دماءٌ بَصريّة على أرصِفة التنومَة
قاسم محمد الكفائي
عراقي مقيم في كندا
canadainsummer@yahoo.com
في عهدِ صَدام ِ البائد كانَ الدَمُ البَصري يسيلُ في زنزاناتِ الأعدام السريّة، أو الساحاتِ العلنية، وفي المََنافي . وكانَ البصريونَ يفخرونَ بضحاياهُم السائرينَ على دربِ الأستشهادِ بروح ٍ إيمانيةٍ ووطنيةٍ عاليةٍ غيرُ آبهين . الصورة ُتلك تقطعُ الشكَّ باليقين أن أولائكَ الضَحايا هم دعاة ُالحق ضدَّ الباطل، وهم ُطلاب الحريةِ ضدَّ القمع، وشهداءُ الدفاع عن الوطن المحكوم بنار الجلاد المستبد . فالدمُ المُراق كانَ مِدادا صنعَ التأريخَ والمجدَ والشموخَ عَبرَ سنين ٍ من الكفاح ِ حتى آخر ساعةٍ سقط فيها صنمُ صدام التكريتي في ساحة الفردوس ببغداد . إن ظروفَ المواجَهة ضدَّ نظام صدام كانت ملائِمة ًبعظيم ِالأسبابِ ونقاوةِ العناصر المواجهة ( كسر الجيم ) . فلو تكرّرَ المَشهدُ اليومَ في مدينةِ البصرة مع الأختلاف عن حالة الأمس في المواجَهةِ والخصومةِ والأهداف فان هذا التكرار قد سقطت عنه الشرعية، وانحسرت في زاوية الأرهاب والخروج على سيادة القانون مهما كانت هوية ُالمنتفِض الدينيةِ أو السياسيةِ والقومية . وهناك مُبرِّراتٌ منطقية ٌملموسة لهذا الطرح، هو أن الحكومة َالحالية خرجت من رحم هذا الشعب بآلية الأنتخاب الديمقراطي الذي لا يشوبه تلفيقٌ، ولا تزويرٌ وبشهادةِ كلّ أطرافِ العمليةِ الأنتخابية . وتأريخُ هذه الحكومة الكفاحي بأغلب كوادرِها أنهُم من المنتفضين الأنقياء الأوائل الذين ذاقوا مرارة مواقفهم بالدفاع عن كرامة وحقوق الأنسان العراقي . ولما انهارت أركانُ نظام الأستبدادِ كان من الطبيعي أن يخلفه أهلُ الكفاح نتيجة صراع الظالم والمظلوم .
إذن ! ليس في قمةِ هرَم ِالحكومة أو في أجزاء ٍ مُهمةٍ من هيكلِها مَن هوَ فاسدٌ ومفسِدٌ، بل هناك حثالى أو بقايا إرثِ ذلك النظام، يبحثون في زوايا مظلمةٍ للأختباء فيها، والعمل على تهيأة المناخ المناسب للتحرك والقيام بأي فعل ٍمقيتٍ من شأنه إرباكَ الحكومة تحتَ مُسمَياةٍ يُحددُها ذلكَ المناخ . هذا العمل تساندُه وللأسف طبقة ٌ منَ المخلصين في نياتِِهم ومواقفِهم لكنهُم جاهلين في التعبير عنها، والعمل بها، فيغلبُ على حسن نواياهم مكرُ وخبرة ُ المجرمينَ واللصوص والمنافقين . لقد إختلط حابلُ هذا بنابل ِ ذاك، وصار الوضع البصري أحط ُوضعا من ( سوق الهرج ) . هذا الوضع أربك الحكومة َمن الباب الشرعي والوطني، وليس العسكري بدافع ِالحفاظ على أرواح وممتلكات وعوائل هؤلاء الجهلة الذين لا ذنب لهم لو أنهم يحسنون طريقة التفكير ولا يغلقونها . لقد سَعت الحكومة وبحرص على فرزهِم عن قياداتِهم من المتصعلكين بجبروت أهوائِهم السياسية الذين لا يرَون إلا أنفسَهم دون غيرهِم ولا حتى مستقبل ِ العراق . أو من القتلةِ وتجار الدماء من البعثيين والمنافقين . مع كلّ هذا الحرص الشرعي نزفت الدماءُ البصرية في شوارع البصرة على أرصفة العشار والجَمهورية والمَعقل والتنومة، وأحياء ِالبصرة الأخرى التي كانت بالأمس قلعة شامخة بوجه إستبداد نظام صدام الفاسد . فأحداث البصرة الأخيرة والموقف الرسمي منها توحي الى أن هناكَ فسادٌ بامتياز في أروقةِ أعيان البصرة وليس الغرباء . وتوحي أيضا الى يدٍ تمتد من وراء متاريس المجرمين والمنافقين لتملىء جيوبَهم بالأموال التي يحلمون بها . هذه اليدُ بدوية ُالطِباع ولون البشرة، وبدوية الناموس . خلافا للأشاعات الأجنبية القائلة بأن إيران هي لوحدها سببا في صناعة الفوضى والموت، أو لكل ما جرى ويجري على الساحةِ البَصريّة كون المنطق لا يتجاوز على المنطق الآخرعندما نفهم بالعقل السليم أن إيران هي أول دولة رحبت بعملية الأنتخابات التي جرت لأختيار الحكومة من قِبَل الشعب، واعترفت بنتائج هذه الأنتخابات باختيار الشعب لحكومتهِ . كذلك من مصلحة إيران العليا هو أن يكون هناك أمنٌ شامل في العراق الخالي من الجنود والدبابات الأمريكية . فلو حدثَ تدخلٌ إيراني في العراق فهو سياسيّ التوجه دفاعا عن حدود ومصالح مستهدَفةٍ من قبل دول كبرى تخطط للنيل من حكومتِها العنيدة عليها . فالأقتتال ما بين جماعات الطائفة الواحدة من شأنه يضعف أية عمل ٍملائم ٍلموقف إيران الأقليمي السياسي .
إذن ! في البصرة شياطينٌ إقليمية ٌيجب التصدي لها للحيلولة دون تعميم شرورهِم أو تحقيقِها، تتسللُ بمخططاتِها من دولتيْ السعودية والكويت لتفعيل أمنيات بريطانيا على الخصوص في ضرب الأستقرار السياسي والأمني في البصرة، والعراق على العموم، ومن أجل تعطيل حركة البلاد تحقيقا لمصالحهم السياسية والأقتصادية .
لقد تعاملت القواتُ الحكومية مع الأحداث بروح ٍ سخيةٍ، تبعث على الحرص وليس التشفي . فطهّرَت المواقع الأستراتيجية التي كانت عصاباتِ البعثيين من قتلةٍ ولصوص ٍ ومحاربين تسيطر عليها لسرقة المال العام، والتحكم في جزء ٍ من موارد البلاد والعباد، أو لغرض تعطيل عمل الحكومة، وتحجيم دورها وسيادتها . لكن أمام الحكومة ومازالت مهام ٌ جسامٌ للعمل على تفكيك كل الكيانات العسكرية المسلحة التي تحاول أن تنال من استقرار البلاد بالخروج على سيادة قانون الدولة . والمواطن العراقي يأمل أن تتحرك الحكومة أيضا على تفعيل قراراتِها ومشاريعِها الخدمية التي لو تكاملت بين يدي الأنسان العراقي فسوف تنحسر جميعُ المظاهرِ المسلحة، وحالاتُ العصيان، فتختفي بعدَها رموزُ الكتل السياسية المريضة من على الساحة السياسية العراقية، وتصبحُ أضحوكة ً تتناقلها حتى أفواهُ الجاهلين الذين اتبعوهم لحقبة من الزمن . ما عدى مظاهرِ سلطةِ القانون، وهيبةِ الحكومة، ودورياتِ رجال الشرطة عندما تؤدي مهامَّها من أجل ِ راحةِ الناس، في القريةِ أو المدينة .
العودة الى الصفحة الرئيسية
في بنت الرافدينفي الويب