|
الحل بالصولة أم بإصلاح الدولة؟
ساهر عريبي أعلن رئيس الوزراء العراقي والقائد العام للقوات المسلحة بدء عملية صولة الفرسان في مدينة البصرة الفيحاء بهدف القضاء على ما سماه بالعصابات الأجرامية التي تهرب النفط وتنشر الرعب في المدينة على حد زعمه. ولتحقيق ذلك أمر رئيس الوزراء بتسيير القطعات العسكرية نحو ثغر العراق وكأنها متجهة لتحرير فلسطين !. وهناك خاضت هذه القطعات معارك ضارية خلال الأيام القليلة الماضية أسفرت عن سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى في صفوف المدنيين ,وكانت النتيجة فشلا ذريعا لرئيس الوزراء العراقي الذي إضطر الى العودة الى بغداد جارا أذيال الخيبة والخسران فضلا عن تحمله لوزر الدماء التي أريقت , ألا ساء ما يزرون. ولولا نداء السيد مقتدى الصدر لأتباعه لكانت خسارة المالكي وخسارة العراق أعظم , إلا ان رئيس الوزراء إستدرك الأمر وأرسل رفيقه في الحزب النائب علي الاديب الذي لم يرده السيد مقتدى خالي الوفاض , بل ألقى إليه ولرئيسه مرة أخرى طوق النجاة ليخرج المالكي وحزبه من هذه المعركة الخاسرة بقليل من ماء الوجه. ولقد أثبتت هذه الخطوة كذب إدعاءات المالكي في إستهدافه للعصابات الأجرامية , فإن كان هدف عمليات الصولة القضاء على العصابات فلماذا اللجوء للسيد مقتدى الصدر ؟ فهل يريد المالكي تصوير السيد مقتدى على انه زعيم لعصابات إجرامية؟ . وإن كان التيار الصدري عبارة عن عصابات فكيف سمح المالكي لنفسه ان يتولى رئاسة الوزراء بدعم من عصابات إجرامية؟ وكيف سمح المالكي لنفسه بإرسال من يمثله للتفاوض مع زعيم عصابات إجرامية؟ أم إن المالكي لا يصدق في إدعاءه هذا وإنما المستهدف من هذه العمليات لم يكن سوى التيار الصدري الذي اوصل المالكي وحزبه لسدة الحكم فكان الجزاء غدرا وطعنا في الظهر وكما فعل صدام سابقا عندما إنقلب على من اوصله للسلطة . لقد كان هدف هذه العمليات الأساسي هو حسم معركة الأنتخابات المحلية القادمة لصالح المالكي وحزبه الذي لا يحظى بأي شعبية في الجنوب العراقي قبال التيار الصدري الذي لديه اليد الطولى هناك. ولقد أظهرت هذه العمليات وللأسف مدى تعطش المالكي لسفك دماء العراقيين. ولو فرضنا جدلا ان هناك عصابات إجرامية في البصرة تسرق النفط وتنشر الذعر في المدينة فهل أن السبيل الوحيد للقضاء عليها هو العمل العسكري الذي أثبت فشله مرارا وتكرارا أم أن هناك سبلا وحلولا أخرى؟ فإن أراد المالكي القضاء على عصابات السرقة فعليه ان يبدأ بالعصابات المحيطة به والتي تملأ وزاراته ومن ثم ليتجه للقضاء على العصابات في البصرة. فعند غياب القدوة وعندما تعبث العصابات السياسية بمقدرات الدولة العراقية , وعندما يتجاوز حجم الفساد المالي في وزارة واحدة مثل وزارة الصحة مئات الملايين من الدولارات , وعندما تستشري البطالة في المجتمع في الوقت الذي يسرق فيه الحزبيون الوظائف الحكومية ويجمعون بين عدة مناصب في أن واحد, فهل نرجو ونتوقع عدم ظهور عصابات في المجتمع؟ إن الحكومة الفاسدة مسؤولة بشكل أو بأخر عن نشوء مثل هذه العصابات, فإن أراد المالكي حقا القضاء على العصابات الأجرامية فعليه أن يبدأ بالعصابات المتواجدة في مكتبه وعليه ان يبدأ بالقضاء على عصابات الفساد المعشعشة في وزاراته ومن ثم ليذهب لقتال العصابات الإجرامية في البصرة. أم إن المالكي يعمل طبقا للقاعدة الجاهلية (إن سرق فيكم القوي تركتموه وإن سرق الضعيف أقمتم عليه الحد)؟. ومن ناحية أخرى فأن صولة المالكي هذه التي أدت الى إنطلاق شرارة المعارك في عدد كبير من المحافظات العراقية قد أثبتت بأن الأمن هش في العراق وان الوضع قابل للأنفجار في أي لحظة ليس في الجنوب العراقي وحده بل في مختلف أنحاء العراق, ويكمن السبب الأساسي لذلك في غياب توافق وطني ومصالحة وطنية حقيقية. فعندما تعاني الحكومة من النقص بسبب إنسحاب كتل سياسية كبيرة منها , وعندما لا يأبه رئيس الوزراء لذلك ويستمر في حكومته وكأن شيئا لم يكن, وحين لا يخطو رئيس الوزراء العراقي خطوة واحدة في إتجاه تحقيق المصالحة وتلبية مطالب هذه الكتل المنسحبة , وحين يؤثر المالكي مصالحه الشخصية والحزبية الضيقة على مصلحة الوطن , فهل نتوقع أمنا وإستقرارا في البلد؟ إن الحل يا سيادة رئيس الوزراء ليس بالصولة بل بالمصالحة وإصلاح الدولةّ.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |