|
خمس سنوات عجاف
ساهر عريبي تمر علينا هذه الأيام الذكرى السنوية الخامسة لزوال نظام الطاغية صدام على أيدي جيوش العم سام التي بشر قادتها العراقيين ببزوغ شمس الحرية على بلادهم بعد سنين من القهر والظلم والدكتاتورية, ولقد ان الأوان ليتذوق العراقيون طعم الديمقراطية التي حلا مذاقها في بلدان العالم المتحضر, ولقد دقت ساعة الحسم لينعم العراقيون بخيرات بلادهم وليعيشوا بكل عز وكرامة في بلادهم ولينهضوا ويتكاتفوا لأعمارها كي تلحق بركب الحضارة الأنسانية المتسارع الخطى. وفي ظل هذه الاماني التي أتقدت على الاجفان حزم عراقيوا المهجر حقائبهم ليعودوا الى الوطن الموعود بعد سنين من الغربة، وإذا بالأمال تذهب أدراج الرياح فماذا حصل؟ إذ تمر الذكرى اليوم وبغداد حزينة مثلها مثل البصرة والموصل ، فلاتسمع زغاريد الأرامل اللواتي طالما رفعن أيديهن سنينا نحو عنان السماء راجينها أن تزيل حكم الطاغية, ولاترى في السماء مظاهر الفرح ولا حتى على الأرض فلاتعج متنزهات عاصمة الرشيد بالأطفال وهم يلعبون، ولا ترى الكبار يتبادلون التهاني في يوم طالما إنتظروا رؤيته. وحتى شهرزاد فلازالت حزينة وهي ترى دجلة وقد أضحى مقبرة، فيما لازالت جروح ابو الطيب غير مندملة, وأما السياب فعيونه مغرورقة بالدموع حزنا على مدينته التي عبث بها الأغراب. وأما الحسين فلا يزال رافعا يديه نحو السماء قائلا اللهم تقبل منا هذه القرابين. وأما ابو حنيفة النعمان فلازال محروم من التواصل مع أبناء معلمه في الضفة الأخرى من النهر. وأما الموصل الحدباء فلازالت تأن تحت وطأه الظلام .و حتى جيوش العم سام وهي تجلس فوق كنز الكنوز في بلاد الرافدين فلاتحفل بهذا اليوم بعد أن سأمت من حرب لم تكن تتوقع إستمرارها لحد اليوم وهي بإنتظار أوباما أو كلنتون ليعيدها الى الديار . ولم تكن الديمقراطية الموعودة سوى ديمقراطية صناديق الطماطم المغطاة من الأعلى بالطماطم الطازج واما ما تحتها فليس سوى زبد, إذ هكذا أنجبت الأنتخابات برلمانا عتيدا لم ينتخبه العراقيون لقناعة بأهلية أعضائه بل إستجابة لنداء مرجعياتهم. وإذا به يتحول الى ساحة صراع بين عدد من الديكة لا يتجاوز تعدادهم عدد أصابع اليد وكل منهم متخندق خلف طائفته أو قوميته يتصارعون فيما يجلس الباقون يقضون وقتهم بين التفرج والتشجيع وبين النوم وإحتساء الشاي والقهوة أو رفع اليد علامة على الموافقة,بإنتظار إنقضاء ايام الشهر للحصول على راتب أخر خيالي يحاولون وبكل شره رفعه بين الفينة والأخرى . وأما الحكومة العتيدة فهي حكومة وحدة وطنية يسيطر عليها أربع أحزاب عظام فهي نموذج لوحدة نادرة في التأريخ البشري حيث يعكف اليوم علماء الأجتماع والسياسية على دراستها فهي نموذج فريد وتجربة ينبغي تعميمها على العديد من البلدان. وكيف لا وهي التي يقودها رئيس لايمتلك جناحه الحزبي سوى تسع مقاعد من مجموع مقاعد البرلمان المئتين وخمسة وسبعون!. وهو الذي إعتلى سدة الحكم بدعم من تيار إنقلب عليه اليوم ليقاتله بدلا من ان يدعوه الى الله بإعتباره داعية قضى عمره في حزب يحمل إسم الدعوة الى الله. وهي حكومة إحتلت اليوم وبلا منازع أو مدافع المقام الأول في الفساد الاداري وفقا لموسوعة غينيتس للأرقام القياسية. وهي كذلك حكومة الأصهار والأبناء والحواريين عملا بقاعدة الأقربون اولى بالمعروف وقاعدة الولاء الحزبي والجناحي. فنشِات وترعرت في ظلها العديد من المافيات السياسية التي تسيطر على كل شيء في ارض السواد بدأ من الوظائف والمناصب وإنتهاءا بالمشاريع والصفقات الوهمية والشعار هو إغتنموا الفرص فإنها تمر مر السحاب. فنِشأت طبقة هي الأسرع ثراءا في كل دول المنطقة بل العالم وتسببت في إرتفاع غير طبيعي في أسواق العقار في المنطقة وخاصة في دول الجوار. وفي ظل هذا الوضع الحكومي المزري عاش العراقيون في ظلام دامس طيلة السنوات الخمس الماضية،واما الماء عصب الحياة فهو لايصل الا ملوثا. واما المحروقات فهي الأخرى يصعب الحصول عليها الا بشق النفس في بلد يطفوا على بحر من النفط. وفي ظل هذه الحكومة تحول العراق األى مستورد لكل المواد الغذائية بدأ من الطماطا وإنتهاءا بالبصل في بلاد عرفت بأنها بلاد مابين النهرين.ويا لحال النهرين اللذين تسمما من كثرة ما ألقي فيهما من الأوساخ والسموم. واما الأغذية الفاسدة فقد عج السوق العراقي بها في ظل غياب مؤسسات الدولة. وأما الأعمار ففي خبر كان . والبطالة في كل مكان, والسيادة مازالت ناقصة وستبقة كذلك دهرا طالما يتحكم هؤلاء بمقدرات البلاد والعباد.واما الحرية فقد ضاعت في زحمة الأفكار الظلامية والمتحجرة المستوردة من خارج الحدود فيما دفع ويدفع العشرات من الصحافيين حياتهم ثمنا لصون حرية الكلمة التي داسها ويدوسها بأرجلهم بالأمس واليوم أفراد الحماية العتيدة لدولة الزعيم.واما القيم الجديدة التي حلت في المجتمع فهي قيم المحاصصة والولاء للقومية والمذهب والمنطقة بدلا من الولاء للوطن، فتحول العراق الى كانتينات منعزلة تعاني من التصدع والأنشقاق . ولذا فقد أعاد عراقيوا المهجر فتح حقائبهم وعزموا على البقاء في المهجر خاصة بعد أن بدأت موجات جديدة من الهجرة تجتاح البلاد التي لم يعد للكثير من أصحاب العقول والشهادات مكانا فيها، وكيف يستطيع المرء البقاء في بلد المعيار فيه ان تكون لك شهادة مزورة ! فأن كنت تملكها فستحصل على كل شيئ وأما إن كنت من أصحاب الشهادات المرموقة ومن جامعات عالمية معروفة فالويل لك ثم الويل من البقاء ولابد لك من ترك البلاد وإلا فسيحصل ما لا في الحسبان. وبعد هذه السنين العجاف فهل للعراقيين من لسان حال سوى ماقاله ذلك الشاعر الشعبي: (يكلي إضحك، شلون أضحك، سن الماضحك بالعيد، جا يوم الطبك يضحك).
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |