|
أثارت مواجهات الأيام الستة أسئلة عديدة في ذهن المراقب والمتابع والمواطن العادي وقد ذكرنا في الحلقة السابقة بعضا من هذه الأسئلة والتي تحتاج إلى إجابات مفصلة لكي تتضح الصورة وفك طلاسم هذه المواجهة التي جرت بين الحكومة وبعض القوى المشاركة في العملية السياسية الحالية وتوقفها المفاجئ الذي زرع الاستغراب حتى في نفوس أنصار التيار الصدري الذي تحمل وزر هذه المواجهات وراح ضحيتها المئات من الضحايا والجرحى والأسرى من الطرفين فضلا عن الخسائر المادية التي تحملها المواطن والخسائر المعنوية والاعتبارية للحكومة والمكونات السياسية. مقدمات قبل الإجابة قد يتبادر إلى ذهن المتابع او المراقب لتطورات الإحداث على الساحة العراقية أنها تعيش جمودا سياسيا في حين إن الغاطس من المشهد السياسي يمور بغليان واحتقان واحتدام وتصارع إرادات ونفوذ سياسي في كل مناطق العراق لاسيما وان السنوات الخمس الماضية من الاحتلال الأمريكي والإيراني للعراق أضافت تعقيدات وتشابكات للموقف السياسي العراقي الذي يظهر متناقضا في خطابه السياسي حتى داخل أعضاء المكون السياسي الواحد وذلك حسب ولاء هذا العضو أو ذاك. فقد كانت المقدمات العملية السياسية ومنذ نيسان من عام 2003 وحتى يومنا هذا هي مقدمات خاطئة وأفرزت نتائج خاطئة وقاتلة في الوقت نفسه فقد كانت الأحزاب الدينية ولاسيما التي أنشأت في إيران ودربت ومولت من هذا النظام وشكلت قوة مهيمنة في العملية السياسية مثل المجلس الأعلى والدعوة تحمل في داخلها حين جاءت إلى العراق روح انتقامية وتصفوية للنخب والكوادر الوطنية العراقية تحت ذريعة إن من يعارض الاحتلال هو صدامي أو بعثي وهما صفتان في منظور المجلس والدعوة وحتى الطبقة السياسية الانتهازية التي اصطفت معهم رديف للإرهاب والقاعدة ولابد من تصفية هؤلاء الإرهابيين حتى تستقر العملية السياسية وتستمر حسب ماهو مرسوم لها. وقاد هذا الفريق السلطة منذ الانتخابات الأولى والتي أفرزت نتائج مشكوك في نزاهتها حتى من المشاركين في الانتخابات وفازوا بمقاعد برلمانية بروح المعارضة وليس المشاركة والروح الوطنية العالية لخدمة البلاد ومن هذه النقطة بالذات ظهرت الخلافات والتقاطعات والتخندقات والتمسك بالسلاح الحزبي والفئوي والطائفي على الرغم من صدور القرارات من قبل الحاكم المدني الأمريكي للعراق بول بريمر لحل المليشيات والذي اعترض عليه ولازال يعترض عليه المجلس الأعلى الذي يمتلك منظمة بدر والكرد اللذين يمتلكون البيشمركة تحت ذريعة أنها قوى مناهضة ساهمت في إسقاط النظام ولابد من مكافأة هذه العناصر ودمجها أو اعتبارها نواة الجيش والشرطة العراقية الجديدة ولكن هذه القوى لم تجب على السؤال التالي لمن سيكون ولاء هذه العناصر لأحزابها أم للعراق؟ من هذه النقطة تمزقت وحدة الجيش والشرطة في الولاء وتجاذبتها الو لاءات الطائفية والحزبية والعرقية وغاب عنها الولاء الأساسي للوطن وإذا أريد إصلاح هذا الوضع فانه سرعان ما تنقلب هذه المؤسسة حتى وان كان على مستوى الإفراد والجماعات على سلطة الحكومة وهذا ماحدث في الفلوجة والنجف وكربلاء وديالى والبصرة مؤخرا من تمرد على أوامر الحكومة مما دفع وزير الداخلية وحسب ما تناقلته وسائل الإعلام من طرد الآلاف من الضباط وعناصر الشرطة الذي رفضوا القتال إلى جانب القوات الحكومية. إن ضعف القدرة الأمنية والعسكرية للحكومة يمكن تغطيته بالاعتماد على قوة المحتل الأمريكي أو البريطاني وهو ما يحدث دائما عند اشتداد المواجهات بغية تحقيق استقرار امني نسبي وهو ما يكشف عن عجز الحكومة في إدارة الأزمة أو في إدارة الدولة بشكل عام وعجزها عن الوفاء بوعودها اتجاه الشعب الذي كان ينتظر منها الكثير بعد إسقاط النظام السابق بعد مرور الأيام والأشهر والسنوات عززت خيبة الأمل في هؤلاء الساسة في تحقيق ما يبتغيه المواطن أي مواطن من دولته وحكومته. ونعود إلى صلب السؤال لماذا ذهب المالكي إلى البصرة وترك وراءه كل المناطق الساخنة؟ ولماذا دعم بوش جهود المالكي هذه؟ ولماذا تحولت المواجهة بين الحكومة والتيار الصدري؟. أريد لهذه العملية العسكرية إن تكون اختبارا لقوة الحكومة في محافظة جنوبية ذات الأغلبية الشيعية ومواجهة مافيا تهريب النفط والقتل والخطف والتسليب أي عصابات الجريمة المنظمة وهي مافيا حسب التصريحات الرسمية تسيطر على البصرة وذات نفوذ وهيمنة اقتصادية وسياسية تتحكم بمقدرات ومصير البصرة وان هناك تقارير أمريكية كشفت للحكومة والمالكي بالذات عن هذه المافيا والأحزاب التي تنتمي لها وكان التيار الصدري بعيدا عن هذا التقرير وكذلك ساهمت هيئة النزاهة في هذا الكشف وقدمت تقاريرها إلى المالكي أواخر عام 2007. هذا جانب من الصورة وهو الجانب في روايته الرسمية في الجانب الآخر هناك صرخات وأصوات تعالت من العشائر العراقية في الجنوب ومن المواطنين من هيمنة المخابرات الإيرانية على البصرة والمحافظات الجنوبية الأخرى وهذه الصيحات والصرخات سمع صداها في داخل والعراق وخارجه وأدرك الجانب الأمريكي هذه الهيمنة الإيرانية حتى انه طلب من القوات البريطانية من تأجيل انسحابها من البصرة وتسليم الملف الأمني لأهل البصرة واستجابات القوات البريطانية لفترة زمنية محدودة لاسيما بعد إن أعلنت إيران صراحة أنها قادرة على سد الفراغ الأمني. ذهب المالكي إلى حقل ألغام أمريكي إيراني إقليمي دولي داخلي يشهد صراعا وغليانا في السيطرة على مقاليد الحكم في هذه المحافظة والهيمنة على ثرواتها ونهب أكثر ما يمكن نهبه من هذه الثروات ولكن هل كان المالكي قادرا على المواجهة؟ وهل كان قادرا على بيع الحليف الإيراني الداعم على حساب الحليف الأمريكي الراعي للعملية السياسية في العراق؟ أم وقع في الفخ أن كان هناك فخا منصوبا له في البصرة؟.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |