|
قراءة في الرسالة المفتوحة للسيد فاضل ثامر إلى رئيس الجمهورية (محاولة تحويل شعب كامل إلى شعب متسول)
محسن الجيلاوي اطلعت على الرسالة المفتوحة التي وجهها رئيس اتحاد أدباء العراق الأستاذ (فاضل ثامر) إلى رئيس الجمهورية (جلال الطالباني) والرسالة رغم قصرها، لكنها تكثف بوضوح وضع العراق المأساوي كبلد وكشعب وكدولة ونخب...والمحزن أن رئيس أكبر تجمع مفترض للثقافة والمثقفين قد تنازل عن رياديته وطليعيته ومكانته الهامة في صياغة الوعي لأمّة انتهكت كرامتها طويلا في القدرة على التحليل والاستنتاج والفعل في وقف مهازل الحكام الواضحة لكي ينزل إلى مستوى ابن الشارع(الغلبان) في الركض وراء دافعي الهدايا والهبات والعطايا...كقارئ ومحب للثقافة أستغرب على السيد ثامر استخدام مفردات لا تليق بسمعة وكرامة أي مثقف عراقي، فاللقاء برئيس الجمهورية قد يكون احدى نشاطات الاتحاد جماهيريا وهو أمر مبرر، لكن أن يتقبل رئيس أكبر تجمع طليعي في المجتمع هبة بهذا الحجم من شخص في الدولة مهما كان مركزة هو تعبير عن فوضى المعرفة وفهم الديمقراطية ودولة القانون التي كان الأجدر بقيادة الاتحاد على فهمها وممارستها عمليا وعلى لعب دور تنويري في صياغة وعي جمعي لدى الناس في ماهيتها، وماهية احترام موارد الدولة وثرواتها وخيراتها وبالتالي احترام كرامة الناس كإفراد وكمجتمع وكمؤسسات، ولا أعتقد أن أحدا ما يختلف على أهمية هذه المسلمات وخصوصا في وضع العراق اليوم حيث الاحتلال والطائفية والقومية والنهب والسرقات والمليشيات وتفتت الدولة والوطن...فالمعروف في أي بلد ديمقراطي وحتى في الخطوات الأولى نحو ذلك تكون حماية الثروات وطرق توزيعها والإشراف عليها وفق سلطة معززة ومكرسة بالقانون، ولا أعرف أي وضع تهريجي ديمقراطي أباح لرئيس الجمهورية في لقاء وفي لحظة من العظمة والنشوة المفرطة تقديم هذه المنحة، دون أن نعرف من أي خزين، ومن أي جهة، وأي قانون يقف وراء ذلك؟؟؟ لقد تكاثرت منح وعطايا الشخصيات السياسية في العراق فالمالكي والحكيم، والجعفري، والطالباني، والبارزاني، وبيان جبر، وعادل عبد المهدي، والمشهداني، وأياد علاوي وطارق الهاشمي وغيرهم(بعضهم بدأ الأولاد يمسكون عصى الخلافة– كل واحد لديه عدي جديد) وضعوا أنفسهم بوضع المنقذ لكل مُريد وشهيد ومريض وميت ومحتاج، فلا يمر يوم إلا وتقرأ تبرع ومكرمة ومساعدة منهم هنا أو هناك في ظل غياب سؤال وهام وأساسي من أين لهم كل هذه الأموال والقدرات الهائلة ؟ والمتتبع للصورة العريضة لقائمة التبرعات الشخصية وسعة القوائم التي احتوتها يمكننا القول وبلا تردد انهم حولوا شعب كامل وبجدارة إلى(مجدية/ متسولين) وتلك أهم ميزة لحكامنا الجدد في سرقة عواطف الناس وأصواتهم وأحلامهم وتحويل أموال فقراء العراق لتحقيق تلك الدونية في الاستبداد الشرقي في تحويل أنفسهم إلى منقذين ورحماء وأصحاب فضيلة، هل تناسى السيد ثامر أن صدام مارس ذلك طيلة حكمة، فما النتيجة ؟ لقد اختلط الحابل بالنابل في تعريف ماهية سرق الأموال العامة، ومن يقف وراء هذا الفساد الفظيع، وذلك الإفقار للناس... وتعجب السيد ثامر عن عدم صرف المنحة هذه السنة في محله، لكنه قد لا يعرف كما يبدو أن وضع الهبات الشخصية دائما هكذا فهي تخضع لمجسات الحاكم ورؤيته الشخصية ولدائرة مستشاريه وأبواقه طالما لا يوجد وضع قانوني واضح يبيح ويدعم ذلك..وفي كل الدول الديمقراطية تُدعم أي مساعدة أو منحة بوضع قانوني وذلك لحماية كرامة المُستلم وكذلك لحماية المال العام من العبث، وأعتقد أن أموال العراق وثرواته لو أحسن استخدامها كافية بما لا يقبل الجدل لتحقيق الرفاهية والسعادة والعيش للجميع ولأصبحت الدولة هي الحاضن لاحتياجات الناس والحفاظ على كرامتهم..هل يعرف السيد ثامر أن كل الدول الديمقراطية تفرق بين العمل الوظيفي في الدولة وبين النشاط الخاص لكي يكون هناك وضوح وسهولة في وقف أي فساد محتمل ؟ كان الأجدر بالإتحاد رفض أي منحة لا تأتي من الدولة العراقية ومن مؤسساتها المعروفة وطبعا اتحاد بحجم اتحاد الأدباء يستحق أكثر من هذا...! لقد بدا يتأكد لي يوما بعد يوم كمواطن عراقي ما يردده الشاعر سعدي يوسف عن المثقف التابع، فالثقافة العراقية تتعرض إلى تشويه وإلى محاولة إفراغها من مهامها الأصيلة والجوهرية في الدفاع عن التقدم والجمال والحق والخير والنظافة..عبر تحويل شخوصها إلى (قرقوزات) تستجدي الحكام عند كل منعطف وحاجة، وبذلك تحولت اليوم إلى سمسرة وارتزاق ومهرجانات ممسرحة ورخيصة يعبث بها نفر من أنصاف المثقفين وأصحاب المال واللصوص والسراق وحرامية الأحزاب ورجال السلطة الكُثر وبالتالي تحقق الأبشع والأخطر هو تحول النخب إلى هتافين وعديمي فائدة في أن يلعبوا دورا هاما وطليعيا ومستقلا في قيادة الناس والوعي والثقافة والفكر نحو أفاق تحد من الاستبداد وتؤسس للحرية والكرامة والقانون والتقدم الحقيقي...! على السيد فاضل ثامر أن يتحمل عتب مواطن مثلي على هذه الهفوة بان ينزلق شخصيا ومعه اتحاد الأدباء في هذه المفارقات والمغالطات العجيبة مع التأكيد على احترامي الشديد له كشخص خدم الثقافة العراقية بشكل واضح ومشهود...! اتحاد فقير ومتهالك البناية ولكن رمز باهر وشريف وأصيل للمعرفة وللثقافة المشاكسة والمستقلة هو ما يحتاجه العراق وسيبقى ذلك محط تقدير ونقطة ضوء هامة في تاريخه وتاريخ ثقافته بوجه سياسة الخراب التي تعصف به اليوم..! الثقافة هي حائطنا الأخير في الدفاع عن وطننا وعن شعبنا وعن قيمنا الأخلاقية والاجتماعية، انهيارها يعني أن العراق في وضع صعب للخروج من هذه المحنة سريعا..لينتبه لذلك كل مثقف ووطني عراقي مخلص والذي عليه واجب هام اليوم أكثر من أي وقت مضى أن يلتحف عذابات الناس بحق وبصدق وعبر ممارسات تقدح وتدعم تفكير الناس بالأفضل والأصح والأجدر للبقاء والتفرد والديمومة وصياغة بديل مشارك إنسانيا مع عالم اليوم فكرامة امّة بأكملها في خطر حقيقي...! رابط رسالة السيد فاضل ثامر
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |