دولة المرجعية

 

ضرغام الشلاه 

dgshallah@hotmail.com

من المسلم به أن الدولة تقوم على أركان ثلاث تتمثل بالشعب والسلطة السياسية والاقليم. يحكمها نظام سياسي مؤلف من سلطات ثلاث منفصلة هي التشريعية والتنفيذية والقضائية.

 النظام البرلماني وهو النظام السياسي المعتمد في العراق بموجب الدستور الدائم يقوم على ثنائية السلطة التنفيذية ممثلا بمجلس الرئاسة الذي يمثل بأجمعه منصب رئيس الجمهورية. والوزارة. وسلطة تشريعية ثنائية الهيئة تتناسب مع مقومات الدولة الفدرالية ( مجلس النواب , مجلس المقاطعات). وسلطة قضائية هي المجلس الاعلى للقضاء.

 حدد الدستور الذي يعد أرضية مرجعية الدولة أختصاص السلطات الثلاث. حيث لمجلس النواب حق سحب الثقة من الحكومة بألأضافة الى تشريع القوانين . من جانب آخر للحكومة سلطة تنفيذ القوانين و حق حل البرلمان. أما القضاء الدستوري ممثلا بالمحكمة ألأتحادية العليا فله صلاحية النظرفي دستورية القوانين وفض خلافات الاختصاص بين الحكومة الاتحادية والاقاليم.

 قرابة أكثر من عامين لم نشهد تفعيلا لمرجعية دولة مرهونة بالمحاصصة . حيث لم تكتمل التشكيلة الوزارية. فهنالك وزارات خدمية شاغرة بعد مرور سنتين على ألأنتخابات ناهيك عن الفساد ألداري والمالي المتفشي في أجهزة الدولة. لم تواجه الوزارة بمعارضة برلمانية من خلال مساءلة أو تحقيق برلماني وبالتالي سحب الثقة منها. في المقابل نجد عجز مجلس النواب في تشريع قوانين ذات أهمية كبيرة تتعلق بحياة المواطنين وضحايا النظام السايق. كان من المفترض بالحكومة أن تمارس أختصاصها الدستوري في حل البرلمان وأجراء أنتخابات مبكرة.

 العملية السياسية ألتي أنطلقت بعد عام 2003 تمثل الواجهة السياسية للديمقراطية المنشودة من أجل التدوال السلمي لسلطة الدولة من خلال ألأنتخابات . ألا أن ما حدث هو أن هذه العملية صيرت ألى سطوة سياسية أبتلعت الدولة العراقية بمحاصصة الشعب وألأقليم والسلطة السياسية . فهدمت مرجعية الدولة وما تبقى ليس سوى دولة المرجعية.

 ألمرجعية الدينية بنفوذها ألأجتماعي والديني مارست دورا مهما في حفظ السلم ألأجتماعي و تشجيع المواطنين للتوجه نحو صناديق ألأقتراع. فيما عدا ذلك فـأنها ليست سلطة دستورية منصوص عليها في دستور الدولة خلاف ما تفرضه كيانات سياسية بالترهيب والترغيب.

 نواة دولة المرجعية بدأت بعد نهيار السلطة السياسية الحاكمة. تلك الفرصة أستثمرتها ألأحزاب ألأسلامية بمبررات فقهية وتأريخية لأبراز الهوية الشيعية ويناء دولة المرجعية . فشحنت الشارع بمركزية المرجعية الدينية في قيادة مكون أجتماعي سياسيا وهم الشيعة بأطلاق شعار مرجعيتنا تقودنا بديلا عن السلطة المنهارة. مما دفع ألآخرين ألى تأسيس مرجعية دينية سنية معارضة.

أن مركزية المرجعية الحاكمة لم تدم طويلا بسبب الخلاف السياسي حول الماهية السياسية للمرجع الديني ودوره السياسي مما أدى ألى تهشيم دوره الديني الروحي . فظهرت مرجعيات تمارس العمل السياسي المباشر من خلال وكالات حزبية كالمجلس الاعلى للثورة ألأسلامية أو التيار الصدري أو الفضيلة أو الدعوة أو ثأر الله أو حزب الله ..ألخ.

 المراد بالمرجعية الدينية التي أصبحت مرجعا للدولة . هي التي تمثل ألأسلام السياسي دون ألأديان ألأخرى . في صدد ألأخيرهنالك مذاهب مختلفة بين السنة والشيعة. وأزاء المفهوم الطائفي تتعدد المرجعيات بين الصامتة والناطقة والمجاهدة والرشيدة ة... ألخ . فلكل مصطلح له دلالة سياسية ومقلدين أو أتباع.

 نجد أن شعب الدولة قد أنسلخ عن مواطنته وتبعيته لقانون الدولة. مفترقا في فتاوي مراجعه الدينية بين مسلم وغير مسلم وسني وشيعي ...ألخ. لطالما يعيش العراقيون اليوم نزاع أحقية الخلافة قبل 1450 عام.

 شعب المرجعية الدينية في العراق قد أنقسم حتى في تحديد أعياد وطنية عراقية كان من المفترض أن تتبناها مؤسسة الدولة بحيادية. فسمت أعياد ومناسيات المراجع الدينية على تحديد يوم وطني للدولة العراقية يجمع عليه العراقيون.

 أما شعب الدولة من المجتمع المدني العراقي فـأنه قد تعرض الى أبادة عرقية جسدية ومعنوية. شواهده حاضرة في تصفية العقل ا والفن وألأدب كجثث مجهولة. أيضا ينطبق الحال على بقية المكونات الدينية غير المسلمة المعبرة عن الهوية التاريخية للعراق كالكلدان وألآشوريين والصابئة التي لا تستظل بمظلة المرجعية ألأسلامية.

 تحول المرجعية الدينية ألى مرجعية للدولة العراقية قد ساهم في تمزيق أوصال شعب مؤسسة الدولة وتشتيت هويته العراقية في طرائق شتى ومدها خارج حدود العراق. مما أدى ألى تهشيم البنية التحتية للمجتمع المدني العراقي الضامن الوحيد للمواطنة العراقية. وتهديد السلم ألأهلي.

 المرجعية الدينية أضعفت هيبة الدولة وشلت سلطتها .حيث تحت مظلة المرجعية الدينية أبتكرت ألأحزاب ألأسلامية سلطة ألأرشاد أو النصح أو ألأستئناس وهو أختصاص لم ينص عليه الدستور الدائم . تتجلى في الزيارات المتكررة لأقطاب السلطة للمرجعية طلبا للنصح والمباركة . في قضايا كثيرة كقانون النفط والغاز والفيدرالية وتطبيق المادة (140).

 فماذا يعني توجه أغلبية أعضاء الكتل السياسية في الحكومة والبرلمان ألى المراجع الدينية طلبا للمباركة والنصح. بدلا من الوقوف تحت قبة البرلمان . أو اللجوء ألى المحكمة ألأتحادية العليا. أو تحريك دعاوي قضائية بحق المتهمين منهم بألأرهاب أو الفساد ألأداري والمالي.؟.

 بمعنى آخر أن سلطة المرجعية الدينية في النصح والرشد والمباركة للحكومة. شلت السلطات الفعلية المنصوص عليها في الدستور في سحب الثقة من الوزارة أو حل البرلمان وألأنتخابات المبكرة بل أنها بديلة عنها ألى حد ما.

 ناهيك عن تغييب المفاهيم ألأدارية الفنية في العمل المؤسسي ألأداري . فنجد أن دولة المرجعية الدينية قد أضفت سمات دينية ( الحجي , السيد) على موظفيها بديلا عن الكفاءة ألأدارية . لذا نجد تهافت أعضاء مجلس النواب وبقية منتسبي الوزارات على أداء الحج .

 ما لم تغلق المرجعية الدينية أبوابها أمام من يستظل بعباءة المرجع من أجل تمرير مشروعه السياسي تحت عمامة المرجع الديني. كي يصون فشله السياسي وفساده ألأداري والمالي من المساءلة القانونية للدولة.

 فـأن المرجع الديني سيكون تحت طائلة المحاسبة بسبب خرق الدستور وتعطيل أجهزة الدولة . ربما ألى حد ما تهم التحريض على ألأرهاب والتمرد والعصيان. في حالة وجود أدلة تثبت صلة ألميليشيات به.

 في حالة براءة المرجعية الدينية من ألأحزاب ألأسلامية ببيان واضح في وسائل ألأعلام بحيث تنأى بنفسها عن مشاريعهم السياسية . فأن ذلك سيضع أي كيان سياسي يحصن نفسه من العقاب بواجهة ألأسلام والمرجعية أمام تهمة التشهير بحق مرجع ديني .

 كان من المفترض أن يمر العراق بعد 9 أبريل 2003 بمرحلة أنتقالية لبناء مؤسسة دولة. أما ما يحدث اليوم هو أن وكالات حزبية للمرجعية الدينية قد أبتلعت الدولة كمرحلة أنتقالية لبناء دولة ولاية الفقيه في أقليم الوسط والجنوب ودولة الخلافة ألأسلامية في المنطقة الغربية. روجت لها ألأحزاب ألأسلامية في ديباجة دستور المحاصصة .

(عِرفاناً منَّا بحقِ اللهِ علينا، وتلبيةً لنداءِ وَطَنِنا وَمُواطِنينا، وَاسْتِجَابَةً لدعوةِ قِياداتِنَا الدِينيةِ وَقِوانَا الوَطَنِيةِ وَإصْرَارِ مَراجِعنا العظام وزُعمائنا وَسِياسِيينَا،)

نحن أمام مفترق طرق أما مرجعية الدولة أو دولة المرجعية... السؤال ألأهم بعد مرور خمسة أعوام من تجربة دولة المرجعية. لمن سيصوت الناخب العراقي في ألأنتخابات القادمة أو ألأنتخابات المبكرة كي يؤسس دولة ؟

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com