|
دخل إليها فاتحا لا محررا، هكذا رأى بعض المراقبون والمحللون السياسيون الهجوم الذي قاده رئيس الوزراء نوري المالكي على مدينة البصرة . ففي يوم الثلاثاء 25-3-2008 ابتدأت عمليات عسكرية واسعة كان الإعلان الظاهري لها هو القضاء على الفساد والتهريب وعمليات الاغتيال التي تطال العلماء والأطباء والمثقفين كما صرح بذلك رئيس الوزراء والناطق باسم الحكومة وأكثر من وزير ونائب عن الائتلاف الموحد، لذا اصطحب المالكي معه جميع الوزراء الأمنيين إضافة إلى وزير العدل بالوكالة صفاء الصافي، علما ان الحكومة كانت تعد العدة منذ أكثر من شهر للقيام بالمعركة الحاسمة مع تنظيم القاعدة في الموصل على حد تعبير رئيس الوزراء . إلا أن المفاجأة كانت كبيرة لجميع الأطراف في البلد سواء الحكومية أو الأمنية أو الشعبية حين تحولت المعركة في البصرة بين الحكومة العراقية من جهة والتيار الصدري وجيش المهدي من الجهة الثانية وترك المجرمون الفاسدون والمخربون المهربون المعروفون من قبل جميع أبناء الشعب العراقي. وقد وقفت عدة أسباب وراء ذلك التحول من أهمها : 1- ان أتباع السيد مقتدى الصدر يشعرون أنهم قد تحملوا وصبروا على الكثير من المظالم التي وقعت عليهم في محافظات عراقية عديدة أبرزها كربلاء والديوانية والسماوة . 2- إضافة إلى القصف والاعتقالات الدائمة في مدينة الصدر . 3- كذلك فان الالتزام بقرار تجميد جيش المهدي جعلهم عرضة للاعتقال والتصفية كما يقولون فصار اغلبهم يشعرون بالغبن والضعف وشيء من الشعور بالذل بسبب عدم قدرتهم على الرد . 4- إضافة إلى عوامل الفقر والفاقة والمعاناة التي يعاني منها اغلب أتباع التيار الصدري . 5- الأخطاء السياسية والتصريحات والمواقف غير المسؤولة والتي تنم عن قلة وعي وخبرة بالعمل السياسي من قبل ممثلي التيار الصدري في البرلمان . كل ذلك أدى إلى التخوف الدائم من أن الحكومة وقواتها الأمنية تستهدفهم وتحاول إبادتهم خصوصا ان مسالة الانتخابات المحلية على الأبواب، لذا استنفر التيار الصدري وجيش المهدي بالخصوص في محافظة البصرة وقاموا بالتصدي لموكب وزير الداخلية ومن ثم موكب رئيس الوزراء الأمر الذي جعل المالكي يغير من خطته – على حد قوله- فصارت المعركة بين الحكومة والتيار الصدري وكانت تزداد حدتها يوما بعد آخر بسبب التصريحات المتشددة والنارية من قبل أطراف من الجانبين سواء ممثلي التيار أو ممثلي الحكومة وخصوصا مستشاري المالكي (متعددي المواهب)! فزحفت المعارك إلى المحافظات الجنوبية والوسطى إضافة إلى اغلب أحياء بغداد . ولا ننسى السبب الأبرز وهو الاحتقان الذي يعيشه المجتمع العراقي عموما بسبب الفشل والفساد الذي صار سمة للحكومة والوزراء والتخمة التي يعيشها أولئك الفاسدون على حساب بقية أبناء الشعب الذين تقتلهم الفاقة والبطالة يوميا، فكانت تلك المواجهة فرصة لكل الناقمين على الوضع الحالي ان يقولوا كلمتهم بأي الطرق شاءوا فالفقر في الوطن غربة كما قال سيد الحكمة أمير المؤمنين (ع) وكما قال قائد ثورة العدل أبي ذر الغفاري، عجبت لمن لا يجد قوت يومه كيف لا يخرج على الناس شاهراً سيفه. ورغم النداءات العديدة التي وجهها السيد مقتدى الصدر وكان يدعو فيها إلى التحاور وحل المشكلة بالطرق السلمية، كذلك دعوة الدكتور إبراهيم الجعفري إلى الحوار إضافة إلى المبادرة التي أطلقها رئيس مجلس النواب لعقد جلسة طارئة – لم تتحقق بسبب عدم حضور الائتلاف والأكراد- والبيانات التي أصدرها بعض المراجع والتي دعت أيضا إلى الهدوء والتحاور وحقن الدماء كالسيد الشيرازي والشيخ فاضل المالكي ( الذي كانت دعوته متشددة وناقمة على الحكومة) والشيخ بشير النجفي وبيان السيد الحائري الذي حرّم فيه التقاتل وإراقة الدم العراقي وكذلك النداء الذي وجهه الناطق المدني باسم خطة فرض القانون الدكتور تحسين الشيخلي الذي طلب فيه من المالكي أن يوقف القتال مقابل إطلاق سراحه، إلا أن جميع الدعوات لم تجد أذنا صاغية من قبل رئيس الحكومة الذي كان يستمع فقط إلى كلمات المديح والثناء من قبل بعض العشائر (مغمّسة) بالكلمة الفصل (للرئيس الفعلي) للعراق جورج بوش الذي أعطى للمالكي دفعة قوية حين اخبره أنها معركتك الحاسمة وهي اختبار لصلاحيتك في الحكم فكان الرجل بين نارين !! بالمقابل كانت هناك أطراف مؤججة ومثيرة للازمة كانت بطلتها بلا منازع قناة الشرقية (العظمى ) التي كان لها الدور الأكبر في ذلك فقد كانت مهنية جدا ولكن بالمعنى السلبي فلم تترك تصريحا أو كلمة أو حتى إشارة لأي طرف من أطراف الأزمة إلا وكررته لعدة أيام في نشراتها التي خصصتها لذلك حتى بعد توقف القتال وانسحاب جيش المهدي . وهنا أريد أن اعلق قليلا على من ينعت تلك القناة بالعدوة والمثيرة للفتن، فلو أن لدى الحكومة وسيلة إعلام كالشرقية لكان هناك منحى آخر للأحداث فالكل يعلم ان من يربح معركة الإعلام في كل جانب فقد ربح أكثر من نصف المعركة ولكن (لا خبرة لمن تنادي) . صبّ المالكي الزيت على النار بعد مقتل مستشاره الأمني فأمر بحظر كامل للتجوال في بغداد وأمر بإطلاق النار على كل (متحرك) وكذلك اتصل بجميع المحافظين وأمرهم بغلق باب الحوار مع مكاتب الشهيد الصدر وضرورة التعامل بكل قوة معهم قبل أن يصف التيار الصدري انه أسوأ من تنظيم القاعدة وانه نادم لأنه لم يحاربه منذ بداية تسلمه الحكم فكانت تلك قشة كبرى كادت أن تقصم ظهر البعير لولا البيان الذي أصدره مقتدى الصدر والذي أمر فيه أنصاره بإلقاء سلاحهم وترك القتال والانسحاب من المدن حفاظا على سمعة العراق . وانتهت المعركة مع الصدريين، فماذا جرى، من الذي استفاد، من تضرر , هل تورط رئيس الوزراء بهذه المعركة، هل سيق لها سوقا، أم هل كان ناويا ومتعمدا وقاصدا لها ... مجموعة من التساؤلات التي خرجت بها معركة الستة أيام في صولة الفرسان التي سماها جيش المهدي صولة آل الصدر، فأي الصولتين كانت الرابحة، وهل هناك رابح حين يتقاتل أبناء الدين الواحد والبلد الواحد والمذهب الواحد ..
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |