ستراتيجية تنمية الشباب في افكار الشهيد محمد باقر الصدر

 

جاسم محمد جعفر/ وزير الشباب والرياضة

As_the_sky@yahoo.com

بسم الله الرحمن الرحيم

" إنهم فتية أمنوا بربهم فزدناهم هدى"

" صدق الله العلي العظيم "

 كان الشهيد السيد الصدر المفكر المجدد لكل شيء ومن القلة الذين عرفتهم حلبة الفكر الاسلامي المعاصر الذي أنجبته الحوزة العلمية في النجف الاشرف ودافع عن فكره المتجدد في اجواء الحوزة وتحدى الظلم والعدوان والجور الصدامي . 

 ولد الامام أية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر في مدينة الكاظمية المقدسة سنة 1352هـ وهو ينتمي الى أسرة الصدر الموسوية والده اية الله السيد حيدر الصدر، كان من كبار العلماء والمراجع أنذاك . 

 دراسته الاولية كانت في مدارس منتدى النشر الابتدائية في مدينة الكاظمية المقدسة وكان موضع إعجاب الاساتذة والطلاب لشدة ذكائه ونبوغه المبكر .إنتقل السيد الصدر من مدينة الكاظمية المقدسة الى النجف الاشرف في الثانية عشر من عمره لإكمال دراسته الدينية وحضر الدروس لكبار اساتذة الحوزة العلمية في النجف الاشرف، ومنهم خاله أية الله الشيخ محمد رضا أل ياسين و أية الله العظمى ابو القاسم الخوئي (قدس سرهما) . 

 كتب في السابعة عشر من عمره تعليق على فتاوي خاله الشيخ محمد رضا ال ياسين (قدس سره) المسماة (بلغة الراغبين ) واستطاع إكمال الدراسات الفقهية والاصولية وهو في الخامسة والعشرين من عمره عام 1378هـ، بلغ السيد الصدر درجة الاجتهاد وهو في أواخر العقد الثاني من عمره . 

 نهل من علمه وفضله العشرات من طلاب العلوم الدينية وتخرج على يديه العديد من أفاضل العلماء وخاصة الشريحة الشابة . عاش لله وحده مكرساً حياته كلها للدفاع عن دينه ووطنه العراق عازفاً عن حطام الدنيا وزخارفها فلم يمتلك داراً ولاعقاراً إنما كان ينفق كل مايصل الى يده الشريفة من اموال الحقوق الشرعية في مصارفها ويضعها في مواضعها .

الشهيد محمد باقر الصدر مشروع متكامل ومدرسة شمولية متحركة تتحرك في كل الاجواء والابعاد والزمان والمكان ... كان امة في رجل . كما قال الله تعالى :

 " إن إبـــراهيم كــــان امـــة .... " صدق الله العلي العظيم

 لذا فأننا من الصعب ان نخرج ضمن بحث واحد بكل ابعاد هذه المدرسة الشمولية . فالتجزئة الايجابية ضمن تخصص واحد، يعطينا حيوية وانطلاقه لفتح أفاق جديدة نحو التكامل البشري فالتنمية الشبابية والحركة التنموية في سيرته وافكاره وتوجهاته كلها مباديء توجيهية ومسارات للعمل ووثيقة تعبر عن رؤية موحدة بإتجاهات تنمية الشباب وهي بمثابة الطريق القويم الذي يوضح بأن قضايا الشباب هي من الاوليات يجب التعامل معها بجدية وسعى الى دمج الناشئين والشباب في عملية التنمية، كصانعين لها ومستفيدين منها ضمن رؤية تركز على اولوية دمج الشباب في التنمية .

قطرات من بحر علمه وعمله الدؤوب :-

1- كتاب فلسفتنا، تصدى السيد الصدر للكتابة والحوار الفلسفي والفكري بمذاهبه المختلفة حيث كانت الساحة العراقية العلمية في اوساط الشباب في الخمسينات تعاني من نقص في الطرح الاسلامي لمشاكل العصر في المباديء المختلفة، والف كتاب فلسفتنا في 29 / ربيع الثاني /1379هـ اي سنة 1959م، ووصفه السيد الصدر بقوله : 

" فلسفتنا هو مجموعة مفاهيمنا الاساسية عن العالم وطريقة التفكير فيه ولهذا كان الكتاب "

 الحركة الفلسفية والاستقرائية التي اوجدها السيد الشهيد الصدر بين قطاع الشباب وطلاب الكليات منحت لشبابنا الفرص الحقيقية للتعبير عن ارادتهم وافكارهم وفتح الافاق نحو الوجهة الصحيحة بأساليب عمل منهجية وتربوية واجتماعية متطورة . وكان يؤكد سماحته في ثنايا افكاره في فلسفتنا بأن الوعي عند الشباب بالذات والذي كان يعدهم بناة الوطن والدين وقادة المستقبل وهم حلقة الوصل بين العمل الحضاري والتاريخي لهذه الامة .

 ـ فهو –رحمة الله عليه – كتب فلسفتنا من اجل ان يقول (الاسلام كلمته قوية عميقة صريحة واضحة كاملة شاملة لتكون الحياة والانسان والمجتمع والدولة والنظام , ليتاح للأمة ان تعلن كلمة الله في المعترك وتنادي بها، وتدعوا العالم اليها كما فعلت في فجر تاريخها العظيم )(1) . 

2- اما كتاب إقتصادنا : ناقش السيد الصدر النظريات الاقتصادية اضافة للاشكالات الفلسفية

 نقاشاً علمياً وقارنها مع الاطروحة الاسلامية وهو دراسة موضوعية . 

 فجاء فيه ( ان الاقتصاد الاسلامي يتفق مع كل المذاهب الاجتماعية في ضرورة الاهتمام بالانتاج وبذل كل الاساليب الممكنة في سبيل تنميته وتحسينه وتمكين الانسان الخليفة في السيطرة على الارض ويقوم بتوزيع الثروة على اساسين احدهما : العمل والأخر الحاجة ويستأصل كل اشكال الانتاج الرأسمالي) (2)

 ( ان الله سبحانه وتعالى أناب الجماعة البشرية في الحكم وقيادة الكون واعماره اجتماعياً وطبيعياً وعلى هذا الأساس تقوم نظرية حكم الناس لأنفسهم وشرعية ممارسة الجماعة البشرية حكمها نفسها بوصفها خليفة الله تعالى) (3) . 

 والسيد الصدر(رض) اعتبر الاسلام المدرسة القـــادرة على ادارة السياســة والاقتصــاد والاجتمــاع في آن واحد فمحور تغير هذا الاداري الرتيب وتطويره هو العقل الابداعي للانسان المسلح بالايمان والجذوة الايمانية المتقدة التي يحركها نحو القناعة الكاملة للاستفادة من العقل بدلاً عن النظرية ( الميكافيلية ) فالشهيد الصدر في اقتصادنا وضع الخطط العريضة لبناء الانسان وبناء الاوطان في آن واحد وجعل من الشباب وعقله وابداعه الحتمية التاريخية ليكون الة للبناء . فالشاب عندما يتسلح بسلاح العقل والايمان والقناعة يصمم على اتمام عمله حتى ولو كلفه ذلك ثمن حياته . 

 فالجذوة التي اوقدها السيد الشهيد عند الشباب في الستينات لازال رأسماله الحركة والنشاط والحيوية، فالشهيد الصدر وضع النقاط على الحروف عندما بين التحديات السياسية والاقتصادية والثقافية والاسرية والتربوية والمؤسساتية والتشريعية كلها تحديات نابعة عن الفساد والابتعاد عن الدين وضعف البنى التحتية وسوء الإدارة والتنظيم على ضوء المتغيرات كالبطالة والفقر وتسليط افكار وتوجهات بعيدين عن واقع شبابنا وكان يؤكد سماحته بان الأقتصاد المنظور داعم لتنمية الشباب وتوجههم نحو العصرنة والتطور لفتح افاق جديدة للشباب نحو مستقبل ناجح.

 3ـ ومن المشاريع المؤسساتية التي اسسها السيد الشهيد والتي تدعم الحركة الشبابية وستراتيجيتها بشكل كبير والذي اعتمدنا عليها كوزارة في مشروع برلمان الشباب المزمع تاسيسه في هذا العام .... بعض من هذه المؤسسات :-

 أـ ـ ناسيس حزب الدعوة الاسلامية

 ب ـ تاسيس جماعة العلماء

 ج ـ اطروحة المرجعية الرشيدة

 د ـ مشروع اصول الدستور الاسلامي

 ح ـ حكم الشورى في الاسلام

 و ـ البنك اللاربوي في الاسلام

كانت لهذه المشاريع المؤسساتية معاني كبيرة واسعة في إستقطاب الجماهير نحو العمل المؤسساتي والجماعي في العراق والمنطقة في تطوير الافكار والبلدان والابدان .

لقد خاطب الشهيد (رض) في مشاريعه المؤسساتية بشكل مباشر الشريحة الشابة وخاصة طلاب المدارس والكليات والحوزات العلمية وكانت الاستجابة رائعة فاق التصور واصبح سماحته قبلة هذه الشريحة ومبدعيها الامر الذي يعزز من الاعتقاد بان الشهيد (رض) قد خطط ليكون المشروع والعمل المؤسساتي اداة العمل السياسية – الاجتماعية في حركة الاسلام والمجتمع في الواقع السياسي الداخلي والخارجي . لقد استثمر الشهيد الصدر الظروف السائدة انذاك استثمارا ذكيا ومبدعا لوضع اللبنة الستراتيجية للمشاريع المؤسساتية واشرف بشكل مباشر لتنفيذه وترويجه . 

 كان الامام الشهيد الصدر يكن حباً ... وتفهماً ... واهتماماً كبيراً بالشباب وكان الشباب مقربين للسيد الشهيد ويكنون له كل تقدير واحترام وطاعة بفضل فكره وعلمه وعبقريته.

كان (ره) رأسماله الشباب،ويعتبر الثروة البشرية، اعم نفعاً واكثر فائدة في جميع الثروات المادية الاخرى اذا مارتقى اعدادها واحسن استغلالها ... فالدول يعلو إسمها بشبابها ومبدعيها وانطلاقا من مفاهيمه الوضاءة اعلاه تبنت وزارة الشباب والرياضة استراتيجية لتنمية الشباب في العراق وهي الان على طاولة مجلس الوزراء والتي يضمن مستقبل الشباب وفق اسس عصرية متينة منبثقة من الدستور ونظام الحكم لعراق جديد وهي تفسح المجال أن نعمل على الارتقاء بالقطاع الشبابي في العراق وتقرير المشاركة السياسية وضمان الحقوق المدنية والسياسية لهم واحاطتهم بأتفاقيات حقوق الانسان والحقوق المدنية والسياسية والمعنية وترسيخ السلوكيات الايجابية الصحية للشباب الواعي . 

 تعد وزارة الشباب والرياضة، هي اعلى جهة حكومية بقطاع الشباب ونعمل من أجل تنظيم الحركة الشبابية وتأهيل وتنمية المواهب الفكرية والصحية والاجتماعية والتربوية والرياضية وتساهم بأعدادهم وتحصينهم وتنمية طاقاتهم نحو المساهمة في بناء العراق والتعبير عن روح المواطنة العراقية الصالحة واحترام القانون ونبذ العنف واشاعة ثقافة احترام الرأي الاخر . 

 فالشهيد الصدر ذلك المدرسة الشمولية التي اوجدت الانطلاقة الحرة في الضمير العراقي . وعلمنا ان ندرك ان للشباب وضع خاص بهم، لذا في الدراسة والستراتيجية المقترحة والمنبثقة من عصارة افكار سيدنا الشهيد اهدافاً كثيرة ومتعددة ... وهي تطالب تظافر الجهود، جهود الوزارات ككل من أجل الارتقاء بهذه الشريحة الكبيرة التي تشكل اكبر شريحة في المجتمع العراقي اي 63% من مجموع السكان . 

ان هذه الستراتيجية هي وثيقة وطنية تلتزم بها مؤسسات الدولة تتناول اولويات الشباب العراقي واحتياجاتهم وطموحاتهم والموارد المتوفرة والفرص المتاحة والممكنة وتهدف الى ضرورة تأصيل روح المواطنة عند الفتيات والشباب لانهم يشعرون بأهمية هذا الوطن وترابه الطاهر، وتوفير المناخ العلمي، والادبي والثقافي، والفني، والاعلامي لكل مواطن اينما كان واينما وجد على ارض هذا الوطن ونخص منهم الشباب والفتيات . 

 وسترفع المعاناة عن هذا الشعب الاصيل طيلة 35 عاماً من الفقر والجوع والحروب والمقابر الجماعية والاعدامات والتهجير والالغاء ... وضرورة منح شبابنا فرصة حقيقية للتعبير عن ارادتهم وافكارهم، ومنحهم الحق الكامل في التعليم وتسهيل مهمتهم في اكمال دراستهم الاولية والعليا، والاخذ بيد الشباب الموهوبين والمبدعين ودعمهم مادياً ومعنوياً . وضرورة توفير فرص العمل التي تكفل لهم الحياة الحرة الكريمة في ربوع هذا الوطن العزيز لينعموا بخيراته . 

 وتدرك الحكومة العراقية ايضاً ان تنمية الشباب هي عملية شاملة تتطلب تعاون كافة اجهزة ومؤسسات الدولة والمجتمع المدني ومن ثم تنطلق السياسة القومية للشباب من التأكيد على مبدأ المشاركة والتعاون بين الحكومة والمجتمع المدني في وضع وتنفيذ وتقييم هذه السياسة . 

 ووزارة الشباب والرياضة، تدرك ان الشباب ليسوا فئة متجانسة، وانما تنوع من حيث الفئة العمرية والانتمائات الجغرافية والمهنية ودرجة التعليم كما تتنوع اهتمامات، واحتياجاتها ومن ثم من المهم وضع سياسة وطنية للشباب تتسم بالشمول والتكامل وتتعامل مع كافة شرائح الشباب وتلبي احتياجاتهم مع تنوعها . 

 ووزارة الشباب والرياضة تدرك ايضاً ان هناك تحديات ومعوقات كثيرة تواجه سير الحركة الشبابية وتقف حجر عثرة أمام كل تقدم وتنمية وتطور لهذه الفئة التي هي عماد هذا الوطن من أهمها ؛ التحديات السياسية والاقتصادية والثقافية والاسرية وهناك تحديات تربوية ... ومؤسساتية وتشريعية . 

 لابد من وضع ستراتيجية طموحة للشباب ؛ طموحة نحو مشاركة فعالة ومجزية للفتيات والشباب في المؤسسات والنشاطات التي تلبي طموحاتهم وامالهم واحلامهم ورفع كل التحديات والمعوقات التي تقف في وجه مشاركتهم في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والروحية للمجتمع العراقي ... ولابد من تفعيل دور الشباب في التأثير على عمل مجلس البرلمان للشباب وضمان دمج منظور وهموم الشباب ومشاركتهم في السياسات والمؤسسات واصلاح المنظومة المجتمعية .

 وبكل هذا يكون الشهيد الصدر بذل ماينبغي من الجهود لتأسيس أدوات تنفيذ مشروعه التغييري . الأدوات التي تعمل في الوسط الاجتماعي وتقوم بمهمة الكوادر الاسلامية ثقافياً والادوات التي تنهض بواقع المؤسسة، وبالتأكيد فأن هذا التأسيس لم يتحرك بصورة كلية وفق خطط الشهيد كما أفترضها . انما جاء هذا التأسيس في حلقاته الاخيرة مرتهناً الى ضغط الاشكالات الداخلية والخارجية التي واجهها ... وهي اشكالات كما سنرى لاحقاً كبيرة وخطيرة . 

 فالدين الاسلامي، كما يرى الشهيد هو دين شمولي يؤطر الممارسات ويجعل المسلمين ينطلقون دائماً من موقع العقيدة لا من الفوضى او تمييع العقيدة والعبادات في الاسلام، رسم الاطار الذي يعيش فيه المسلم عقيدته وعبادته، هذا الاطار يتناقض مع كل الرؤى الفلسفية الغربية المادية والمثالية معاً والعقيدة والعبادات يجب ان يعيشها المسلم في نظر الاسلام بأبعادها الروحية والاجتماعية .

نم قرير العين ياقبلة العراق الجديد ,ان طلابك ومريدك وانصارك سيملؤون الارض بافكارك ومشاريعك ومساهماتك ... فسلام عليك ياسيدي يوم ولدت ويوم عشت سعيدا ويوم رحلت الى ربك مخضبا بدمك .............

(1) فلسفتنا، المجمع العلمي للشهيد الصدر، ط1، ص6 .

(2) صورة تفصيلية للإقتصاد ...... ص41-47.

(3) خلافة الانسان وشهادة الانبياء ....ص14 .

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com