|
من يحكم العراق؟
وداد فاخر/ النمسا/ ناشط في مجال مكافحة الإرهاب هو تساءل حقيقي وجوابه موجود على ارض الواقع في العراق ولست هنا في معرض التشكيك بالحكومة الحالية التي تتصدر السلطة والتي تتشكل من خليط سياسي غير متجانس ووفق المحاصصة القومية والطائفية التي خلقتها الظروف السياسية والموضوعية اثر سقوط نظام الفاشست البعثيين . فهناك وضمن الواقع العراقي تجاذبات عدة تتحكم في الوضع العراقي وتدعونا لطرح مثل هذا السؤال وتتمثل في: •المحتل الأمريكي وهو عصب الحركة الرئيسي داخل الدولة العراقية الذي يشد ويجذب أكثر من غيره، وتمثل الشد والجذب في أمور كثيرة ظهرت على ارض الواقع، وشارك في إعادة الوجوه البعثية القديمة لداخل السلطة وتحكم حتى في بعض القوانين، واخل بالتوازن السياسي، وعطل بعض الأحكام والقوانين وشكل في ذلك خطرا على المواطنين العراقيين خاصة في إطلاق سراح العديد من القتلة والمجرمين والإرهابيين الذين يراد بإطلاق سراحهم وبالتعاون مع بعض الوجوه البعثية كطارق الهاشمي الذي يمثل رأس الحربة للطابور الخامس العامل على اعادة هيمنة وسلطة البعث بطريقة مخادعة باسم الديمقراطية. والغرض من إطلاق سراح القتلة والإرهابيين هو إعادة دورة العنف والإرهاب للشارع العراقي خدمة لبقاء المحتل والتشديد في شروط المعاهدة المقبلة معه والدليل على ذلك ما جاء على لسان السلطات المحلية في مدينة الفلوجة التي أكدت عودة بعض من أطلق سراحهم أخيرا للعمل مع القاعدة. ولم يترك المحتل أيضا المجال للقضاء العراقي أن يأخذ دوره في تجريم الإرهابيين وتطبيق حكم القانون عليهم ممن يحتجزهم داخل معتقلاته . كذلك أطلق سراح العديد من ازلام النظام الفاشي السابق ومنهم شخصيات مسؤولة كالمقبور سعدون حمادي والدكتورة رحاب طه أو الدكتورة جرثومة وهدى صالح مهدي عماش، وترك مشاركين في جرائم البعث يتركون العراق بكل سهولة مثل غوبلز العراق محمد سعيد الصحاف ووزير خارجية صدام ناجي صبري الحديثي وغيرهم الكثير . وأخيرا منع تنفيذ حكم الشعب بمجرمي الأنفال وعطل الدستور بالاتفاق مع حفنة من البعثيين وعلى رأسهم ممثل الطابور الخامس طارق الهاشمي . •ولعبت العديد من القوى الطائفية على الساحة العراقية دورا إرهابيا متميزا من سنة وشيعة، وخرقت القوانين واستخدمت حق القوة بوجود سلطة الدولة والقانون كالذي يسمي نفسه بجيش المهدي وتجاوزات شخص متهم بجريمة قتل يدعي بقيادته لما يسمى بـ ( جيش المهدي ) أي (مقتدى الصدر)، وبقية الميليشيات التي ظهرت كنبت شيطاني بعد سقوط نظام الفاشست العنصريين والتي تشكلت معظمها من بقايا فدائيي صدام وجيش القدس ورجال تشكيلات النظام المنهار الأمنية الذين اختبئوا تحت عباءة الدين أو الطائفة بالذات من سنة وشيعة، وشكلوا بميليشياتهم دولة داخل الدولة الأساسية نموذجا مصغرا لدولة العنف والتسيب والخرق القانوني . وزرعوا الرعب والدمار في وطننا الحبيب، كميليشيا جبهة التوافق وميليشيا حزب الفضيلة وبقية الميليشيات التابعة للاحزاب الشيعية الحاكمة في الوقت الحالي، وميليشيا الحزب الإسلامي وحزب الله وثار الله، والميليشيات الإرهابية العائدة للقاعدة والمتعاونة مع حزب البعث، والعصابات الإجرامية الأخرى . •وشكل نظام المحاصصة القومية والطائفية خطرا آنيا ومستقبليا على الدولة العراقية الجديدة من خلال فرض وجوه وشخوص غير مؤهلة علميا أو مشكوك بوطنيتها لتسلم مفاصل الدولة بدءا من رئاسة الدولة حتى المسؤوليات الرئيسية في الوزارات والمديريات العامة، ومجالس المحافظات . لذا شاع الفساد الإداري واختلست أموال الدولة وعمت الفوضى فلم تنفذ المشاريع في أي من المحافظات وظلت الخطط المعدة لتحسين الخدمات الاجتماعية والمعيشية معطلة بوجود ميزانية الدولة الضخمة . كذلك تعطل إعادة تشكيل الوزارة العراقية بسبب الضغوط الحزبية التي لا زالت تتمسك بقوة بنظام المحاصصة الذي أسسه الحاكم المدني الأمريكي بول بريمر، وتوزيع وزارات الدولة حسب قوتها في البرلمان الذي بني قانونه على خطأ وهو القوائم الحزبية المغلقة، وتضغط بواسطته على رئيس الوزراء مهددة بسحب الثقة من حكومته في حال تشكيله الوزارة وفق معايير الكفاءة والوطنية . •وجود دول إقليمية تتحكم بالوضع العراقي وتشكل محورا مهما في العديد من التوافقات السياسية وغض الطرف عن هذا المسمى السياسي الإرهابي أو ذاك كما حصل في الكثير من الأحداث التي لم يعرف للان المسبب الرئيسي لها كتفجير القبتين في سامراء وحادث الزيارة الشعبانية في كربلاء، ومن قبلها حادث تفجير جسر الصرافية وحادث جسر الأئمة . رغم إن هناك علامات ظاهرة ومعروفة للاعبين أساسيين من دول المنطقة الإقليمية وهما إيران والمجموعة العائدة لها كسوريا وجماعة البعث التي تتمركز في سوريا وبعض جماعات القاعدة التي تتخذ من فنادق بإيران أماكن مخفية لها بدعم من فيلق القدس الإيراني . أما اللاعب الثاني فيتمثل في المحور السعودي الذي يضم معه محميات الخليج كقطر والإمارات . ودور معرقل ولو من بعيد لمصر وليبيا والأردن . من كل ذلك نرى إن هناك عوامل عدة تتحكم في صنع القرار الرسمي العراقي وتتداخل مع ما يضمره العراقيون من اجل بناء العراق الجديد فتشل حركة الوزراء والمسئولين الحكوميين، وتترك المجال في أحيان كثيرة لمجرمين وإرهابيين للإفلات من قبضة القانون رغم الدلائل العديدة المتوفرة لأدانتهم . وكعينة على ذلك ما شاهدناه من تدخل أمريكي سافر لإطلاق سراح مجرم مدان بسرقة الملايين كوزير كهرباء إياد علاوي أيهم السامرائي، أو مساعدة البعض من داخل الحكومة العراقية والطرف المشارك في السلطة ممن وقع على شعبهم سابقا ظلم وجور وجرائم مشعان وأمثاله من ( فرسان صلاح الدين ) بحماية مجرم آخر وتركه يهرب للخارج كالمجرم مشعان الجبوري، وبعده المساعدة في هروب كل من حارث الضاري وعضو البرلمان عبد الناصر الجنابي، واختفاء علني للملا الوهابي الذي تسلم وزارة الثقافة ( اسعد كمال الهاشمي ) ابن أخت طارق الهاشمي المتهم باغتيال ابني عضو البرلمان العراقي مثال الالوسي والاختفاء المفاجئ للمدعية صابرين الجنابي التي نظم مسرحية ظهورها الحزب الإسلامي وبجهد كبير ودعم من طارق الهاشمي نفسه . وقبل كل ذلك طوي ملف جريمة السيد عبد المجيد الخوئي التي وقعت في النجف الاشرف في أول أيام سقوط صنم العفالقة والمحرض عليها مقتدى الصدر نفسه . كذلك السكوت المر عما تقوم به ولحد الآن ميليشيات حزب الفضيلة في البصرة خاصة من قتل ونهب وسرقات نفطية علنية وعلى رأسها محافظ البصرة محمد مصبح الوائلي والميليشيا التابعة لحزب الفضيلة والدور المخيف لسيارة (البطة ) التي ارهبت الناس في البصرة . والسكوت المر عن ما حدث من قتل وخطف وسلب في البصرة حتى جاءت الحملة الأخيرة التي لم تحقق للآن أهدافها، لكن إلقاء القبض على يوسف السناوي وإخوته المجرمين وملاحقة قوارب المهربين للنفط أشاع بعض الأمل في إمكانية تنفيذ كامل للخطة المعدة لتنظيف البصرة . بمعنى إن هناك تدخلات عديدة تشارك في صنع القرار الحكومي وحتى القضائي العراقي إذا أخذنا مثلا بتبرئة ساحة وفيق السامرائي مستشار رئيس الجمهورية المشارك في الإعداد لخطط عمليات الأنفال وابادة الجنس البشري في كردستان العراق . وللعامل الديني المذهبي دور مهم في تأجيج التدخل الإيراني، حيث لازالت إيران تفكر بأهمية الدور الاقتصادي والسياسي للمرجعية الدينية التي تتمركز في النجف الاشرف والتي تهيمن كليا على أكثر من 300 مليون شيعي مسلم وتجتذب أموال الخمس والزعامة الدينية التي تتغلف بإطار شبه سياسي، وهو دور تريده إيران بقوة لها منذ زمن الشاه رضا بهلوي الذي كان يضغط بقوة على التجار الإيرانيين لمنعهم من إرسال الخمس للمرجعية في النجف زمن السيد أبو الحسن الاصفهاني في بداية أربعينيات القرن الماضي، وترك الخمس داخل إيران لأعمار وتطوير كل من مشهد وقم . ولو تمعنا قليلا فيما حصل من عمليات إرهابية وعسكرية كبيرة لهالنا ما قامت به مجاميع البعث الجديد المسماة بالتيار الصدري وأولها ما قامت به من شد أزر الارهابيين في معركة الفلوجه، وثانيهما احتلالها للنجف والجرائم العديدة التي قامت بها وبروز قوى خفية تمثلت في تدخل خارجي يدخل ضمن توازن الصراعات القائمة في المنطقة لترك القتلة والمجرمين طليقي السراح وخروجهم سالمين من النجف بعد جرائمهم العديدة، كذلك ما حدث بعد حادثة الزيارة الشعبانية في كربلاء . وأريد أن المح هنا للدور الإيراني الفاعل الذي يتوافق كليا مع الدور الأمريكي وعلى طريقة تغميض العين وشيلني وأشيلك، كون الصراع المحتدم بين طرفي النزاع في المنطقة إيران وأمريكا يتخذ من الأرض العراقية ساحة لصراعه الشرس وهو ما يتطلب خلق تلك التوازنات بين طرفي النزاع عند كل جولة من جولاته . وظهر ذلك أيضا في الجولة الأخيرة للصراع في مدينة البصرة وعند احتدامه جرى تدخل إيراني واضح للضغط على صنيعة إيران في العراق مقتدى الصدر ليوعز لعصاباته بترك الساحة والاختفاء مؤقتا، وتمثل ذلك الموقف في الزيارة التي قام بها كل من هادي العامري وعلي الأديب قطبي المجلس وحزب الدعوة وما حصل من اتصالات وضغوط إيرانية أمريكية مشتركة لتسوية الأمر في البصرة . ومثل ذلك حصل وبكل وضوح في محافظة ديالى وبضغوط وهابية كان للأموال والتبرعات والسلاح السعودي والخليجي دور بارز فيه، مع نشاط مكثف لنواب جبهة التوافق بموجب المحاصصة في تأجيج ودعم ذلك الإرهاب والضغط بقوة على رئيس الوزراء لتحقيق مقترحاتهم ومشاركتهم في صنع القرار السياسي وخاصة مطمعهم في الإشراف على الأمن . ولا زال الوضع العراقي وللآن يقع تحت ضغط تلك التوافقات والتنازلات ليكون شعبنا بالأخير ضحية كل تلك الألاعيب السياسية القذرة التي عطلت إعادة أعمار العراق وذهب ضحيتها الآف الأبرياء من العراقيين وهجر آخرون وخاصة من الشيعة والمسيحيين والمندائيين الذين وقعوا بين قطبي الرحى وهما السياسيين الجدد والسياسيين الطارئين على الساحة السياسية العراقية والطامعين بثروات العراق في جانب والمحتل الأمريكي والدول الإقليمية التي لا تريد للعراق أن يكون عراقا للحرية وإشاعة الديمقراطية بل تريده عراقا ضعيفا متهالكا يعتمد على الغير لكي تبرز على حسابه دول ودويلات في المنطقة لم يكن لها يوما تاريخ يذكر من جانب آخر. والأغرب من كل ذلك أن هناك قانون صادر عن الجمعية الوطنية السابقة لم يتم تطبيقه مطلقا على كل من يشجع ويشارك في أعمال الإرهاب وهو ( قانون مكافحة الإرهاب ) فشخوص إرهابية معروفة إن كانت داخل مجلس النواب أو من خارجه تمارس الإرهاب وتدفعه للأمام بقوة وتصرح معلنة بذلك وتم إلقاء القبض على البعض منها لكن لم يتم للآن محاسبة أي طرف من تلك الأطراف ويدخل ذلك ضمن التوازنات الطائفية والسياسية وسكوت البعض من رجال السلطة عنهم كون من يشارك ويشجع على الإرهاب يهدد الآخرين بفضح فسادهم الإداري والمالي. ولاحظنا إن عملية الصمت رانت على ما قام به محمد الدايني أو جماعة التوافق وخاصة عدنان الدليمي وأولاده، وجماعة التيار الصدري أو ما تقوم به بعض ميليشيات المجلس الأعلى، ووجود كم هائل من المسؤولين الحكوميين التابعين للعديد من الأحزاب ممن لا يملك حتى شهادة الثانوية العامة . وفي العملية الأخيرة التي جرت في مدينة البصرة كانت هناك أصوات عديدة محرضة ضد القوات المسلحة العراقية انطلقت من شيوخ( زعاطيط ) في النجف الاشرف حيث مركز ميليشيا مقتدى الصدر أو من الكاظمية حيث يتمركز حازم الاعرجي، أو من داخل مجلس النواب من كل من نصار الربيعي وبهاء الاعرجي الذي هدد ولا زال يهدد وعلى طريقة (الزعران) سلطة ودولة معترف بها دوليا . ويحاول مقتدى الصدر ومن معه من جماعات البعث المندسة داخل تياره والطابور الخامس ان يعيد نفس أساليب البعث السابقة بجر المواطنين بالقوة والإرهاب لإحداث خلل في العملية السياسية بواسطة ما يسمى بالاعتصامات السيئة الصيت، او التظاهرات المفبركة سياسيا التي كانت احد أسباب التهيئة لإسقاط ثورة تموز 1958 من قبل مجرمي البعث وحلفائهم القوميين في 8 شباط الأسود عام 1963،لكن لا الناطق العسكري باسم خطة بغداد ولا أي شخص آخر رد عليهم أو فكر بالحديث عن محاسبتهم ولم يزالوا طليقين لحد الآن باسم حرية الرأي والديمقراطية، بينما لو جرى التحريض على حمل السلاح ضد الدولة في أي من بلدان العالم الديمقراطية لرأيتم العجب العجاب من السلطة الحاكمة التي تطبق عليها قوانينها وخاصة أمريكا، بينما تساهم أمريكا نفسها في السكوت عن التحريض العلني للعصيان ضد الدولة العراقية ورفع السلاح بوجهها عندما يقول بهاء أو حازم الاعرجي علنا(التيار الصدري لن يسلم سلاحه) . ونتيجة القول إن هناك عراقا مقسم الولاءات بين الداخل والخارج تتجاذبه أطراف سياسية وإقليمية عدة كل حسب مطامعه وخططه المستقبلية، لذا من الصعب الحديث عن وجود مرجعية مركزيه للقرار الرسمي العراقي للأسباب التي تحدثنا عنها سابقا، وبذا تظل الأطراف والقوى التي فصلناها هي المتحكمة بسلطة القرار العراقي المتذبذب وغير الثابت، وتبقى حياة العراقيين رهينة مزاج وأهواء وتصرفات الميليشيات المتواجدة على الساحة العراقية . لذلك يجب ان تضع أي حكومة مستقبلية في حسبانها أن يكون حل الميليشيات بدون تمييز ضمن اولويات برامجها وتشكيل حكومة تكنوقراط من ذوي الكفاءات العلمية والمشهود بوطنيتهم من رجال العلم والثقافة والقانون بعيدا عن المحاصصة القومية والطائفية وتنظيف السفارات العراقية من الدرن العالق بها، والاهتمام بالمنظمات الدولية التي يجب أن يكون على رأسها وضمن العاملين فيها عراقيين وطنيين كفوئين فهي لازالت بيد صناع القرار البعثي ممن تم ترشيحهم من قبل رجال مخابرات النظام الفاشي ولا زالوا يعيشون متنعمين داخلها ويتصرفون بنفس الروح والنفس البعثي السابق وهي اخطر نقطة تعاب عليها وزارة الخارجية العراقية والدوائر التابعة لبعض الوزارات المعنية بهذه المنظمات الدولية . أخيرا دعونا نعيد الفرحة لوجوه العراقيين من جديد بعد ان استلبتها منهم اثر سقوط نظام الغدر والعمالة في 9 نيسان 2003 ميليشيات وإرهابيين ولصوص مال مقنعين باسم رجال دولة رشحهم هذا الحزب أو ذاك بموجب المحاصصة القومية والطائفية المقيتة . * المحاضرة التي استضافت فيها غرفة ( ينابيع العراق ) غرفة الأنصار الشيوعيين الكاتب بتاريخ 03 . 04 . 2004
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |