|
“إذا كان السقوط بشرياً، فإن بوسعنا أن نقول على نحو معين إن النهوض أمر إلهي” (ريمون فنسان) خاطبتني، وهي على الخط الآخر في بغداد، صارخة، وفي صوتها غيظ أم ثكلى: “أريد حمودي منكم. ها يا عمي لا تتعذر. ترى الدنيا وقفة عزّ، وكلمة، ويا سعد اللي ما نكّس بيرقه”. قلت لأم محمد، لخديجة التي عرفتها فتاة ذات سنة، “عونك، يا أم حمودي” ثم لزمت صمتاً، لا يعرف قساوته، إلا الذين يملكون كلمتهم فقط. ثم سمعت صوتها ينادي عليّ: “عمي، أقسم بدم اللي ماتوا من العطش. أقسم بشيلة جدتي زينب، ما يطول شعر براسي، إلا بعد ما آخذ بثار حمودي من الأمريكان”. وهذا قسم عراقي، لو تعلمون، عظيم. وكانت أم حمودي تنتحب، وهي تكلمني، أو تتحدث الى محمد، أو تفزّع كل عربي على رأسه عقال، وكل من تعمّم بِعمّة رسول الله عليه الصلاة والسلام، “يمّه حمودي، سودة عليّ، أقسم بالله، ما يغمض لي جفن، إلا بعد الثار”. وأما أخوها حسين فقد قضى دفاعاً عن العراق، داخل الحدود العراقية، بنيران ايرانية، قبيل وقف اطلاق النار بين العراق وإيران سنة ،1988 وحين أوصله اخوته الجنود الى داره في مدينة الثورة، وقفت خديجة، وكانت لا تزال فتاة لم تتزوج بعد، وأطلقت صوتها مزغردة. - “أخوي حسين، جاراته خَواته”. ثم تقدمت من التابوت، وأزاحت خشبته العليا، وأحنت صدرها على رأس أخيها، ومررت جديلتها قرب أنف حسين، وهي تعيط: - “وين يروح المطلوب إلنه”. نعم، يا خديجة، أين يفر قتلة العراقيين وشركاؤهم في المنطقة الخضراء؟ حين تركب خيل الله، وينادي منادي العراق: حي على التحرير. حمودي عمره خمس سنوات، والقاتل قناص أمريكي بطائرة هليوكبتر في سماء بغداد، بينما يلزم جحره وحفرته، كل من وضع يده بأيدي الأمريكان. مرت أيام على صوت أم حمودي، لكنه لا يزال يتردد، حيثما اقتبلت الكعبة: “الخاين شعبه انقصْ إيده”.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |