس

التمثيل السياسي للمقاومة العراقيّة

إنّ اعتبار العراق تحت احتلالين هما الأمريكي الصليبي والإيراني الصفوي، حسب وصف بيان الجيش الإسلامي في العراق، وأنّ هذا الأخير هو الأخطر على العراق، وأنّ إيران هي العدو الأول، وغير هذا من السياسات المعلنة للجيش الإسلامي في العراق الذي يعكس الصورة السياسية الكاملة لنهج وأهداف وغايات جبهة الجهاد والإصلاح، ومن ثمّ المجلس السياسي للمقاومة العراقيّة بالمشاركة مع حركة المقاومة الإسلاميّة حماس العراق، وهو أمر خطير قد يؤدي ببقايا المشروع الجهادي في العراق، أمّا ما يجب أن يكون عليه موقف جبهة الجهاد والإصلاح وغيرها من فصائل المقاومة الإسلاميّة الوطنية التي تؤمن بتحييد عدو أو أكثر، وهو أضعف الإيمان، فيتلخص في أنّه لا يمكن مهادنة العدو الأمريكي إلى الأبد، بل تبقى أمريكا عدوا ً أولا ً مؤجلا، إذ أنّها وإيران كلاهما عدو أول، حتّى وإن كان العدو الإيراني أكثر خطورة على عقيدتنا الدينية وهويتنا العربيّة الإسلاميّة من أمريكا، وهو ما نؤمن بـه حقا، إذ أنّ العدو الإيراني يمتلك مشروعا ً إمبراطوريا كسرويا ً شعوبيا ً يستهدف انتماءنا العربي الإسلامي وثقافتنا، يدفعه لهذا حقد تاريخي يمتد إلى عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي فتح بلادهم عنوة وأسقط إمبراطوريتهم، ولإيران أيضا ً أطماع تاريخية في أرضنا وثرواتنا، كما أنّها تشترك معنا في جوار جغرافي لا فكاك منه، ولديها مشروع استيطاني خبيث مهد له الدستور الحالي الذي خطت بنوده أنامل رجالات إيران وسهل تمريره الحزب الإسلامي العراقي، هذا الدستور الذي يعتبر العراقي هو كل من ولد من أب أو أم عراقية، والاهم إن إيران تستهدف عقيدتنا الإسلاميّة عن طريق نشر التشيع الصفوي الذي هو مزيج من مبادئ وأسس كلٍّ من الديانة المجوسية والقومية الفارسية .

وعلى العكس من إيران، فإنّ العدو الأمريكي لـه أهداف أخرى قد يتخلى عنها في القريب العاجل وفق اختلاف معادلة التوازنات الدوليّة وطبيعة مصالحها وأهدافها، فالنفط والقواعد العسكريّة الدائمة والحفاظ على أمن الكيان الصهيوني، يلخص أهمّ أهدافها الحيوية من عدوانها على العراق، وإن كان العراق وموقعه يميزه عن غيره من البلدان في تحقيق هذه المصالح، إلاّ أنّ الولايات المتحدة بإمكانها إيجاد البدائل في مناطق أخرى بتضحيات أقلّ فيما لو أصرّت على تحقيق مصالحها، أمّا إيران فلديها سياسة معلنة منذ مجيء الخميني إلى السلطة عام 1979، تتمثل في تصدير ما يسمى بالثورة الإسلاميّة إلى العراق وباقي الأقطار العربيّة، وهو المشروع الذي شنت لأجله عدوانها على العراق مدة ثماني سنوات، ولم يتمكن العراق خلالها من القضاء عليه، بل تمكّن فقط من تأجيله إلى حين تمّ احتلال العراق عام 2003 من قبل العدو الأمريكي بتعاون إيراني رسمي اعترف بـه علنا ً كلّ من الرئيس الإيراني السابق خاتمي ونائبه أبطحي، وذكّر بمشروع تصدير الثورة الرئيس الإيراني الحالي أحمدي نجاد في أكثر من مناسبة، خاصّة خلال زيارته إلى أفغانستان العام الماضي وخلال حرب تموز 2006 في لبنان، حيث أشار وهو في نشوة انتصارات حزب الله إلى قيام دولة المهدي أكثر من مرة .

لا شكّ أنّ الجيش الإسلامي في العراق يسعى للاستئثار بورقة التمثيل السياسي للمقاومة العراقيّة عبر جبهة الجهاد والإصلاح، ثمّ عبر الإعلان عن المجلس السياسي للمقاومة العراقيّة الذي ضمّ فصائل المقاومة الإسلاميّة الوطنية الأربعة في جبهة الجهاد والإصلاح قبل انسحاب جيش الفاتحين، إضافة إلى الجبهة الإسلاميّة للمقاومة العراقيّة ( جامع ) وحركة المقاومة الإسلاميّة ( حماس العراق )، وهما سبق وأن أعلنتا في 30/4/2007 اندماجهما كليا ً على المستويين العسكري والسياسي، والمشروع السياسي للمجلس السياسي للمقاومة العراقيّة ليس بديلا ً عن المشروع الجهادي، كما جاء في بيان المجلس، وإنّما هو متمّم وخادم لـه، واعتبر ( المقاومة المسلّحة تشاركها القوى والهيئات والشخصيات الرافضة للاحتلال ومشاريعه هي الممثل الشرعي للعراق، وهي من يتحمل مسؤولية قيادة شعبه لتحقيق آماله المشروعة )، ومعروف عن الجيش الإسلامي في العراق قيادته لجبهة الجهاد والإصلاح كونه الفصيل الأكبر، ولـه توجهات قطرية بينة نأت بـه عن السلفية الجهادية، خاصّة في مسألة رفضه منهجيا ً وليس ميدانيا ً استقبال المجاهدين الوافدين من خارج العراق قبل أن تظهر إساءات أو تجاوزات عناصر تنظيم القاعدة أو المندسين فيه، وهو ما جعله أكثر قبولا ً من أطراف الصراع الأخرى ليكون متصدرا ً لأيّة عملية سياسية مستقبلية، خاصّة وأنّه قريب جدا ً من القوى السياسية السنية ذات النزعة الوطنية المقبولة عربيا ً وإقليما ً وعالميا، وهي القوى التي دخلت في العملية السياسية، مما يؤهله لتحقيق طموحاته المستقبلية في أن يكون الناطق الرسمي باسم المقاومة في العراق عبر رعايته تأسيس المجلس السياسي للمقاومة، كما أنّ انضمام حماس العراق أعطى زخما ً رافعا ً لهذا المجلس، خاصّة وأنّها أعلنت عن برنامج سياسي زاوج بين الخطاب الإسلامي والخطاب الوطني الذي لم يكن مقبولا ً من أطراف جبهة الجهاد والإصلاح قبل إعلانها، هذا الإعلان الذي نقلها من التصنيف الذي لا زالت تصرّ عليه بأنّها تلتزم بالمنهج السلفي والسلفية الجهادية إلى إطار المقاومة الإسلاميّة الوطنية، ويصح هذا إن التزمت قيادتها باستمرار قتال قوات العدو الأمريكي، وهو أمر مشكوك فيه خاصّة بعد أحداث العامرية ثمّ اللطيفية وأخيرا ً سامراء حيث قاتلت تنظيم القاعدة جنبا ً إلى جنب مع قوات العدو الأمريكي وقوات حكومية حسب تصريحات قادة العدو نفسه.

حتى لا يساء فهم الموقف الذي نراه من تنظيم القاعدة نقول، إن تنظيم القاعدة أساء كثيرا إلى العراقيين بمختلف مكوناتهم، من خلال قبوله الكثير من السيئين في صفوفه من الذين لم يحسن تجنيدهم، بل اعتمد قادته مبدأ الكثرة على النوع، مما افقدهم السيطرة على سلوكيات بعض أفراده، وهو ما سهل مهمة اختراقه من قوى محلية كالمجلس الأعلى عبر نافذين من أهل الانبار، وإقليمية كإيران من خلال رجالاتها في العراق أو من خلال كبار قادة القاعدة الذين يقيمون على الأراضي الإيرانية، ودولية كأمريكا بالتنسيق مع دول عربية كالأردن والسعودية، أو مع قوى محلية كالحزب الإسلامي العراقي وغيره، إلا أن الفصائل الأخرى على ما يبدو، كما هو تنظيم القاعدة لم تكن جادة في تدارك الأمر قبل الوصول إلى نقطة اللاعودة التي هم عليها الآن، ولكن تبقى هناك حلولا كان عليهم أن يفتشوا عنها، وهذه الحلول عادة تكون في الزاوية المقلوبة تماما من التوجهات والأهداف الأمريكية لتفويت الفرصة عليها ومنعها من استثمار الخلافات بين الفصائل وتجييرها لصالحها، خاصة بعد السنوات الثلاث الأولى التي أشرت فشل العدو في القضاء على المقاومة، وبان انتصار المقاومة جليا للقاصي والداني لولا دخول العرب السنة في العملية السياسية بضوء اخضر من قادة فصائل المقاومة الإسلامية الوطنية التي فرضت الاستقرار الأمني لإنجاح انتخابات 15/12/2005 التي توجت بدخول عدد من المتقدمين في تلك الفصائل في الحكومة والبرلمان، ومن خلالهم تمّ استدراج المجاهدين إلى فخ الدخول في الشرطة والجيش بحجج واهية، وان كان ثمة استفادة يمكن استحصالها فان نسبة خمسة بالمائة فقط من المجاهدين في صفوف الشرطة والجيش كافية لتحقيق مآربهم، أما الدخول بهذه النسبة العالية فهو الطامة الكبرى، إذ أن المنطق والعقل يقول إن عناصر الشرطة والجيش لا يمكن أن يقاتلوا العدو بأي شكل كان، فالعدو ليس بهذا الغباء الذي يقبل فيه تدريب أعدائه وتسليحهم لمقاتلته، والقاعدة المعروفة تقول انه لا يمكن أن تكون خصما للعدو وصديقا له في آن واحد.

بعد الأحداث الدامية بين الفصائل الجهادية، في أبو غريب والعامرية وديالى وصلاح الدين وغيرها، وتبني بعضها نهجا سياسيا يتعاظم على حساب النهج المسلح، وبالذات الاصطفاف المؤلم لكتائب ثورة العشرين بشقيها وخاصة حماس العراق إلى جانب العدو الأمريكي، وصحوة الانبار والحزب الإسلامي والوقف السني والجيش الإسلامي بتعاونه مع بعض العملاء من المنتفعين ومن شيوخ العشائر في الأنبار وديالى وصلاح الدين ونينوى وغيرهم، وما سينتجه هؤلاء الشيوخ من صحوات جديدة أو أفواج طوارئ أو أفواج حماية أمنية مؤقتة في كل المناطق التي عرفت بجهادها للأعداء، وكل ذلك بحجة الحرب على تنظيم القاعدة، وان كانت هذه تستحق حقا أن نقاتلها، وهي تستحق في مواضع كثيرة ثبت إن المفاسد التي تجلبها على الجهاد، والضرر الذي تلحقه بالمجاهدين يستدعي التصدي لها وطردها من تلك المناطق، فان علينهم أن يقاتلوها وحدهم دون تعاون مع العدو أو مع العملاء، إما أن يصطفوا إلى جانب العدو لقتالها، ويقومون بتسليح العشائر من خزينهم الذي دفعوا مالهم ودمائهم ثمنا للحصول عليه، فهو أمر لا يقرّه منطق ولا يبرره عاقل.

قراءة في صياغة مفردات رد الجيش الإسلامي في العراق على خطاب أبي عمر البغدادي، نجد بأنّه قد خندق الساحة العراقيّة إلى خندقين دون استئذان الفصائل الأخرى فأكثر من استخدام صيغة الـ (نحن) دون أن يحدد (نحن) أو إننا في الجيش الإسلامي، بل بصيغتها المطلقة متناولا أمورا تتعلق بفصائل أخرى وكأنه يتحدث نيابة عن الجميع، وفي المقابل استخدم صيغة (هم) و (هؤلاء) كناية عن تنظيم القاعدة فقط، إلاّ أنّ وقائع ما جرى خلال الأسبوعين الأول والثاني من شهر تشرين الثاني في اللطيفية وسامراء وما يتمّ تأسيسه من أفواج أمنية في السيدية والأعظمية وحي الجامعة والدورة والغزالية قد يغير معادلة التخندق لتشمل هذه المرة قوات وزارتي الداخلية والدفاع الحاليتين .

في إطار صراعه الخفي مع تنظيم القاعدة على قيادة الساحة الجهادية في العراق منذ تأسيس الجيش الإسلامي في العراق في أواسط مايس 2004، والقتال الذي دار وسيظل دائرا ً بينهما يمكن اعتباره من أهمّ تداعيات هذا الصراع، إذ سبق وأن حاول الجيش الإسلامي أن يتوج نفسه قائدا ً لمرحلة جديدة منذ منتصف عام 2005، حيث عقد اجتماعا ً كبيرا ً في مدينة الرمادي ضمّه إلى جانب جيش المجاهدين وكتائب ثورة العشرين والجبهة الإسلاميّة للمقاومة العراقيّة ( جامع ) لتنسيق الجهود فيما بينهم باسم مجلس التنسيق الرباعي، خاصّة في الخط العسكري مما جعلهم يبدون أكثر قوة في مواجهة تنامي قوة تنظيم القاعدة وهيمنته على الساحة الجهادية، ومجلس التنسيق الرباعي جاء في إطار الصراع على زعامة الساحة الجهادية في العراق وقيادتها، وهو ما ساعد على اجتذاب العديد من المقاتلين العراقيّين من صفوف تنظيم القاعدة ممن أخذوا يستشعرون خطر هذا التنظيم واستهدافه المدنيين ونيته إشعال حرب أهلية مع الشيعة، وهي رؤية تستجيب للرؤية العربيّة الرسمية، إضافة إلى أنّ القادة العرب طالما كانوا يرددون كلاما ً عن ضرورة وضوح هوية المقاومة في العراق والنأي بها عن تنظيم القاعدة، وبالتأكيد فإنّ رسائل هؤلاء القادة وصلت بشكل أو بآخر إلى قادة الفصائل، لكن ذلك الاجتذاب لم يستمر طويلا، إذ أنّ إعلان دولة العراق الإسلاميّة أواخر العام 2006 وقبلها إعلان حلف المطيبين ساهم في التحاق مجاميع بأكملها من معظم فصائل المقاومة الإسلاميّة الوطنية، وهو ما أزعج تلك الفصائل وزاد من رغبتها في ضرورة التخلّص من تنظيم القاعدة .

كان إعلان قيام دولة العراق الإسلاميّة ودعوتها باقي الفصائل لمبايعتها والحكم بالعصيان على الممتنعين، أو عدم قيام الجيش الإسلامي في العراق باللجوء إلى لجان التّحكيم أو فضّ النزاعات المعمول بها بين الفصائل كما يتهم، وإظهار الخلافات وتصعيدها عبر المنابر الإعلامية، وهي سياسة تستجيب لتوصيات مؤسسات أمريكية في ضرورة إظهار الخلافات إلى العلن كإحدى وسائل شقّ وحدة الحركات الجهادية، كان هذا بداية النهاية لأيّة علاقة حسنة ممكنة مستقبلا ً بين تنظيم القاعدة وبين الجيش الإسلامي في العراق وباقي الفصائل التي تمّ احتوائها في إطار جبهة الجهاد والإصلاح ثمّ في المجلس السياسي للمقاومة العراقيّة، وهو طلاق بلا رجعة دون الحاجة إلى افتعال ما جرى في العامرية وصلاح الدين وديالى وجنوب بغداد وأخيرا ً في سامراء واللطيفية وغيرها وما سيحدث لاحقا في نينوى حيث فرّ إليها مقاتلوا تنظيم القاعدة من ديالى، بغض النظر عما إذا كانت فصائل المقاومة الإسلاميّة الوطنية هي المتسببة أو دولة العراق الإسلاميّة .

ومن الأسباب المهمة لترجيح ذلك الطلاق الأبدي، ما جرى في مدن كالرمادي وحديثة وهيت حيث تمّ تعليق بيانات على جدران المساجد والمحلات التجارية أعلنت فيها مجاميع بأكملها بيعتها لدولة العراق الإسلاميّة فور الإعلان عنها، وأغلب هذه المجاميع كانت من مجاميع الجيش الإسلامي في العراق، إضافة إلى بعض مجاميع جيش المجاهدين، وكذلك البعض من كتائب ثورة العشرين وغيرهم مما أضعف دورهم في الأنبار، وخاصّة الجيش الإسلامي حيث انحسرت عملياته في مناطق محددة في بغداد وجنوبها كالدورة وأبي دشير واللطيفية واليوسفية، وبعض مناطق شمال بغداد ومناطق أخرى في محافظة صلاح الدين .

لم يكن ذلك الطلاق خيارا ً وحيدا، كما أنّه لم يكن خارج إطار القدرة على الإصلاح، ويبدو أنّ كلا الطرفين كانا راغبين فيه لإختلاف دوافعهما من العمل المسلح وتناقض الرؤى السياسية والتوجهات المستقبلية والمرجعيات العقائدية، إضافة إلى الجهات التي تقف وراء كلّ منهما، والاهم إن هذا الطلاق يعد لازمة ضرورية لحسم صراعهما على قيادة الساحة الجهادية بغض النظر عن مخاطر هذا الصراع على المشروع الجهادي في العراق، وكلاهما باتا بحاجة إلى مبررات تجنبهما المزيد من التساؤلات التي ستطرحها قواعدهما القتالية والجهادية، وبالتالي فإنّهما معا ً مسؤولان عن تقويض مشروعي المقاومة والجهاد في العراق والذي بات أمر القضاء عليهما وشيكا ً إن لم يتداركه العقلاء والمخلصون.

في نيسان 2007 دعا الجيش الإسلامي في العراق زعيم تنظيم القاعدة الشيخ أسامة بن لادن شخصيا ً إلى التدخّل لوضع حد لممارسات فرع القاعدة في العراق، متهما ً التنظيم بقتل مجاهدين تجاوز عددهم الثلاثين من جماعات مسلحة أخرى بينها جيش المجاهدين وكتائب ثورة العشرين وأنصار السنة، ويلاحظ أنّه تحدّث نيابة عن جماعات أخرى لها منابرها الإعلامية والسياسية، ولم تتوقف الشكوى عند هذه الحدود بل تعدتها إلى بيانات وتصريحات منسوبة إلى قادته، وصفت فيه اعتداءات التنظيم التي وصلت حدا ً أصبح فيه الاعتداء على بيوت الناس وأخذ أموالهم أمرا ً سائغا، ورمي الناس بالكفر والردة أمرا ً مألوفا ً مشاعا، ثمّ لم يرق لهم إلاّ التشهير في الإعلام، منذ ما ظهر في خطابي الأخ أبي حمزة والأخ أبي عمر البغدادي حيث أكثر من كيل التهم حتّى تجاوز الكتاب والسنّة وأوغل في مخالفة منهج سلف الأمة بدعايات يعلم عدم صحتها، كما جاء في بيان الجيش الإسلامي في العراق .

طلب الجيش الإسلامي في العراق تدخّل ابن لادن شخصيا ً وإعادة النظر في فعل من يحسبون عليه، اعتبره الشيخ عبدالستار عبدالجبار الناطق الرسمي لجماعة علماء العراق، بداية خروج المعركة بين الفصائل إلى العلن، وستكون الفصائل هي الطرف الخاسر فيها، وكان الدكتور علي النعيمي الناطق الإعلامي في الجيش الإسلامي قد صرّح في 12/6/2007، أنّ المحتل وأذنابه يمارسون دورا ً خبيثا ً في التفرقة بين المجاهدين والتشويش على الناس، وإنّ منهجنا قائم على قتال المحتل بنوعيه ومن والاه وعاونه، ولذا فليس بيننا وبين قوات الاحتلال ومن معهم إلاّ القتال حتّى نحقق النصر عليهم بمشيئة الله، وفي منهج الجيش الإسلامي جاء لا مشرع بحق إلاّ الله تعالى، نتبرأ ونخلع ونكفر بكلّ مشرع سواه، والمقصود بالمنهج الشرعي في الفكر السلفي هو التمسّك بالقرآن الكريم والسنّة النبوية وإجماع السلف الصالح وهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلّم والأخذ بأقوالهم وتابعيهم من خير القرون الثلاثة الأولى .

في ظل ما اشرنا إليه من ظروف عامة وخاصة، ذاتية وموضوعية ولد المجلس السياسي للمقاومة العراقية، وهي ظروف لم تكن مؤهلة لولادة ناضجة غير قابلة للطعن، فساحة العمل المسلّح تشهد تناقضات واستقاطابات وتجاذبات في عمومها غير عراقية، والأهمّ وباء الاشتباكات التي عصفت بالساحة العراقيّة بين تنظيم القاعدة من جهة، وبين بعض فصائل المقاومة الإسلاميّة الوطنية ضمن المجلس السياسي للمقاومة العراقيّة ومن يتلقي معها في ذات الهدف من العشائر والحزب الإسلامي ومجالس الصحوات وأفواج الطوارئ وقوات العدو الأمريكي والحكومة والميليشيات من جهة أخرى، لذا لا يمكن التأكّد من صدق نوايا المجلس المعلنة في بيانه التأسيسي، على الرغم من إعلانه برنامجا ً لتحرير العراق، وهو برنامج سياسي وليس قتالي انطلاقا ً من تأكيد البيان على أنّ المقاومة المسلّحة مع قوى سياسية أخرى ممثلا ً شرعيا ً للعراق، وهي من تتحمّل مسؤولية قيادة شعب العراق لتحقيق آماله المشروعة، كما جاء في البيان، وهو إقصاء للآخرين الذين اختلفوا معهم في الرؤية من الفصائل الأخرى ممن حملوا السلاح ضدّ العدو الأمريكي بمن فيهم تنظيم القاعدة الذي يضمّ في غالبيته المطلقة عراقيين وإن اختلفوا مع غيرهم من الأهداف والغايات البعيدة المدى، لكنهم شركاء في مستقبل العراق لأنّهم جزءٌ من الجهد المسلّح، وهو حقّ لهم أقرّه بيان المجلس السياسي لكل من يساهم في تحرير العراق، فهم أوقعوا بالعدو خسائر أكثر من غيرهم لا يجرؤ مسلم منصف على نكرانها، حتى وإن أخطأوا أو أجرموا أو اختلفوا مع غيرهم في الفكر والتوجه، وسبق لأغلب الفصائل أن اعترفت بدور تنظيم القاعدة ببيانات رسمية قبل حربها الإعلامية على القاعدة .

إنّ هذه الرؤية تصح فقط حين يظلّ مفهوم المقاومة المسلّحة الراسخ في العقل الجمعي للعراقيين محافظا ً على ذات المفهوم الذي كان عليه قبل إعلان الحرب المنظمة على تنظيم القاعدة، وهو ما يطرح تساؤلا ً قد تجيب عنه قابل الأيام ووقائع الأرض التي يراها العراقيون دون غيرهم، والتساؤل هو : من هي الفصائل المسلّحة التي تقاوم العدو الأمريكي الآن حقا ً ؟ أم أنّ قتال تنظيم القاعدة دون غيره يعدّ وحده الآن مقاومة مسلحة ؟

ما ورد في بيان المجلس السياسي يعدّ تمهيدا ً للصلح مع العدو الأمريكي وإلغاء لأسمى أهداف المقاومة في العراق، وهو هزيمة العدو ومشروعه عسكريا ً وسياسيا، وهو الهدف الذي دفع المجاهدون دماؤهم ثمنا ً لـه، والعدو مطلع هذا العام كان في أسوأ مراحل وجوده في العراق باستثناء الأيام الأولى من معركة الفلوجة الأولى، لكن الرغبة المتعجلة في ما بات معروفا ً بقطف ثمرة الجهاد تبدو في غير أوانها، بل ستأتي بنتائج عكسية ليس على فصائل المقاومة الإسلاميّة الوطنية التي ستكون حتما ً أول ضحاياها، وعلى عموم الفصائل والشعب العراقي بأسره إن لم تكن شعوب العالمين العربي والإسلامي، فهل يمكن النظر إلى هذه الجبهات والمجالس بأنّها حبل إنقاذ للولايات المتحدة من هزيمة كانت وشيكة تذكرنا بالدور القذر الذي لعبه الحزب الإسلامي في معركة الفلوجة الأولى؟، أم هي حقا جبهات ومجالس تريد تحرير العراق بأساليب أخرى؟.

دعوة المجلس السياسي للمقاومة العراقية لتشكيل حكومة من المهنيين لإدارة العراق خلال فترة انتقالية تنسجم مع ما يدعو إليه إياد علاوي منذ أكثر من عام ونصف دون أن يحقق هدفه لأسباب منها صلته بجرائم الاحتلال في الفلوجة والنجف 2004 مما جعله وجها ً لا يحظى بالقبول الكافي لدى العراقيّين، فهل تبحث الولايات المتحدة عن وجوه أكثر قبولا ً منه؟ وتلك الدعوة هي ذاتها التي تبناها طارق الهاشمي ضمن طموحاته لرئاسة العراق، وهو عرّاب العدو المقرّب من فصائل المقاومة الإسلاميّة الوطنية والمجلس السياسي للمقاومة العراقيّة، وعرّاب الصحوات ومهندسها منذ تجربتها الأولى كتائب الحمزة عام 2004 في القائم، وانتهاء بالدور الذي لعبه بين أبو العبد احد قادة الجيش الإسلامي في العامرية وبين العدو الأمريكي، وقد لا يعني شيئا الخطاب السياسي المعلن من جبهتي الجهاد والتغيير والجهاد والإصلاح ضد الهاشمي بعد زيارته المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني بعد أن بارك حزبه إعلان المجلس السياسي، فالهاشمي وحزبه ليسا أقلّ من المرشد الروحي لحركة حماس العراق ذات المرجعية الإخوانية الصوفية كما هي حركة جامع، فيما تصرّ جبهة الجهاد والإصلاح على تبنيها نهجا ً سلفيا ً.

اللقاء الفكري الإسلامي بين السلفية والصوفية أمر معقّد يزداد تعقيدا ً مع مرور الزمن، ويزول هذا التعقيد إذا أخذنا بنظر الاعتبار أن المنهج السلفي الذي اعتمدته جبهة الجهاد والإصلاح في بيانها التأسيسي يعتمد مبدأ الوسطية والاعتدال، وهو ذات المبدأ المعتمد لدى تيار الصحوة الذي تبناه علماء دين سعوديين كسليمان العودة وناصر العمر ووليد الرشودي وغيرهم من المحسوبين على الحكم السعودي ممن عرفوا بمواقفهم من الجهاد السلفي وقادته، وضرورة تطويع مفاهيمه ليوائم الإسلام الحضاري أو المعاصر الذي تنادي بـه مؤسسات الدراسات الأمريكيّة، وإعطاء الأولوية للإعداد التربوي كجهاد أكبر على الإعداد العسكري أو القتال كجهاد أصغر حتّى وإن كان هناك غازٍ يحتل بلدا ً مسلما، وهو ما نفهمه أكثر من مجموعة المحاضرات والدروس الموجودة على موقع الإسلام اليوم الإلكتروني .

دخول حماس العراق المتحالفة علنا مع العدو الأمريكي في قتال تنظيم القاعدة في ديالى، إضافة إلى حركة جامع، ودخولهما معا ً في المجلس السياسي قد يفتح الباب أمام دخول قوى أخرى أكثر بعدا ً عن المنهج السلفي، بل هي أصلا ً لا تحمل فكرا ً إسلاميا ً كالصحوات العشائرية، خاصّة العشائر العراقية التي بايعت الجيش الإسلامي ضمن حملته بين العشائر لتنفيرها من القاعدة أوائل العام الحالي، وكذلك التكتلات السياسية ذات الاتجاه الفكري الوطني كجبهة التوافق التي ينظر إليها أحيانا ً جناحا ً سياسيا ً لبعض فصائل المقاومة الإسلاميّة الوطنية، أو جبهة الحوار الوطني ذات التوجه العلماني وغيرها، وبالتالي بناء جبهة سياسية عريضة يجمعها العداء لتنظيم القاعدة وقادرة على أن تكون كتلة مؤهلة للتحدث منفردة باسم العرب السنّة كطرف وحيد وواحد مقابل طرفي التنافس الشيعي والكردي المؤتلفان مصيريا ًمعا ً .

على الرغم من أنّ كلا ً من المجلس السياسي وجبهة الجهاد والتغيير يقفان على مساحة متقاربة من الحرب على تنظيم القاعدة، إلاّ أنّ تبني المجلس السياسّي نهجا ً سياسيا ً صرفا يتعاظم على حساب النهج المسلح، ويقترب أكثر نحو التفاوض الرسمي المعلن مع العدو الأمريكي والاتفاق معه على الدور السياسي المستقبلي، فإنّ فراغا ً مرعبا ً في مساحة العمل المسلّح ضدّ العدو قد، وأقول قد يغري جبهة الجهاد والتغيير بفصائلها الثمانية، أربعة منها فقط ذات ثقل في الميدان، قد يغريها بالاتجاه نحو التخلي عن حربها ضدّ القاعدة والاتجاه نحو المزيد من العمل المسلّح ضدّ العدو، وهو ما يفهم من رسالتها الأخيرة إلى المجلس السياسي عشية إعلانه.

عموما ً يمكن القول أنّ الأوراق التي يلعب بها المجلس السياسي للمقاومة العراقيّة قد تسقط في غير أوانها، بدءا ً من ورقة الصحوات وأفواج الطوارئ والأفواج الأمنية (عقود مؤقتة لمدة 90 يوما ً ) وتأليب العشائر ضدّ تنظيم القاعدة، والاقتراب من الإعلان الرسمي للهدنة مع العدو الأمريكي وإلقاء السلاح ضده والدخول بالنهاية في تفاوض رسمي ومعلن يتمّ تبريره بالخطر الصفوي وضرورة التعاون مع العدو الأمريكي للقضاء على النفوذ الإيراني في العراق ورجالاته، على اعتبار أنّ الجيش الإسلامي أعلن رسميا ً أنّ إيران هو العدو الأول، وهو رهان خاسر بكلّ تأكيد، ويبقى العدو الأمريكي هو الرابح الأول من هذا الرهان، فالتمثيل السياسي لشعب العراق ومقاومته هو من نصيب الفصائل التي تتمسك بسلاحها حتى اللحظة الأخيرة التي يذعن فيها العدو صاغرا منفذا لشروط المقاومة أو منهزما يذكرنا باللحظة الفيتنامية، والمجلس السياسي أو غيره عليه أن يعي إن أول شرط يضعه العدو عليه هو إثبات مصداقيته في قدرته على إيقاف العمليات المسلحة ضده، وبالتأكيد فانه ليس قادرا على هذا على الأقل في الظرف الراهن، وهو ما لم تسمح بتحققه فصائل المقاومة العراقية الأخرى.

 

الضوء السابع

ميزان القوى في العراق

في الوقت الذي تجهد القوى الشيعية الكبرى كميليشيات مقتدى الصدر والحكيم في تقوية نفسها وتوسيع دوائر سيطرتها المناطقية على الأرض، وتعزيز إمكانياتها المادية ونفوذها السياسي، من خلال الهيمنة على مراكز القرار السياسي وامتلاك ناصية الاقتصاد العراقي وتعزيز قدراتها العسكرية يوما بعد يوم بالتعاون مع إيران، فان القوى السنيّة تزداد ضعفا ًيوما ًبعد آخر وشقاقا ًوانقساما ًوتقاتلا، وهي القوى التي دخلت بالعملية السياسية منذ مجلس الحكم الانتقالي كالحزب الإسلامي العراقي وبعض العملاء الآخرين من الشخصيات المستقلة، أو التي دخلت بعد انتخابات 15/12/2005 بمباركة وتشجيع ودعم من فصائل سنيّة مسلحّة أدخلت العديد من قياداتها من الصفين الثاني والثالث في العملية السياسية تحت ستار جبهة التوافق، وكانت الذريعة ذاتها التي سوغت للعرب السنّة الدخول في الجيش والشرطة في ظلّ الاحتلال، علينا أن لا نترك الساحة للميليشيات والصفويين متناسين إن أكثر من هللّ لها جورج بوش ووزيرة خارجيته التي اعتبرته نصرا للديمقراطية على الإرهاب، وإنّ من أفتى بالدخول شرعا ًهم ثلةّ من علماء مأجورين يتقدمهم الشيخ عبدالغفور السامرائي، وهؤلاء لم يستطيعوا وقف تهجير أكثر من أربعة ملايين سنيّ في الداخل والخارج من مجموع خمسة ملايين، ولم يوقفوا قتل حوالي ثلاثة الآف سنيّ خلال أقل من أسبوع واحد أعقب أحداث سامراء التي افتعلتها وزارة داخلية صولاغ في شباط 2006، وان كان ثمّة أرض كانوا يسيطرون عليها في الأنبار بإعتراف أكثر من قائد من قادة العدو الأمريكي الذين صرّحوا بفقدانهم الانبار وخسارتهم إياها وإنها ارض رعب لهم، افقدهم ولاء الرأي العام الأمريكي الساخط على حماقات قادته التي استنزفت دماء 4000 من الأمريكيين الأصليين، وعشرات الإضعاف من المرتزقة والباحثين عن الجنسية الأمريكية أو الكرين كارت أو الدراسة الجامعية أو الثروة وغيرها، وكذلك استنزاف اقتصادهم الذي سجل خسارة تقدر بملياري دولار في الأسبوع الواحد، وبدت قوات العدو وكأنها جيوش منهارة تبحث عن خلاصها بأي ثمن، وهو ما لم تستطع قيادات الفصائل قبضه بعد إن شغلت نفسها بمعارك جانبية خطط لها العدو ودبر لها عملاؤه بقناعات استولت على تفكيرهم بان كل ما يجري هو رد فعل على أخطاء تنظيم القاعدة، فاستغل الصفويون أحد الخطرين المزعومين الفرصة ليعلنوا صراحة إنهم مستعدون لقبض الثمن ومليء الفراغ فيما لو انهزم العدو الأمريكي أو انسحب في أفضل الأحوال، ليزيد من قناعات الفصائل بحقيقة خطرهم ويشيحوا النظر عن العدو الأمريكي الذي لولاه لما كان هناك وجود للعدو الصفوي.

تلك الأرض لم تعد أرض تمكين للعرب السنّة بعد أن تقاسم النفوذ فيها زبانية الحرب الإسلامي ومجالس الصحوات فيما أصبح ثمن دماء المجاهدين مزيدا ًمن الخلافات التي تطورت إلى إقتتالات وثارات فصائلية وعشائرية لن تنتهي في الأمد المنظور، وليتم الزج بعشرات الآلاف من أبناء العشائر ومن المقاتلين في الأفواج الأمنية والصحوات لمزيد من الدماء والمشاعر العدائية لتكون القاعدة العدو الأول قبل العدوين الأمريكي والصفوي، وتنظيم القاعدة لم يعد كما كان في السنّة الأولى من الاحتلال من المهاجرين العرب، بل إن أكثر من 90 بالمائة منه اليوم هم من العراقيين، والقاعدة ليست في حلٍّ مما جرى ويجري بل حتى الساعة يتبنى خطابا عضلاتيا يختلق المزيد من الأعداء من الفصائل وأهل السنّة معا، وان كانت الفصائل الأخرى قد سايرت مخطط العدو الأمريكي في زرع بذور الفتنة بين الفصائل بوعي أو بدونه فان تنظيم القاعدة ساير مخطط العدو الأمريكي هو الآخر، وهو مسؤول إن لم يكن متسبب بشكل أو بآخر في ما جرى ويجري.

الثمن الموعود ليس حكرا ًعلى إيران، فالحزب الإسلامي الذي شارك في مؤتمر لندن أواخر 2002 الذي شرّع للعدوان على العراق، ليس أكثر من عمود من أعمدة إستراتيجية النصر الأمريكي في العراق، إذ ينشط في أوساط السنّة ومناطقهم ويساهم في تسويق المشروع الإحتلالي بين الرافضين له من السنّة، مقابل وعود بمناصب سياسية عبر صفقات مشبوهة يمني نفسه من خلالها تصدر الواجهة السياسية للعرب السنّة، وهو الذي يروج عبر وسائل إعلامه ومنابر مساجده التي ضلّلت الناس كثيرا ًوشوهت مفهوم الجهاد في عقول المسلمين، وعبر مراكز نشاطه الإجتماعي ذات التمويل الهائل بأن الفصائل الجهادية التي أثخنت في العدو الأمريكي عسكريا ًليست مؤهلة بما يعتريها من انقسامات وانشغال بالجانب العسكري لقيادة أهل السنّة وتحمل أعباء السياسة، وان الحزب الإسلامي استطاع خلال السنوات الماضية تدريب كوادر سياسيّة وأكاديمية متنوعة قادرة على الإمساك بتلابيب القيادة وتوجيه دفّة الشراع السنيّ بالإتجاه الصحيح، وهو لا يخفي علاقته بمجالس الصحوات واللجان الشعبية وغيرها، بل ساهم في تأسيسها كما في كتائب الحمزة في القائم غرب العراق، أو نسّق وسوّغ لولادتها كما في ثوار العامريّة، أو أنشاها ويشرف عليها ويقودها كما في مجالس الإسناد في ديالى وصحوة الصقلاوية وعامريّة الفلوجة وغيرها بإغراءات يقدمها لبعض ضعاف النفوس من شيوخ العشائر وقادة الفصائل، وهو المعروف بسيطرته على مجلس محافظة الانبار وملف الإعمار فيها.

عودة قريبة إلى السنوات الخمس المنصرمة، فان مسيرة الحزب تخللتها منعطفات تاريخية تسجل له منذ دخول رئيسه السابق محسن عبدالحميد في مجلس الحكم الانتقالي بقيادة السفير بول بريمر، وقبوله العمل في ظل حاكم يصنف كحاكم كافر لا يجوز شرعا ًموالاته بل قتاله، وهو تنازل اخلّ بميزان القوى لصالح العدو الأمريكي قاد إلى تنازلات أكثر خطورة على مستقبل العراق وأجياله، إذ لعب دورا ًأساسيا ًفي تمرير الدستور الذي شرّع للاحتلال وحكومته الطائفية، وألغى هوية العراق العربية الإسلامية على طريق تقسيمه من خلال قانوني الفيدرالية والمحافظات أو الأقاليم، وهو دستور باطل حكما ًكأي ما يبنى على باطل، وهو مخالفة شرعية لأنه يضر بالناس الذين إئتمنوه على مصالحهم ووثقوا به وصدقوا وعوده، وهو تخلي صارخ عن الثوابت الشرعية وتفريط بمصالح الناس مقابل امتيازات ومكاسب أنوية وحزبية لا يستطيع أن ينتزعها من أنياب العدو الأمريكي وحكومته لولا دماء المجاهدين الذين قاوموا العدو دون أن يغنموا شيء.

إن الدخول في العمل السياسّي تحت سلطة العدو الغازي بمثابة مظاهرة العدو الكافر المعتدي على المسلمين المعتدى عليهم، وهو موالاة وانحياز للكافرين في عدوانهم وتمكين لهم على أرض المسلمين وتثبيت لسلطانهم في ظلم المسلمين {قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِّلْمُجْرِمِينَ }، }وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ{، ووفق هذا فان الركون إلى عدم مقاتلتهم يعد إخلالا ًبعقيدة الولاء لله والرسول والبراءة من المشركين والكفار، وهذا لا يعني انتفاء حاجة المشروع الجهادي إلى العمل السياسي، فهذا المشروع لا يكتمل دون أن يكون له جناح سياسي يزاوج بينهما على أن لا يكون على حساب الثوابت الشرعية وعلى حساب مصالح جميع العراقيين، وان لا يكون نهجا ًسياسيا ًيتعاظم على حساب النهج الجهادي بل أن يكون عملا مؤازرا ًومنقادا ً للعمل المسلح وليس بديلا ًعنه، فالانجازات العسكرية لا تعد ذات قيمة تذكر ما لم يتم استثمارها سياسيا، خاصة إذا كان هناك ما يشي بقرب أو توقع إيقاع الهزيمة بالعدو تجنبا لحدوث فراغ أمني وسياسي يعطي فرصة للمتربصين والانتهازيين وقناصي الفرص من القوى المحلية، أو القوى الخارجية الطامعة في ارض العراق وثرواته.

إن الكثير من القوى التي لا تريد بنا خيرا ًتعمل ما في وسعها للوقوف في وجه أيّ محاولات توحيدية شاملة أو تنسيقية عسكرية أو سياسية بين فصائل المقاومة في العراق، ومن أهمها قوى محلية كالأحزاب المرتبطة بالاحتلال وجودا ًومصالح، وقوى إقليمية متربصة كإيران، أو قوى عربية تمثلها الأنظمة التي تدور في الفلك الأمريكي وتنفذ مخططاته في المنطقة، ومع اليقين باستحالة توحيد فصائل المقاومة بعد تجربة خمس سنوات كرست خصوصيات كل فصيل وزادت من تمسكه بعنوانه مهما صغر عدده وقلّ دوره، وهو ما فرض اللجوء إلى شكل من أشكال التنسيق بين فصائل تتشابه منهجيا ًوتتقارب في رؤاها للعمل المسلح والسياسي وأهدافها وغاياتها، وفي رؤيتها للواقع العراقي وتحدياته ولما تريد أن تكون عليه صورة العراق ما بعد التحرير، وكانت جبهة الجهاد والإصلاح أولى التجارب الناضجة لما تتمتع به فصائلها حين إعلانها من سمعة طيبة في الوسط السنيّ البيئة الطبيعية للمقاومة في العراق، وهو الوسط الذي وجد نفسه ذات ساعة بين فكي كماشة البطش الأمريكي واستهداف الميليشيات الشيعية المدعومة والممولة من إيران، وكماشة نهج تنظيم القاعدة واعتداءاته هو أو المندسين بين ظهرانيه، هذا الوسط وجد في جبهة الجهاد والإصلاح بما تملكه من ثقل عددي ووجود قوي فرض نفسه على الأرض بان تكون قوة ردع تؤمِّن له مصالحه وتحمي وجوده المستهدف بالإبادة والتهجير، إلا ّ أن هذه الجبهة لم تستطع أن تكون أهلا لحشد القوى المناهضة للاحتلال والمقاومة له وراءها لتكون ممسكة بزمام قيادة الساحة السنيّة بديلا ًعن القيادات التي دخلت في العملية السياسية، وبالتالي تطورها إلى حالة قادرة على أن تكون قطبا ًجاذبا ًلكل الفصائل المسلحة وعموم الناس الذين سئموا وعود السياسيين الزائفة، ثم تمثيلهم سياسيا ًوراعيا ًأمينا لمصالحهم.

لم تستطع الجبهة أو أنها لم تصدق إن الآخرين استبشروا خيرا بإعلانها، أو أنها لم تدرك في لحظة ما إن العموم كانوا ينظرون إليها كواجهة تعبر عن أمانيهم وتطلعاتهم، وإنها لم تع ِ حقيقة أن مصير ومستقبل ملايين السنّة متعلق بالخطوات والقرارات التي تتخذها، وبالتأكيد هي لم تتصرف من هذه المنطلقات واكتفت بأن تكون مؤسسة تلعب دورا ًشبيها ًبدور هيئة علماء المسلمين، فاكتفت كأي حزب سياسي مغمور بإصدار بيانات الإدانة لجريمة هنا واستنكار لجريمة هناك وشجب لزيارة يقوم بها هذا المسؤول أو ذاك، وأحيانا ًتكذيب خبر أشيع عنها أو ردٍّ على تصريح أطلق ضدّها، ويبدو أنَّ الأوان قد فات عليها فليس بمستطاعها أن تعيد ما كانت عليه في أيامها الأولى ولم تحسن استثماره، وليس بمقدورها أن تكون قطبا ًجاذبا لباقي الفصائل التي لا يرضيها أن تكون مجرد رقم صغير في الجبهة يذوب في أحد الفصائل الثلاثة صاحبة القرار، وهي التي تتعالى عن مشورة الآخرين وترفض نصحهم معتبرة ذلك من باب التسلق أو التطاول، كما ورد في مقالة كتبها أحد قادة الجبهة بعنوان (رداَ على المتسلقين والمتصيدين من أهل السياسة والإعلام في هذه الأيام )، ومع هذا فان أمام قادة جبهة الجهاد والإصلاح فرصة لتدارك الأمر وتصحيح المسار وتجاوز عثرات الماضي، ولا يفهم إن الزمن يسير لصالحها بل على العكس فليس هناك متسع من الوقت يمكن إضاعته من جديد، فهي الآن على الأقل في وضع لا تحسد عليه، وعليها أن تعمل على لمِّ شمل الفصائل الأخرى بتواضع يتيح لها أن تكون أهلا ً لقيادة دفةّ المشروع الجهادي في العراق وإعادة ميزان القوى في الساحة العراقية، رغم ما شاب بعض فصائلها من اجتهادات لا يمكن الحكم عليها بعد عام إلا ّ بالقول أنها لم تكن صائبة.

 

الضوء الثامن

مجالس الصحوات البدايات

في البداية لابد من إدانة حوادث القتل باستخدام السيارات المفخخة أو العبوات الناسفة أو الإغتيال وغيرها من الأساليب التي تستخدمها بعض الجماعات المسلحة ضدّ الأبرياء من العراقيين جميعا، وان كان هناك ثمّة جهات عراقية وغير عراقية تقوم بأعمال القتل وتنسب للجماعات المسلحة زورا ًقصد تشويه صورة العمل الجهادي، ولابد من القول إن هناك ما يؤكد إختراق بعض الجماعات في أعلى مستوياتها القيادية، ومن بينها تنظيم القاعدة، وخاصة بعد تأمير الشيخ أبو حمزة المصري وقيادته للتنظيم على العكس من سلفه أبو مصعب الزرقاوي.
بعد عدة محاولات أمريكية وغير أمريكية فاشلة لبث الفتنة بين الفصائل الجهادية أو بينها وبين العشائر، تبنت الإدارة الأمريكية سياسة جديدة بدأت بالتعاون مع بعض الجهات السنيّة الفاعلة في الوسط السنيّ بالأنبار، وفي مقدمتها بعض شيوخ العشائر أمثال الشيخ أسامة الجدعان أحد شيوخ قبيلة الكرابلة في القائم غرب العراق، وقد تزعم الشيخ أسامة الجدعان قوة من أقل من مائة وخمسين من المسلحين لقتال عناصر تنظيم القاعدة غرب العراق معقل القاعدة وحاضنتها حتى خروج الزرقاوي من مدينة الرمادي في الانبار في مايس 2006، وكانت تجربة فاشلة حيث قتل الشيخ أسامة الجدعان زعيم ثوار الانبار، أو (ذئاب الصحراء ) حسب التسمية الأمريكية، في حي المنصور ببغداد بعد أقل من ثلاثة أشهر من إعلانه الحرب على الإرهاب، والمعروف ان هناك صراعا ًعلى النفوذ المناطقي بين قبيلة الكرابلة وقبيلة البو محل التي شكلت كتائب الحمزة في مدينة القائم على الحدود السورية غرب العراق عام 2004، وتطور هذا الصراع لأسباب أهمها موقف الشيوخ والوجهاء من تنظيم القاعدة خوفا ًأو تعاونا، واستئثار قبيلة البومحل بالمقاولات من قوات الاحتلال على حساب الآخرين ومنهم قبيلة الكرابلة، والخلافات حول المناصب الإدارية المهمة كرئاسة البلدية ( خدمات ومقاولات ) ومنفذ القائم الحدودي مع سورية، ومراكز الشرطة ( السلطة الأمن واستحصال الرشاوى وتصفية الحسابات مع الآخرين ) .

تشكلت كتائب الحمزة أوائل عام 2004 بقيادة العقيد احمد العطية الذي قتل في عام 2005، ولم يكن العطية سوى القائد العسكري لها، أما القائد الفعلي الذي يقف ورائها فهو شيخ عشيرة البو محل إحدى عشائر قبيلة الدليم الشيخ صباح سطام الشرجي المقيم في عمّان، وهو حفيد الشيخ عفتان الشرجي المقرب من الانكليز أبان الاستعمار البريطاني للعراق، فيما تعددت الروايات حول حقيقة الجهة الداعمة لكتائب الحمزة ماديا ً وعسكريا، إلا أن مقرّبون من هذه الكتائب يقرون بأن الأردن هو من أهم تلك الجهات الداعمة، و ما يعزّز هذا إنّ السلاح الذي بين أيديهم هو سلاح أمريكي من الذي يستخدمه الجيش الأردني، كما إن العشرات من كتائب الحمزة تم تدريبهم في الأردن التي تحتضن الشيخ صباح الشرجي برعاية مباشرة من القصر الملكي، جهة أخرى يتوقع أن تكون هي الداعمة أو المشتركة بالدعم، وأحيانا يقال أنها تقف ورائها مباشرة بالتنسيق مع القصر الملكي الأردني، وهذه الجهة هي الحزب الإسلامي العراقي ممثلا ًبشخص طارق الهاشمي، قبل أن يصبح رئيسا ًللحزب، بالتنسيق مع محمد عبد الله العاني أحد قياديّ الحزب الإسلامي في المنطقة الغربية، والذي أصبح وكيلا ًلإحدى الوزارات فيما بعد، غير إن هذا الرأي لا ينال قبولا ًكبيرا ًفي الوسط الشعبي في تلك المناطق وإن كان هو الحقيقة لأسباب عدة، أهمها إن الحزب الإسلامي يتمتع بقدرة إعلامية قادرة على تضليل الناس وقلب الحقائق، معتمدا على تكثيف نشاطاته الاجتماعية والخيرية بين عموم الناس ليس حبا ًبهم وإنما تنفيذا ًلسياسات الجهات الداعمة له.

في البداية كانت كتائب الحمزة قد تشكّلت تحت شعار جهاد العدو الأمريكي مشيعين بين الناس خطابا ًجهاديا ًسلفيا، وهو الخطاب المألوف آنذاك حيث الهيمنة الفكرية والاجتماعية لأفكار وأطروحات جماعة التوحيد والجهاد حصرا، والتي فرضت سيطرة تامة على كل مناحي الحياة الأمنية والخدمية والاجتماعية، فيما لم يستطع العدو الأمريكي دخول تلك المدن والقصبات برا، واكتفى بإستخدام القوة المفرطة عبر القصف الجوي الذي طال المدنيين قبل المقاتلين.

استغلت كتائب الحمزة تلك الأجواء فأشاعت خطابا ًجهاديا ًبأنها جزء من تنظيم القاعدة، وهو ما صدّقه الناس هناك لأسباب منها إن أهم قادة تلك الكتائب هم أساسا ًمن المعروفين بانتمائهم إلى التنظيم، وإن عمليات مهمة نفذتها تلك الكتائب ضد العدو الأمريكي وغير هذا من المظاهر المقنعة، وكان هذا سببا ًفي تسرب الكثير من عناصر القاعدة وانضمامهم إلى كتائب الحمزة امتثالا ًلصلات القربى بينهم وبين قادة هذه الكتائب، خاصة وان تنظيم القاعدة قد أمَّر من المهاجرين على المجاميع ذات الأغلبية العراقية في معظمها، ولم يستطع تنظيم القاعدة معالجة الموقف بحكمة وروية، فبادر بتنفيذ عدة عمليات إغتيال ضد رموز الحزب الإسلامي في القائم، وفي مقدمتهم الشيخ حبيب إسماعيل الراوي مسؤول فرع القائم في الحزب الإسلامي، وكانت القائم حينذاك تحت سلطة أمير التنظيم المعرف بأبي صهيب السعودي، والشيخ حبيب إسماعيل الراوي، على العكس من جميع أعضاء الحزب الإسلامي الممقوتين من العموم، شخصية دينية واجتماعية تحظى بتقدير عموم أبناء المنطقة الغربية في العراق، وقد عرف عنه تعامله الليّن في كل ما يتعلق بشؤون البلدة، وساعد في تلبية أغلب رغبات تنظيم القاعدة، فيما عدا تلك التي يراها مخالفة للأصول الشرعية وهو المعروف بتفقهه بالدين.

كانت حادثة الاغتيال تلك من أفدح الأخطاء التي إرتكبها تنظيم القاعدة، وقد أحدثت شرخا ًاجتماعيا ًفي الوسط العشائري، وهو الطابع الغالب هناك من جهة، وفي أوساط الفصائل الجهادية من جهة أخرى، فيما نزحت قيادات الحزب الإسلامي خارج مدينة القائم مخافة تصفيتهم من القاعدة.

حتى اللحظة لم تكن أهداف كتائب الحمزة وغاياتها والجهات التي تقف ورائها معروفة لدى عموم الناس، وكان إغتيال قائدها العقيد احمد العطية من عشيرة البو محل على يد تنظيم القاعدة، بغض النظر عن تزامنها مع حاثة اغتيال الراوي قربا ًأو بعدا، كانت منعطفا ًأشَّر لبداية النهاية لتنظيم القاعدة هناك، سواء على صعيد تصاعد الرفض لوجودهم وانحسار مساحة الاحتضان البيئي لهم وتقليص الدعم اللوجستي وغيره، وفي المقابل تصاعدت حدة الحملات الإعلامية المناطقية المعادية للقاعدة، وهي التي قادها الحزب الإسلامي بإمكاناته الهائلة، خاصة بعد أن بدأت قياداته النازحة بالعودة خفية إلى القائم، فاستخدموا أسلوب الملصقات على أبواب المساجد والمحلات، واستثمار شبكة علاقاتهم الاجتماعية لبث صورا ًحقيقية أو زائفة قصد المزيد من التشويه ضد عناصر القاعدة بالتحالف مع بعض العشائر، وفي مقدمتهم بعض أفراد عشيرة البو محل وشيخها صباح الشرجي الذي افلت من أكثر من محاولتي اغتيال فاشلتين.

مع ازدياد حالة الرفض حينها لوجود تنظيم القاعدة في القائم، إلا ّ أنهّ لازال يفرض سيطرته على كل مناحي الحياة، ولم يشفع له عمله المسلح ضد العدو الأمريكي الذي بلغ مدى لم يبلغه في أي مدينة أخرى في العراق، بإعتراف أحد قادة الجيش الأمريكي للفرقة المعروفة بالفرقة القذرة، الذي قال مودعا ًوجهاء بلدة القائم، ( إنني أحترم أبناء هذه المنطقة الذين مارسوا حقهّم المشروع في مقاومتنا، ونحن قوة إحتلال، وأحتقر الشعب العراقي في المناطق الأخرى الذين ساندونا )، كما قال لهم متسائلا، ( ما الذي جناه الإرهابيون وقد تسببوا في فقدان أكثر من 400 أسرة أمريكية لآبائهم، كما تسببوا في إخراج فرقتنا خارج القدرة القتالية بعد إن فقدت أكثر من 60% من آلياتها )، وقد تكون العملية التي نفذها مجاهدو القاعدة ضد العدو في مجمّع الكمارك هي التي أجبرت هذه الفرقة على إعلان فشلها واستبدالها، في هذه المعركة تكبد العدو خسائر جسيمة لم يعلن عنها، حيث افتعل المجاهدون المندسون بين موظفي المجمّع حريقا هائلا ًاستدعى الإستنجاد بسيارات الإطفاء والإسعاف، وكان بينها سيارة إطفاء تحمل مئات الكيلوغرامات من المواد الشديدة الإنفجار يقودها إستشهادي من القاعدة فجّر سيارته وسط آليات العدو وجنوده مما أوقع عشرات القتلى والجرحى، فيما كان هناك هجوما ًشرسا ًفي نفس الوقت بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة أوقع أيضا ًالمزيد من القتلى والجرحى، وكان سكان البلدة يسمعون صراخ الأعداء رعبا ًوبكائهم، إلا أن الخسائر الجسيمة للعدو كان من خلال سيارة الإسعاف الثانية التي يقودها استشهادي إندس مستغلا ًحالة الرعب والفوضى ليفجّر سيارته وسط جموع العدو ويوقع المزيد والمزيد، وكما لم يشفع لتنظيم القاعدة الدمار الذي ألحقه بالعدو الأمريكي، وهو ما يوجب تعاطف أبناء المنطقة معهم لانسجامه مع ما يريدون من خسائر تلحق بعدوهم، إلا إن هذا لم يكن إلا تعاطفا ًوقتيا ًما يلبث أن يتلاشى بمجرد تذكّر أفعالا ًمناقضة عادة ًما يثريها همسا ًأو تلميحا ًأشخاص ينتسبون إلى كتائب الحمزة، أو الحزب الإسلامي أو الذين يرتبطون بمصالح مع العدو، كبعض المقاولين وبعض العملاء الذين يقدمون معلومات للعدو مقابل ثمن.

في تلك الأجواء بدا أبناء تلك المنطقة شبه متأكدين من ان حلفا ًمبرما ًفي الخفاء بين عشيرة البو محل، ممثلا بشيوخها وكتائب الحمزة من جهة وبين الحزب الإسلامي ممثلا ًبطارق الهاشمي وممثله محمد عبد الله العاني من جهة أخرى، ويقوم على تهيئة الأجواء لقبول الناس بإعلان الحرب على تنظيم القاعدة من خلال المنشورات وبثّ الدعايات وتشويه صورة أمراء القاعدة، ورميهم بالجرم وممارسة أفعالا أخلاقية مشينه، أو تناولهم المخدرات وغيرها مما هو حق أو باطل، وكثيرا ًما شهدت المنطقة حوادث إغتيال لوجهاء عشائريين أو دينيين أو بعثيين أو غيرهم إعترفت القاعدة ببعضها وبرأت نفسها من البعض الآخر، فيما اختلف الناس فيما بينهم حول حوادث لم تعترف بها القاعدة بين تصنيفها ضمن إطار تصفية الحسابات أو الثأر أو إن كتائب الحمزة والحزب الإسلامي والشرطة السريّة هم من أقدم عليها لتشويه صورة القاعدة لدى العموم.

سبق أن شهدت محافظة الأنبار اشتباكات واسعة بين كتائب ثورة العشرين والجبهة الإسلامية للمقاومة العراقية (جامع) في مايو 2006 من جهة، وبين تنظيم القاعدة انتهت بخروج زعيمه الأردني الجنسية أبو مصعب الزرقاوي ليلاقي حتفه في محافظة ديالى العراقية على الحدود الإيرانية في يونيو 2006، وكانت الإدارة الأمريكية قد تبنت سياسة جديدة بدأت بالتعاون مع بعض الجهات الفاعلة في الوسط السنّي بالأنبار (يطلق الأهالي عليهم صفة عملاء)، وفي مقدمتها بعض أئمة المساجد والمقاولون والأهم هو كسب تعاون شيوخ العشائر أمثال الشيخ أسامة الجدعان احد شيوخ قبيلة الكرابلة في القائم غرب العراق، الذي لم يحضَ بتأييد قبيلته التي تدين أساسا ًبالولاء لجماعة التوحيد والجهاد وهي تختلف فكريا ًوسلوكيا ًعن تنظيم القاعدة لكنّ الواقع الميداني فرضَ عليهم ضياع هويتهم وذوبانهم في تنظيم القاعدة، وجماعة التوحيد والجهاد هي الأقرب إلى عقيدة المسلمين السّنة ومن الصعوبة لأي جهة عراقية أن تبرر حربها عليها كما هو الحال مع تنظيم القاعدة، إلا إن ظهور جماعة التوحيد والجهاد في هذه الفترة بقوة قد يؤدي ببقائها إلى الأبد بسبب إرتباط اسمها بالكامل بتنظيم القاعدة وعدم تمييز الناس بينهما واعتبارهما حالة واحدة، وهي بحاجة لأشهر أو سنين حتى تتمكن من تحفيز خلاياها النائمة وهذا الأمر رهن بمستقبل الوجود الفعلي لتنظيم القاعدة وكذلك إمكانية قادة جماعة التوحيد والجهاد بالتأثير في الأوساط الاجتماعية لاستعادة وعي الناس بالفرق بينهم وبين تنظيم القاعدة .

هذه عموما، الأجواء الاجتماعية والسياسية والأمنية التي سادت منطقة القائم على الحدود السورية قبل مايس 2005، وهي التي هيأت لأعتى حصار على مدينتي القائم والكرابلة التابعة لها، والذي لم يستمر طويلا ًعلى مدينة القائم حيث تمكنّ عناصر القاعدة من الخروج منها، أو إن قوات العدو سهلت مهمة خروجهم بإتجاه مدينة الكرابلة التي كانت محاصرة هي الأخرى، وبعد رفع الحصار عن مدينة القائم عاد إليها أعضاء الحزب الإسلامي، وبات ظهورهم علنا ًيؤلبون الناس ضد القاعدة، ويقومون بالدلالة على عناصر القاعدة لإعتقالهم أو قتلهم، فيما فرّ من ظلّ من الذين عملوا مع القاعدة خارج مدينتهم باتجاه مدن عنه وراوة والرطبة والرمادي وغيرها.

خاضت كتائب الحمزة اشتباكات متواصلة منذ نهاية عام 2004 مع تنظيم القاعدة أسفرت عن إستمرار سيطرة تنظيم القاعدة على مدينة القائم وما حولها كمدن الكرابلة والرمانة والعبيدي وغيرها فيما انكفأت كتائب الحمزة وفرّ قيادييها بعد مقتل قائدها العقيد احمد العطيّة أوائل عام 2005، ولم يستمر الحال طويلا ًحتى تمكن شيخ قبيلة البو محل من إقناع القوات الأمريكية عبر وسطاء عشائريين وقادة الحزب الإسلامي بحصار مدينة القائم واستدراج عناصر تنظيم القاعدة إلى مدينة الكرابلة ومحاصرتها وضربها برا ًوجوا، وكانت كتائب الحمزة حسب شهود عيان يشكلون طليعة القوات المتقدمة باتجاه مدينتي الكرابلة والرمانة، وتسببوا بالتعاون مع قوات العدو الأمريكي في فساد وضرر على مصالح الناس يستمر لسنين طويلة، ويتداول الناس هناك حديثا عن أكثر من 300 بيت تم تدميره بالكامل، وأكثر من 600 عائلة تم تهجيرها من مدينة الكرابلة لازال معظمهم وبعد أكثر من عامين يعيشون في الخيام على الطريق الرابط بين مدينتي القائم والرطبة، وما يربو عن 1000 مدني بين شهيد وجريح، وما يزيد عن 250 من مقاتلي القاعدة تم القضاء عليهم في عملية الرمح التي قادها العدو الأمريكي بالتعاون مع قوات وزارة الدفاع، بقيادة وزيرها سعدون الدليمي وبالتعاون مع كتائب الحمزة والمليشيات الشيعية ممثلة بالحرس الوطني ومغاوير الداخلية التي ارتكبت أبشع الجرائم ضد المدنيين، وهو ما أدى إلى خروج عناصر تنظيم القاعدة نهائيا ًمن تلك المدن وعودة كتائب الحمزة ثانية ًلتفرض سيطرتها على المنطقة حتى اليوم، وتمارس تصفية حسابات مع المحسوبين على تنظيم القاعدة سابقا ًأو الذين سبق وان حملوا السلاح من غيرهم ضد قوات الاحتلال الأمريكي حيث تقوم بمطاردتهم واعتقالهم أو قتلهم بالتعاون مع قوات الاحتلال.

رغم استخدام العدو الأمريكي لأكثر أنوع الأسلحة فتكا، كالقنابل العنقودية والقنابل ذوات الوزن الثقيل من فئتي 900 كيلو غرام و500 كيلو غرام، إلا أن الجرائم التي ارتكبتها كتائب الحمزة والقوات العراقية معا ً كانت اشدّ بشاعة، وغالبا ًما كانت تتم مغلفة بعبارات طائفية، كما يتداول الناس حديثا عن إن العدو الأمريكي إرتكب جرائمه ونفذ ّعملياته بناءا ًعلى طلبٍ خطيٍّ تقدم به الشيخ صباح الشرجي إستجابة لنصيحة طارق الهاشمي خلال أحد لقاءاتهما في عمان، وحمله طارق الهاشمي إلى أحد كبار شيوخ عشيرة الدليم الذي يحتفظ بعلاقات شخصية مع المستشار السياسي في السفارة الأمريكية ببغداد، وهو ما أحدث فتنة عشائرية بين عشيرتي الكرابلة والبو محل، والتي لابد أن تشهد تلك المنطقة قتالا بينهما حالما تجد عشيرة الكرابلة نفسها خارج الطوق الحكومي وخارج نطاق الحصار الذي تفرضه قوات العدو الأمريكي حتى الآن.

 

الضوء التاسع

مجالس الصحوات والأمر الواقع

الصحوات ليست بمجملها شر مطلق كما أنها ليست خيرا ًمطلقا، ولا يجوز وضعها في سلة واحدة كما تم َّ وضع تنظيم القاعدة، فالصحوات أصبحت أمرا ًواقعا ًلابد من التعامل معها بشكل أو بآخر، وان عدم التعامل معها لا يلغيها أو يمنع تكاثرها وانتشارها في مناطق أخرى، مع التأكيد على إن الصدام المسلّح معها لن يؤدي إلا ّ إلى المزيد من إراقة الدماء بين الفصائل وبالتالي تحقيق هدف إستراتيجي يسعى إليه العدو وقد نجح فيه إلى حد ما، لذلك فإن التوعية هي الأفضل بين الخيارات المتاحة للحد من خطورتها وآثارها الكارثية.

بذريعة الخشية من وقوع بغداد بأيدي الصفويين أو بذريعة دفع الأذى عن أهل السنّة دخلت جبهة التوافق في العملية السياسية بمباركة ومشاركة واسعة من بعض الفصائل، إلا ّ أن الجبهة لم تستطع كف الأذى عن العرب السنّة الذين لا زالوا بين مطرقة رجالات إيران وميليشياتهم وسندان قوات العدو الأمريكي، وفي مقالة كتبها هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق نشرتها الواشنطن بوست بعنوان الانتصار هو إستراتيجية الخروج الوحيدة من العراق ( إنَّ جذب القادة السنّة إلى العملية السياسيّة هو جزء ٌمهم في إستراتيجية محاربة التمرد )، وكانت مشاركة الفصائل في العملية السياسية تنازلا ًجرَّ إلى تنازلات سوف لن تنتهي، ومنها الدخول في الصحوات والأفواج الأمنية والجلوس المباشر إلى العدو الذي كان على مقربة من الهزيمة المحققة، وليس الإنسحاب، نتيجة ضربات المقاومة في العراق من جهة، والضغوط الداخلية والخارجية التي تتعرض لها إدارة الحرب، وهو الواقع الذي كان يعيشه العدو الأمريكي شتاء 2007 وقبله حيث تحدث قادته كثيرا ًعن مواعيد لسحب القوات تدريجيا ًوالإسراع في بناء قوات الأمن والجيش العراقيين، نفس القادة باتوا يتحدثون الآن عن المدة التي ستبقى فيها قواتهم في العراق، أي إن العدو لم يعد يبحث عن مخارج له من مأزقه.

الانقلاب الكامل في الساحة العراقية مهَّد للعدو الأمريكي كسب رهانه على الفتنة بين الفصائل الجهادية التي أحرقت الأخضر واليابس، إضافة إلى رهانه على بعض المنتفعين من شيوخ العشائر وكان رهانا ًرابحا ًأيضا ًفليس من خدمة تسدى للعدو وهو يخوض قتاله ضد المقاومة أجدى من القتال نيابة ًعنه لتخفيف الأعباء عنه وعن حكومته ومنحها شكل من أشكال الراحة بعد أن أوكلت مهامها في مناطق المقاومة إلى مجالس الصحوات.

بالتأكيد إن الحكومة الحالية غير راضية عن الصحوات حيث لديها ميليشيات خاضعة لسيطرتها وتنفذ مخططاتها على العكس من الصحوات التي هي خارج سيطرتها، وهو ما يزعجها ويثير قلقها بعد إن استنفذت مهمتها الأساسية في القضاء على وجود عناصر تنظيم القاعدة وشل عمليات الفصائل الأخرى، حيث تلزم العقود المبرمة بين قادة العدو الأمريكي وقادة الصحوات ضمان سلامة قوات العدو الأمريكي ودورياته المشتركة مع القوات الحكومية في مناطق مسؤوليتهم، وتعرضهم للاعتقال خلاف ذلك، إضافة إلى قتال تنظيم القاعدة والدفاع عن مناطقهم وضرب الميليشيات وقوات الأمن التي تستهدفها.

يمكن تحديد أهم الجهات التي تقف وراء تشكيل الصحوات بالتنسيق مع قوات العدو الأمريكي، وأحيانا ًمع بعض دول الجوار العربي، بالحزب الإسلامي العراقي وديوان الوقف السنيّ وبعض شيوخ العشائر وبعض فصائل المقاومة، أو بعض المجاميع من فصيل أو آخر، بالإضافة إلى برلمانيين من الكتل السياسية ومن خارجها، كما إن كلا ًمن بقايا حزب البعث وتنظيم القاعدة يقفان بصورة غير مباشرة وراء تشكيل أو قيادة البعض منها.

أهم أهداف مجالس الصحوات:

أهداف العدو الأمريكي :

تتلخص الأهداف التي يبتغيها العدو الأمريكي من وراء الدفع بإتجاه تشكيل مجالس الصحوات في:

1. بحجة قتال تنظيم القاعدة تقوم مجالس الصحوات نيابة عن الاحتلال بقتال المقاومة بجميع فصائلها حتى البعيدة عن تيار القاعدة وفكره.

2. تشجيع مقاتلي الفصائل المسلحة للانخراط في مؤسسات الحكومة كالجيش والشرطة والأجهزة الأمنية، فالقاعدة العامة تقول، لا يمكن أن يكون العدو على درجة من الغباء الذي يصل حدا ًيقوم فيه بتسليح وتمويل من كان عدوا ًله ويمكن أن يعود عدوا ًله في المستقبل، أو أن يدع ثغرة تمكِّن المنخرطين في الصحوات من إيذائه مستقبلا، لذلك وضع شروطا ًغاية في الصرامة ضمنَّها العقود المؤقتة، أهمها تعهد قادة الصحوات بضمان أمن وسلامة القوات متعددة الجنسيات المتواجدة في حدود مسؤوليتهم أثناء قيامها بالدوريات الروتينية أو تنفيذها لمهام أمنية منفردة أو بالإشتراك مع القوات الحكومية، وفي حال تعرضها لأيّ هجوم معادي يتحمل قادة الصحوات مسؤولية ذلك.

3. ومن منطلق حرص قادة الصحوات على أنفسهم ومكاسبهم وخشية تعرضهم للإعتقال، فإنهم سيقومون بمنع أيّ عمل مسلح ضد العدو في منطقة مسؤوليتهم، وبذلك تكون مهمتهم الحفاظ على أمن وسلامة قوات العدو أولا ًوقوات الحكومة ثانياً.

4. بما إن قناعة المقاوم بأنَّ ما ألجأه للدخول في الصحوة هو أساسا ًممارسات تنظيم القاعدة، وهذه القناعة بالتأكيد هدف أمريكي ساهم في تحقيقه تنظيم القاعدة عن قصد أو عن غيره، الحزب الإسلامي العراقي، ديوان الوقف السنّي وفصائل من المقاومة أو أفراد محسوبين عليها نفذوا أعمالا ًضد فاعلين اجتماعيين أو دينيين باسم تنظيم القاعدة، أو جرائم إرتكبتها قوات الاحتلال من خلال أكثر من مائة وخمسين ألف مرتزق وألصقت التهم بالمقاومة عموما ًأو بالقاعدة حصرا، هذه القناعة لدى المقاتلين ستدفع بهم إلى الوشاية والدلالة على عناصر القاعدة وهو تمهيد نفسي لقبول الوشاية بالمقاتلين من الفصائل الأخرى.

5. زرع روح الكراهية بين الفصائل وعدم الثقة بينهم، وخلق حالة من التنافس على النفوذ المناطقي والمكاسب المادية تسوِّغ مسألة التسابق بينها لخدمة المانح وهو العدو الأمريكي.

6. الإبلاغ عن المقاومين المعروفين من قبل عناصر الصحوة في المناطق وتسهيل إلقاء القبض عليهم.

7. ساهمت الصحوات فعلا ًفي تقليل فرص عمل المقاومة ضد الاحتلال.

8. تأمين وجود قوات العدو في مناطق ومدن المقاومة مما يسهل عليها مهمة التنقل بين المدن والمناطق بأمان يتيح لها فرصة أكبر في مطاردة المقاومين.

9. فتح الباب أمام عموم الناس في الالتقاء بالعدو والتعامل معه وتطبيع العلاقات وكسر الحاجز النفسي بينهم وبين عدوهم، إضافة إلى بناء شبكة علاقات اجتماعية واسعة قادرة على إستيلاد مئات الجواسيس الذين بالتأكيد هم الأخطر من غيرهم على المقاومة، إضافة إلى أذى الجواسيس على الصلات الاجتماعية وخلق الفتنة بين أبناء العشائر وقطع صلة الأرحام بينهم.

10. تسليم مقاليد الأمور ومقدرات الناس إلى العدو من خلال شيوخ العشائر المنتفعين منه وتطبيع العلاقات بين العموم وبين العدو في مدن المقاومة، وبالتالي خلق وعي جديد يكون المقاوم متطرفا ًأو لا يريد الخير والأمان لمنطقته مما يدق إسفينا ًبين المقاومين وغيرهم، أي نجاح العدو في حرمان المقاومين من البيئة الحاضنة وبالتالي القبول الطوعي والاستعداد النفسي للدلالة على المقاومين والوشاية بهم.

11. لغرض جمع أكبر قدر من المعلومات فإن لمكتب الأمن القومي الذي يشرف عليه موفق الربيعي قسم على إتصال مباشر به في كل فوج من أفواج الصحوة.

أهداف فصائل المقاومة:

يسود فهم خاطئ يستولي على فصائل المقاومة التي دخلت في مجالس الصحوات مفاده، إن تشكيل الصحوات جاء ردُّ فعل على أخطاء تنظيم القاعدة، وعودة إلى أولى أشكال الصحوات العشائرية التي تشكلت وتاريخها والظروف التي رافقت تشكيلها والجهات التي كانت تقف وراءها يقودنا إلى فهم آخر يناقض الفهم السائد لدى الفصائل، فأولى الصحوات كانت تحمل إسم كتائب الحمزة وشكلت في أواخر عام 2004 في مدينة القائم غرب العراق، وكانت أجواء العلاقات بين تنظيم القاعدة والفصائل الأخرى على أعلى درجة من الوئام والتنسيق والعمل المشترك، ولم تكن حينها قد ظهرت إساءات تنظيم القاعدة، وكان يقودها أحد شيوخ قبيلة البومحل ويقف وراءها الحزب الإسلامي ممثلا بطارق الهاشمي وأحد كبار مساعديه ودولة عربية، كما سبق وأوضحنا في الضوء الثامن، ثم تشكلَّت قوة باسم ذئاب الصحراء حسب التسمية الأمريكية أو قوة ثوار الأنبار نهاية عام 2005 التي قادها الشيخ أسامة الجدعان أحد شيوخ قبيلة الكرابلة الذي قُتل في حي المنصور ببغداد بعد ثلاثة شهور من تشكيلها، لذلك فإن تشكيل مجالس الصحوات هو مشروع أمريكي مدروس ومخطط له بعناية، وهي إحدى المراحل الذكية في إستراتيجية العدو للقضاء على المقاومة، وليست رد فعل على أخطاء القاعدة وجرائمها كما أوحى لنا العدو الأمريكي وصدقته الفصائل المسلحة بوعي أو بدونه، ولو افترضنا جدلا ًصحة فهم الفصائل فإنها تسعى على ما يبدو من خلال تصريحات قادة الصحوات إلى:

1. حماية المناطق السنية في مناطق بغداد وتوفير الأمن والخدمات لها، حيث تعرضت للإستهداف الطائفي بعد أن تم َّتشكيل الأجهزة الأمنية والعسكرية الحكومية على أساس طائفي غير متوازن.

2. الحفاظ على هوية العراق عامة وبغداد خاصة من خطر الإستهداف الصفوي الذي تنفذهَّ الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران التي تقوم بعمليات إستئصال طائفي ممنهج يمارس القتل على الهوية.

3. السعي لإعادة المهجرين السُنّة إلى مناطق سكناهم في بغداد، وخاصة في المناطق المختلطة.

4. الفهم المشار إليه، قاد الفصائل إلى إعادة النظر في أولويات صراعها معتبرة إن إيران هي العدو الأول، يوازيه تنظيم القاعدة ثم يأتي العدو الأمريكي كعدو ثان ٍِِلدى البعض، وإخراجه من دائرة العداء لدى البعض الآخر.

5. إن تسليح الفصائل أو العشائر السنيَّة يعطيهما قوة مسلحة في مواجهة قوة الميليشيات الشيعية التي تخشى الدخول ذات يوم في حرب أهلية غير متكافئة بعد خروج القوات الأمريكية إن هي ظلت في دائرة الاستهداف الأمريكي.

6. تعتقد الفصائل بأن موقفها من تنظيم القاعدة كفيل بإعادة نظر الولايات المتحدة في سياساتها في العراق لتجعل من الخطر الإيراني خطرا ًأولا ًبدلاً من القاعدة، وهو ما يصب باتجاه رؤيتها لأولوية الخطر الإيراني على الخطر الأمريكي

7. الرغبة في عدم توسيع المعركة والخروج من أحد أضلاع مثلث الاستهداف القائم من تنظيم القاعدة وإيران والموالين لها وقوات العدو الأمريكي وعملائه.

الموقف الشرعي من الصحوات:

((هذه الفقرات مأخوذة من لسان عدة علماء إلتقاهم الكاتب أو راسلهم وكانت على الوجه التالي دون تدخل))

لا يجوز وضع جميع الصحوات تحت حكم شرعي واحد، وينقسم الموقف الشرعي منها إلى ثلاثة أقسام وحسب صفتهم:

القسم الأول:

الذين هم مع العدو وينفذون مخططاته ضد المجاهدين فهؤلاء يتم إستهدافهم وخاصة رؤوسهم.

القسم الثاني:

الذين دخلوا في الصحوات لأغراض دنيوية وليس لهم شرّ على أحد ليس من المصلحة إستهدافهم أو قتالهم طالما لم يثبت قطعا ًقيامهم بتنفيذ المخطط الأمريكي ولم يتعرضوا للمجاهدين لأنه ليس من المصلحة توسيع دائرة الأعداء في هذه الفترة.

القسم الثالث:

وهم الذين دخلوا بعلم المجاهدين ويتعاونون معهم كعيون ورصد وبعضهم يخرجون في عمليات مع المجاهدين ضد العدو، وهؤلاء يجب أن نشجعهم وندعمهم ويجب عدم إكراههم على شيء يخل بمركزهم وموقعهم وعلينا أن نحافظ عليهم وندعمهم ولا يجوز الحكم على الظاهر كما لا يجوز أن نبتدئ بأيِّ عمل ضد أحد قبل أن يبين شره.

إذن ما الحل؟..

يمكن التركيز على:

• توعية المقاتلين بالأهداف السيئة للصحوات التي تتعارض مع الأهداف النبيلة للمقاومة.

• هي شكل من أشكال موالاة العدو الكافر على أخيك المسلم مهما كانت الذرائع.

• إن الجهات التي أشادت بها سواء أكانت حكومية أو غير حكومية، شيعية أو سنية، عربية أو كردية، عراقية أو غير عراقية جميعها مع مشروع الإحتلال، والجهات التي عارضتها من خارج فصائل المقاومة لها أسبابها الخاصة البعيدة عن مصلحة المقاومة.

• إن عقود الصحوات هي عقود مؤقتة لثلاثة أشهر تهدف إلى التعرف على هويات وأسماء عناصر المقاومة الذين دخلوا في الصحوات، حيث يقوم العدو بأخذ معلومات كافية عن المقاتل بما فيها صورة شبكية العين، أي إن المقاتل قد كشف نفسه للعدو وقدم له معلومات بصورة طوعية تمكنّه من ملاحقته مستقبلا ً.

• عدم الوثوق بوعود العدو وصداقته، وان العدو يستهدف الجميع، وان العلامات الفسفورية التي توزعها قوات العدو للتمييز بين أعدائها وأصدقائها الذين يقاتلون إلى صفها لا تجدي نفعا، فالعدو يستهدف الجميع وما جرى لمنتسبي الصحوة في التاجي وعرب جبور وجرف الصخر وديالى وغيرها خير مثال.

• التوعية بزيف الإدعاءات بأن مشاريع الصحوات وجهّت بنادقها إلى القادمين من وراء الحدود فقط.

• إن الصحوات تستهدف استنزاف سلاح المقاومة من خلال الإغراءات المالية حيث تقوم بعض الفصائل بتسليح العشائر أو الصحوات من خزينها بأسعار مضاعفة ثلاث أو أربع مرات عن الأسعار السائدة في سوق السلاح المحلي تتعهد قوات العدو بتسديدها إلى الفصائل.

• إن التمجيد بإنجازات الصحوات في حقيقته خطاب أمريكي وحكومي إلى حدٍّ ما، لذلك لا يجوز تبني خطابهما وان كان لانجازاتها ما يعززَّه الواقع من حفظٍ لأمن الناس.

• العدو كان في أسوأ أيامه أوائل عام 2007 والآن هو في أفضل أحواله، حيث لم يعد يتحدث عن الإنسحاب أو جدولة الإنسحاب بل عن المدى الزمني لبقائه عشر أو عشرين سنة قادمة، وقد ساهمت الصحوات في تحقيق هذا الذي عجز عنه الجندي أمريكي خلال السنوات الخمس من الاحتلال

• معروف إن اغلب القادة الميدانيين في الفصائل هم من منتسبي الجيش السابق، وان اغلب الذين قبلوا الدخول في الصحوات هم أيضا ًمن منتسبي الجيش السابق، لذلك فإنَّ الصحوات وإعادة الجيش في ظلِّ الاحتلال يعني سحب أكبر نسبة من المقاتلين في صفوف المقاومة لإفراغها من العنصر البشري.

التعامل مع الأمر الواقع:

- اذا كان ولابد من الدخول في صحوة ما، أو تشكيل صحوة جديدة من قبل أحد الفصائل في منطقة يرى الفصيل المعني أن لا مناص من تشكيلها، فينبغي:

1. عدم تولي قيادتها من القادة المتقدمين في الفصائل والمعروفين من القواعد القتالية أو من العموم لتجنب:

أ‌- الإساءة للمقاومة وسمعتها عبر الطعن بسلامة موقف ذلك القائد الذي إرتضى أن يكون في قيادة الصحوة.

ب‌- أن يكون مسوغا يشجع أو يسهل على الفصائل الأخرى مسألة القبول بمبدأ الإنخراط في الصحوات.

ت‌- أن يكون ذريعة للفصائل الأخرى في لقاء العدو على إعتبار إن قادة الصحوات لابد أن يتعاملوا مع العدو ويلتقوا وينسقوا معه.

2. فتح قنوات إتصال وإقامة صلات مدروسة مع بعض الصحوات وتصوير الأمر لهم بأنهم موجودون بعلم المقاومة وبتكليف منها، وان بإمكانهم خدمة أهداف المقاومة من خلال وجودهم في الصحوات.

3. الابتعاد قدر الإمكان عن تخوين المقاومين الداخلين في الصحوات للإبقاء على صلاتهم الطيبة مع المقاومة والحفاظ على إستمرار إحساسهم بالولاء للمقاومة تجنبا للوصول إلى حالة عداء قد تتطور إلى إقتتال بينهم وبين الفصائل خارج الصحوات.

4. الإختيار الجيد للأشخاص القادرين على التأثير في مسار عمل الصحوات بذات الوقت الذي يحافظون فيه على ولائهم للمقاومة عبر شخصيات إجتماعية ودينية وأسماء غير معروفة على مستويات قيادية في المقاومة.

5. يتم إختيار قائد الصحوة من أبناء العشائر الذين هم محل ثقة الفصيل المتواجد في المنطقة المعنية على أن يكون منفذا ًلتوجيهات قادة الفصائل ومتعاونا ًمعهم ومسهلا ًمهامهم.

6. الاهتمام بإختيار الأشخاص القادرين على التأثير أيضا ًفي المحيط الاجتماعي ومن ذوي القدرة والجرأة في إتخاذ القرارات الشجاعة في المواقف الحرجة بحيث يمكن من خلالهم إفشال الصحوات ساعة ترى المقاومة إمكانية هذا وضرورته.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com