ويحكم إنه احتلال وذل وعار فمتى تشكلون جبهة وطنية للتحرير؟
د. حامد العطية
hsatiyyah@hotmail.com
كنت وسأبقى من الداعين لمعارضة الاحتلال، وبشتى الوسائل، ولا أحد يستطيع إنكار الويلات التي جرها الاحتلال وسياساته على العراق، فقد اكتوى جميع العراقيين بنار قوات الاحتلال، ودفعوا ثمن الاحتلال الباهض قتلاً وتهجيراً وخوفاً، كما أخلف الاحتلال كل وعوده البراقة، فبدلاً من الديمقراطية أسس نظام المحاصصة الطائفي، وعوضاً عن فرض سلطة القانون مارس القتل والاعتقال العشوائي، وعمداً ترك المحتلون الحدود مفتوحة ومخازن سلاح وعتاد الجيش العراقي المنحل سائبة، وقصداً دعا المحتلون الإرهابيين السلفيين للمنازلة على أرض الرافدين، فحضر الإرهابيون وتسلحوا وتعاهدوا مع بقايا النظام الطاغوتي البائد، ليمعن الجميع، أي المحتلون وشركائهم في الجريمة السلفيون والبعثيون، قتلاً بالعراقيين وتدميراً لبلدهم، ولم تثمر العملية السياسية تحت ظلال الاحتلال سوى تسلط حفنة من مروجي الاحتلال وغلمان الأعراب وحلفاء الإرهابيين السلفيين والانتهازيين والوصوليين وفاقدي الكفاءات ومزوري الشهادات والمختلسين والمرتشين.
مقاومة الاحتلال فرض ديني وواجب وطني على كل العراقيين، ولا ينقص من سمو هذا الفرض والواجب إدعاء بعض أعداء العراق والعراقيين من بقايا النظام البعثي الطاغوتي والإرهابيين السلفيين زوراً وبهتاناً مشاركتهم في المقاومة، وها نحن نشهد تحول معظم هؤلاء الأدعياء إلى الصف الأمريكي مقابل ثمن مادي وسياسي، أما القاعدة فقد استهدفت عملياتها قتل الشيعة وتشريدهم وإضعافهم وإذلالهم، تناغماً مع أهداف المخطط الأمريكي، لذا تركزت عملياتهم على القاعدة الشعبية للمقاومة الشيعية، في مدينة الصدر وغيرها من التجمعات السكانية لمحرومي الشيعة، مما يعزز الفرضية بأن القاعدة في العراق مصنعة بقرار أمريكي ومنفذة من قبل أجهزة مخابرات الدول العربية العميلة لأمريكا، وبالأخص السعودية والأردنية، وهم أماطوا اللثام عن غلهم على الشيعة بفتواهام التكفيرية وتحذيراتهم من ما أسموه الهلال الشيعي، ولازالت عمليات القاعدة في العراق الذريعة الرئيسة لدى الأمريكان لتبرير استمرار احتلالهم للعراق.
سواء سموها القوات متعددة الجنسيات أم القوات المنشأة بحكم الفصل السابع لنظام مجلس الأمن الدولي فهي قوات احتلال، لو وزعت القوات الأجنبية النقود والحلوى بدلاً من اطلاق الرصاص والقنابل على العراقيين، لما عرفت بسوى قوات احتلال، ولو اقامت المشاريع التنموية وأوجدت الوظائف لجميع العراقيين العاطلين عن العمل لبقيت في أعين الجميع قوات محتلة، ولو وقعت الحكومة العراقية الحالية اتفاق التبعبة والذل مع الحكومة الأمريكية فلن تضفي ذرة من الشرعية على استمرار تواجد القوات الأمريكية على أرض العراق، التي ستبقى في نظر القاصي والداني قوات احتلال، بل لو استطاعت هذه الحكومة اقناع غالبية العراقيين بالفتاوى أو الإغراءات المادية أو غيرها – وهومحال- بالموافقة على بقاء قوات الإحتلال فلا شرعية لذلك البتة، وكل من يتعامل مع قوات الاحتلال ويساعدها على تحقيق أهدافها مخالف للفرض الديني بأن لا ولاية لغير المسلم على المسلم، ومفرط بالواجب الوطني بالحفاظ على استقلال وسيادة الوطن، وهو ملعون في الدنيا والآخرة.
من أهم خصائص العلوم الطبيعية احتواءها على قوانين تبين العلاقات بين ظواهرها، مثل قانون الجاذبية وقوانين نيوتن وغيرها، بينما لا توجد في العلوم الاجتماعية قوانين بل نظريات وفرضيات، بسبب عدم وجود وسائل للاختبار والقياس تضاهي ما لدى العلوم الطبيعية، ولكني أجزم بوجود قانون واحد على الأقل في العلوم الاجتماعية، وهو قانون مشترك بين حقول الاجتماع وعلم النفس وحتى التاريخ، وهو قانون مقاومة الاحتلال، إذ لم أقرأ او أسمع بأمة أو شعب أو حتى قبيلة سكتت على الاحتلال ورضيت به، وهو ما يشترك به العراقيون في 1920 والمصريون والسوريون والجزائريون والسودانيون والليبيون والمغاربة والكينيون والكونغوليون وأمة الزولو وقبائل الماوماو وقبائل الهنود الحمر وقبائل السكوتلنديين والأنجلو ساكسون والغاليون القدماء والبلغار والروس والأتراك والإيرانيون والهنود والبنغاليون والصينيون والفيتناميون، وحتى الأمريكان يتفاخرون بمقاومتهم للمحتلين البريطانيين من أبناء جلدتهم، ولأن مقاومة المحتلين خاصية شاملة لكل الأمم والشعوب فهي أما قانون اجتماعي أو من سنن الطبيعة البشرية، أي إنها صفة مميزة للبشر مثل التفكير والنطق والتكاثر، ومخالفها خارج على الطبيعة والتطبع البشري.
تجارب الشعوب في مقاومتها للإحتلال غنية بالدروس والعبر، لعل أهمها بالنسبة للعراقيين تجربة الفلبينيين، كانت الفلبين مستعمرة إسبانية، ولم تردع قسوة المحتلين الإسبان الفلبينيين من مقاومتهم، وفي بداية القرن العشرين نشب عداء بين أمريكا وإسبانيا، ونجح الأمريكان في إقناع الثوار الفلبينيين بالتعاون معهم لطرد الإسبان من بلادهم، مقابل الوعد بمنحهم الاستقلال، ولولا تعاون الثوار لما انتصرت القوات الأمريكية على الإسبان، ولكن الأمريكان أخلوا بوعدهم، فهب أحرار الفلبين الذي تحالفوا مع الأمريكان بالأمس في انتفاضة عارمة على المحتلين الجدد، ولم تثنهم عن المقاومة وحشية القوات الأمريكية التي ضاهت قسوة الإحتلال الإسباني.
لا بديل عن الاستقلال الحقيقي والتام، وكل ما يروج له المتعاونون مع المحتلين دون ذلك وغير مقبول، فالمطلوب هو الإنسحاب الكامل للقوات المحتلة من غير قيود أو شروط، وكل مشاريع المعاهدات والاتفاقات الأمنية والسياسية والاقتصادية مع المحتلين محرمة ومرفوضة سلفاً، والعراقيون وحدهم يمتلكون قرار تحديد عديد الدبلوماسيين الأمريكان المعتمدين فيما لو اختاروا استمرار العلاقات الدبلوماسية مع أمريكا، ومن حق العراقيين استعمال كافة الطرق والوسائل لنيل حقهم في الحرية والاستقلال.
كل الأمم والشعوب والقبائل قاومت الإحتلال، ومن أبرز مقومات نجاح تجارب المقاومة مشاركة كافة القوى الوطنية في المقاومة، وقد حان الوقت لقيام جبهة وطنية للتحرير في العراق، تضم في صفوفها كل الأحزاب والتيارات والحركات والشخصيات المناهضة للإحتلال وسياساته وأعوانه، يستثنى منها الإرهابيون وبقايا النظام السابق، وتتولى قيادة الجبهة اعتماد استراتيجية لتحرير بلدنا من الإحتلال وإجهاض مشاريعه ضمن سقف زمني محدد، لا يزيد على عامين، باعتماد كافة أنواع المقاومة، بدءً بالمقاومة غير المسلحة، مع الاحتفاظ بحقها في التصعيد واللجوء للمقاومة المسلحة، والعمل على توحيد العراقيين خلف الجبهة الوطنية وأهدافها وحشد الدعم والمشاركة الشعبية الواسعة لها، وكسب تأييد الدول والمنظمات الدولية والهيئات والأحزاب.
يدرك جميع العراقيين بأن التيار الصدري مستهدف من قبل الإحتلال وأعوانه لمعارضته الإحتلال ومخططاته، وهم ماضون في محاربته والتضييق عليه، ولا يخفون نيتهم في حظر مشاركته في العملية السياسية، التي اصطنعها المحتلون وثبت بالأدلة القاطعة عقمها وعجزها عن تلبية مطالب الشعب العراقي في الاستقلال والحرية والأمن والتنمية، لذا أدعو الأخوة في التيار الصدري لافشال مخططات الاحتلال وأعوانه من خلال المبادرة بانشاء الجبهة الوطنية للتحرير، ودعوة الأحزاب والحركات والشخصيات المناهضة للإحتلال للمشاركة فيها، لتكون نواة لحركة جماهيرية عامة، تتولى قيادة عملية التحرير وإخراج المحتلين من بلدنا.
العودة الى الصفحة الرئيسية
في بنت الرافدينفي الويب