|
متى ينظف العراق كلياً من المخلفات القاتلة؟
د.كاظم المقدادي/ باحث بيئي عراقي مقيم في السويد تحتفل الأمم المتحدة في كل عام بالرابع من نيسان/أبريل بوصفه اليوم العالمي للتوعية بالألغام، والتعريف بالأبعاد الحقيقية لهذه الأسلحة الخفية، اللاإنسانية، التي تُعدُ بمثابة اَفة خطيرة تهدد مستقبل الأوطان.مثلما هي مناسبة لتسليط الضوء على أحدث سبل المساعدة والإجراءات المتعلقة بالتخلص منها،خصوصاً وان الوكالات الدولية المتخصصة التابعة للأمم المتحدة تؤكد بأن العالم احرز تقدما على صعيد التخلص من الالغام الأرضية، وغيرها من مخلفات الحرب، كالمتفجرات. وأن التخلص من تلك الالغام يمكن أن يتحقق في غضون سنوات، وليس عقوداً ، مما ينقذ آلاف الاشخاص من الإصابات المدمرة ومن الموت.. فما هي الألغام ؟ اللغم عبارة عن وعاء من المعدن أو البلاستيك او الخشب، يحتوي على متفجرات أو مفرقعات شديدة،مع وسيلة إشعال. ينفجر اللغم بتأثير خارجي، مثل مرور عجلات، أو أفراد،أو حيوانات فوقه، أو بوسيلة سيطرة بعيدة، بالـ " ريمونت كونترول"،أو بسبب درجات الحرارة العالية، وغير ذلك. من هنا تنقسم الألغام الى نوعين: الأول- ألغام مضادرة للأفراد، تم تصميمها لقتل او جرح، وبالتالي أعاقة الأفراد عن التقدم في ميادين القتال،أو عبور الحدود.والثاني- ألغام مضادة للدبابات- لتدمير الدبابات والمركبات ومنع تحركها. في الوطن العربي، ثمة عشرات الملايين من الألغام القاتلة، و الذخائر غير المنفجرة، التي خلفتها الحروب والصراعات. وثمة حاجة ماسة ،جدية، وفاعلة لمعالجة المشكلة، وإتخاذ الإجراءات المطلوبة،التي طال إنتظارها،حيث تشكل خطراً على الإنسان و بيئته الطبيعية. كما أنها تمثل تحدياً كبيراً يواجه برامج التنمية الاقتصادية و الاجتماعية في العديد من بلدان الوطن العربي،مثل العراق و سوريا و لبنان ومصر و اليمن و السودان، وغيرها. في العراق،يبدو أنه لم يكف العراقيين ما سببته لهم حربي عام 1991 وعام 2003 من تلوث إشعاعي خطير نتيجة لإستخدام ذخائر اليورانيوم المشعة من قبل القوات الأمريكية والبريطانية،وغيرها،ونجمت عنه أمراض سرطانية وتشوهات ولادية وعلل عضال ستتوارثها الأجيال القادمة.وما زالت مخلفاتها،وهي مشعة وسامة، تنتشر في أرجاء العراق وحتى وسط الأحياء السكنية.. عدا هذا، تنتشر ذخائر غير منفجرة، وأسلحة محطمة، وملوثات كيماوية، ليس فقط في الصحراء العراقية والكويتية، بل وفي مواقع داخلية كثيرة،داخل المدن والقرى، بما شكل ويشكل أخطاراً جمة،خاصة على الأطفال، ليس فقط بسبب التلوث البيئي، وإنما أيضا بسبب اللعب بالقذائف غير المنفجرة التي تتسبب بالوفيات، وببتر الأطراف. والمعروف أن الأراضي العراقية زُرعت بملايين الألغام، حيث اعلنت الهيئة الوطنية العراقية لشؤون الالغام وجود 25مليون لغم تحت الارض، لم تستخرج بعد، اضافة الى 3 ملايين طن من الصواريخ، والقنابل، والذخائر، مازالت مهملة في مناطق متفرقة. أكدت ذلك عمليات المسح الاخيرة، وهي تقديرات اولية، اذ تشير الدلائل الى وجود اعداد اكبر لم تزل مدفونة تحت الارض، وموزعة بين الحقول والمزارع، وكل ذلك من مخلفات الالة العسكرية للنظام السابق. وقدرت الهيئة المذكورة عدد المناطق الملوثة بالألغام والمقذوفات بأكثر من 2000 موقع في بغداد والمحافظات القريبة. وأثبتت آخر المسوحات للألغام الأرضية، والتي شملت 12 محافظة، و11 الف و 250 منطقة سكنية، وجود أكثر من 4000 منطقة ملوثة بالألغام.وأكدت الهيئة ان ثلثي سكان العراق يعيشون بالقرب من المناطق الملوثة بالالغام والقنابل غير المنفلقة.وأظهرت التقارير التي صدرت مؤخرا عن الهيئة ان 11 مليون و 800 ألف نسمة يتأثرون بشكل مباشر بهذه المشكلة، اي بحدود 9995 تجمعا سكانيا، منها 2678 تجمعا تبعد منطقة الخطر عنها بمسافة تقل من كيلو متر واحد. وقدرت التقارير ان 50% من الاراضي الزراعية ملوثة بالالغام والاعتدة غير المنفلقة. وكانت الهيئة الوطنية لشؤون الالغام قد طهرت 60 مليوناً و 811 الفاً و294 متراً مربعاً من المناطق المتأثرة بالالغام والقنابل والمقذوفات غير المنفلقة.ومع هذا لاتوجد خرائط كاملة للمناطق الملوثة بالألغام الأعتدة غير المتفجرة، ويبدو أنها تلفت مع سقوط النظام، وهو ما يعقد مهمة التخلص من الألغام،والتوعية بمخاطرها، ويتواصل سقوط ضحايا إنفجارها. ويرى المراقبون لواقع الألغام أن الهيئة العامة لمكافحة الألغام في العراق فشلت في تحرير مناطق شاسعة من الأراضي بسبب الأوضاع الأمنية فضلا على عدم وجود تنسيق جدي مع الدول ذات الصلة في إجراء مسوحات كافية لجميع الأراضي ولا سيما في المناطق الساخنة على الرغم من انضمام العراق إلى اتفاقية أوتاوا لمكافحة الألغام العام الماضي. لقد كانت الهيئة الوطنية العراقية لشؤون الالغام تابعة لوزارة التخطيط والتعاون الانمائي،وأصبحت منذ بضعة أشهر تابعة لوزارة البيئة.فهل ستحضى الهيئة بدعم أكبر ومساندة أفضل من قبل الحكومة العراقية ووزارة البيئة، التي هي بالذات تعاني من مشكلات كثيرة، ومنها الميزانية الضعيفة، وشحة الكوادر الفنية، ونقص المعدات اللازمة لكافة أنشطتها المتعددة ؟!! والمشكلة لا تحتمل المزيد من التأخير، فالعراقيون يعيشون اليوم - بحسب اَخر تقرير لصندوق الأمم المتحدة للطفولة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي- وسط واحد من أكبر تجمعات الألغام الأرضية، والذخائر غير المنفجرة، وغيرها من المتفجرات، من مخلفات الحروب.فقد حدد مسح عام 2006 نحو 4 اَلاف منطقة متضررة بأثر الألغام الأرضية. وأشار ديفيد فييرا- ممثل البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة لمكافحة الألغام في العراق: أن العراق يعد أخطر منطقة في العالم من حيث انتشار الألغام فيه. وتعتبر القنابل العنقودية غير المنفجرة مشكلة كبيرة وخطيرة في العراق،تتطلب حلاً عاجلاً رأفة بالناس الأبرياء.وأكدت المنظمة الدولية لذوي الإحتياجات الخاصة ( المعوقين) في تقرير لها نشر عام 2006 بأن ما لايقل عن 55 مليون قنبلة عنقودية أسقطت في حربي عام 1991 و 2003، الأمر الذي جعل العراق من أكثر بلدان العالم تلوثاً بمثل هذه الملوثات الخطيرة.وأعلن ديفيد شيرر- نائب الممثل الخاص للأمين العام للعراق، منسق الشؤون الإنسانية للعراق: ما زالت المتفجرات من مخلفات الحرب في العراق تحصد الأرواح، وتهدر سبل العيش. إنها تلحق إصابات مدى الحياة، وتمنع من الوصول إلى الأراضي المنتجة، وتقوَض حرية التنقل، حتى لو كان ذلك لغرض توصيل مواد الاغاثة الانسانية.وأضاف: إننا بحاجة إلى زيادة الجهود للحد من الأضرار التي تسببها، وعلاج ضحاياها. ويعيش الأطفال العراقيون في خطر كبير بسبب الذخائر غير المنفجرة، التي يمكن أن يعتبروها أجساما غير مؤذية يمكن اللهو بها. وقد قدر ربع ضحايا الذخائر غير المنفجرة في عام 2006 البالغ عددهم 565 ضحية من الأطفال تحت سن الثمانية عشرة سنة.ان المخاطر التي يتعرض لها الأطفال بسبب الذخائر غير المنفجرة غير مقبولة- بحسب روجر رايت- ممثل اليونيسيف، وأضاف: ان الضرر الذي تلحقه يمتد الى ابعد من القدرة الجسمانية المقيدة للاطفال من اجل الذهاب الى المدرسة بسلامة والتمتع بطفولة عادية. من هنا يعتبر الوعي الشامل والتثقيف بالمخاطر حيويا كأفضل وسيلة وقائية لهم. وكان ستيفان دي مستورا- نائب المندوب الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، والمنسق العام للبرنامج الإنساني في العراق،قد أكد عام 2006 بان الألغام الأرضية تزهق أرواح المئات من الأطفال في العراق، حيث يشكل المدنيون ما لا يقل عن 99 بالمئة من ضحايا الذخائر غير المتفجرة من بقايا الحروب، ويمثل الأطفال دون سن 14 عاماً ربع المجموع الاجمالي للضحايا. وأكد أن الأطفال هم أكثر عرضة للإصابة أو الموت جراء الجروح الناجمة عن الذخائر غير المتفجرة من الكبار، حيث يجذبهم المنظر الخارجي المتميز وذي الألوان البراقة لهذه الأجسام القاتلة.واوضح السيد روجر رايت- الممثل الخاص لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف" في العراق بأن معظم الأطفال الضحايا يفقدون الحياة قبل وصولهم الى المستشفى،مؤكداً أنه بدون العلاج الطبي الملائم، لا يستطيع حتى أولئك الذين يبقون على قيد الحياة والمصابين جراء الذخائر غير المتفجرة، الاستمرار في الدراسة، وتتضاءل فرصهم المستقبلية في التعليم، وفي العمل، وغالباً ما يعتبرون عالةً على عوائلهم والمجتمع.وأضاف: أن الأطفال الذي يفقدون أحد الوالدين، بسبب حادثٍ بالذخائر غير المتفجرة، يواجهون مصاعب جمة كأطفال أيتام. ولهذا تحرص منظمة "اليونيسف" على توعية أطفال العراق، وعوائلهم، حول كيفية التقليل من مخاطر الألغام والذخائر غير المتفجرة من بقايا الحروب .من جانبها اكدت السيدة فالبورغا انجلبريخت-القائمة بأعمال مكتب المفوضية العليا لشؤون الاجئين التابعة للأمم المتحدة في العراق بأن اللاجئين والمهجرين من الأطفال هم الأكثر عرضة للتضرر من الذخائر غير المتفجرة لأنهم على الأغلب غير مدركين لمخاطر اللعب والعبث والعبور ما بين المناطق الخطرة. ومن المفارقات غير الغريبة في العراق أنه لا توجد لليوم احصائية رسمية متكاملة لعدد الاطفال العراقيين الذين قتلوا او أصيبوا بالعوق والتشوهات او العاهات المستديمة، بسبب إنفجار الالغام. ومع هذا تؤكد السجلات والوقائع والتقارير الدولية تصاعد عدد الاطفال الذين لقوا حتفهم، أو أصيبوا بعجز بسبب انفجار الالغام.ويؤكد الدكتور حيدر حسن طارش بان مئات الآلاف من الاطفال العراقيين يمشون على عكازات حالياً، وقد قطعت اطرافهم العليا او السفلى بسبب الالغام او الانفجارات والمفخخات، وان الطلب على الكراسي المتحركة والاطراف الصناعية يتزايد مع تزايد ضحايا الالغام والسيارات المفخخة. واذا كان معظم الاطفال ضحايا الألغام هم في الجنوب وكردستان، فان اطفال بغداد هم ضحايا السيارات المفخخة والعبوات الناسفة.وذكر مصدر في الهيئة الوطنية لشؤون الالغام ان اكثر من 300 اصابة يومياً تحصل بسبب انفجار القنابل والمقذوفات غير المنفلقة في عموم البلاد.. أما التأثير الاجتماعي والإنساني،فمما لاشك فيه ان الإصابات الناتجة من انفجار الألغام والمقذوفات غير المنفلقة بأنواعها تسبب موت أو جرح الأشخاص وإحداث تشوهات جسدية، والتي بدورها تؤدي إلى خلق آثار نفسية مدمرة على الفرد والأسرة والمجتمع وسوف يتحول الأشخاص المصابون بالعاهات والمعوقين والمشوهين إلى أشخاص غير قادرين على العمل والعطاء وعاجزين عن السير والحركة. ومن المعلوم بأنه بالرغم من وقوع حوادث يومية سببت ولا تزال في موت وجرح الكثير من المواطنين الأبرياء خاصة الأطفال إلا أن الخطر الحقيقي لهذه الألغام والمقذوفات لم يبدأ بعد- بحسب مزاحم جهاد مطر- الخبير في الشؤون الأستراتيجية- مدير المنظمة العراقية لإزالة الألغام، فهذا الخطر يبدأ مع عودة الحياة الطبيعية، وعودة السكان إلى قراهم وحقولهم وينتشر الناس من عمال وفلاحين ورعاة، وتبدأ مجموعات الإدامة والصيانة للمعامل والمصانع والمنشآت الحكومية وخاصة تلك المنتشرة خارج المدن والتي تعرضت إلى عمليات القصف أو زرعت حقول ألغام حولها أو فيها أو على الطرق والمحاور المؤدية إليها.. ويذكر، ان المشاريع المدعومة من الأمم المتحدة تمكنت،منذ عام 2005، من تطهير 124 مليون متر مربع في جنوب العراق، وأتلفت 105 اَلاف و 221 جسما من الأجسام المتفجرة بما في ذلك 15 ألف و 793 عتادا من الذخائر العنقودية. وينسق صندوق الأمم المتحدة للطفولة التثقيف بمخاطر الالغام في العراق مع نظرائه من الوكالات الدولية والمنظمات غير الحكومية. وفي عام 2007 تلقى أكثر من 300 ألف من البالغين والأطفال معلومات يمكن أن تكون منقذة للحياة عن الألغام والذخائر غير المتفجرة من خلال حملات المعلوماتية والبرامج المدرسية. ولكن هناك حاجة للمزيد من العمل، لا سيما في وسط العراق، حيث لا توجد حاليا أموال مع قدرات ضئيلة لبرامج إزالة الألغام. و سيكون لتطهير الذخائر الخطيرة في العراق أثر مباشر وفوري على السكان العراقيين - بحسب كنت بولوسون- كبير مستشاري الأعمال المتعلقة بالألغام لبرنامج الامم المتحدة الانمائي. وأضاف: إذا قمنا بزيادة جهودنا يمكننا إزالة أحد مخاطر الأمن الإضافية التي لا حاجة للشعب العراقي لها وتسهيل إعادة إعمار المجتمعات الملوثة". وعلى الصعيد الدولي،تحث الأمم المتحدة على التقيد مع تنفيذ جميع المعاهدات ذات الصلة بشأن المتفجرات من مخلفات الحرب، لا سيما معاهدة حظر الألغام المضادة للأفراد، والبروتوكول الخامس بشأن المتفجرات من مخلفات الحرب من الاتفاقية المتعلقة بأسلحة تقليدية معينة، والاتفاقية الجديدة بشأن حقوق الأشخاص الذين يعانون من الإعاقات.. ويقوم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وبتمويل من الحكومة الإيطالية والمجتمعات الأوروبية، بتنفيذ برنامج نزع الألغام بكلفة 8.4 مليون دولار في العراق، ويشمل في جزء منه بناء المؤسسات، وفي جزء آخر تمويل العمليات.. إلا أن المعالجة الجدية لمشكلة الألغام لن تتحق إلا في ظل إستتباب الأمن والإستقرارووضع خطة مدروسة وفاعلة،تأخذ بتجارب الدول الأخرى وما تحقق من منجزات في هذا المضمار، وتنفذ بمساعدة دولية وإقليمية.. وعندئذ سنبعد الخطر الحقيقي عن العراقيين الأبرياء، وبخاصة الأطفال.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |