خدمات الهاتف النقال ...... بين الواقع والطموح

 

جاسم محمد جعفر/ وزير الاتصالات وكالة

لعل الحديث عن واقع خدمات الهاتف النقال في العراق يثير الكثير من التساؤلات لدى المسؤول والمواطن على حد سواء، فبعد سنوات الحرمان الطويل التي عاشها الشعب العراقي في فترة حكم النظام السابق حرم الشعب العراقي وهو من اغنى الشعوب من هذه الخدمة التي نعمت بها حتى الدول الفقيرة من بلاد العالم الثالث ، وبعد سقوط النظام عام 2003 حلم الكثيرمن ابناء الشعب العراقي بالحصول والتنعم بخدمات التكنولوجيا الحديثة وفي مقدمتها خدمات الهاتف النقال.

وللاسف الشديد فان الظروف المربكة التي مر بها العراق عموما، في الاشهر التي تلت سقوط النظام، ومع عدم وجود حكومة تقود وتخطط لستراتيجيات للبلد ووزارة اتصالات جديدة التأسيس تمخض عن ذلك الواقع المربك ولادة ثلاثة تراخيص مؤقتة للهاتف النقال لشركات اسيا سيل وعراقنا والاثير ولفترة قليلة نسبيا هي سنة واحدة تلتها سلسلة طويلة من التمديدات استمرت لثلاث سنوات ساهمت بشكل كبير في الامعان بسوء مستوى الخدمات المقدمة مما زاد في معاناة المواطن العراقي، الذي اقتنى الهاتف النقال بمعدلات غير متوقعة وغير مسبوقة بسبب تردي واقع خدمات الاتصالات الثابتة وانعدامها في معظم المناطق من جهة وتحسن المستوى المعاشي وارتفاع الرواتب بشكل اضطراري بعد السقوط من جهة اخرى.

وتمثلت معاناة المواطن العراقي بالتدني الكبير لمستويات الخدمات المقدمة خاصة في منطقتي الوسط لشركة عراقنا والجنوب لشركة الاثير فقد اشترك كلاهما بتعثر كبير في تقدم الخدمة وصعوبة تأمين الخط وانقطاعه المتكرر اثناء المكالمة حتى اصبح من الطبيعي ان تجري المكالمات من فوق سطوح المنازل املا في تأمين الاتصال، فضلا عن تميز شركة عراقنا بالتلاعب بالرصيد دون وجه حق واساليب اخرى مختلفة مما سبب اذى واحباط كبيرين للمواطنين . ولعل السبب الاساس في ذلك الواقع كان غياب الاشراف والرقابة والمتابعة وضعف المسائلة من قبل الجهة المسؤولة وهي هيئة الاعلام والاتصالات التي كان يجب ان تتبنى سياسات حازمة تجاه ماتقوم به هذه الشركات .

هذا فضلا عن الاسهام الكبير للهاتف النقال في دعم اعمال العنف والخطف والاغتيال بسبب غياب الاهتمام الحقيقي باستحصال المستمسكات القانونية من المشتركين وعدم وجود اجراءات وقائية كافية عند ضياع اوسرقة الخطوط الهاتفية، وبقي كافة المكالمات الدولية الخارجة والداخلة من والى العراق ظلت تحت سيطرة شركات الهاتف النقال نفسها لان تلك التراخيص جعلت بوابات النفوذ الدولية (gate way ) اللازمة لامرار دقائق التخابر الدولية خارج سيطرة الحكومة ووزارة الاتصالات ، يأمل المواطن العراقي خيرا مرة اخرى في التراخيص التي منحت مؤخرا في مزاد علني لثلاث شركات هي كورك واسيا سيل والاثير ولفترة طويلة نسبيا هي خمسة عشر عاما، وقد ادارت واشرفت على العملية لجنة وزارية عليا لمنح التراخيص ونجحت في بيع التراخيص بمبالغ كبيرة نسبيا تمثل واردات جيدة للعراق، وقد عالجت هذه التراخيص سيطرة الحكومة على المكالمات الدولية حيث نصت على وجوب جعل بوابات النفوذ بيد الحكومة ممثلة بوزارة الاتصالات بدلا من شركات الموبايل مما يدعم سيطرة الحكومة الامنية على المكالمات الدولية.

ولكن ومع الرصانة الكبيرة التي امتازت بها التراخيص الجديدة والشروط الحازمة التي وضعت على شركات الهاتف النقال في تقديم مواصفات جيدة وقياسية للخدمات المقدمة للمشتركين، الا انه وللاسف الشديد لم تجر الرياح بما لاتشتهي السفن بسبب وجود مشكلة ظلت عالقة هي شركة عراقنا التي خرجت من المزاد وهي تمتلك العدد الاكبر من المشتركين في العراق وخاصة في العاصمة بغداد حيث المؤسسات الحكومية ودوائر الدولة المهمة المعتمدة في اغلبها على خطوط هذه الشركة، وحيث لم تتوصل شركتي عراقنا وكورك الى اتفاق لشراء الاخيرة لشبكة ومشتركي عراقنا، وقيام شركة الاثير بشراءها، مما اوجد مشكلة من نوع اخر وهي عملية الدمج التي جرت ولازالت جارية لمشتركي عراقنا والاثير تحت اسم جديد هو زين العراق. ولا ادري من هي الجهة المسؤولة؟ عن التخطيط الفني الصحيح ضمن جدول زمني مناسب ومعقول لتسليم الترددات من قبل شركة عراقنا واعادتها للهيئة، وكذلك غياب الاشراف الحقيقي والمتابعة على عملية الدمج التدريجي الجارية بين عراقنا والاثير مما ترتب عليه معاناة كبيرة معنوية ومادية وقعت على كاهل المواطن، ولعله في هذه المرة كان وقعها افدح بسبب الشلل شبه التام في خدمة كل من مشتركي عراقنا والاثير على حد سواء، واتجاه المواطن الى التحول الى اسيا سيل مما يشكل عبئا اضافيا على شبكتها بسبب غياب شركة كورك ولحد الان عن الساحة في وسط وجنوب العراق رغم مرور سبعة اشهر من حصولها على الرخصة الجديدة .

لذا نرى من الضرورة بمكان ان يقوم مجلس النواب بدوره الحقيقي لمسائلة الجهات المسؤولة ، وحثها على اداء مسؤولياتها بمحاسبة شركات الهاتف النقال على سوء الخدمة المقدمة للمواطنين ومنع حالات الابتزاز التي تحصل للمواطن، واستخدامها للصلاحيات الممنوحة لها بفرض الغرامات والعقوبات التي نصت عليها التراخيص الممنوحة لهذه الشركات، فضلا عن ضرورة تبني الهيئة لاسلوب تحث الشركات الثلاثة وبشكل متساو لخلق جو من المنافسة الشفافة لمنع قيام الشركات الموجودة اصلا في السوق باحتكار المنافسة لصالحها خاصة في وسط وجنوب العراق. 

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com